/ صفحه 258/
وقمت إلى مهرية قد تعودت يداها ورجلاها خبيب المواكب(1)
تخود تخويد النعامة بعد ما تصوبت الجوزاء قصد المغارب(2)
ألا إنما نيران قيس إذا شتوا لطارق ليل مثل نار الحباحب(3)
إذا مت فانعيني بما أنا أهله لتغلب، إن الموت لا بد غالبي(4)
ونلاحظ أن الشاعر في جميع القصص التي أشرنا إليها هنا هو بطل القصة وناظمها، وهذه سنة غالبة، وليست ملتزمة، فربما لا يكون الشارع بطل القصة، ولا شخصا فيها، بل مؤلفا ليس غير، كالذي كان من الحطيئة، إذ يقص علينا قصة رجل محهود، هده الفقر، وقعدت به الحيلة، فهو وأسرته يعانون عنت المسغبة وسوء الحال، نزل به ضيف فحار في أمره لا يعرف ما يصنع، ولا يدري كيف يبديء ولا كيف يعيد، لكن الله جلت قدرته لم يدعه في حيرته واضطرابه، فما لبث أن بدل من الضيق فرجا، ومن العسر يسرا، فقرى الضيف، ونال بما صنع حمدا وشكرا والقصة حافلة بمعاني النبل، وعواطف المروءة، زاخرة بالحركة والحياة. وقد أحسن الشاعر تصوير كل أولئك أيما إحسان، قال(5):
وطاوى ثلاث عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما(6)
أخي جفوة فيه من الإنس وحشة يرى البؤس فيها من شراسته نعمى
تفرد في شعب عجوزا إزاءها ثلاثة أشخاص تخالهم بهما(7)

*(هوامش)*
(1) مهرية: منسوبة إلى مهرة بن حيدان، من اليمن يضرب بإبلهم المثل.
(2) تصوب: تسف، ضد تصعد.
(3) الحباحب: رجل كان لا ينتفع بناره، لبخله، فنسب إليه كل نار لا ينتفع بها. فقيل لما تقدحه حوافر الخيل على الصفا: نار الحباحب، أو الحباحب: ذباب يطير بالليل له شعاع كالسراج.
(4) راجع ديوان القطامي: 49، والأمالي الشجرية 2: 58، وقد آثرنا هنا رواية الأمالي الشجرية للقصة، لأنها فيما بدا لنا أحكم ترتيبا.
(5) ديوان الحطيئة: 115- 117.
(6) طاوى ثلاث: جائع منذ ثلاث ليال، مرمل: محتاج.
(7) تفرد عجوزا: تفرد بعجوز، الشعب: مسيل الماء في الوادي، والطريق في الجبل، البهم: ولد الضأن، الواحد بهمة للذكر والأنثى.