/ صفحه 30/
الخاصية الرابعة هي ما ينشر حول المخالفين من ظنون وتهم أو من حسن رأي واعتقاد فإذا نشرت عنهم قالة السوء وساء الاعتقاد فيهم زاد البغض لهم، وإذا كان الرأي فيهم حسنا ولم يوصفوا بالزيغ والإلحاد والمروق من الدين عذروا ولم يعلق بهم شر لذلك.
وقد كنت أكره ابن تيمية وابن القيم لأني كنت أقرأ في كتب فقه المالكية التي أدرسها ما نقلوه عن الشافعية من أن ابن تيمية ضال مضل، فلما قرأت كتبه وكتب تلميذه ابن القيم زال ذلك البغض ورأيتهما عالمين مصلحين لهما من الاراء الإصلاحية ما يحتاج إليه هذا العصر، وكنت أخاف المعتزلة وأراهم فتنة من الفتن لما كان ينشر حولهم من التهم والتضليل، فلما تأملت مذاهبهم ودرستها درساً مستقصي زال ذلك الخوف ورأيتهم فرقاً من فرق المسلمين أعملوا عقولهم ومعارفهم ليسموا بالدين عن الخرافات والأوهام، وكذلك قل في الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، والسيد جمال الدين الأفغاني، والسيد رشيد رضا.
وبهذا البحث قد أصبحت الطريق واضحة أمام جماعة التقريب فليس من شأنهم أن يفعلوا المستحيل ويرفعوا الخلاف بين الشيعة والسنيين أو بين المعتزلة والأشعرية مثلا.
وليس من شأنهم أن يأخذوا من الاراء المختلفة رأيا يأخذ من هذا ومن ذاك، لأن ذلك مسخ وتشويه وإحداث لقول ثالث يزيد نار الخلاف اشتعالا، وكان بعض مشايخنا الذين يدرسون لنا علم الكلام يحاول هذا في كل مسائله، فكنت أناقشه وأقول له: إن هذا الخلاف نشأ عن أصلين مختلفين التزم كل من المختلفين بأصل، وإن الرأي الذي جئت به وتراه رأيا لهما قد خرج عن الأصلين الذين يلتزمانهما، فكان لا يصيخ إلى ذلك لأنه كان يرى من رسالته رفع الخلاف.
وإنما من شأنهم أن يعملوا على تحسين ظن المسلمين بعضهم ببعض، وعلى نشر روح التسامح والمحبة، وأ يحسنوا نفسية المختلفين فيكون غرضهم الوصول إلى الحق، وأن يعملوا على ما يعين على ذلك من نشر المعارف الصحيحة، والثقافة العالية، وهذا عمل ليس بالقليل، وجهد ليس باليسير، والله يوفق من يريدون الخير والإصلاح.