/ صفحه 381/
هذا، وفكرة تقسيم الكائنات إلى مراتب يتصل آخر كل المرتبة منها بأول المرتبد التالية لها، ليست من مبتكرات ابن خلدون؛ بل قد سبقه إليها كثير من الباحثين من قبله، واستخدموا في تقريرها بعض الألفاظ والعبارات التي استخدمها، وقسموا الكائنات إلى الأقسام نفسها التي قال بها.
فقد قرر هذه الفكرة القزويني (و هو سابق لابن خلدون) في كتابه، ((عجائب المخلوقات))؛ وأشار إليها قبل القزويني: ابن الطفيل في كتابه ((حى بن يقظان))؛ ومن قبل ابن الطفيل: ابن مسكوية (المتوفى سنة 421هـ) في كتابه ((تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق))؛ ومن قبل ابن مسكويه: ((إخوان الصفاء)) في رسائلهم التي ظهرت بين سنتي 334 و373 على أرجح الآراء، وأشار إلى هذه الفكرة نفسها من قبل هؤلاء جميعا أرسطوا في نظريته في ترتيب الكائنات وتدرجها في سلم العالم.
* * *
ولكن ابن خلدون تختلف نظريته عن هؤلاء جميعا من وجهين:
أحدهما: أن الرقي عند هؤلاء هو رقي في المرتبة فحسب، فهم يحاولون ترتيب الكائنات من الأسفل إلى الأعلى ترتيبا عقليا منطقيا؛ حتى إن ((إخوان الصفاء)) ليضعون الفيل والفرس والنحل والببغاء وبعض الطيور الذكية في مرتبة قريبة من الإنسان، وفي أعلى مراتب الحيوان.
أما ابن خلدون فيقصد الارتقاء من الناحية العضوية البيولوجية.
وثانيهما: أنه لم يقل أحد من هؤلاء باستحالة هذه الكائنات بعضها إلى بعض، أما ابن خلدون فقد قرر في عبارات صريحة أن الكائنات الأخيرة من كل مرتبة قابلة بطبعها لأن تستحيل إلى الكائنات الأولى من المرتبة التي تليها، وأنها قد تستحيل إليها بالفعل: كما تدل على ذلك النصوص التي أوردناها فيما سبق.
وبهذين الوجهين تقرب نظرية ابن خلدون من نظرية دارون وممن تابعه من جماعة ((الارتقائيين)) المحدثين، بقدر ما تبعد عن آراء من عرض لهذا الموضوع من قبله.