/ صفحه 43/
عهدته، وفراغ الذمة منه، فالشرع قال لك: احتنب النجس، واقض ما فات من الصلاة، والعقل قال لك: امتثل، وبما أن موافقة الشرع لا تكون إلا بالاحتياط وجب عليك أن تأتي بجميع الاحتمالات، حتى تكون على يقين من الخروج عن المسئولية. ومن أجل حكم العقل بوجوب الإطاعة تكلم الأصوليون مطولا عن الاحتياط، وعقدوا له فصلا مستقلا في أصول الفقه العقلية بعنوان ـ الاشتغال ـ ذكروا فيه كل ما يمت إلى تحقق الامتثال بسبب، كتعلم الأحكام الشرعية ونحوها.
البراءة:
إذا عرضت للفقيه قضية لا يعرف حكمها، وهل يجب عليه الفعل أو الترك، أو يجوز الأمران، كشرب التبغ ـ مثلا ـ وجب عليه أن يبحث عن الحكم في مظان وجوده من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، فإذا لم تسفعه النصوص التجأ إلى العقل، وهو يحكم بقبح المؤاخذة وعدم استقحاق العقاب على الفعل أو على الترك، لعدم وصول البيان، سواء أصدر من الشارع، ولم يصل إلى الفقيه، أم لم يصدر أصلا، واستناداً إلى حكم العقل هذا يفتي الفقيه بجواز الفعل والترك، وقد جاء في الشرع ما يعزز هذا الحكم، كقوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ". وكقول الرسول الأعظم: " رفع عن أمتي ما لا يعلمون "، بل ورد في الشرع ما يدل على الإباحة والطهارة فيما لا نص فيه كقول الإمام: " كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام... وكل شئ طاهر حتى تعلم أنه نجس ". وقد عقد الأصوليون بابا خاصاً للبراءة نبهوا فيه إلى أشياء كثيرة تتصل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وذهب الإخباريون إلى وجوب الاحتياط فيما لا نص عليه. وعلى أية حال فإن مورد البراءة هو الشك في أصل وجود التكليف، ومورد الاحتياط هو الشك في المكلف به بعد العلم بوجود التكليف.
دفع الضرر:
كما يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يحكم أيضاً بوجوب دفع الضرر، سواء أكان الضرر دنيوياً كالنقص في النفس والحال، أم أخروياً كالعقاب على مخالفة أمر