/صفحة 126/
2 ـ والحقيقة الثانية أن ما يملكه الإنسان يؤول إلى ورثته، وقد أجمع المسلمون على ذلك إجماعا معلوماً ثابتاً، حتى صار ذلك أيضا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة التي لا تقبل مراء ولا جدلا، وقد خص الإسلام الميراث بعناية لم يعطه غيره إلا بعض أحكام الأسرة، فتولى القرآن الكريم بيانه بالتفصيل، حتى لقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث " ويزيد الإمامية في الرواية كلمة: إلا بالثلث.
ولقد وجدنا ناساً منحرفين في تفكيرهم في ندوة لاهور التي انعقدت في يناير سنة 1958 يقول قائلهم: إن الميراث كان شريعة وقتية قد انتهت، وقد تهجم هذا المتهجم بذلك القول، وهو لا يفهم العربية ولا يعرفها، وأعطى نفسه حق الاجتهاد، وهو لا يستطيع ان يفهم كلمة عربية، بل أعطى نفسه حق إبقاء بعض النصوص، وإنهاء بعضها من غير علم ولا حجة، فادعى أن الآية التي تصلح للبقاء هي قوله تعالى: " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " وفهم ذلك الضال المضل أن العفو معناه الزائد عن الحاجة، فليس لمسلم في ماله إلا ما يكفيه وأهله بالمعروف، والباقي يكون للدولة، ولو كان يفهم العربية لعرف أن معنى العفو هو السهل الذي يحتمل الاستمرار عليه، ولو أنه كان يعرف شيئاً من أسباب النزول لعلم أن السبب في نزول هذه الآية هو أنه لما طولب المسلمون بالإنفاق في الجهاد بقوله تعالى: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " شددوا على أنفسهم، وكان منهم من يخرج عن كل ماله، والنبي كان يقبل من بعضهم كل المال، كما قبل من أبي بكر الصديق، ومن بعضهم أشطره، كما قبل من عمر وعثمان، وكان يرد ممن لا يجد عنده قدرة على الإنتاج الذي يعوضه عما أنفق، ويروي في ذلك أنه جاء رجل بمثل بيضة ذهبا، فقال يا رسول الله أصبت هذا من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراراً، وهو يُرددُ كلامه هذا، فأخذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحذفه بها، فلو أنها أصابته لأوجعته، وقال عليه السلام: " يأتي أحدكم بما يملك، فيقول هذه صدقة، فيتكفف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غني ".