/صفحة 294/
أن يتصدى باحث آخر لتصويب الخطأ، وإدخال المستنكر المستكره في عداد المستحسن الحبيب؛ مستنداً في ذلك إلى مراجع نحوية أخرى لم تتهيأ للأول، ولم تساعفه؛ ومن ثم تقع البلبلة والاضطراب بين الأدباء والمتعلمين، بل العلماء المتخصصين، في الحكم على الألفاظ والتراكيب من حيث صحة مبناها ومعناها، ومن حيث التفاوت في بلاغتها وسمو أدائها. ومن العجب أنك قد ترى مسائل نحوية جليلة، مفرقة في كتب التفسير؛ كالذي نراه في تفسير الزمخشري والفخر الرازي، والبيضاوي؛ ففيهما بعض اللطائف والدقائق التي لا وجود لها في كتب النحو أحياناً (1) او التي يغر الاهتداء اليها في كتب النحو الخاصة أحيانا أخرى وترى مسائل اخرى لكهذه في كتب البلاغة؛ كالذي نشهده في حواشي السيد او في كتب اللغة وخصائصها، كالتحف والطرائف الجليلة المنثورة في كتاب المخصص لابن سيده والتي تجمع كثير منها في اجزائه الاخيرة، وكالذي في معاحم اللغة كتب الاصول وغيرها … وقد يكون السبب في ذلك ان مؤلفي هذه الكتب لم يكونوا ائمة متخصصين في الفرع الذي الفوا فيه كتبهم وحده وإنما كانوا ائمة فيه وفي النحو معاً؛ فهذا الزمخشري امام، مفسر لغوي، نحوي، بلاغي، لا يكاد يتخلف في فرع من هذه، او يقصر؛ فكفايته

ــــــــــ
(1) هذا كثير يصادف الباحث ويفاجئه في فترات مختلفة. من ذلك ما قرأته في تفسير البيضاوي لقوله تعالى: " لهم فيها أزواج مطهرة" حيث قال: قرى مطهرات، وهما لغتان فصيحتان، يقال: النساء فعلت وفعلن، وهن فاعلة، وفواعل قال الشاعر:
وإذا العذاري بالدخان تقنعت واستعجلت نصب القدور فملت
ثم جاء في حاشية الشهاب على البيضاوي ما نصه:
(قوله: وهما لغتان فصيحتان) يعني أن صفة جمع المؤنث السالم والضمير العائد إليه مع الفعل يجوز أن يكون مفرداً مؤنثاً ومجموعاً مؤنثاً فنقول: النساء فعلت والنساء فعلن ونساء قانتات وقانتة. . . اهـ.
هذا مع ان الشائع في مطولات النحو أنها توجب مطابقة النعت الحقيقي لمنعوته في الجمع إلا إن كان المنعوت جمعاً لما لا يعقل فيجوز في النعت المطابقة ويجوز أن يكون مفرداً مؤنثاً نحو. . . أيام معدودات أو معدودة.