/صفحة 444/
الهجوم على القائلين بتحريم المتعة أو بحلها، وإنما الغاية منه الحرص على أن يظل الباحث في قضية "التعايش الدينى في الإسلام" ملتزما المنهج العلمى في بحثه لإبراز "سماحة الإسلام" على وجهها الصحيح نظريا في المبادىء الإسلامية وعلميا في علاقات المسلمين ببعضهم أولا وبغيرهم ثانيا.
الملاحظة الخامسة والأخيرة:
لقد تابع المؤلف، وهو المسلم الغيور على دينه، رأى الأستاذ (ميور) في كتابه عن الخلافة فنقل قوله "وفي الحق أن المأمون كان متعصبا لفرس مسقط رأس أمه وزوجه، شديد الميل إلى العلويين" (وجه 117)، وكان عليه أن يتبين قبل أن يتابعه وخاصة بعد أن نقل اعتراض الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار على زعم الأستاذ (ميور) أن من عقائد الدين الصحيحة أن العقيدة التي كانت لا تنازع هي أن القرآن أزلى غير مخلوق فقد رد الأستاذ النجار بقوله ". . . ما كان عند المسلمين عقيدة بهذا الوصف" (وجه 118).
وهذه المتابعة، التي لا نرضاها لمثل الأستاذ العزب، كثرا ما اندفع إليها من يتصدون للتحقيق العلمى أو لتعليل الحوادث التاريخية من المسلمين، والدين الإسلامي أرفع من أن يتدنى لهذا الظلم الاجتماعى الناتج عن التعصب العنصرى، تعصباً في غير هدى العقل الإسلامي. ومن يرجع إلى تاريخ المسلمين في أدواره الوضاءة المشرقة يجد أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى بن أبى طالب (عليه السلام) وهما من هما في بنء مجد الإسلام وصيانته قد زوجا ابنيهما من فرسيّتين، وأنجبتا عندهما من خيرة علماء التابعين. بل يجد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد بنى بمارية "القبطية" وأولدها إبراهيم وتزوج من صفية بنت حيى بن أخطب (اليهودية) كما بزوج من أم جبيب بنت أبى سفيات يوم كان أبوها رأس المشركين لا يفتر عن الكيد للإسلام.
ولو كان في الزواج من غير العربية مغمز يلحق بالأزواج والأبناء لما كان النبى (صلى الله عليه وسلم) ولا صاحباه عمر وعلى، وهما من أحسنا حياطة الإسلام، وحاشاه، أراد شيئاً من هذه العنصرية البعيدة عن "التعايش الدينى" لما كان النبى الكريم قد اختص مؤذنة بلالا "الحبشى" ولا صاحبه ومستشاره في وفعة الخندق سلمان (الفارسى) ولا صهيبا (الرومى). وحاشا لهذا الدين السمح الذي جاء عاما "هدى للعالمين" أن يعنى بشىء من التعصب العنصرى الذي أعاده الأمويون في حياة المسلمين لمآرب وقتية في الاحتفاظ بالحكم والتسلط على المؤمنين كما أعادوا العصبية الجاهلية، من قبلية وعشائرية وعائلية، فمزقت وحدة العرب بعد أن جمعهم الإسلام السمح على بساط التقوى والتعارف بقوله تعالى: "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (سورد الحجرات ـ 13).
ونختم بحثنا هذا بالثناء الصادق على الدراسة الواسعة التي أودعها الأستاذ العزب كتابه القيم راجين أن يتسع صدره لملا حظاتنا البريئة وأن يحملها هو والقارىء الكريم على الغيرة الصادقة على الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية ومصلحة المسلمين، الله من وراء القصد.