/صفحة 93/
المعنى ولا بوجه من الوجوه اذ لا مجال للقول بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعلم بحديثه الشريف ما يخالف كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل. وكيف وهو المؤتمن على الوحي، المختار لتلعمه، الأمين على تبليغ أحكامه: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس". وهل تعدو الأحاديث النبوية الصحيحة أن تكون تفسيراً لآيات القرآن الشريف، وايضاحا لمقاصده، وبسطاً لمجمل أحكامه. فالسنة النبوية الثابتة إنّما هي من عند الله، ولكنها لم تنقل بصيغة الوحي المعجزة مثل آي الذكر الحكيم ولهذا أمكن للوضاع أن يدسوا فيها. وبما أنها من عند الله فهي توافق كتاب الله ولا تخالفه ولا بوجه من الوجوه، لقوله سبحانه عن نبيه الكريم: "و النجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى".
ولو لم تكن أحاديث الرسول وأفعاله وتفكيره منسجمة كل الانسجام مع مضامين كتاب الله الشريف وارادته الالهية الحكيمة لما كان خاطبه بمثل هذه الآية الصريحة المحكمة: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدرا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".
أما الحديث الذي نقله عن "كشف الخفاء" للعجلوني فماذا فيه من الدلالة على وضع الحديث الأول؟! فالرسول هنا إنّما ينكر على من يرد عليه صلى الله عليه وآله وسلم استنباط الأحكام وبسط مجملها في آي الذكر الحكيم فيقول عليه السلام اني أوتيت القرآن ومثله معه. ولو أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال أوتيت أمثاله أضعافاً مضاعفة لما تطرق الشك إلى نفس مؤمن بصدقه ولا بعدم اختلاف ما أوتيه عليه السلام لأنه مهما كثر فهو جميعه من عند الله: "و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً".
والمعلوم الثابت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان اذا عرضت له قضية هامة لا يتسرع ويحكم فيها برأيه واجتهاده الخاص بل كان يعلن بكل وضوح أنه لم يوح إليه شيء فيها، وينتظر ورود التشريع الالهي، حتى اذا ما تلقاه وحيا معجزاً أملاه