/ صفحه 185/
المَفّسِرُون وَالهِجرة الى الحَبَشَة
لفضيلة الأستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي
هاجر المسلمون هجرتين إلى الحبشة قبل هجرتهم إلى المدينة، وكانت هجرتهم إلى الحبشة لمجرد الفرار من أذى قريش في دينهم، ومحاولتها فتنتهم عنه، فحماهم نجاشيُّ الحبشة من ذلك الأذى، واكتفى بحمايته لهم منه، ولم يعمل شيئاً يساعد على تنشر دين الإسلام، لأنه كان وقومه من الحبشة يدينون بالنصرانية، فقبل أولئك المهاجرين إليه من المسلمين، لأنه رأى دينهم يشارك دينه في محاربة عبادة الأصنام.
أما الهجرة إلى المدينة فكانت بعد أن أخذ أهلها بدين الإسلام، وعملوا هم ومن هاجر إليهم على نشره في جزيرة العرب. بل في جميع أنحاء العالم، ولهذا كان للهجرة إليهم شأنها وفضلها في الإسلام، ولم يكن للهجرة إلى الحبشة مثل فضلها، لأن الإسلام انتقل بها من دار الذل إلى دار العز، وصار له بها قوة دافعت عنه خير دفاع، وجعلت العالم يشعر بدعوته، بعد أن كانت منكمشة في مكة، فلا يشعر بها إلا أهلها وحدهم.
ولهذا أوجب الإسلام الهجرة من مكة إلى المدينة على المسلمين، ولم يوجب الهجرة من مكة إلى الحبشة عليهم، لأن الإسلام كان منكمشاً بها كما كان منكمشاً في مكة، فلم يكن لها أثر في نشر الإسلام مثل ما كان للهجرة إلى المدينة، وقد هاجر إليها في الهجرة الثانية بضع وثمانون رجلاً وامرأة، فمكثوا بها إلى السنة السابعة من الهجرة إلى المدينة، ولم يزد عددهم في هذه المدة الطويلة بل مكشوا منكمشين فيها كما كانوا منكمشين في مكة، ولم يكن للإسلام شأن يذكر بين أهل الحبشة.