/ صفحه 297/
يبشر الضبع ـ أم عامر ـ بتلك الوليمة المنتظرة... وللقدماء هنا كلام مؤداه أنها وليمة حقييقة لا مجازية، أي طعام عرس فهي تُعرس بالقتيل قبل أن تأكله، وإذا شئت الإيضاح فارجع إلى الأغاني أو غيره مما يعرض لمثل هذا من تراثنا القديم، ولا يشغلنا القتيل عن الراثي الشاعر الثائر: تأبط شرا، هذا الذي لا تحل عقدته. إن هامة خاله لن تصيح: اسقوني اسقوني، فهو لابد آخذ حقه أو مايعتقده حقا إن كنت ممن يحرمون اقتضاء الدم بالدم، إنه لمستقل إنه لمستقل بحمل هذا العبء الذي خلفه له خاله، واثقا بأن في ابن أخته الكفاية وزيادة، إن قوة الشكيمة وصدق العزم الخبر المصمئل الذي جل حتى ليعد كل جليل بالقياس إليه دقيقا; يعني صغيراً حقيراً، على أن الأقدمين قد اتخذوا من هذا البيت دليلا على أن الشعر مصنوع ليس لتأبط شرا فالبدوي ـ فيما يرون ـ لا يكاد يتغلغل إلى مثل هذا. ويقول أبو الندى: مما يدل على أن هذا الشعر مولد أنه ذكر فيه سلعا، وهو بالمدينة، وأين تابط شرا من المدينة، وهو إنما قتل في بلاد هذيل، ورمي به في غار يقال له رخمان، وقيل إن قائل الشعر ابن أخت تابط شرا يرثى خاله، بل لقد قيل إنه لتأبط شرا يرثي نفسه، حين استيقن أنه مقتول، أفلاترى الشعب الذي عند سلع قد تشعب عنه شعب كثيرة متشابكة. بل لعله قد تأدي بنا إلى عقد تكاد لاتحل.
قلت: فأصحاب النحو يغضبون: بعضهم لا شك، وأكاد أقول جلهم، فإن ((لا)) النافية بين كاد ومشتقاتها من ناحية، وبين الفعل المضارع من الناحية الأخرى أمر يمكن أن نتجنبه بتقديم لا على الفعل، فتقول مثلا ـ بدل قولكم: عقد تكاد لا تحل ـ عقد لا تكاد تحل.
قال: فهذان معنيان بعيد كل منهما عن الآخر بعد السماء عن الأرض، فالعقدة التي لا يكاد تحل شىء ميؤوس منه كل اليأس: إنه لا حل ولا مقاربة لحل ((إذا أخرج يده لم يكد يراها)) أي يراها ولا يقارب أن يراها، وإنك لتتبين هذا جد التبين إذا تلوت الآية الكريمة: ((أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها)) أفلا واضحاً أنه لا يمكن أن يراها كما لا يمكن أن يقارب أن يراها ((ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)).