/ صفحه 78/
فسورة (ق) مثلاً بدئت بهذا الحرف لما تكرر فيها من الكلمات التي تشمل على ذلك الحرف فقد ذكر فيها القرآن والخلق وتكرير القول ومراجعته مراراً والقرب من ابن آدم وتلقى الملكين وقول العبيد والرقيب والسائق والالقاء في جهنم والتقدم بالوعد وذكر المتقين والقلب والقرون والتنقيب في البلاد وتشقق الأرض وحقوق الوعيد وغيرذلك فكل هذه الكلمات نسمع فيها صوت القاف.
وقد عددنا القافات التي وردت في هذه السورة فإذا بها (57) مع أن آياتها (45) فكان الصوت الغالب والجرس الشائع في هذه السورة هو صوت القاف وجرسه. فافتتاح السورة بهذا الحرف إعلان بلون الموسيقا الشائعة فيها واعلام بصوت الحرف المتكرر في ثناياها لتتذوق الأذن الانسجام الموسيقي وتستعذب الائتلاف الصوتي فتزداد الترتيل عذوبة والقراءة حلاوة هذا وإن جميع فواصل هذه السورة وهي (45) تنتهى بحرف يشترك مع القاف في موسيقاه وصنعته وهي القلقلة ما عدا خمس فواصل مما يدل على شدة محافظة القرآن على الإنسجام والائتلاف الصوتي.
وإليك مثلا آخر في سورة (ن) فقد كرر هذا الحرف في هذه السورة (124) مرة مع أن آياتها (52) وجميع فواصل هذه الآيات تنتهى بهذا الحروف وهو (ن) إلا عشر آيات فقد انتهت بالحرف (ميم) وذلك لأن هذين الحرفين يتقاربان موسيقياً أو هما حرفا الغنة للتي تخرج من الخيشوم وقد وقع التبادل بينهما في حرف الروى في الشعر.
وهذا الرأى قد ذكره صاحب الاتقان السيوطي ورضيه (ردويل) في ترجمته للقرآن الكريم.
هذا هو ما عنّ لنا من الآراء وما نميل إليه من التأويل ونرتضيه من التوجيه ونطمئن إليه من أسرار هذه الافتتاحات.