ـ(101)ـ
الوجوب إذن تترتب على وجوب الذمة.
ولا يقتصر الفقه الإسلامي في الذمة على ما في الإنسان من الصلاحية للتملك والكسب ـ أي: على نشاطه الاقتصادي ـ فحسب، بل الذمة وصف تصدر عنه الحقوق والواجبات جميعها وإن لم تكن مالية: كالصلاة والصيام والحج، أو كانت مالية ذات صبغة دينية: كالزكاة وصدقة الفطر والعشر والخراج. ومن ثم كان نطاق الذمة واسعاً في الفقه الإسلامي، حتى قال البزدوي صاحب كتاب(فخر الإسلام): إن الذمة لا يراد بها إلاّ نفس الإنسان.
وتبدأ الذمة ببدء حياة الإنسان وهو جنين، فتكون له ذمة قاصرة، إذ يجوز أن يرث، وأن يوصى له، وأن يوقف عليه. ثم يولد حياً، فتتكامل ذمته شيئاً فشيئاً في المعاملات والعبادات والحدود حتى تصير كاملة، وتبقى ذمة الإنسان ما بقي حياً، وتنتهى بموته، وانتهاء الذمة بالموت تختلف فيه المذاهب(1).
وهذا المعنى الذي ذكره السنهوري مأخوذ من تعاريف علماء الجمهور للذمة:
فقد قال صاحب تنقيح الأصول:( إن الذمة وصف شرعي يصير به الإنسان أهلاً لما له وما عليه )(2).
وقد عرفها صاحب حاشية الحموي على الأشباه والنظائر بأنها: أمر شرعي مقدر وجوده في الإنسان، يقبل الإلزام والالتزام(3).
ويعلل صاحب كتاب(مرآة الأصول) ما تقدم بما خلاصته: إن الله تعالى قد ميز الإنسان عن سائر الحيوان بخصوصية من قوى ومشاعر كانت سبباً في أهليته لوجوب أشياء له وعليه، فتلك الخصوصية هي المراد بالذمة(4).
_______________________________________________
1 ـ مصادر الحق للسنهوري 1 : 20.
2 ـ صدر الشريعة في تنقيح الأصول 3 : 152 عن الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد لمصطفى الزرقا 3 : 212.
3 ـ الفن 3 : 210 عن الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 3 : 312.
4 ـ للعلامة ملا خسرو( بحث المحكوم عليه : 321) عن الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 3 : 217.