ـ(239)ـ
اللبن على الخمر: "ولقد اخترنا الفطرة"، فكأن صواب الأعمال مما يهتدي إليها الإنسان بمعرفته الفطرية الأولية قبل أن تؤكدها الرسالات السماوية.
الفطرة توحيد جبلي:
الدين مرتكز في الطباع، مترسب في الأعماق منذ الإنسان الأول، بل منذ الأزل، منذ الميثاق الأول، ولله سبحانه وتعالى مواثيق وعهود وعقود أخذها على الأناسي جميعاً؛ ليوفوا بها ويعملوا بمضامينها، فيضمن لهم الأمن والأمان في الأولى، والفوز والنجاة في الأخرى.
والفطرة تعني: ما عليه المخلوقات من خصائص خلقية، فإذا ما أردنا إدراك غريزة التدين ـ والتي هي من الفطرة ـ فإن الواجب علينا أن نسلط تفكيرنا على تلك الخصائص الخلقية الموجودة عند الإنسان؛ وذلك لأن الفطرة هي أصل الخلقة وما ركب في الخلق من خصائص خلقية ثابتة. فكأن إدراك وجود أي أمر فطري إنما يكمن في إدراك ما عليه المخلوق نفسه من خصائص وميزات خلقية، وأن من الأمور التي اختص بها الإنسان "غريزة التدين"، وهي: إحدى خصوصياته بوصفه إنساناً، لا بوصفه مؤمناً أو كافراً، فهي مثل: غريزة بقاء النوع التي من مظاهرها: الميل الجنسي، فهذه الغريزة موجودة كذلك عند كل إنسان، سواء كان مسلماً أو كافراً.
وغريزة التدين تقع في الدائرة الإرادية التي منحها الله الإنسان، ولهذا فإن الإنسان مسؤول ومحاسب على طريقة إشباعه لغرائزه وحاجاته العضوية إذا أشبعها الإشباع غير الصحيح أو المحرم، ولهذا فإننا نجد أن صدر الآية يطلب من الإنسان الاستقامة على الإشباع الصحيح لغريزة التدين عنده:(فأقم وجهك..).
والإشباع الصحيح لهذه الغريزة إنما يكون بعبادة الله وحده، والاستقامة على هذه العبادة، فإذا، فإذا أشبع الإنسان غريزة التدين بعبادة الله وحده كان مؤمناً مستقيماً على الطريقة الصحيحة في إشباع هذه الغريزة.