ـ(140)ـ
الشريعة الإسلاميّة تقصد إلى تحقيق العدالة، ولا تعترف بأي قانون مناف لمقاصدها. كما أنها كلفت الإنسان في ميدان المعاملات أنّ يكون هو نفسه الحارس على ضمان العدالة؛ ولأجل ذلك ألزمته بأن ينصف غيره من نفسه ولو كان القانون أو القضاء بجانبه، مفرقة في ذلك بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية.
إنّ الناظر للتراث الفقهي الإسلامي، الناطق بالعظمة والخلود ليقف مشدوهاًَ وهو يقدر قيمة ما تركه الأجداد للأحفاد. ويزداد عبء هذا التقدير في عصرنا الحاضر الذي أصبحنا نطل فيه على ذلك التراث الزاهي من جميع أطرافه، وقد اتسعت آثاره، وترامت نواحيه، وهو يزخر بعلومٍ شتى.
وقد حاول البعض من الدارسين، والمهتمين بهذا التراث الخالد أنّ تتعلق همته بمحاولة إخراجه إلى الوجود بوسائل التحقيق والتوثيق المختلفة، وهي ناحية لا ينكر فضلها؛ لما لها من مراعاة الحفظ والصيانة، ولكن ذلك لا يكفي في خدمة هذا التراث واستغلاله وتقريبه من الأذهان والواقع المعاش ـ ليكون مرآة للبيئة الاجتماعية المطبق فيها ـ مالم يعزز بجانب الدراسة والتمحيص والتقويم والمقارنة بالأوضاع الحالية، وما شاع من الدراسات القانونية المتعددة الجوانب في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية.
وإننا حين نذكر هذا النوع من الدراسة المنية على المقارنة والمقابلة فلسنا نحط من قدر فقهنا الإسلامي الذي سادت أحكامه وامتدت شجرته الوارفة الظلال على جميع الأوطان الإسلاميّة. فالشريعة الإسلاميّة بحكم محاسن أحكامها وتعدد مصادرها هي ملائمة لكل عصر وأوان مهما امتدت الدنيا وتجدد معلمها ورقيها، وهي شريعة بعيدة عن التقصير والقصور، ومحفوظة عن أنّ يأتيها الباطل من بين خلفها على مر الأزمان والعصور.
إنّ هناك ثروة قانونية لا تنكر قد عمت البلدان الإسلاميّة، وهذه الثروة تحتاج إلى تأصيل وتحليل ومقارنة، ومقارعة الدليل بالدليل، وليس كلها دون فائدة، وإنّما تنظر في ضوء فقهنا الإسلامي، ذلك الفقه الذي لا ينضب معينه، ولا تنفد حججه وبراهينه.
والدراسات المقارنة ليست غريبة عن فقهنا الإسلامي، إذ برجوعنا إليه نجد أنّ الفقهاء المسلمين اهتموا بعلم خاص سموه بـ "الخلاف العالي" ومضمون هذا العلم هو: التعرف