ـ(199)ـ
والأستاذ المروني في حديثه ينطلق من روح عالية تتطلع إلى تعاون فكري وثقافي بين أرجاء العالم الإسلامي؛ ولذلك رحب كثيراً حينما اقترحنا عليه فكرة إنشاء حلقة دراسية لبحث العلاقات الثقافية العريقة بين إيران واليمن قبل وبعد الإسلام. وخرجنا من المركز ونحن مؤمنون أكثر بوجود مجالات وساعة للتقارب بين أجزاء العالم الإسلامي.
وحرصنا أنّ يكون لنا لقاء مع الباحثين والمحققين، فتعرفنا على آثار الأستاذ عبد الله محمّد الحبشي، وزرناه في بيته، فوجدنا الرجل يعيش حياة متواضعة جداً، وضع جميع كتبه في غرفة صغيرة قد استقبلنا فيها، وكانت هذه الكتب غير منظمة في رفوف، بل متراكمة فوق بعضها لكثرتها. غير أنّ الأستاذ الحبشي ما إنّ أراد استخراج كتاب حتى سحبه من بين الركام بسرعة وسهولة مدهشة.
وتحدثنا مع الأستاذ الحبشي عن أعماله العلمية، فأطلعنا على تحقيقاته وبحوثه، وكانت تربو على الثلاثين رغم أنّه في مقتبل عمره العلمي، وكان أكثر مؤلفاته في الكشف عن تراث الزيدية في اليمن...، ومن حقه أنّ يكرس اهتمامه في هذا المجال؛ لأن المكتبة اليمنية تضم كنوزاً في التراث الزيدي لا نظير لـه في العالم. أبدى الرجل اهتمامه بتراث الإسلام في إيران، وضرورة التعاون بين الباحثين الإيرانيين واليمنين؛ لنفض الغبار عن تراث أهل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ.
وكانت لنا أيضاً جولة في مكتبات اليمن، ومن خلالها عرفنا بوجود عبقريات يمنية عظيمه في البحث والتحقيق والأدب والتراثيات، وكم تمنينا أنّ تلتقي الطاقات العلمية في العالم الإسلامي لاستكشاف كنوزه العلمية الموروثة، والانطلاق منها لرسم مستقبل زاهر لأمة خاتم النبيين.
والمكتبات في اليمن لها حديث طويل، فهي تسجل بمخطوطاتها لضخمة ـ في مكتبة الجامع الكبير وغيرها من المكتبات الرسمية والشخصية ـ ماضياً عريقاً في مختلف الأصعدة. وخزائنها تضم تراثاً زيدياً وإسماعيلياً وشيعياً اثني عشرياً وسنياً على مختلف الفرق في الأصول والفروع، إنه ميراث أمة بمختلف مذاهبها واتجاهاتها، ويحتاج إلى جهود كلّ علماء الأمة لصيانته وإحيائه. غير أنّ الغربيين أكثر اهتماماً بهذه المكتبات من أبناء الأمة أنفسهم. وهذه ظاهرة لها دلالات مؤلمة كثيرة، وتحمل أكثر من حافز للمخلصين؛ كي يسعوا بجد إلى استعادة الحياة.