ـ(64)ـ
هذا المجال للجوء إلى اصطلح جديد للدخول في البحث. ويمكن التمثيل لذلك: بعقد فصل في البحث المقارن حول عنوان "الدليل المستقل" و"الدليل التبعي"، الذي يهيئ بصورة فنية مجالاً واسعاً للبحث حول دليلية كثير من الأدلة.
وإننا ندعو الباحثين في الأصول المقارنة أنّ يوجهوا عنايتهم إلى كشف عناوين جديدة في هذا الباب، وخصوصاً بملاحظة أنّ الفجوة بين المجاميع الأصولية قد اتسعت، مما قد يجعل البحث المقارن عقيماً من دون كشف هذه العناوين.
وأخيراً نشير إلى مسالة مهمة لو روعيت فسوف لا نخاف على الفقه من إبداء هذه التغييرات في البحوث الأصولية، وهذه المسألة هي: أنه من الواجب أنّ يكون الفقيه ذا اطلاع فقهي واسع بحيث يمتلك الذوق الفقهي اللازم، وتظهر نتيجة هذا الذوق في تطبيق القواعد الأصولية في عملية الاستنباط، وبذلك نفهم: أنّ لزوم استثمار الذوق الفقهي لا يعني وجود الخطأ في علم الأصول لأن الخطأ الذي نريد منعه من جراء الذوق الفقهي إنّمّا هو كامن في جانب التطبيق، لا أصل القاعدة الأصولية.
نعم، قد تكون لهذا الذوق نتيجة أخرى وهي: منع الفقيه أحياناً من التأثر بخطأ ناشئ عن الأصول قد خفي عليه عند بحثه الأصولي، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية علم الأصول شيئاً، بل بالعكس، فإنه يملي علينا أحيانا لزوم تطوير الأصول أكثر فأكثر؛ لأن هناك ميادين في الفقه لم تكشف بعد وهي بحاجة إلى سد النقص فيها، والكفيل بالإجابة على هذه الحاجة هو: علم الأصول،فالخطأ الذي قلنا بأنه ناشئ عن البحث الأصولي هو في الحقيقة ناشئ عن عدم تطويره.
ومن هنا نفهم: أنّ الكشف الذي يحققه الذوق الفقهي هو كشف غير تفصيلي لا يكون داخلاً ضمن أي إطار أو قاعدة. بيد أنّ الكشف الذي يقوم به علم الأصول هو: كشف تفصيلي يبرز ضمن القواعد، فمعنى: أنّ الذوق الفقهي قد يقوم بمنح ورود الخطأ الأصولي في الفقه هو: أنه يكشف شيئاً لم يكشفه علم الأصول بعد.
ويمكن أنّ نمثل لذلك: بما وقع لصاحب الجواهر من أخذه رأيا في مسألة من مسائل باب الشهادات لم يحرره العلماء قبله، وقال بصدد توجيه ما تبناه: (وظني أنّ من يقف على كلامنا هذا يستبشعه ويستنكره، لخلو كلام الأصحاب عن تحريره على الوجه المزبور،