ـ(48)ـ
وفي مقابل "الفسلفة" السابقة قامت المعارضة، وأقوى ممثليها المعتزلة والإمامية تنادي بحرية الإرادة الإنسانية، وقدرة الإنسان على الفعل، بمعنى: أن الفساد الواقع في الدولة والمجتمع ليس من الله، بل من رجال الحكم، وأن من حق المواطنين الثورة عليهم، وتغير الواقع وإصلاح المجتمع، فالله خير، ومستغن عن القبيح، وهو لا يغير ما بالإنسان حتّى يغير الإنسان ما به. وكل شيءٍ يقع وفقاً لأسبابه، فالله قد جعل لكل شيءٍ سبباً، [سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً](1).
فليس من فساد أو صلاح، وخير أو شر، وغنى أو فقر، وعدل أو ظلم إلاّ وهو واقع بأسباب محددة يقدر العقل على اكتشافها ليصلح بها الفساد، ويحقق الخير والتقدم للإنسان. وهذا تصور علمي عقلاني قادر على تبني التخطيط، وتنمية المجتمع، وتفسير التخلف والتخلص منه، وتقرير التخطيط مقابل الارتجالية والقانون ودولة المؤسسات عوض إرادة الحاكم المستبد وارتجاليته، مما يكفل العدالة للجميع، ويمحو التباين غير المسوغ بين فئات المجتمع.
وفي إطار الفلسفة الأخيرة علينا أن نفهم أفكار"العدل" و"حرية الإرادة" و"استطاعة الإنسان" عند ابن المعلم، فقد كان واحداً من أبرز المفكرين الّذين أسسوا مبادئ الثورة، وسوغوها، ودعوا إليها في الإسلام. ولهذا حاربه الحكام أيّاً كانوا، سنة أو شيعة، فالمسألة ليست ماذا تعتنق أمام الناس ؟ بل ما تؤمن به حقاً.
__________________________________
1 ـ الفتح: 23.