ـ(9)ـ
الله عليه وآله وسلم ـ فهي تتناول الزمن (الليلة) التي تنزل فيها كتاب الحق والرشاد والهدى لإنقاذ العباد من ضلالتهم وبؤسهم، وبعدهم عن الخير والنور والخلاص...
كما تتحدث السورة الكريمة عما رافق هذه العملية الجليلة الكبرى "عملية الإنزال القرآني" من احتفاء الملائكة والروح الأعظم بهذه المناسبة العظيمة، حيث يشيع السلام والبركة والخير في هذا الكوكب الأرضي المحظوظ [سلام هي حتّى مطلع الفجر].
وتشير السورة ـ وهي تستعرض حدثاً من أعظم الأحداث في تاريخ الأرض كله ـ إلى أن هذه الليلة العظيمة بما فيها من تقدير وتدبير لشؤون الخلق، قد فاقت في عظمتها وشرفها وخيرها آلاف الليالي مما ليس فيها "ليلة القدر" بسبب ما جرى فيها من فيض ورحمة وبركات..
لقد خصصت هذه السورة على وجازتها، ما عممته سورة البقرة [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن_ هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان..] ولقد حددت مضمون الليلة المباركة التي نزل فيها القرآن الكريم، والتي تحدثت عنها سورة الدخان في مطلعها: [..إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منزلين، فيها يفرق كلّ أمر حكيم..] "الدخان: 3".
وسورة القدر تتحدث عن إحدى الحالتين التي نزل فيها القرآن الكريم من عند الله عزّوجلّ، فهي تتحدث عن حالة "الإنزال" للقرآن الكريم لا عن حالة "التنزيل"، إذ أن الحالة الثانية تحدثت عنها سورة الإسراء في آخرها: [وقرآناً فرقناه، لتقرأه على الناس على مكث، ونزلناه تنزيلاً] حتّى استفاد بعض علماء الأمة الأبرار(1) من هذه السياقات التي وردت في سورة القدر وسورة الإسراء وغيرهما أن للقرآن الكريم نزولين: نزولاً كلياً لصياغة الرسول (صلى الله عليه وآله) باعتباره قائد
______________________
1 ـ مثل العلامة المرحوم السيد محمّد حسين الطباطبائي في تفسيره الميزان ج 20 "تفسير سورة القدر" والإمام الشهيد السيد محمّد باقر الصدر في حديث ألقي عنه نيابة على طلبة كلية الاقتصاد في جامعة بغداد عام 1967 م وهو نفس الرأي الذي تبناه سماحة آية الله السيد محمّد باقر الحكيم في بحثه القيم (علوم القرآن) ص 34.