ـ(93)ـ
فلا يمكن إذن أن يكون كلّ فرد من المسلمين فقيهاً، ولا أن يشتغل كلهم بما هو وسيلة لمعرفة الأحكام بالاجتهاد، فلابد أن ينقطع أناس للعلم، فالتفرغ للعلم والنبوغ فيه لا يتأتى للجميع، وإنما نجد في كلّ أمة نوابغ في جانب معين من جوانب الحياة العلمية، يتبعهم الناس في ترديد نظرياتهم والعمل بأقوالهم، وثمرات جهودهم.
هناك مجتهدون يمثلون الطليعة العلمية في الأمة، لا، الفترة الزمنية مهما امتدت بالفرد لا تتيح لـه فرصة تلقي علومه عن طريق الانفراد مهما أوتي ذلك الفرد من مواهب، وعليه فلابد من الرجوع إلى العالم ليدل غيره على الطريق الذي يسلكه ويرشده إلى مبتغاه، وإلاّ فلا أظن أن مجتمعاً مهما كانت قيمته الحضارية يستطيع أن ينهض أفراده بالاستقلال بالمعرفة التفصيلية لكل ما يتصل بحياتهم دون أن يكون فيهم علماء وآخرون غيرهم ليرجعوا فيه إلى علمائهم.
وحينما يقلد العامي ويرجع إلى المجتهد في أموره الدينية لأخذ أحكام الدين، فليس ذلك بشيء جديد، بل ذلك مما تقتضيه طبيعة الحياة الاجتماعية، وللأخذ برأي ذوي الاختصاص.
والمجتهد هو المتخصص في الشؤون الدينية، فلابد إذا من الرجوع إليه، إذ ليس بالإمكان تكليف العوام للقيام بدور الوصول إلى المعرفة التفصيلية لكل ما يمت إلى شؤونهم الدينية.
قال يوسف بن عبد البر بعد أن ذكر ما ورد في ذم التقليد وفساده:
"هذا كله لغير العامة، فأن العامة لابد لها من تقليد علمائها عندما تنزل بها النازلة لأنها لا تتبين موقع الحجة، ولاتصل بعدم الفهم إلى علم ذلك، لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلاّ بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة،