كلمة الإمام الخامنئي المتلفزة مع مسؤولي وزارة التربية والتعليم ومؤسساتها

الإمارات العربيّة المتحدة خانت العالمين الإسلامي والعربي وفلسطين/ آمل أن يتدارك الإمارتيّون خطأهم

الإمارات العربيّة المتحدة خانت العالمين الإسلامي والعربي وفلسطين/ آمل أن يتدارك الإمارتيّون خطأهم
أجرى الإمام الخامنئي يوم الثلاثاء 1/9/2020 اتصالاً متلفزاً مع مسؤولي مؤسسات التربية والتعليم ضمن فعاليات مؤتمرهم السنوي، وفي اللقاء لفت الإمام الخامنئي إلى وجود هجمة غربيّة عبر فرض وثيقة 2030 تسعى لتربية أشخاص يحملون فكره لكي يتمكّن بسهولة من الهيمنة على البلاد التي يريدها دون وجود أيّ ممانعة، كما استنكر قائد الثورة الإسلامية تطبيع الإمارات مع الكيان الصهيوني، معتبراً أنّ هذا الاتفاق الذي لن يدوم طويلاً يشكّل وصمة عار مطبوعة على جباه المبادرين إليه، آملاً أن يصحو الإماراتيّون قريباً ويتداركوا خطأهم.
 

بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد للّه ربّ العالمین، والصّلاة والسّلام علی سیّدنا محمّد وآله الطّاهرین، ولا سیّما بقیة اللّه في الأرضین، ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعین.
السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك. عليك منّي سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.

حركة السيدة زينب والإمام السجاد – عليهما السلام – ثورةٌ بالمعنى الحقيقي للكلمة
اليوم هو الثاني عشر من محرم، يوم استشهاد الإمام السجاد – سلام الله عليه – على بعض الروايات. وهو بكل وضوح یوم انطلاق الثورة الزينبية والسجادية، أي أن عاشوراء كانت يوم الثورة الحسينية، وما تبعها من أحداث متنوعة تمثّل في الواقع ثورةً زينبية. إنّ الحركة العظيمة التي أوجدتها زينب – عليها السلام – في الدرجة الأولى، ثم الإمام السجاد – عليه السلام – وباقي الرجال والنساء العظام من آل رسول الله خلال هذه المرحلة التي استمرت نحو شهرين بعد واقعة عاشوراء، كانت ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة. قاموا على أعمال عظيمة، وثبّتوا كربلاء وهذه الشهادة العظيمة وخلّدوها. نسأل الله أن يزيد يوماً بعد يوم بركات ثورة سيد الشهداء على البشرية جمعاء، وإلى الأبد.

شكر الشعب الإيراني على حسن تصرّفه في أيّام عاشوراء
أريد هنا أن أغتنم الفرصة وأن أتوجّه بالشكر إلى الشعب الإيراني العزيز على حسن سلوكه وانضباطه في الأيام العشرة الأولى من محرم. في الحقيقة، كما قال بعض السادة في كلماتهم، لقد شكّلت عاشوراء هذه السنة ظاهرة خالدة في تاريخ البلاد. فرغم العوائق الشديدة الناجمة عن انتشار مرض «كورونا»، والتدابير المتخذة للحد من انتشاره، أحيا الناس والخطباء وقرّاء العزاء مجالس عاشوراء العظيمة بكل حماسة حسينية، وأوجدوا حركة معنوية عظيمة. إنني أتوجه إليهم جميعاً بالشكر العميق. أنا حقيقة لا أجد نفسي لائقاً لأشكركم، وإنما أشكركم بعنوان محبّ ومريد لآل البيت – عليهم السلام – ولعاشوراء.

تحيّة للعاملين في حقل التربية والتعليم
كما أجد من اللازم أنْ أحيّي في مستهل كلامي الإخوة الحضور الأعزاء، العاملين في قطاع التربية والتعليم العظيم، على برامجهم التي نفّذوها على مدى الأشهر الماضية. أنتم أيضاً بذلتم جهوداً كبيرة، ونفّذتم أعمالاً كثيرة. يجب ألّا نُغفل الجهود التي بذلها الإخوة في قطاع التربية والتعليم خلال الأشهر الماضية الصعبة بلا شك. إدارة المدارس، إدارة الانتخابات، إدارة الامتحانات، إدارة صفوف الدراسة، التدريس عبر الفضاء الافتراضي، وغيرها من البرامج التي تم إنجازها، ثم وضع البرامج للسنة الجديدة التي ستبدأ من الخامس عشر من شهريور (5/9/2020). لقد أُنجزت أعمال عظيمة لا سابقة لها في مجال التربية والتعليم، إذ لم يكن هناك تجربة سابقة في هذه المجالات، ومع هذا، عملتم وأنجزتم. نسأل الله لكم التوفيق جميعاً. 
كذلك، أشكر السيد وزير التربية والتعليم المحترم على التقرير الجيّد الذي قدمه والمعلومات التي ذكرها. إنّ ما تم إنجازه من أعمال يبعثُ على الرضى. نسأل الله أن تستمر هذه الأعمال، وهنا سأشير إلى بعض الملاحظات في هذا الإطار. ما ذكرتموه وأوضحتموه من أعمال كان مهماً ولافتاً. مهما أنجزنا في مجال التربية والتعليم من أعمال ناضجة ومدروسة وقائمة على التشاور وتلحظ جميع الجوانب، يبقى هناك مجال للعمل، فحاجة البلاد كبيرة جدّاً. أريد هنا أن أضيف شكراً آخر، وهو أمر غير معهود وأنا لا أشير إليه عادة، لكن أرى من اللازم أن أذكره: النصّ الذي قرأه (الوزير) كان جيداً وفصيحاً.(1) من الأمور المهمة جدّاً أننا عندما نريد أن نلقي كلمة، أو نكتب نصّاً، أن نراعي القواعد الصحيحة للغة الفارسية، وأن نستعمل التعابير الجميلة والبليغة. النص الذي قرأه يشتمل على هذه الخصائص، ولذا أشكره من هذه الجهة أيضاً.
حسناً، أيها الإخوة الأعزّاء، أيتها الأخوات العزيزات! تحدّثنا كثيراً عن التربية والتعليم، وأنا شخصياً حتى الآن تحدثت كثيراً في هذا الإطار. الآخرون أدْلَوا بِدَلْوِهم أيضاً. أنتم تحدّثتم أيضاً. والكثير من الكلام الذي كنا قد ذكرناه سابقاً، والتوصيات التي طرحناها، يمكن اليوم أن نعود ونطرحها، أي أن العمل في كثير من الموارد لم يصل إلى غايته ومنتهاه، فيجب أن يصل. نعم، بُذلت جهود بحمد الله، لكن يجب الاستمرار في العمل حتى نصل إلى الأهداف التي نطمح إليها. أريد اليوم أن أطرح نقاطاً عدة أيضاً.

الهدف من إيجاد قطاع التربية والتعليم هو صناعة الإنسان
من النقاط الرئيسية طرح هذا السؤال والإجابة عنه: ما المنطق والهدف الكامن وراء هذا القطاع العظيم، أي قطاع التربية والتعليم؟ ليس في بلادنا فقط، بل في جميع أنحاء العالم. عندما يوجِدون مؤسساتٍ بهذا الحجم، ويُنشئون في الحقيقة جيشاً ثقافياً مُكوَّناً من الطلاب والمعلمين والمديرين والموظفين على اختلاف مهماتهم، ما غايتهم من هذا العمل؟ هل تعرفون الجواب؟ نعرف جوابه الإجمالي، أي أن الهدف صناعةُ الإنسان، أي أن طفلاً خاماً عمره ست سنوات أو سبع يدخل هذا المصنع العظيم ويتقلب فيه اثنتي عشرة سنة، ثم يجب أن يَخرج من هذا المصنع منتَجٌ ما، مُخرَجٌ ما، فما هذا المُخرَج؟ الإنسان، «الإنسان اللائق»، لكن تعريف «الإنسان اللائق» يختلف من مدرسة فكرية إلى أخرى، ومن بلد ومجتمع إلى بلد ومجتمع آخرين، فمفهوم «الإنسان اللائق» ليس واحداً عند الجميع. لهذا هناك تنوع واختلاف في أنواع التربية والتعليم وأساليبهما بين المجتمعات. نحن في الجمهورية الإسلامية نريد تحقيق الهدف نفسه، نريد أن نربي إنساناً خلال هذه الأعوام الاثني عشر. ما يُميّز هذه المرحلة هي أنها أفضل زمان للتعلّم، أي أن التعلّم في هذه المرحلة يكون أسهل وأبقى وأفضل، ولهذا هي مرحلة مهمة.

خصائص الإنسان المتوافقة مع الفكر الإسلامي
نحن نريد أن يكون مُخرَج هذا الجهاز العظيم، هذه الآلة الضخمة، منتجاً يتوافق والفكر الإسلامي. حسناً، الآن، ما الخصائص التي يجب أن تتوفر في الإنسان الذي يريده المجتمع الإسلامي والثورة الإسلامية والنظام الإسلامي؟ طبعاً، هذا الموضوع تمّ التطرق إليه من قبل – الجميع تحدثوا عنه، وأنا أيضاً كنت أتناوله دائماً في حديثي – لكن إذا أردنا الآن أن نتحدث عن هذا الموضوع باختصار، وبما يتناسب مع التربية والتعليم، وأن نُعرّف ذلك الإنسان وفق المعيار الإسلامي الذي ننتظر من مؤسسات التربية والتعليم أن تربّيه، سنعرّفه على هذا النحو: أن يكون إنساناً بهذه الصفات. أولاً أن يكون مؤمناً، هذا أول شرط. ثانياً أن يكون عاقلاً أي أن يستخدم عقله؛ {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة، 73). انظروا إلى القرآن كم دعا إلى التعقّل! ثالثاً أن يكون مُفكِّراً، أي أن يفكر. ليس العقل للبحث عن السبل العملية للحياة فقط، بل أساساً للتفكير، وهذا الأمر أهم من أن يصبح الإنسان عالماً. إنْ كنا نريد الحصول على علماء جيدين، فعلينا أولاً أن نحصل على مفكرين جيدين، ثم يكتسبوا العلم ويصبحوا علماء. رابعاً أن يكون مجاهداً ومن أهل العمل، فلا يكفي مجرّد الجلوس والكلام والتفكير والثرثرة. يجب أن يكون من أهل العمل. طبعاً هناك مطالب كثيرة يمكن أن تقال في هذا المجال. هذا العمل يجب أن يكون فيه متابعة وبذل جهد، وهو ما يُطلق عليه في عُرف الشرع المقدس للإسلام «الجهاد»، إذ كان في ذلك الوقت الجهاد الذي يرغّب إليه الإسلام هو الجهاد في سبيل الله. خامساً أن يكون إنساناً منصفاً ومنظّماً ومتخلّقاً بأخلاق الإسلام. هذه هي خصائص الإنسان الذي ننتظر من عملكم التعليمي والتربوي أن يوجِدَه.

مضمون السياسات التنفيذية للتربية والتعليم
جيد، الآن إنْ كان ما ننتظره منكم هو هذا، فطبعاً تختلف مراتب الناس بين الشدة والضعف، ونحن لا نريد القول إنّ تلك المرتبة الأعلى مقدورٌ عليها دائماً، فالناس في النهاية لهم مراتب، وتختلف قابليّاتهم وظروفهم. إنْ أردنا أن نُنتِج هكذا إنسان من هذا المصنع، فما الخصائص التي يجب أن تتوفر في المصنع نفسه، وما العلوم التي يجب أن نقدّمها، وكيف نعلّمهم التفكير، وكيف نعلّمهم التخلق بالأخلاق الإسلامية - أي أنّ كيفية أداء العمل مهمة - وما الأساليب اللازمة، وما المعارف التي يجب أن تُعطى؟ نحن نتحدث عن التعليم والتربية: ما المعارف اللازمة في حقل التعليم، وما أنواع العمل والأساليب اللازمة في التربية، وإلى أي حد، وإلى أي مستوى؟ كل هذه الأمور يجب أن تؤخذ بالحسبان عند وضع الخطط. هذه الأمور يجب أن تُحدد في التربية والتعليم، فهي تمثل السياسات التنفيذية للتربية والتعليم.

الحاجة إلى بنى تحتية فكرية قوية وإلى تحوّل بنيوي في التربية والتعليم
طبعاً، نحن في الماضي، منذ دخلت إلى بلادنا المناهج الجديدة للتربية والتعليم في الغرب، لم نفكر أبداً في هذه الأمور. كانت مناهج التربية والتعليم آنذاك صورة مستنسخة عما كان موجوداً في الدول الأوروبية. جاؤوا بها إلى هنا، ولم يفكر أحد في مدى انسجام هذه المناهج مع طبيعة مجتمعنا وظروفه، أو وفق التعبير الشائع: مدى انسجامها مع بيئتنا الثقافية. بمجرد أن جاؤوا بهذه المناهج راحوا يطبقونها. طبعاً، مع مرور الزمن– سواء قبل الثورة أو بعدها – حدثت بعض التغييرات لكنها كانت سطحية وشكلية. حتى بعد انتصار الثورة بمدة طويلة، لم تحدث تحوّلات بنيوية، وإنما حدث تغيير لبعض الأمور الجزئية. ما طرحناه قبل سنوات يرتبط بهذه المسألة، وهي إحداث تحوّل بنيوي(2).  نحن طرحنا ذلك لأن عملية التربية والتعليم في بلادنا تحتاج إلى بنية تحتية فكرية قوية، وتحتاج إلى إيضاح تلك الخصائص التي أشرنا إليها، وإنجازها بطريقة صحيحة. سأتحدث الآن عن خصائص هذا التحوّل البنيويّ وشكله ومراتبه... لقد أُنجزت الكثير من الأعمال في هذا المجال خلال السنوات الماضية.

تحديد الأهداف والإستراتيجيات العامّة والسياسات والبرامج التنفيذيّة
إذاً، البحث حول التحوّل، ومعرفة البنية التحتية لهذا التحوّل، سيُوضحان لنا ما المُخرَج الذي يجب أن يُنتِجه قطاع التربية والتعليم، وكيف، هذا القطاع الضخم الذي يشتمل على نحو أربعة عشر مليون طالب، وقرابة مليون معلم، فضلاً عن المديرين والموظفين. إنّ البحث عن التحوّل يجب أن يُبيّن لنا ما المُخرَج المطلوب وكيف نحصل عليه. ما المعارف والمهارات، وما الخصائص الأخلاقية والخصائص السلوكية التي يجب أن تكون في هذا المُخرَج بعد اثني عشر عاماً؟ إذاً، في موضوع التحوّل، يجب أن تُحدد أولاً الأهداف، الأهداف العامة. وعلى أساس هذه الأهداف – يجب أن تكون منسجمة مع تعاليم الإسلام والوحي والعقيدة والقرآن، وتراعي الحاجات الحقيقية لمجتمعنا الإيراني وخصوصياته – يأتي تحديد القوانين والمقررات والإستراتيجيات العامة. وبعد وضع هذه المقررات ورسم هذه الإستراتيجيات التي يجب أن تكون واضحة ومفهومة وخالية من الفذلكة اللفظية التي لا فائدة منها، أي علينا أن نحدّد ما نريد أن نفعله، وما التعليمات والإستراتيجيات اللازمة، وبناءً على هذه الإستراتيجيات، يمكن أن نحدّد الأهدف العملياتية التفصيلية، وما هذه الأهداف وكيف علينا العمل في كل قسم. وبعد تحديد الأهداف العملياتيّة التي تعيّن في الواقع سياسات العمل، نصل إلى البرنامج التنفيذي الواضح لتحقيق هذه الأهداف. حتى الآن لم يُقدَّم برنامج كامل في هذا الإطار. في زمن الحكومات السابقة، قدّم مسؤولو التربية والتعليم برامج على أنها برامج عملياتيّة، لكنها راعت بعض جوانب «وثيقة التحوّل» [فقط]، وأغفلت أخرى. يجب أن تكون البرامج كاملة، وتشمل أبعاد «وثيقة التحوّل»، وأن تكون خطوطها واضحة ومُحدّدة، مثل شبكة الري التي تنقل ماء السدّ إلى المزارع والحقول في خطوط واضحة ومُحدَّدة. هكذا يجب أن يكون برنامجكم العملياتي. يجب أن يكون قادراً على إيصال الكليّات والخطوط والأهداف العامة بصورة عمليّة وواضحة ومحددة إلى مختلف الأقسام، سواء العلمية أو التربوية، وأن يحوّلها إلى برامج عمليّة. هذه الخطط والبرامج يجب أن تُنجز. تقع مسؤولية هذا الأمر المهم على عاتق الإدارة العامة للتربية والتعليم، والمجلس الأعلى للتربية والتعليم.

يجب ترميم «وثيقة التحوّل البنيوي» في التربية والتعليم بما يتناسب وحاجات اليوم
لقد تمّ إنجاز «وثيقة التحوّل»، وأُعلنت منذ تسع سنوات، وجرت مناقشتها في المجلس الأعلى للثورة الثقافية في قرابة أربع عشرة جلسة أو خمس عشرة، لكن ذُكر في هذه الوثيقة نفسها أنه يجب ترميمها كل خمس سنوات. في رأيي هذه الوثيقة تحتاج اليوم إلى ترميم، حتى لو بمقدار إلقاء نظرة تكميلية. طبعاً، هذا لا يعني أن نوقف عملية التخطيط حتى تنتهي عملية الترميم التي ربما تستغرق مدة طويلة في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، أي يجب أن تسير عمليّتا التخطيط والترميم بالتزامن، وأن تخضعا للتحديث دائماً. هناك بعض التعابير غير المفهومة والبعيدة من الذهن موجودةٌ ضمن الأهداف. ينبغي، كما قلت، أن تُبسّط وتُقدّم بوضوح، كي نستطيع أن نعرف منها ما يجب فعله. يجب علينا فعل هذه الأمور كافة.
إذاً، هناك أمران مُهمّان: الأول ترميم أصل «وثيقة التحوّل»، وهذا يجب أن يتمّ عبر المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وعليكم أنتم أن تتابعوا الأمر، والثاني وضعُ برنامج تنفيذي شامل، وهذا ما يجب أن تقوم عليه هيئات التربية والتعليم. هذا عملكم: أن تُنظموا برنامجاً شاملاً. بالطّبع، لقد وضعتم جزءاً من هذا البرنامج، وتمّ تنفيذ قسم كبير منه – كما أوضحتم الآن في تقريركم، وقد سمعت بالأعمال التي قمتم عليها – لكن يجب أن يكون بين أيديكم خُطّة شاملة تعرفون عبرها ما عليكم فعله.

ضرورة وجود جدول زمني ومؤشر التقدّم في البرنامج التنفيذي الشامل
إذاً، هذا البرنامج الشامل يجب أن يتضمن جميع الأهداف العملياتيّة، وأن يكون متقناً وله جدول زمني، أي أنّ هناك أمرين مهمّين في هذا البرنامج الشامل:
أولاً جدول زمني محدد، وثانياً مؤشّر التقدّم.
فعليكم أن تضعوا جداول زمنية لعملكم، وأن يكون لديكم مؤشرات تستطيعون بها أن تعرفوا مستوى التقدم الذي حققتموه، وأكثر من ذلك، تُمكّنكم من معرفة مدى الصحّة لهذه الوثيقة، لأنكم أثناء العمل، عندما تنظرون إلى النتائج وتجدون أنفسكم تحققون تقدماً، تدركون أن الوثيقة متقنة. أما إذا لم تحققوا نتائج رغم كل الجهود التي تبذلونها، تعرفون أن هناك خللاً في أساس العمل علينا أن نعمل على إصلاحه. إذاً، عملية التخطيط ووضع البرنامج يحتاجان إلى جدول زمني وإلى مؤشرات. هذان الأمران اللذان ذكرناهما يحتاجان إلى متابعة، وهذه مسؤوليتكم جميعاً. يجب على المجلس الأعلى للتربية والتعليم أن يتابع هذه الأمور، كما يجب على وزير التربية المحترم والجهاز الإدراي للتربية والتعليم أن يتابعاها أيضاً حتى تصل إلى نتيجة.

توضيح «وثيقة التحوّل» للمديرين والموظفين والمعلمين
هناك نقطة أخرى حول الوثيقة هي تبيينها. هذا الأمر لمسناه في التقرير الذي قدمه السيد الوزير، لكن وفق التقارير التي وصلتني - لست داخل جسم التربية والتعليم، لكن تصلنا التقارير - هناك الكثير من الأماكن التي لا علم لها بهذه الوثيقة. منذ سنوات وأنا أتحدث عن «وثيقة التحوّل» وأؤكدها، ثم يسمع مدير القسم الفلاني بمصطلح «وثيقة التحوّل» لكنه لا يعلم ما المقصود منها! هذا غير مقبول. هذا المدير إذا لم يفهم ما معنى «وثيقة التحوّل» ولم يُعجب بها، لن يجد رغبةً في تطبيقها. يجب توضيح المقصود منها وتبيينه ليس للمديرين فقط بل حتى للموظفين الأساسيين والمعلمين. يجب أن يعرف المعلمون ما هي «وثيقة التحوّل». يجب أن تنظموا الوثيقة على نحو تكون معه جذابة لكل من يطلع عليها ويقرؤها ويريد أن يفهمها. هذا ما أردت أن أقوله حول موضوع «وثيقة التحوّل» والخصائص التي يجب أن تتوفر فيها.

المعلمون هم ضبّاط في جيش تَقدُّم البلاد
أريد أن أطرح نقاطاً أخرى أيضاً. النقطة الأولى حول المعلم. إنّ أهم عنصر في نظام التربية والتعليم من حيث التأثير هو المعلم، فدوره مصيريّ. في هذا الجيش الثقافي العظيم الذي تشكّلونه (مجموعة التربية والتعليم) وملايين الأشخاص في قطاع التربية والتعليم، يأتي المعلمون بمنزلة الضباط في هذا الجيش، حيث يقوم كل واحد منهم على أداء الأعمال التي يُكلف إياها: يقود مجموعة أو عدداً من المجموعات ويتقدم بها إلى الأمام. في الحقيقة المعلمون هم ضباط في جيش تَقدُّم البلاد، لأن التربية والتعليم هما السبيل لتقدُّم البلاد. معلّمونا الأعزاء هم بكلّ ما للكلمة من معنى ضباطٌ في جيش تَقدُّم البلاد.

العوامل الثلاثة المهمة لصون منزلة المعلم
1– المعلم ذاته

علينا أن نحافظ على منزلة المعلم وشأنه. على من تقع مسؤولية حفظهما؟ العامل الأول المعلمون ذاتهم، أي أن يدرك المعلم حقيقة أن مستقبل البلاد متوقف على همّته وحكمته. أنْ يعلم أن العمل الذي يقوم عليه في الصف – أياً كان مخاطبوه، أطفالاً صغاراً، أو شباباً في السابعة عشرة – هو ما يصنع مستقبل البلاد ويحدده. يجب أن يشعر بهذا كل معلم. هذا الشعور يزيده ثقة بالنفس ويمنحه الأمل ويدفعه إلى أداء عمله بطريقة جيدة، ويرفع شأنه ومكاناته. عندما تنظر إلى نفسك على أنك عالي الشأن، ليظنّ الناس ما يظنون؛ لا يهم. عندما يدرك الإنسان منزلته العالية بما للكلمة من معنى، عندئذ يدفعه ذلك إلى حفظ هذه المنزلة وصونها.

2– دعم التربية والتعليم
العامل الثاني نظام التربية والتعليم، إذ يجب عليه أن يدعم المعلمين بالعمل (لا بمجرد الكلام). أنا سعيد بالتقرير الذي تحدث عنه الوزير – الحقيقة أنا لم أسمع به من قبل – حول مسألة المسكن للمعلمين وغيرها من الأمور. هذا الأمر ضروري. طبعاً يجب على المجلس [مجلس الشورى الإسلامي] وجميع الجهات الأخرى المعنية، ولا سيما مؤسسة التخطيط والموازنة، أن يساعدوا في ذلك. لا ينبغي أن ننظر إلى قطاع التربية والتعليم على أنه استهلاكي، بل من قطاعات البنى التحتية. فأنتم عندما تنفقون المليارات لبناء سد أو شق طريق سريع لا تنظرون إلى أن هذا المال ذهب هدراً. إنّ قطاع التربية والتعليم أهم بمراتب كثيرة من قطاعات البناء الأخرى الموجودة في البلاد. هنا يجب الاستثمار، فمهما أنفقتم من أموال على قطاع التربية والتعليم، فأنتم عملياً في حالة استثمار وصناعة بنى تحتية. يجب أن يلتفت الجميع إلى هذا الأمر: مجلس الشورى، الحكومة، مؤسسة التخطيط [والموازنة]، مسؤولو التربية والتعليم الملتفتون سلفاً إلى هذا. هذا هو العامل الثاني لحفظ شأن المعلم وصونه.

3– ترسيخ ثقافة احترام المعلم عبر وسائل الإعلام
العامل الثالث هو الأجهزة الإعلامية. يجب عليها أن تروّج لثقافة تُعلي شأن المعلم ومنزلته. هذه المهمة أساساً بعهدة هيئة الإذاعة والتلفزيون! كأن تنتج مثلاً برامج وأفلاماً يكون فيها للمعلم دور مميّز، فعندما يشاهدها الإنسان، يتمنى أن يكون معلماً. هذا العمل واجب وضروري. طبعاً لا يكفي أن ننتج برنامجاً أو فيلماً واحداً فقط، ثم نقول انتهى الأمر. لا، ليس الأمر كذلك، بل يجب أن تتواصل عملية إنتاج هذه البرامج بطرق فنية مختلفة، وتروّج لأهمية المعلم والتعليم حتى تتحول مسألة احترام قدر المعلم إلى ثقافة عامة وراسخة في المجتمع. إنْ تحقق هذا الأمر، فعندئذ سيعلو شأن المعلم.

جامعتا فرهنكيان والشهيد رجائي هما البوابة الوحيدة لدخول المعلم إلى التربية والتعليم
النقطة الثانية موضوع استقطاب المعلمين: كيف نؤمّن معلمين؟ وكيف علينا أن نُعدّهم؟ في رأيي هاتان الجامعتان اللتان لديكم جيدتان جدّاً. كنت قد ذكرت هذا في جامعة فرهنكيان السنة الماضية.(3) إن كلاً من جامعة فرهنكيان، وجامعة الشهيد رجائي، من أفضل المراكز التعليمية والثقافية في البلاد. ليكن سعينا ألّا يدخل أحد إلى سلك التربية والتعليم إلا من بوابة هاتين الجامعتين. لذا علينا أن نعمل على توسيع الطاقة الاستيعابية لهاتين الجامعتين كي تستطيعا استقبال ما تحتاجه البلاد من معلمين وتخريجهم. كما يجب أن تكون الدورات التدريبية القصيرة بكل أنواعها تحت إشراف هاتين الجامعتين. هذا الأمر ضروري جدّاً. إذاً، يجب أن يكون عبور المعلمين إلى التربية والتعليم من هذه البوابة حصراً. فليس من المصلحة أن يكون الأمر عشوائياً. ولذا أنا أوصي الإخوة الأعزاء في مجلس التربية والتعليم ألّا يضعوا قرارات من شأنها أن تسمح بالدخول العشوائي إلى قطاع التربية والتعليم. يجب أن يكون الدخول حصراً عبر بوابة هاتين الجامعتين.

ضرورة «إحراز الأهليّة» عند جذب المعلّمين وتوظيفهم
الأمر الثاني أنه ينبغي لهاتين الجامعتين أن تراعيا في قبول الطلاب موضوع «أهليتهم» ما أمكن: الأهليّة الدينية، والأهليّة الأخلاقية، والأهليّة السياسية. أي أن تُحْسِنا انتقاء الطلاب، وأن يتم هذا الأمر بطريقة صحيحة. طبعاً نحن لدينا تجارب سابقة غير مرضية على صعيد معايير الانتقاء في السنوات الماضية في أماكن مختلفة، إذ لم تكن هذه المعايير صحيحة. افرضوا، على سبيل المثال، أن نسأل الشاب المتقدم سؤالاً فقهياً نادراً جدّاً إن سألناه لفقيه، لتعذرت عليه الإجابة المباشرة، ثم إن لم يُجب، نرفضه! تجنبوا مثل هذه الأعمال وأجروا فحوص مقابلة صحيحة ومدروسة بحكمة. لننتَقِ معلمينا بطريقة صحيحة، ولا نسمح بدخول العناصر غير الجديرة إلى قطاع التربية والتعليم، لأن في ذلك ضرراً كبيراً. هذا المعلم الذي تحدثنا كل هذا المقدار عن أهمية دوره وشأنه، إن كان عنصراً غير جدير أو غير مفيد، أو، لا قدر الله، مضراً، فعندئذ سيعطي نتائج عكسية.

أهمية مراعاة العدالة التعليمية
النقطة الثالثة العدالة التعليمية. طبعاً تحدثت مراراً حول هذا الموضوع: أن يكون هناك تكافؤ في فرص التعليم بين الطلاب الذين يعيشون في أقصى نقاط البلاد، والذين يعيشون في العاصمة طهران، وألّا يكون هناك اختلاف وتمييز، وهذا أصل أساسي. طبعاً يكون هناك أحياناً أشخاص لديهم تميّز في القابليّات أكثر من غيرهم، وهؤلاء موجودون حتى في المناطق النائية. ينبغي لنا أن نعمل على أن ينال الجميع نصيبهم المناسب من التربية والتعليم. إذاً، العدالة التعليمية بهذا المعنى موجودة. طبعاً اليوم إثر انتشار التعليم الافتراضي وأمثاله باتت مسألة العدالة التعليمية أكثر حساسية، لأنّه من الممكن ألّا تتوفّر للجميع الإمكانات اللازمة للتعليم الافتراضي، أو المقدار الكافي من المال. علينا أنْ نبحث عن حل لهؤلاء. فماذا يمكنكم أن تفعلوا على هذا الصعيد؟ طبعاً سمعت أنكم بدأتم بعض الأعمال. يجب أن تستمروا فيها وأن تتابعوها، وعلى الإذاعة والتلفزيون أن تساهم بصورة رئيسية في هذا الأمر، فالتعليم عبرهما يمكنه أن يحل جزءاً كبيراً من المشكلة. في النهاية تحقيق العدالة التعليمية أمر غاية في الأهمية.
النقطة الأخرى المهمة حول العدالة التعليمية هي مسألة المدارس الحكومية. عليكم الانتباه إلى ألّا تكون المدارس الحكومية على نحو يشعر معه الطالب بأن حظوظه للنجاح في الامتحان العام قليلة. لا يجب أن نسمح بذلك. أي يجب علينا أن نرفع مستوى المدارس الحكومية تعليمياً وتربوياً، فيشعر معها الطالب بالثقة، وأن تشعر أسرته التي أرسلته إلى هذه المدرسة بأنها أرسلته إلى مكان محترم ويُعتمد عليه. علينا الاهتمام بالمدارس الحكومية بكل ما للكلمة من معنى.

الأضرار المحتملة في التعليم الافتراضي 
يوجد في موضوع التعليم الافتراضي جانب آخر هو الأضرار المحتملة التي يمكن أن يسببها. إنّ شبكة «شاد»(4)  التي تم إيجادها شيء جيد، لكن يجب علينا الانتباه بألا تتسبّب في توجه الشباب إلى فضاء الإنترنت المتفلّت، فينشغلوا بأشياء أخرى فيها خطر على أخلاقهم وعقائدهم. علينا أن نتوقع هذا الأمر وأن ننتبه إليه جيداً. طبعاً وصلني قبل يوم أو اثنين تقرير عن الأرضية الفكرية التي أنجزها الإخوة في التربية والتعليم في هذا المجال، لكن يجب أن يستمر العمل بصورة متواصلة، لأنه ليس من الأمور التي يجوز تركها، فالموضوع يتعلق بأُنس الأطفال بالفضاء الافتراضي، وهذا الأخير له محاسن وله مساوئ. كنت قد ذكرت أحد عيوبه سابقاً، ومن عيوبه الأخرى انزواء الأطفال في البيت، فعندما يتعرّف الأطفال إلى أجهزة «التابلت» وأمثالها، ينشغلون بها ويبتعدون بالتدريج عن محيط الأسرة وعالمها. علينا أن نلتفت إلى هذه الأمور ونحذّر منها.

ضرورة الاهتمام بالنشاطات التربوية 
المسألة الأخرى التي أريد أن أؤكدها موضوع النشاطات التربوية. اليوم لدينا تأخر في موضوع التربية. يمكن للإنسان أن يلحظ هذا بكل وضوح. للأسف، رغم كل التوصيات والتأكيد في هذا الجانب، لا يزال موضوع التربية متأخراً، أي في الحقيقة، لم يحظَ هذا الموضوع بالاهتمام اللازم واللائق. الآن، مع دخول التعليم الافتراضي على الخطّ، ستزداد أهمية الموضوع التربوي. يجب عليكم أن توجدوا أساليب جديدة لكي تتمكنوا، إن شاء الله، من أن تؤمّنوا الجانب التربوي لملايين الأطفال والناشئة الذين بين أيديكم.

أهمية التعرف إلى المواهب المميزة وتربيتها 
المسألة الأخرى هي حول مدارس «سمباد»(5)  التي أشار إليها السيد الوزير. أنا بدوري أؤكد أهمية الاهتمام بمدارس «سمباد» ومتابعتها. فتربية المواهب المميزة والاستثنائية مسألة أساسية ومهمة. يجب علينا أن نكتشف هذه المواهب المميزة، وأن نعمل على تطويرها وتربيتها.

كم من رجل سماويّ أحيا جيشاً بأسره(6) 
أحياناً يمكن لشخص موهوب ومتميز أن يقوم بأعمال عظيمة من شأنها أن تنجي البلاد من مخاطر كبيرة. ونحن اليوم بحاجة إلى أمثال هؤلاء، وعددهم ليس قليلاً في بلادنا. فمتوسط نسبة الذكاء في بلادنا أعلى من المتوسط العالمي. إذاً، عدد المميزين بين الشباب والناشئة لدينا ليس قليلاً، وهذا الأمر يجب أن نوليه الأهمية وأن نتابعه. كما علينا أن نرتقي بمرتبتنا في المسابقات العلمية الدولية [الأولمبياد العلمي]، لأنه في السنوات الأخيرة لم تكن النتائج بالمستوى المطلوب. إن كانت النتائج التي نريدها مثل هذه السنوات، فهذا ليس أمراً جيداً. أما إنْ كانت مثل السنوات التي سبقتها، فهذا هو المطلوب؛ آنذاك كانت أعداد الميداليات وألوانها أفضل بكثير.

ضرورة أن تخضع الحضانات والروضات لإدارة التربية والتعليم
من المسائل الأخرى موضوع الحضانات والروضات. للأسف، الحضانات مهملة ومتروكة وفي آخر اهتمامات التربية والتعليم. أولاً هناك جدال بين أجهزة الدولة المختلفة حول هذا الموضوع. هذا الجدال يجب أن ينتهي. عندما تتركون هذا المجال، سيأتي الآخرون ويأخذون أبناء الناس ويربونهم بأسلوب خطأ. لقد وصلتني تقارير سيئة ومقلقة عن الوضع في بعض الحضانات. أنتم تولَّوا إدارتها. فالحضانة ليست مجرد مركز خدميّ لحفظ الأولاد، بل مركز للتربية والتعليم، لكن لها أساليبها ولغتها الخاصة. عندما ندعوكم لوضع خطط لإدارة الحضانات، من باب أولى أن ينطبق الكلام نفسه على الروضات، فهي مراكز مهمة جدّاً أيضاً. عليكم أن تضعوا خططاً وبرامج لإدارة هذه الروضات، فاليوم الأطفال كافّة يدخلون المدارس من بوابة الروضات، ولم يكن الأمر في السابق كذلك. عليكم أن تديروها على نحو تصير معه أكثر فائدة للأطفال.

سبب إصرار طواغيت العالم على النفوذ داخل أنظمة التربية والتعليم للدول
النقطة الأخيرة التي أريد أن أتحدث عنها هي أن نفكر في الأسباب والدوافع التي تجعل طواغيت العالم وفراعنته يصرون على النفوذ داخل أنظمة التربية والتعليم للدول الأخرى. يجب أن نتأمل في هذا الموضوع قليلاً. قد يأتي هذا النفوذ أحياناً مصحوباً بالضجيج كـ«وثيقة 2030»(7)  التي أوجدت ضجة في العالم، هذه الوثيقة التي تهدف في الحقيقة إلى نفوذ الثقافة الغربية ونمط الحياة الغربي والأهداف الغربيّة إلى كل دول العالم. لماذا؟ وبأي حق؟ لماذا يجب على بلد مثل بلدنا لديه هذه الحضارة العريقة والعميقة وهذه الثقافة الإلهية والإيمانية أن يقع تحت تأثير تعليمات أشخاص حضارتهم حديثة ومادية ومبنية على أسس غير صحيحة وفاشلة. لقد أثبتت الفلسفة الاجتماعية للغرب فشلها في الغرب نفسه. تابعوا الأخبار. كنت قد تحدثت سابقاً عن أمريكا.(8)  إن الفساد مستشرٍ في أمريكا من هوليوود إلى البنتاغون، أي ليس الفساد موجوداً في هوليوود والبنتاغون فقط، بل حتى في المسافة بينهما. لماذا يجب على دولة مثل إيران الإسلامية، أو أي دولة إسلامية أخرى وحتى غير إسلامية، أن تخضع لوثيقة نظّمها أناس من تلك الحضارات والدول والمجتمعات الفاسدة والخاطئة؟ لذا علينا الانتباه إلى أن إصرار هؤلاء على النفوذ إلى أنظمة التربية والتعليم منشأه أهمية هذا القطاع، لأن ما لم يستطيعوا تحقيقه عبر العمل العسكري يريدون تحقيقه بهذا الأمر، في مكان واحد ودفعة واحدة، عبر أسلوب عامّ مثل «وثيقة 2030» - للأسف، في بلادنا، أبدينا اهتماماً بها، وسمعت أخيراً أن بعض أجزاء هذه الوثيقة يطبّقها بعض السيئين أو الغافلين في بعض زوايا البلاد؛ أرجو من السيد وزير التربية التعليم أن يتابع هذا الموضوع – أو يلجؤون إلى النفوذ المباشر في أنظمة التربية والتعليم للدول، كما يجري في بعض دول المنطقة. نحن على اطّلاع، فهم يعملون بهدوء ودون أي ضجة على تغيير المناهج الدراسية، ووضع المعلمين، ونوعية التعليم، ويأخذون أشخاصاً إلى بلدانهم ويخضعونهم لدورات ثم يعيدونهم. فهم يبحثون عن نفوذ داخل التربية والتعليم. الالتفات إلى هذا الأمر غاية في الأهمية. يجب على الجميع أن ينتبهوا إلى هذه المسألة، ويُبدو الحساسية اللازمة تجاهها. عدوّنا مصرّ على هذا النفوذ. عليكم أن تعرفوا لمَ كل هذا الإصرار. هو يريد عبر هذا النفوذ أن يحقق أهدافه الخبيثة، عبر تربيته أشخاصاً يحملون فكره. فعلى سبيل المثال، إنْ أراد أن يهيمن على بلد ما، يصبح هذا الأمر بمنتهى السهولة مع وجود أشخاص في الداخل يرضون بهذه الهيمنة ويشجعونها. فعلينا أن نلتفت إلى هذه الأمور جيداً. 

خيانة دولة الإمارات العربية المتحدة وصمةُ عار
في الختام، أريد أن أقول كلمة حول ما فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً. إنها، للأسف، بعملها هذا تكون قد خانت العالمين الإسلامي والعربي، وخانت دول المنطقة، وخانت القضية الفلسطينية. إنّ هذا العمل الذي فعله الإماراتيون سيزول بكل تأكيد، وإن شاء الله، هذه الحالة لن تدوم طويلاً، لكن ستبقى وصمةُ عار هذا العمل على جبين أولئك الذين قاموا به. إنهم خانوا وعملوا عملاً سيئاً للغاية، وفتحوا أبواب المنطقة أمام الإسرائيليين، وجعلوا القضية الفلسطينية على أهميتها في طيّ النسيان، وطبّعوا العلاقات مع الكيان الصهيوني. هل احتلال دولة وتشريد شعبها أمر هيّن؟ إن الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو في ما يصطلح عليه في العرف السياسي الأراضي المحتلة – طبعاً في الحقيقة كل فلسطين محتلة – يخضعون لضغوط شديدة من كل النواحي كبناء المستوطنات وغيرها من المضايقات التي يفعلها الكيان الصهيوني، ومع هذا، يأتي الإماراتيون ويطبّعون العلاقات مع الإسرائيليين وحلفائهم الخبيثين من الصهاينة الأمريكيين، مثل هذا اليهودي من عائلة ترامب [جاريد كوشنر] الذي كان حاضراً. هؤلاء يعملون ضد مصالح العالم الإسلامي وضد مصالح المنطقة، ويتعاملون بمنتهى القسوة مع مسائل المنطقة. لا ينبغي لنا أن نساعدهم. للأسف، الإماراتيون بعملهم هذا يساعدونهم على ذلك. آمل أن يستيقظ الإماراتيون سريعاً وأن يتداركوا خطأهم.
نسأل الله تعالى أن يوفقكم ويؤيدكم جميعاً لتتمكنوا من إنجاز هذه الوظائف والمسؤوليات الثقيلة الملقاة على عاتقكم، وأن يزداد قطاع التربية والتعليم تطوراً وارتقاء يوماً بعد يوم. إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الهوامش: 
1- في مستهل هذا اللقاء الذي أقيم في أول يوم من الاجتماع الرابع والثلاثين لرؤساء ومديري التربية والتعليم في أنحاء إيران كافّة، قدّم وزير التربية والتعليم السيد محسن حاجي ميرزائي تقريراً بهذا الخصوص.
2- منها كلمة لسماحته في لقاء مع مسؤولي التربية والتعليم في كل البلاد، 25/7/2007
3- هذه الكلمة جاءت في لقاء مع وزير التربية والتعليم وجمع من المعلمين من سائر البلاد، 8/5/2018 
4- تطبيق تعليمي للطلاب.
5- مؤسسة تعليمية تعنى بتربية المواهب الاستثنائية.
6- للشاعر مهرداد أوستا، قصيدة «آرش».
7- وثيقة «اليونسكو» 2030، أو ما تعرف بأهداف التنمية المستدامة. وتشمل 17 هدفاً تتعلق بمستقبل التنمية العالمية، وقد اعتمدها قادة العالم في قمة أممية عقدت في الشهر التاسع من 2015.
8- في الكلمة التي ألقاها سماحته لدى لقائه رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة، 23/8/2020.