الأقلية المسلمة... أسس ومنطلقات التواصل مع الآخر

الأقلية المسلمة... أسس ومنطلقات التواصل مع الآخر

 

 

الأقلية المسلمة... أسس ومنطلقات التواصل مع الآخر

 

أ.د. حسان موسى

أمام وخطيب الجمعة - السويد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

ان ظاهرة وجود فئة مؤمنة ضمن أغلبية غير مؤمنة في ظل مجتمع غير مسلم : ظاهرة قديمة في تاريخ الاسلام! بل وفي تاريخ جميع الأمم! فلم يبعث الله تعالى رسولاً إلّا في أحلك الأوقات: كفراً وجحوداً, ولم تنم أمم الايمان الا في أشد المجتمعات فساداً وظلماً, ولذلك مرّ الرسلُ وأممُهم دوماً بمرحلة الأقلية المؤمنة في مجتمع غير مؤمن, فسن الله لنا من خلالهم أسس وقواعد التواصل مع الأغلبية غير المسلمة, وبين لنا أسس ومنهج التعامل مع الآخر وضوابط الانفتاح عليهم.

 

لم يكن الأنبياء في تعاملهم مع خصوم دعوتهم ومخالفيهم يتقوقعون على أنفسهم دون أن يختلطوا بالأقوام الذين أُرسلوا اليهم لهدايتهم وارشادهم والصبر على أذاهم, بل كان جميع رسل الله-عليهم رضوان الله- يخالطون أقوامهم وبجادلونهم بالتي هي أحسن, وبفتحون أبواب التواصل والحوار والتعاون, ولم يكن الأنبياء ولا أتباعهم ليِهجُروا البلاد لكفر أهلها وفسادهم, بل الأصل محاولة هدايتهم وارشادهم واصلاحهم, مع الصبر الشديد عليهم, كما لم بكن الأصل في التعامل: مقاطعة المجتمع بخيره وشره, بل كان الأصل الإفادة مما بقي في تلك المجتمعات من عادات صالحة وأعراف سليمة والتعاون مع عناصر الخير لاحداث اصلاح ما أو درء فساد ما في المجتمع بالرغم من كفر أغلبيتهم وفسادهم, ولذا وجب معرفة الآخر من الداخل ووضع الأسس والمنطلقات التي يجب أن يتبعها الوجود الاسلامي في الغرب.

 

1- الحوار والتواصل مع الآخر.

2- الاختلاف سنة ربانية.

3- التسامح مع الآخر.

4- عدم استثارة الآخر.

5- حفظ العهد.

6- نبذ التعصب

7- الفهم الصحيح وتجاوز مشكلات الاتصال

8- حق المقاومة للمحتل مشروع.

الحوار والتواصل مع الآخر

دعا الاسلام اتباعه إلى التواصل و الحوار بالتي هي أحسن, ومجادلة الآخرين بالأدب الذي يفتح العقول والقلوب للحق, قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) ([1])، وقال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن)([2]).

 

 والملاحظ أن القرآن لم يرتضي لأتباعه المنهج الحسن في الحوار والتواصل مع الآخر بل المنهج الأحســن, يقول الامام القشيري- رحمه الله- ينبغي أن يكون منكم للخصم تبيين وفي خطابكم تليين وفي قبول الحق انصاف واعتقاد النصرة, لما رآه صحيحاً بالحجة وترك الميل إلى الشيء بالهوى([3]).

 

وبقول العلامة ابن عجيبة الحَسَنيّ(رحمه الله) : (التي هي أحسن) أي ألطف وأرفق, وهي مقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح, بأن تدعو إلى الله برفق ولين وتبين له الحجج والآيات من غير مغالبة ولا قهر([4]).

 

بل طلب القرآن الكريم من المسلمين أن يكون هذا منهجهم في التواصل والحوار مع الآخر, بقوله عز وجل: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ان الشيطان ينزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدواً مبيناً) ([5]).

 

وبقول العلامة ابن عجيبة (رحمه الله) : من أوصاف أولياء الله أنهم هينون لينون كلفة الحرير! لا ينطقون الا بالكلام الأحسن, ويفرحون ولا يحزنون, وينبسطون ولاينقبضون , من رأوْهُ مقبوضاً بسطوه, ومن رأوه حزيناً فرحوه, ومن رأوه جاهلاً أرشدوه باللتي هي أحسن([6]).

الاختلاف سنة ربانية وظاهرة كونية:

قال الله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ([7]).

 

لقد جاءت كل شرائع وأحكام الاسلام لحفظ الضرورات الخمس, وتحريم القتل والزنا والكذب والسرقة والظلم وغير ذلك.

 

 ان من الضروري اذاً أن يختلف الناس: لاختلاف عقولهم وأفهامهم وتفاوت طاقاتهم مفي معرفة فقه المقاصد والمآلات, وفي معرفةالمصالح والأولويات, وكيفية ترتيبها, وحسن فهمها, ومعرفة الفاضل من المفضول.

 

 ييختلف الناس لاختلاف النفسيات والميول والأمزجة والتركيب بين هذا وذاك, كما يختلفون لاختلاف درجة التجرد والاخلاص, والقدرة على الانفصال عن المؤثرات, سواء كانت مؤثرات نفسية أم اجتماعية أم سياسية أم عرقية, أم طائفية أم غيرها.

 

 إن الدين لم ينزل قط كما يظنه البعض لتأجيج الصراع بين الناس بل لضبط العلاقة بينهم, وتنظيمها وعمارة الأرض, يقول تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) ([8]). ولهذا لما خلق الله آدم خلقه من أجل عمارة الأرض والسعي والضرب فيها.

التسامح مع الآخر:

من واجبات العاملين في الميدان الدعوي المداومة على الصبر والرفق, وحسن المداراة, واحتمال الأذى, ومقابلة السيئة بالحسنة كما أمر الله تعالى, في عدة مواضع من كتابه العزيز, (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)([9]). بهذا الخلق الرفيع استمال النبي(ص) بعض قلوب أعدائه وعالج قسوتها حتى لانت واستجابت للحق,

 

 ان الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة الصافية والاحسان إلى الآخر بالقول والفعل, مسلماً كان أو غير مسلم, من أهم عوامل زوال العداوة وتقارب القلوب والمواقف, (وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم) ([10]).

عدم استثارة الآخر:

 روى البخاري بسنده الصحيح: بينما يهودي يعرض سلعة أعطي بها شيئا كرهه, فقال: لا والذي اصطفى موسىعلى البشر, فسمعه رجل من النصار فقام فلطم وجهه! وقال تقول: والذي اصطفى موسى على البشر والنبي (ص) بين أظهرنا! فذهب للنبي(ص) شاكياً وقال: يا أبا القاسم ان لي ذمة وعهداً فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال(ص): لمَ لطمتَ وجهَه؟ فذكره فغضب النبي(ص) حتى رؤي في وجهه, ثم قال: (لا تفضلوا بين أولياء الله) فانه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله, ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث, فاذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور؛أم بعث قبلي!ولا أقول ان أحداً أفضل من يونس بن متى. ([11]).

 لقد نهى النبي(ص) عن ذلك ليعلم أمته:

1- الأدب والتواضع وحسن التعامل مع الآخر.

2- ان مثل هذا التفضيل يؤديالى الجوروانتقاص الآخرين, وقد يكون فيهم أصحاب فضل ومكانة.

3- لمافيالتفضيل والمقارنة من استثارة الآخرين, واثارة ة عصبيتهم وفي ذلك ما فيه من اثارة الفتن.

 بل نرى الاسلام لا يرتضي لأتباعه المبالغة في سب آلهة المشركين, يقول تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) ([12]).

 

 نهى الله عز وجل في هذه الآية المؤمنيين عن سبّ أوثان المشركين لأن ذلك يؤدي إلى: استثارة عصبيتهم؛ فيسبوا الله بغير علم, وينفرون من دعاة التوحيد ([13]).

حفظ العهد:

 اذا كان العدل من حقوق البشر بعضهم على بعض؛ فمن كانت بينهم عهود ومواثيق فالعدل بينهم آكد وأوجب, فالعهود والمواثيق تربط وتنظم علاقات الناس بعضهم ببعض على خير حال, بشكل يُفَعّل روابط التعاون, بعيداً عن الخلافات والنزاع, ولا يتناقض أبداً حرص المسلم على الوفاء التام بالعهود والمواثيق مع الولاء لله والبراء ممن عاداه, والوفاء بالعهد خلق واجب على كل مسلم, وأما الغدر والخيانة فقد نهى عنهما الشرع أيما نهي مع الناس جميعا, يقول تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم الا باللتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا) ([14]).

 قال الفخرالرازي: كل عقد وعهد جرى بين انسانين فانه يجب عليهما الوفاء بمقتضى ذلك العقد والعهد([15]).

وقال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه, فهو من العهد ؛فيدخل في ذلك العبد وربه وما بين العباد بعضهم البعض, والوفاء بالعهد هو القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانوني المرضي, الا اذا دل دليل خاص على جواز النقض([16]).

وقال الطبري: وأوفوا بالعقد الذي تعاقد عليه الناس في السلم والحرب, وفيما بين المؤمنين أيضا([17]).

نبذ التعصب:

 عدم التعصب للمذهب أو الطريقة أو الشيخ أو الجماعة أو الحزب, ولهذا قيل : (حبك للشيء يُعمي ويصم)

ان المتعصب أعمى البصيرة؛لا يعرف أعلى الوادي من أسفله! ولا بستطيع أن يميز بين الحق والباطل, وقد يتحول المتعصب بنفس القو ة والحرارة من محب إلى مبغض! قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وكرم م وجهه- (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماَ ما؛وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)([18]).

 وقد يتعصب المرء لأقوام يكرهون التعصب لهم أشد الكره؛ ولكنهم ابتلوا بمن تعصب لهم وغالى فيهم.

الفهم الصحيح وتجاوز مشكلات الاتصال: ان كثيراً من الخلافات ربما تكون بسبب اشاعة مغرضة أوبسبب قول لم يتثثبت منه صاحبه, أو بسبب انطباع سيء لم يبنى علىعلم ومعرفة ويقين, إلى غير ذلك من موغرات الصدور ضد الآخرين بغير وجه حق, وكم أوغرت صدورالمؤمنين بعضهم على بعض دون أن يبنى ذلك على فهم صحيح للآخر, وقد يفهم انسان ما من خلال كتابٍ له أو موقفٍ معين بينما تكون حقيقَتُه أوسعُ وأشملُ وأدقُ من ذلك بكثير!

 

 ان المختلفين في الدين والمذهب والطريقة: في أمسِّ الحاجة لفهم بععضهم البعض بشكل صحيح بعيد عن ردود الأفعال وعن الظنون والتصورات التي لا رصيد لها من الدليل والبرهان في الواقع.

حق المقاومة للمحتل مشروع:

 فالحوار مع الآخر؛لا يعني الذل والانكسار؛والقبول بالاستعمار والعار!

 لقد دعا الاسـلام للسـلام مع كل من كان صادقا في مد يديه للسلام, لتجنيب البشرية الحروب الدمرة التي تحرق الأخضر واليابس! والسعي إلى الصلح والسلام بيين الدول, والجنوح إلى السلم كلما تيسرت سبله, هذا مع التمسك بفرضية الجهاد في سبيل الله, للدفاع عن حرمات الدين والمقدسات, وبث هيبة الأمة للوقوف في وجه الطغاة والعابثين والمفسدين في الأرض.

 

كما أوجب على العلماء والدعاة وقادة الفكر توعية الأمة بأن المقاومة فرض عين لتحرير الأرض من سلطان كل أجنبي متسلط عليها, وأولى الأراضي بالتحرير: أرض الاسراء والمعراج, التي غزاها الاستعمار الصهيوني البغيض!

 

فاغتصب الأرض وهتك العرض وشرد أصحابها وأهان كرامتهم ومقدساتهم وأحرق الحرث والنسل على مرأى من العالم أجمع, دون أن يأبه بقوى الأرض قاطبة!وواقع الحال في غزة خير شاهد على هذا, فوجب بذلك جهاد الدفع والمقاومة, قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين)([19]).

الهوامش:

([1]). لطائف الاشارات ج(3/100).

([2]). البحر المديد ج(5/317).

([3]). سورة الاسراء الاية 53.

([4]). البحر المديد ج(4/101).

([5]). سورة هود الاية 188.

([6]). سورة  هود الاية 61.

([7]). سورة فصلت  الاية 34.

([8]). سورة فصلت  الاية 35.

([9]). رواه البخاري في صحيحه,حديث رقم 3414.              

([10]). سورة الأنعام الاية 108.

([11]). تفسير القرطبي ج(7/41).

([12]). سورة الاسراء الاية 34.

([13]). التفسير الكبير للفخر الرازي ج(2/205).

([14]). فتح القدير للشوكاني ج(3/226).

([15]). تفسير الطبري ج(15/84).

([16]). سنن الترمذي(4/360) حديث رقم 1997.

([17]). سورة البقرة الاية 190.

([18]). غير المسلمين في المجتمع الاسلامي؛للدكتور الشيخ يوسف القرضاوي ص80.

([19]). سورة الأنبياء الاية 107.