العالمية والعولمة وموقف الأمة

العالمية والعولمة وموقف الأمة

 

 

العالمية والعولمة وموقف الأمة

 

 آية الله الشيخ محمدعلي التسخيري

الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الأول: الوضع الطبيعي

إذا اردنا ان نعرض الواقع الطبيعي للعالم فإنه ينبغي أن نعرضه على مستويين. تارة على المستوى النظري، من وجهة نظر الإسلام، وأخرى على المستوى الواقعي الحالي القائم. من وجهة نظر هي اقرب الى العدالة كما نتصورها.

 

أما على المستوى النظري فإن الإسلام يرى ان الوضع الطبيعي للبشرية إنما يتم إذا قام نظام عالمي شامل له قانون واحد، وله امام واحد، ويتمتع بخصيصة:

 

 امتلاك قوانين منسجمة مع الفطرة الانسانية، باعتبار ان الفطرة هي الحد المشترك بين الأفراد. والدين ينسجم تمام الانسجام مع هذه الفطرة، وهي سنة الله في خلقه كما في الآية الشريفة (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) ([1])، وهذه الفطرة تقتضي اللجوء الى الله تعالى، واستمداد الشريعة في أصولها من الله تعالى؛ لأنه أعلم بما يصلح الانسان، ويحقق العدالة في هذا الاصلاح لانه تعالى الخالق العليم الرحيم؛ فلا حيف ولا ظلم ولا جهل، والرسالة التي تأتي من الله تعالى تعتمد منطق العدل والاحسان. والعدل يقتضي عدم التمييز إلا بالصفات التي يكتسبها الفرد، وهذه الصفات هي التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ([2])، والجهاد (وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً) ([3])، والعلم (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) ([4])، كما ان هذه الرسالة تقتضي اتباع منطق الشورى في الأمر، هذا هو التصور الاجمالي للوضع الطبيعي للبشرية ـ على المستوى النظري: مجتمع واحد وإمام واحد وقانون واحد يستمد اصوله من هداية الله تعالى، ويسير وفق التشريع الإلهي.

 

أما على المستوى الواقعي الحالي والمنطق السائد فإننا إذا لاحظنا الوضع الحاضر فإنه يبدو ان الوضع الطبيعي للعلاقات الدولية والنظام الحاكم في الأرض يقتضي أن تكون هناك أمم متحدة، وقانون دولي واحد ومنظمات دولية واحدة تنظم هذه العلاقات، خصوصاً وانها مسيرة تكاملية، وحركة من التفرق الى التجمع، وان هناك مسائل لايمكن ان تعالج اليوم على اساس محلي من قبيل (مسائل البيئة الحياتية، وحقوق الانسان، والاقتصاد العالمي والتجارة العالمية والطاقة والارتباطات والقوانين الدولية لحركة السنن والطائرات والامواج الاذاعية والتلفزيونية) وان تعامل الثقافات اليوم ضرورة ملحة للشعوب ولكن هذا النظام العالمي يجب ان يقوم على أسس منها:

 

1ـ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

2ـ احترام الثقافات المتنوعة.

3ـ اتباع سياسة عامة لمحو الفقر ودعم العدالة الاجتماعية.

4ـ دعم الديمقراطية في اطار احترام القيم التي يؤمن بها المجتمع.

5ـ اتخاذ منطق الحوار للوصول الى المشتركات والتعاون في هذه المشتركات وذلك على المستويات كافة، سواء كان حواراً بين الحضارات او بين الأديان او بين المدارس والمذاهب المختلفة.

6ـ الارتفاع بالمستوى العلمي الانساني، والتعاون بين الدول في هذا المجال.

7ـ دعم قضية السلام العالمي العادل.

8ـ نفي الاحتلال والظلم والارهاب بأنواعه.

9ـ فتح المجال للمعلوماتية البناءة النافعة للبشرية.

10ـ تقوية الجوانب المعنوية الانسانية وعدم السماح للأفكار الهدامة بالظهور، من قبيل النازية والفاشية والعنصرية وباقي الأفكار الشيطانية باجماع البشرية.

القسم الثاني: ذكرنا فيه عناصر مهمة في العلاقات مع الآخرين في رأي الإسلام

وهنا نود أن نجمل الأمر، فنذكر بعض العناصر التي تلعب دورها الكبير في تحديد نوعية العلاقات الدولية للسياسة الخارجية الإسلامية، إلا أننا قبل ذكر هذه العناصر، نشير الى الأساسين الرئيسين، اللذين تقوم عليهما السياسة الخارجية الإسلامية، وهما:

 

1ـ المصلحة الإسلامية العليا على ضوء الواقع القائم.

2ـ الروابط والرحمة الانسانية، والصلات الخلقية.

 

والواقع ان كل التشريع الإسلامي يستقي من هذين المعنيين، بل يمكننا القول ـ عند التعمق ـ انهما يعبّران عن موقف واحد، فلم يكن الإسلام ليقصد إلا أن يضع الانسان على طريق تكامله، ويفجّر طاقاته، وينفي عن حياته كل المعوقات التي تقف في وجه مسيرته، المستمدة من هدي الرسولين، الداخلي والخارجي، أي الفطرة والتشريع.

 

والواقع الذي لاشك فيه أن الواقعية والروح المناقبية تعتبران من أهم سمات التشريع الإسلامي في شتى جوانبه، وما سنراه فيما يلي من أسس انما ينبثق عن هاتين الصفتين الرئيسيتين.

أما العناصر التي وددنا التركيز عليها في نظرتنا السريعة هذه، فهي كما يلي:

أولاً: العمل على ابقاء الامة نموذجاً أعلى للمجتمعات البشرية

فالأمة الإسلامية التي يصفها القرآن: هي الأمة الوسط، والوسطية هنا بلا ريب يراد بها النموذج الأسمى، وما يمكن استفادته من تعبير واسطة العقد، حيث الجوهرة الثمينة التي تتبعها الجواهر الأخرى فيه. وهي الأمة الشاهدة، وهي خير أمة أخرجت للناس، وعلى هذا فالسياسة الخارجية الإسلامية تسير بشكل منسجم مع مجموع السياسات الداخلية باتجاه تحقيق هذا الأمر بشتى الوسائل والسبل، أي سواء على الاصعدة السياسية، او الاعلامية، او الاجتماعية، او العسكرية، او غيرها.

 

إن هذا العنصر يدفع الأمة الى التعالي والتكامل في كل حقل، والاستفادة الأكمل من تجارب الآخرين، واستغلال كل تسابق في سبيل تحقيقه.

 

انه يعني الانفتاح على كل مجالات الحياة، وحمل رسالة انسانية حضارية كبرى، نقول هذا ونحن نعترف بأنّ أمتنا ـ نتيجة عوامل كثيرة ـ قد اقصيت عن هذا الدور الطليعي الذي أهلت له، ولكن هذا لا يعني أن لا تظل تلح على الوصول اليه، او تنساه عندما تحاول او تؤصل اية علاقة دولية.

ثانياً: المبدئية في التعامل

وهي سمة عامة في كل خط سياسي سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، ذلك:

 

أن الدولة الإسلامية دولة عقائدية، تؤمن بمبادئ تصورية تقوم على أساس منها خطوط عملية تستوعب حياة الانسان الفرد والمجتمع.

 

ولهذا فهي تقترب من الآخرين بمقدار قربهم من المبدأ، وتبتعد عنهم بنفس المقياس، وهي لا تتعامل معهم إلا من خلال الامتدادات التي يسمح بها المبدأ … فعلى ضوء المبدأ يتحدد نوع العلاقات الدولية، وكونها ودية، او حسنة، او سيئة في الأصل.

 

أما العلاقات الاخوية فلا تقوم إلا بين المؤمنين، وذلك لأنها علاقات سامية، قد تعني وحدة الأفراد في مختلف الشؤون وليس هناك إمكان أن يصلها أناس يختلفون على قضية الايمان.

ثالثاً: نفي السبيل على المؤمنين

وتعتبر هذه القاعدة من أروع قواعد السياسة الخارجية، وربما كانت في بعض جوانبها تطبيقاً للقاعدة الأولى، كما تعبِّر عن علو الإسلام على غيره من الأنظمة، وكرامة المسلمين التي يجب أن لا تُمسَّ مطلقاً.

 

وبموجب هذه القاعدة فإنّ أي تصرف او معاهدة او عقد يؤدّي الى تفوق الكافرين على المسلمين يعد ملغياً من أساسه ـ وكما يعبر الفقهاء ـ فإن هذه القاعدة شأنها شأن قاعدة (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وقاعدة (نفي العسر والحرج) تعد من القواعد الثانوية التي تستطيع أن تحكم على الأحكام الاولية بمجموعها، اللهم إلا تلك التي تتضمن بنفسها تحمل الضرر في سبيل تحقيق غاية أسمى كالجهاد.

 

وتستند هذه القاعدة الى أدلة، منها: الآية الشريفة:

 

(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) ([5]).

 

ومنها الأحاديث التي تطبقها في بعض الموارد، كالحديث الوارد بما نصه:

 

(الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، والكفار بمنزلة الموتى، لا يحجبون ولا يورثون) ([6]).

 

كما تستند الى اجماع الفقهاء، وربما أمكن أن يقال: إن روح التوجهات الإسلامية، وملاحظة المناسبات بين الحكم والموضوع، تقرر هذه الحقيقة بوضوح، و(لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) ([7]).

 

وينبغي أن ننبه هنا الى أنّ هذا التوجه لا يعبر عن نوع من التكبّر ـ كما يقول البعض ـ وانما هو تقرير حقيقة علوّ النظام الإسلامي على غيره، باعتباره النظام الأكمل، وبالتالي افضلية تابعيه، فهو يعمل على أساس من معيار إنساني. نعم، يمكن أن يناقش او يتساءل أحد عن أصل المعيار، ويتحول البحث حينئذ الى الأدلة. أما أن يطلق القول على عواهنه، ويعتبر ذلك بشكل عام عملاً عنصرياً، فهو من أشد الظلم.

 

إنها قاعدة تعاملية مهمة، لها تطبيقاتها في مختلف المجالات، ومنها: المجالات السياسية.

 

وليس هنا بأروع من تطبيقها اليوم، في تعاملنا مع القوى العظمى، التي تعمل على ابتلاع العالم ونهب ثرواته، وعبر بعض الأساليب الخدّاعة.

 

وتعد حادثة تحريم شراء وبيع التبغ الداخلي والخارجي لبريطانيا، من خلال تاجر انكليزي يدعى (رجي) تطبيقاً لهذه القاعدة في ايران، حيث سلّط الشاه الظالم الكافرين، على جانب اقتصادي إسلامي، فاصدر الميرزا الشيرازي فتواه المعروفة القائلة:

 

(إن استعمال التبغ ومشتقاته حرام اليوم، وانه يعدّ بمثابة اعلان الحرب ضد الامام المهدي ـ عج ـ ).

 

والتطبيق السياسي الثاني المعاصر: هو الموقف الحازم الذي وقفه الامام الخميني من معاهدة الكابيتولاسيون (أي الاشتراط) ويعني: اشتراط ان لا تطبق على السكان الاجانب في ايران إلا قوانين دولهم، حيث يقوم قنصل الدولة المذكورة بتطبيقها.

 

وما كانت تعني إلا نوعاً من الحصانة القضائية للأجانب، وتسليطهم على رقاب المسلمين، وقد قام نظام الشاه المقبور بعقد هذه المعاهدة في عام 1963م، فنهض العلماء الكبار ـ وفي طليعتهم الإمام القائد ـ ضد هذا العمل المنافي للإسلام والعدالة، مما أدّى به الى إبعاده من قبل الحكم الطاغي الى تركيا. والواقع أن بذرة الثورة الإسلامية الكبرى غرست في ذلك اليوم. والرائع ان الإمام استهل بيانه الجريء وفتواه بالآية القرآنية الشريفة: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) ([8]).

 

ولو  أن الأمة الإسلامية، أو هؤلاء القائمين عليها، راعوا هذه القاعدة في تعاملهم، لما أصيبت الأمة بالحالة التي هي عليها الآن قطعاً.

 

ومن الجدير بالذكر: إن العناصر الثلاثة الماضية تشكل أساساً لروح الاستقلال، والترفع على أي نفوذ أجنبي مذل.

 

رابعاً: التوعية قبل أية خطوة أخرى

 

الإسلام دين التوعية والتربية … وهو بمقتضى واقعيته وفطريته يقرر لزوم القيام بتوعية أي انسان يراد له أن ينضم الى معسكره، وأي مجتمع يراد للإسلام ان ينفذ الى عمقه … انه يعرض جوهرته الثمينة، لأنه يعلم أن قيمتها ستنكشف بكل وضوح للجميع … ولذا فهو يرفض أي تقليد في العقيدة، ويدعو الى البحث والبرهنة، (قل هاتوا برهانكم) وهو يرفض أية عملية إكراه عقائدي (لا إكراه في الدين) كما يريد من الأمة أن تكون من أولي الأيدي والأبصار، قوية في بصرها وبصيرتها … وفي مجال التعامل مع الآخرين يأمر بالدعوة البيّنة الواضحة قبل كل شيء، يقول القرآن الكريم: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) ([9]).

 

(فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم) ([10]).

 

(ومن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) ([11]).

 

(قل هذه سبيل أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) ([12]).

وفي هذا يقول آية الله السيد محمد باقر الصدر في كتابه (اقتصادنا):

 

(والأمر الآخر: أن يبدأ الدعاة الإسلاميون ـ قبل كل شيء ـ بالإعلان عن رسالتهم الإسلامية، وايضاح معالمها الرئيسية، معززة بالحجج والبراهين، حتى إذا تمت للإسلام حجته، ولم يبق للآخرين مجال للنقاش المنطقي السليم، وظلوا بالرغم من ذلك مصرّين على رفض النور … عند ذلك لا يوجد أمام الدعوة الإسلامية ـ بصفتها دعوة عالمية تتبنى المصالح الحقيقية للانسانية ـ إلا أن تشق طريقها بالقوى المادية، بالجهاد المسلح) ([13]).

 

وقد جاء في كتاب الكافي للمرحوم الكليني عن الصادق (عليه السلام) قوله:

 

(قال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول الله (ص) الى اليمن، فقال: يا علي لا تقاتلنّ أحدأً حتى تدعوه الى الإسلام، وأيم الله لأن يهدي الله عزّ وجل على يديك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي) ([14]).

 

إنه اسلوب القرآن قبل كل شيء، الذي علّمه الله لموسى وهارون (ع) (اذهبـا الى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكّر او يخشى) ([15]).

 

انه الدعوة ـ حتى عند مواجهة الطواغيت ـ عسى أن يهتدوا الى الحق.

 

وها نحن نجد الرسول العظيم يكرر عبارة (ادعوك بدعاية الإسلام) في رسالته الى شاه ايران، وقيصر امبراطور الروم تطبيقاً لهذا التعليم الإسلامي السامي.

 

وهكذا راح الدعاة يبثون الدعوة الى الأقطار. وقد ذكرت اسماء بعض الدعاة الى الله، ومنهم:

 

عبدالله بن حذافة السهمي ـ مبعوث الرسول (ص) الى ايران.

 

حاطب بن أبي بلتعة ـ مبعوث الرسول (ص) الى مصر لدعوة المقوقس.

 

دحية الكلبي ـ مبعوث الرسول (ص) الى روما.

 

عمرو بن أمية ـ مبعوث الرسول (ص) الى الحبشة.

 

سليط بن عمرو ـ مبعوث الرسول (ص) الى اليمامة.

 

عمرو بن العاص ـ مبعوث الرسول (ص) الى عمان.

 

حرملة بن زيد مع وفد معه الى مدينة (أبلة) الواقعة على ساحل البحر الأحمر.

 

المهاجر بن أبي أمية ـ مبعوث الرسول (ص) الى ملوك حِمْيّر.

 

خالد بن الوليد ـ مبعوث الرسول (ص) الى همدان (مدينة قرب بحر عمان).

 

علي بن أبي طالب (ع) ـ مبعوثه الثاني الى هذه المدينة.

 

حذيفة بن اليمان ـ مبعوث الرسول (ص) الى الهند.

 

عبدالله بن عوسجة ـ مبعوث الرسول (ص) الى قبيلة حارثة بن قريظ.

 

جرير بن عبدالله البجلي ـ مبعوث الرسول (ص) الى قبائل ذي الكلا.

 

وغيرهم ممن حمل مهمة الدعوة الى الشعوب.

 

وإذا اردنا ان نجد التطبيقات السياسية لهذا الأصل في التعامل الدولي، أمكننا أن نلحظها في بعثات الإيضاح المرسلة من هنا الى هناك، وفي اساليب توضيح الحقيقية عبر الوسائل السمعية والبصرية. وفي مذكرات الايضاح الموجهة، والمذكرات التفسيرية المقدمة الى المؤتمرات الدولية.

 

ومما تتميز به العلاقات الدولية الإسلامية: أنها تنظر الى عملية التوعية والايضاح كرسالة الهية ومبدأ ضروري يجب الالتزام به قبل القيام بأية خطوة عسكرية او سياسية او غيرها تجاه الدول الأخرى.

 

اما ما نجده من السياسة الماكرة القائمة بالفعل، فهو اعتماد هذه السياسة التوضيحية باعتبارها مناورة سياسية فإذا لزم الأمر، قلبت الحقائق، وتغيرت الموازين.

 

ونذكر هنا بان الإسلام قدم للبشرية وللمسلمين بالاخص ارشادات رائعة تؤكد على:

 

1 – ان ينطلق الحوار من مبادىء ثابتة لا اسماءً موهومة.

2 – ان يكون موضوعياً.

3 – ان يتم في جوخال من التهويل بل يتبع التي هي احسن.

4 – ان يبتعد عن الجدال العقيم.

5 – ان يستهدف غايات بنبيله.

 

وغير ذلك.

خامساً: مراعاة العدالة في التعامل

يشكل  العدل أهم اصول التصور الإسلامي عن الواقع.

(شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة وأولو العلم، قائماً بالقسط) ([16]).

 

وأهمّ الأسس عند التعامل الاجتماعي.

 

(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله) ([17]).

 

ومن الطبيعي أن يأتي التأكيد على العدالة حين تثور الإحن والشنآن، ويكاد العدل ينسى من البين، وحينئذ تقول الآية:

 

(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ([18]).

 

وإذا لاحظنا أن العدل في التعامل مع الأجانب عن دار الإسلام يلحظ فيه واقعهم القائم، أدركنا البعد الانساني في هذا لأصل، وهذا ما تؤكده أحكام الإسلام في الجهاد والعهد والإجارة وغيرها.

 

وهو ما يفسر وقوف الدولة الإسلامية الى جانب قضايا المستضعفين والمحرومين في الأرض، ومقارعة الظلم والطغيان في كل مكان، حتى لو لم يكن الأمر يمسها من قريب، وعملها على نفي العلاقات الظالمة بين الدول.

 

فليس وقوفنا الى جانبهم وقوفاً مصلحياً دعائياً، حتى إذا ما تسنّى لنا الأمر ومنحتنا المقادير أزمّتها رحنا نسومها سوء العذاب، وهو ما نجده من القوى العظمى، شرقيّها وغربيّها.

 

وإنما هو موقف مبدئي أصيل، قائم على أساس متين، متى ما خالفناه ـ وفي أية لحظة ـ خرجنا عن الخط الإسلامي القويم، ودخلنا في عداد المستكبرين، الذين يقول فيهم تعالى:

 

(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتُقطّعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم) ([19]).

 

إن القرآن على العكس من ذلك، يعطينا صورة الجماعة المسلمة المتمكنة، بقوله:

 

(الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) ([20]).

سادساً: مبدأ تأليف القلوب

وهو مبدأ يمثل ايجابية الشريعة الإسلامية بكل وضوح، كما يعكس واقعيتها في نفس الوقت.

 

ففي الجو الذي يتم فيه تأليف القلوب، تنفتح النفوس للحقيقة، وتتقرب الى الواقع، والأصل في هذا المبدأ هو: سهم المؤلفة قلوبهم في مصارف الزكاة، حيث فتح هذا مجالاً للعمل المنظم لتحقيق ذلك، عبر الوقوف الى جانب كل المستضعفين، والدفاع عن قضاياهم، وجلب القلوب الى الإسلام.

 

ورغم أن الفقهاء يختلفون في مساحة هذه القلوب المؤلفة، وهل تختص بغير المسلمين، أم تشمل المنافقين، أم تعم بعض المسلمين ضعيفي الإيمان، إلا أنّ الذي يبدو من روح الإسلام واتجاهاته الاقتصادية، ومن أقوال فقهاء الشيعة والسنة ـ ومنهم الإمام الخميني القائد ـ أنه مبدأ عام، وأصل يتيح للدولة الإسلامية أن تلحظ المصلحة أينما تكون. ومن هنا فمن الطبيعي أن يشكل عنصراً إسلامياً، له دوره في تحديد العلاقات الدولية، وتقديم المساعدات الى مختلف الدول والشخصيات والجمعيات على شتى مذاهبها.

 

ولئن كان هناك بعض البحث في لزوم العمل بهذا المبدأ في عصر معيّن، وبالنسبة لأشخاص معيّنين، بعد وفاته (ص) فإنّه لا شك في إسلاميته اصلاً، ولزومه في العصور الأخرى.

 

على أننا ننبه هنا الى أنّ هذا السهم المعطى للمؤلفة قلوبهم لا يختص مورده بباب الزكاة، وإنما نجد الإسلام يسمح للإمام بأن يقوم بالإنفاق بما يحقق مصلحة الإسلام العليا من أموال الدولة، وتفصيل هذا يذكر في البحوث الاقتصادية الإسلامية.

 

وبانفتاح هذا الباب نجد المجال السياسي لتطبيقاته واسعاً جداً يشمل كل المعونات الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تقدمها الدولة في سبيل تقريب القلوب الى مبادئها … إلا أنّ من الواضح فيه ملاحظة مدى ما يعود به من نفع على القضية الكبرى بغض النظر عن أية منافع سياسية ضيقة.

سابعاً: احترام العهود والعقود والاتفاقيات الدولية

وهذا الأصل هو من أهم الأصول التي تعتمدها السياسة الإسلامية الحقة، وكما قلنا من قبل، فإنه يستمد من الواقعية التي تتسم بها النظرة الإسلامية من جهة، واحترام مقتضيات الحق من جهة أخرى.

 

فالقائد الإسلامي يفكر ملياً في أيّ عهد او عقد يعقده، ولكنه إذا عقد العقدة ـ مستوفية لكل شروطها ـ التزم بها تمام الالتزام.

 

(وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً) ([21]).

 

والعهود التي تعطى للدول الأجنبية او الأجانب، تارة تدخل ضمن عقود صرّح بها الإسلام، وحدّد لها قوانينها العامة، فيجب الالتزام بذلك، وأخرى تسير بمنحى مستقل، يرى وليّ الأمر أن يعقدها لأنّها تحقق المصلحة الإسلامية العليا.

 

فمثال الأول: عقد الذمة، وعقد الهدنة، وعقد الأمان. ومثال الثاني: كل العقود الأخرى والتي تعقد على الصعيد العسكري والاقتصادي، وأمثال ذلك.

 

وتستمد التعاليم الإسلامية ـ الخاصة بهذا العقد او ذاك ـ من نصوص القرآن الشريفة، والأحاديث المباركة، وعمل الرسول (ص).

 

ففي مجال عقد الذمة: تستفاد بعض الأحكام من الآية الشريفة: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) ([22]).

 

وهناك عقود أهل الذمة التي عقدها (ص) مع نصارى نجران وبني تغلب ومجموعات من اليهود.

 

ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل هذه العقود، وإنما نريد التأكيد على أن مسألة العهود تحتل جانباً مهماً من الفقه الإسلامي، وتستمد خطوطها العريضة من القرآن الكريم.

ثامناً: التعامل بالمثل

يقول تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتقين) ([23]).

 

وإذا كان مبدأ القصاص من جهة، ومبدأ جزاء الإحسان بالإحسان من جهة أخرى، مبدأين واقعيّين يرتضيهما المنطق الإنساني في التعامل الفردي والاجتماعي الداخلي، فإنّهما كذلك في مجال التعامل الدولي، بل ربّما عاد أحدهما من الضرورات، إما لردع الأعتداء، وإما لجلب القلوب.

تاسعاً: نظام الجهاد بمختلف أنواعه

وهو باب واسع الأبعاد والفروع، حاول الإسلام فيه تنظيم الأعمال الحربية، مستهدفاً تحقيق الأهداف الإسلامية العليا، من خلال رفع الموانع في سبيل الدعوة الإسلامية، والحفاظ على محورها المتحرك. كل ذلك مع ضمان أكبر لالتزام الأساليب الانسانية الممكنة ولن نتحدث طويلاً عن هذا الباب لسعته وضيق مجالنا عنه.

 

كانت هذه بعض الأسس القرآنية للتعامل الدولي، أشرنا اليها في لمحات سريعة، تاركين التفصيل فيها الى مظانه، وملاحظين أنه قد يكون البعض فيها داخلاً في اطار البعض الآخر، كما في مسألة المبدئية في التعامل مثلاً، او نظام الجهاد.

 

القسم الثالث: الاتجاهات العالمية لدى النظم

هناك اليوم ثلاثة ومذاهب متنافسة هي الإسلام، الاشتراكية، الرأسمالية. وهي تمتلك جميعاً توجهات عالمية، وهنا أؤكد على انه لا فرق من حيث هذا التعريف بين العولمة والعالمية. و الإسلام باعتباره آخر حلقة من حلقات الدين الإلهي جاء ليصلح البشرية، باعتباره طريق خلاصها الذي اراده خالق البشرية، وهو بذلك يركز على الفطرة الانسانية المشتركة بين ابناء البشر، ويعتمد منطق الحوار والاقناع، ويعرض نفسه باعتباره السبيل الوحيد لخلاص البشرية، هذا الإسلام استخدم، لتحقيق اهدافه، عملية التغيير الفردي والتغيير الاجتماعي، وسعى لحذف الحدود الجغرافية والحدود اللونية واللغوية، وإقامة مجتمع عالمي يطبق قانوناً واحداً، ويتبع قائداً واحداً، ويمتلك احاسيس مشتركة، وأهداف انسانية واحدة. وهذا الاتجاه العالمي يبدو في كثير من النصوص الإسلامية، مثل قوله تعالى: (قل يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعاً) ([24])، وقوله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين) ([25]).

 

وهناك نصوص كثيرة تؤكد على عالمية الإسلام منذ انطلاقته الأولى خلافاً لما يدعيه بعض المستشرقين والمؤرخين؛ من أن العالمية الإسلامية جاءت بالتدريج ولا مجال هنا للتفصيل في هذا المجال.

 

فالإسلام إذاً انطلق باتجاه عالمي وما زال، عبر العصور، يؤكد هذا الاتجاه، ويؤكد وحدة المنطلق الانساني، والمسير والهدف، هذا هو رأي الإسلام، أما الاشتراكية فهي ايضاً عندما طرحت فلسفتها عن التاريخ طرحت مسألة المادية التاريخية، والمراحل التي اشتهرت في هذه المادية، حيث تنتقل البشرية من مرحلة العبودية الى المرحلة الاقطاعية، الى الرأسمالية التجارية، الى المرحلة الرأسمالية الصناعية، الى المرحلة الاشتراكية، وبالتالي الى المرحلة الشيوعية، عبر بعض القوانين ومنها صراع الأضداد الاجتماعية هذا التصور اعطى الاشتراكية نظرتها العالمية في ايجاد تحول عالمي في مسيرة الانسانية. وواضح ان الاشتراكية اعتمدت في هذا المجال قضية صراع الطبقات، والثورة والنظام الحديدي الاشتراكي، الذي يوصل المجتمع الى الجنة التي يتصورها الاشتراكيون، وهي الشيوعية([26])، وقد فشلت هذه الرؤية سواء على الصعيد النظري او على الصعيد التطبيقي في اثبات ذاتها.

 

هذا بالنسبة الى الاشتراكية، أما بالنسبة الى الرأسمالية؛ فقد انطلقت منذ بداية حركتها دون أساس ايديولوجي([27])، ولم تكن تهتم بالأساس الايديولوجي، وانما همها تنظيم الحياة، واقامت نظامها على اساس الحرية الفردية الرأسمالية، ولكنها عندما انطلقت وواجهت اتساع الأفكار المعادية لها، راحت تأخذ من الاشتراكية شعاراتها وتستبدلها بشعارات مقابلة، من قبيل العدالة الاجتماعية؛ حيث استبدلتها بمسألة حقوق الانسان، والتنمية الاقتصادية؛ حيث استبدلتها بمسألة السوق الحرة ونمو الانتاج، وبالتالي فإنها اخذت شعار الأممية البروليتارية واستبدلته بشعار العولمة الرأسمالية، إذ انها عندما انطلقت انطلقت محلية وكان تركيزها على الغرب، ولم تطرح نفسها بشكل عالمي، إلا بعد أن توفرت ظروف مناسبة لذلك، فراحت تطرح مفاهيم العولمة اما النظام العالمي الجديد فهو مصطلح استعمله الغرب سياسيا في فترة مبكرة لكي يفرض هيمنته السياسية وقد اتخذ في فترات متفاوتة قوالب متعددة. تبعا لسخونة الحرب وبرودتها.

 

وهنا نذكّر بالمراحل التي ذكرها (روبنسون) فقد تصور (روبنسون) ان العولمة الرأسمالية مرت بمراحل هي المرحلة الجنينية، وتبدأ منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى منتصف القرن الثامن عشر، بسيادة القومية والجغرافية، ثم مرحلة النشوء، التي رآها تستمر حتى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر بتبلور مفاهيم العلاقات الدولية ثم مرحلة الانطلاق وأوصلها الى عشرينيات القرن العشرين بظهور المفاهيم الكونية، ثم مرحلة الصراع من اجل الهيمنة حتى منتصف الستينات، حيث ظهرت الامم المتحدة، ثم مرحلة الاتصال وادماج العالم الثالث، والتعدد الثقافي، وبالتالي تصور اوج العولمة في الثمانينات والتسعينات([28]). وهذا التصور كما نعتقد مصطنع وفرضي ولا واقع له، لأن الرأسمالية لم تنطلق بنظرة عالمية مطلقاً، وانما كان تركيزها على الغرب والدول الغربية بشكل جغرافي لا غير، ولكن الظروف التي حصلت في اواخر القرن العشرين دعت لطرح مفهوم العولمة كما يبدو للباحث. فإن تنامي القدرة الغربية وامتلاكها المعلوماتية الضخمة وقدرة الاعلام النافذ الى كل انحاء العالم من جهة، وكذلك تعاظم القدرة الإسلامية وانتشار النظرة الشمولية الإسلامية، التي شكلت في نظر الغرب خطراً على كل الحضارة الغربية من جهة ثانية، وانهيار الاتحاد السوفيتي كقدرة منافسة، كل هذه الأمور فسحت المجال لطرح نظرية العولمة على هذا المستوى الواسع.

القسم الرابع: تعريف العولمة

لا ريب ان تعريف العولمة غامض والتعاريف المقدمة متناقضة ومتنوعة، والحقيقة إن الإنسان يدرك من خلال معرفة نوع التفسيرات والتعاريف؛ إن العولمة هي محاولة نفي الحضارات غير الغربية، وتحميل الرأسمالية، ومحاولة فرض الأمركة والهيمنة على العالم. ونذكر في هذا الصدد ثلاث محاولات:

 

1ـ تعريف اللجنة الدولية عام 1995م وهو يفسرها بالتداخل بين أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك عبر رفض الحدود والانتماء الوطني والاجراءات الحكومية([29]).

 

2ـ بعض التعاريف العربية للعولمة بأنها حقيقة التحول الرأسمالي في ظل هيمنة الدول المركزية وسيادة نظام عالمي غير متكافئ، وهناك تعريفات اقتصادية او ادبية او تعاريف باعتبار اللوازم (للجابري) و(التيزيني) وغيرهما([30]).

 

3ـ تعريف (روزناو) الاميركي ويطرح تساؤلات: هل تنطلق العولمة من التجانس، او تعميق الفوارق؟ وهل لها مصادر واحدة او متفرقة؟ وهل لها ثقافة واحدة او متعددة؟ وبالتالي يعتبر ان هناك ثلاثة عناصر دخيلة في العولمة، هي ازالة الحدود وابراز تشابه المجتمعات الكبرى وفرض طريقة حياتها على الآخرين([31])، ومن هنا نستطيع ان نقول: أن العولمة في الواقع هي محاولة امركة العلاقات السياسية والحقوقية والاجتماعية، عالمياً، وفرض ثقافة الهيمنة الغربية على الآخرين فهي من أخطر الأفكار الشيطانية. وقد استفاد الغرب من قدرته التكنولوجية والعلمية والثقافية والعسكرية لطرح هذه الفكرة، كما قام بعض الفلاسفة والكتاب بالتمهيد النظري لها، وكلنا يعرف نظرية (هانتنكتن) التي تركز على الحضارة الغربية وتعتبرها تتميز بالتسامح والانسانية والتعددية، في حين تصف الحضارات غير الغربية بالاستبداد والانغلاق على الماضي، والفشل في حل المشكلات الانسانية، كالفقر والبطالة ومستوى المعيشة، وكثرة الانجاب والديكتاتورية. وهي تقترح على الغرب أن لا يتعاون مع غيره، ولا يصدّر التكنولوجيا، ويوحد نفسه اقتصادياً وسياسياً وادارياً، وترى ان الحضارة الغربية تعتمد على الأرث اليوناني والمسيحية الغربية والعلمانية، وسيادة القانون والتعددية الاجتماعية والمجتمع المدني وحقوق الانسان، وهي أمور تميزت بها الحضارة الغربية ولا تتحقق في حضارات اخرى. ويأتي (فوكوياما) ليجعل النظام الرأسمالي غاية التاريخ، ويرى ان المجتمعات كلها يجب ان تتجه نحو الرأسمالية، ويجب توفير الشروط السياسية والاجتماعية، وأهمها تطوير البنية الاجتماعية نحو المساواة واللاطبقية واللاطائفية، وايجاد تفسيرات دينية مرتبطة بهذا التطور، وكذلك قيام المجتمع النامي لايجاد المؤسسات الوسيطة بين الأفراد والدولة، كما يجب عدم المبالغة بالتمييز القومي مما يدعو للعزلة الحضارية، ويدعو الى تفسيرات مستنيرة للنصوص الدينية، وينتقد كل الحركات المتطرفة، ويدعو لتوجه الصفوة لدعم القيم الديمقراطية والحريات؛ فهو اذن يجعل المجتمع الرأسمالي الغاية التي يجب ان تسير اليها كل الحضارات([32]).

 

كذلك نجد (بيدهام برايان) المفكر الانكليزي في سلسلة المقالات التي نشرها في مجلة الايكونومست خلال عام 1994 يؤكد ان هناك تشابهاً بين الوضع الإسلامي في القرن الخامس عشر الهجري ووضع اوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي، ويرى ان كلا الوضعين متشابهان في توفر الارضية المناسبة للاصلاحات، وفي نوع المؤسسات الدينية لدى المسلمين ومؤسسات الكنيسة في القرن 15 م وفي المستوى البائس لديهم، وفي الشوق لتحسن الاوضاع، ويرى ان هناك عاملاً خارجياً يحرك هذه الحالة ويدعمها، ففي الوقت الذي شكل فيه (المسلمون) العامل الخارجي لتطوير اوروبا في حينها، يشكل الغرب اليوم عامل دفع للعالم الإسلامي نحو التطور والتقدم ويرى ان التحرك يبدأ من الإسلاميين المتحررين الذين يؤمنون بالديمقراطية، ولابد من التحرك بقوة لدعم هؤلاء، وفي ختام مقالاته يوجه الى العالم الإسلامي توصيات ثلاث لكي يتأهل للتعامل مع الغرب والدخول في ركب الحضارة الانسانية السائدة هي:

 

1ـ الانسجام مع الاقتصاد الحديث.

2ـ القبول بفكرة المساواة بين الرجل والمرأة.

3ـ العمل على تمثل القواعد الديمقراطية وتطبيقها في نظم الحكم([33]).

 

هذا وقد شملت عملية التمهيد لنظرية العولمة والأمركة المجالات المعلوماتية كما في مجال الانترنيت والفضائيات، كما شملت عملية السيطرة على المنظمات الدولية، فإن استجابت لهذا الهدف وإلاّ تمّ تجاوزها وراح التخطيط لفرض السياسة الأميركية على العالم. وقد استغلت اميركا حوادث 11 سبتمبر لتطرح نفسها القوة الاولى في العالم، والمسيطرة على كل مقدراته السياسية كما جاء التخطيط للسيطرة على الثقافات والقيم، والتدخل في التشريعات الاجتماعية، كما رأينا في مؤتمرات الاسرة في القاهرة وكوبنهاغن، ومكسيكو سيتي، وبكين وغيرها؛ حيث تم التدخل في الأمور التشريعية الاجتماعية تحت شعار حماية حقوق الانسان([34]).

القسم الخامس: الآثار السلبية للعولمة

لقد توضحت للعالم جميعاً الآثار السلبية التي تركتها هذه الفكرة المخربة، ولذلك وصفت العولمة بكثير من الأوصاف منها العولمة المتوحشة او العولمة المجنونة او العولمة الفخ، او وصفت بأنها أما أن تأكل او تؤكل، وقد ذكرت الدراسات المتنوعة هذه الآثار السلبية التي نشير الى بعضها:

 

1ـ سيطرة القوى الكبرى على حركة الاقتصاد العالمي والمصادر الانتاجية والتبادل المالي والتجارة، حتى قيل ان هناك 500 شركة تسيطر على 70% من حجم التجارة العالمية، وان هناك 20% فقط يعيشون في اكتفاء ذاتي في حين يقبع 80% في عالم التبرعات. وان ما تكسبه الولايات المتحدة من حركة تحرير التجارة لايقل في المتوسط عن 200 مليار دولار سنوياً منذ انشاء منظمة التجارة العالمية وحتى عام 2005 بينما تقدر خسائر الدول الافريقية بحوالى 209 مليار سنوياً([35]).

2ـ سيطرة اميركا على وسائط نقل المعرفة.

3ـ كسر هيبة الدول الصغيرة، وقدرتها على النمو.

4ـ التدخل في التقنين الداخلي لباقي الشعوب كما رأينا في مؤتمرات الأسرة وغيرها.

5ـ الغزو الثقافي لكل المناطق، ومحاولة استئصال الثقافات الأخرى. فهي تدعو الى تطبيقات عصر ما بعد الحداثة والغاء دور الدين وقد نادى الفيلسوف دجاك دريدا الى حل المؤسسات الدينية والتعليمية([36]).

 

وها نحن نجد الغرب يسوق بعض مفاهيمه على انها مفاهيم مسلمة وعلى العالم ان يلتزم بها من قبيل (الديمقراطية) و (الحرية الفردية) و (الحرية الجنسية) بل راح اخيرا يجعل (العلمانية) مبدأ انسانيا لايمكن تركه، وهكذا يمكن الحديث عن النماذج الاقتصادية الغربية في الاستهلاك من زاوية ثقافية وكذلك من الممكن الاشارة للغزو الثقافي الواسع الابعاد والعمل على محو الهويات الوطنية وايجاد هويات مجازية ومصطنعة بواسطة وسائل الاعلام الواسعة التأثير.

 

6ـ التقليل من شأن المحافل الدولية، واستغلالها لصالح هيمنة القوى الكبرى، كاستغلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من المنظمات لتنفيذ السياسات المصلحية  وقد رأينا قبل أيام ان رئيس دولة غربية يعلن ان الناتو والقوى الغربية وجّهوا اكبر ضربة للنظام العالمي لاستغلالهم المحافل الدولية([37]).

 

7ـ تلويث البيئة نتيجة الجشع الذي ابتليت به القوى الكبرى.

 

8 — وهناك عمل رهيب على تغيير الخارطة السياسية في بعض المناطق (من قبيل منطقة الخليج ومنطقة شمال افريقيا، وروسية وتايوان) وربما لايجاد سايكس بيكو جديدة.

 وهناك آثار سلبية كثيرة اخرى للعولمة نعرض عنها فعلاً.

الموانع بوجه مخططات العولمة الاميركية (المتفردة)

ونحن نجزم بان اميركا التي تقف وراء حركة العولمة هذه، لن تستطيع ان تحقق مآربها رغم ما تملكه من امكانات. فهناك موانع كثيرة امامها ومنها:

 

1 – وقوف دول كبرى وتكتلات عالمية مختلفة المصالح بوجهها.

2 – وقوف الشعوب بوجه مخططات الرامية الى مسخ الهوية بل وربما الاحتلال المبطن.

3 – حصول الازمات العالمية على مختلف الصعد وخصوصا الاقتصادية كازمة الطاقة التي قد تشعل النظام العالمي كله.

4 – عدم امكانها الاستمرار في عملية تحدي نظام العلاقات الدولية وتخطي المؤسسات العالمية مما يحرك العالم ضدها.

5 – تنامي الوعي العالمي لهذه المخططات بنفسه يؤدي لارتفاع وتيرة المقاومة ومن هنا يمكن ان تتحول الوسائل الحديثة التي تستغلها العولمة الى ادوات تنمي عنصر الوعي بمخططاتها.

6 – الوعي الديني المتنامي للشعوب فهو يشكل المانع الاكبر بوجه المخططات التي تعمل على محوه.

بين العالمية الإسلامية والعولمة الغربية

وقبل ان نطرح تصورنا لما يجب ان تفعله الامة، نحاول ان نلخص الفروق بين عالميتنا وعولمتهم فيما يلي:

ان العالمية الإسلامية تمتاز بانها:

* عالمية اقناعية لاتفرض على الشعوب ايديولوجيتها ولاتحاول سلبها ثقافاتها ونمط حياتها، وانما تعمل على التعايش والتفاهم معها وهذا ما تثبته النصوص الإسلامية وتؤكده الوقائع التاريخية المنسجحمة مع النصوص فلا اكراه عقائدي ولامسخ ثقافي ولا محو عنصري.

* وهي لاتعمل على سلب حقوق الآخرين ونهب ثرواتهم.

* وهي لاتعمل على اشاعة مفاهيم مصلحية كتعميق مفاهيم الاستهلاك بل توازن في اتجاهاتها بين الانتاج البشري والحاجة العامة نافية اي كفر بنعم الله واي ظلم في التوزيع مستهدفة قبل كل شيء سعادة الانسان وكرامته رافضة الاسراف انتاجا او توزيعا.

* كما انها لاتتحرى ما يوجب الاضرار بالافراد او الجماعات او المجتمعات بل تعمل على اعطاء كل ذي حق حقه موفرة الامن بكل انواعه للجميع.

* وهي لاتحاول فرض هيمنة شعب او طبقة او فرد على الآخرين ، وتتصدى لكل انواع الديكتاتورية والتعالي وتعتبره مظهرا للطاغوت معتبرةً ان الصراع ضد الطاغوت هو احد هدفي الانبياء الى جانب تعبيد الارض لله.

* وهي تعمل على نشر القيم الانسانية والاخلاق الحميدة كهدف لاتحيد عنه.

* وتعمل بواقعية اصيلة على ان تتجلى باقي المظاهر الانسانية في السلوك الفردي والاجتماعي والدولي.

* ومن هذه العناصر الفطرية العدالة التي يعمل الدين لتحقيقها في كل المجالات ويحذف كل ما يتنافى معها مهما كان.

* كما تعمل هذه العالمية على احترام الآخر واشاعة منطق الحوار قبل اي عمل (ليحيي من حي عن بينه ويهلك من هلك عن بينة) وهو ايضا من مقتضيات الفطرة الانسانية.

* ومن المبادىء التي تعمل على اشاعتها التعاون والتعارف والاستخلاف الالهي والتكافل الاجتماعي.

* وتقوم الانسان ومركزه بمعايير الالتزام والعمل الانساني.

* وتوازن بين الحريات الفردية والمنافع الاجتماعية وبالتالي فهي تبني كل المسائل الاجتماعية على فلسفة واقعية تنطلق منها وتلتزم بمقتضياتها الى ما هنالك من خصائص لايسع المجال لاستقصائها.

اما العولمة الغربية فنكاد نقطع بانها تقف على النقيض مما سبق.

 

فهي تتصف – كما رأينا – بالاكراه الثقافي، والنهب اما بشكل همجي مجنون او بشكل عصري حداثي، كما انها تعمل على تعميم المنطق الحيواني للاستهلاك، وتتدخل في كل شؤون المجتمعات حتى الاجتماعية والمدنية منها وتستهدف الهيمنة بشتى انواعها، ثم انها لاتعرف اي معنى للقيم الاخلاقية بل هي تسخر الاخلاق لتحقيق مآربها السياسية – كما رأينا في بيان المفكرين الاميركيين اخيرا – فلامجال للامور المعنوية في قاموسها بل هي تعمل على محاربتها بما تمتلك من وسائل ومنها الوسائل الاعلامية الاباحية، كما ان العدالة عندها نسبية تتناسب مع مصالحها الضيقة، وبالتالي تطرح بوحشية لامثيل لها منطق الصراع بدلا عن الحوار، اما معيار العدالة والتقويم فليس الا القوة والمصلحة الضيقة ولذا تستيغ الكيل بمكيالين باعتبار الآخرين لايملكون استحقاق التعامل الانساني – وفقا لنظرية هوبز في تقسيم المجتمعات على اساس الحداثة - وقد وجدت اليوم اتباعا اكثر من المفكرين الغربيين وخصوصا في انجلترا واميركا.

 

واخيرا فقد قلنا ان العولمة الغربية تستغل الظروف المواتية لها دون ان تستند الى فلسفة واقعية تبرر لها هجمتها المتوحشة.

القسم السادس: موقف الأمة والخطوات العملية التي يجب ان تتخذها اتجاه العولمة

وقبل بيان هذه الخطوات نؤكد بأن الرفض الانفعالي لن يؤدي الى نتيجة، وانما يجب التأمل واتخاذ الخطوات العملية المدروسة للوقوف بوجه هذا الغزو العالمي الكبير، فيجب علينا في هذا المجال:

 

أن نقوم بوضع استراتيجية عملية وواضحة وشاملة، ويتعاون الجميع على وضعها أولاً، وعلى تنفيذها ثانياً، كما يجب علينا ان نقوم بفضح النظريات التي مهدت لمثل هذه النظرة التخريبية.

 

وبالنسبة للاستراتيجية نطرح بعض الخطوات التي نراها مهمة في هذا المجال:

 

عالمياً:

1ـ يجب علينا أن نعري الجانب الايديولوجي للهيمنة الاميركية والمقصود الحقيقي من مقولات هذا الجانب (القرية الصغيرة، حرية السوق، حرية التدخل وفتح الحدود وأمثال ذلك).

2ـ يجب علينا حذف هيمنة السوق على الجانب السياسي.

3ـ يجب تعميق قيم الانسان الفطرية مع عرض نظرية الفطرة الإسلامية.

4ـ يجب توسيع لغة الحوار بين الأديان.

5ـ يجب التأكيد على الهويات الاقليمية وهويات الشعوب وتوعية الشعوب للاحتفاظ بهوياتها وثقافاتها.

6ـ يجب الارتقاء بالقدرة العلمية والتنموية للشعوب.

7ـ يجب العمل على اعطاء الحريات والحقوق الاصيلة للشعوب.

8ـ يجب تقوية المؤسسات الدولية وتعميق استقلالها.

9ـ يجب تعميق الثروة الثقافية المتنوعة.

وفي الاطار الإسلامي يجب علينا بالاضافة لما سبق:

1ـ أن نعمق الحوار بين المذاهب اتجاها لتكوين الوحدة في الموقف الإسلامي.

2ـ يجب العمل على تقوية المؤسسات الشمولية الإسلامية وتفعيلها في الجانب السياسي والاقتصادي والثقافي.

3ـ يجب ان نطور دراساتنا الاقليمية والعالمية ونحقق الانفتاح على التاريخ.

4ـ علينا ان نقوي كل عوامل الصمود والتعاون والوحدة، كمسألة اللغة العربية وتعميقها.

5ـ علينا ان نجمع بين الأصالة، والمعاصرة في الدراسات الدينية ونروج للاجتهاد الجماعي، وغير ذلك مما يؤدي للوقوف أمام هذا الهجوم العالمي الكبير.

6 — علينا ان ندعم قضية الصحوة الإسلامية.

واخيراً فان علينا ان لاننسى ان عولمة كبرى موازية قد امتدت ايجابيا وهي الاتجاه العالمي لنمو المعنويات وروح التدين لدى الشعوب والتفاهم بين القادة الدينيين وخصوصاً في العالم الإسلامي حيث الفهم الشمولي للإسلام فهماً يجعله امل هذه الامة في احتلال موقعها الحضاري المطلوب.

 

واننا لنعتقد ان مظاهر هذا الاتجاه العالمي تتجذر يوماً بعد يوم حيث نشهد مثلاً:

 

أ – اتجاه الجماهير في العالم الإسلامي نحو الدين بشغف ومطالبة العلماء بالتدخل المباشر في الحياة العامة وابداء الرأي في القضايا الملحة.

 

ب – تحكيم دور الكنيسة السياسي والاجتماعي في العالم المسيحي وخصوصاً في الدول التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حرر قوة البوذية المعنوية في صياغة القرارات الاجتماعية في جنوب آسيا.

 

د – ازدياد الاقبال على النظريات والمؤلفات الدينية.

 

هـ – اتجاه الامم المتحدة الاخير نحو القادة الدينيين كما في مؤتمري نيويورك وبانكوك.

 

و – اتساع نطاق الحوار الديني بين الاديان المختلفة فيجب ان يقوم رجال هذه الاديان بواجبهم في دعم المسيرة المعنوية الصاعدة.

الهوامش:

([1]). سورة الروم: 30.

([2]). سورة الحجرات: 13.

([3]). سورة النساء: 95.

([4]). سورة الزمر: 9.

([5]). النساء: 141.

([6]). من لا يحضره الفقيه، ص4.

([7]). المنافقون: 8.

([8]). النساء: 141.

([9]). النحل: 125.

([10]). الشورى: 15.

([11]). فصلت: 33.

([12]). يوسف: 108.

([13]). اقتصادنا، السيد محمد باقر الصدر، ص275.

([14]). وسائل الشيعة: ج11، ص30.

([15]). طه: 43 ـ 44.

([16]). آل عمران: 18.

([17]). النساء: 135.

([18]). المائدة: 8.

([19]). سورة محمد: 22 ـ 23.

([20]). سورة الحج: 41.

([21]). الاسراء: 34.

([22]). التوبة: 29.

([23]). البقرة: 194.

([24]). سورة الأعراف: 158.

([25]). سورة القلم: 51.

([26]). للوقوف على تفصيل هذا الأمر، راجع بحوث الشهيد الصدر في (اقتصادنا) ص 53 ـ 238 حول الموضوع.

([27]). نفس المصدر، ص 247 ـ 250.

([28]). نقلا عن سيد ياسين، مجلة المستقبل العربي، عدد 228، فبراير 1988م.

([29]). مجلة النهج، عدد 50، ربيع 1988.

([30]). مجلة الواحة، عدد 16، ص 153.

([31]). جيمس روزناو، ديناميكية المعرفة.

([32]). مجلة المستقبل العربي العدد 512، الاستاذ مجد الدين خمش، ص 30.

([33]). راجع مجلة المنهاج، عدد 22، السنة السادسة، ص 248، مقال للمؤلف حول هذا الموضوع.

([34]). راجع كتاب مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة وتداعياته للمؤلف.

([35]). الاستاذ المنياوي نقلا عن تقرير المجلس القومي للانتاج والشؤون الاقتصادية (المصري) والذي عرض في 17:3:2002.

([36]). الدكتور عبدالعزيز حموده، الثقافة، اختيار للثقافة القومية (الاهرام 5:7:2002 ص 13).

([37]). وتتابع الأدلة يوماً بعد يوم على هذا الاستغلال فإذا لم تحقق لهم مصالحهم تركوها وهذا ما شاهدناه من موقف أميركا من معاهدة (كيوتو) التي تمنع تلويث البيئة لانهم اكتشفوا انها تقلل من انتاجهم من الفحم الحجري، والنفط الثقيل، والطاقة النووية وذلك بعد ان كانت قد وقعت عليها ومن المحكمة الجنائية الدولية أخيراً. بعد ان ساهمت هي في انشائها ولكنها عملت على اعفاء جنودها من اجراءات المحاكمة. وكذلك عملت على الخروج من اتفاقية (Ctbt) لمنع التجارب الذرية واوقفت العمل التنفيذي في مجال تحريم الاسلحة الكيمياوية.