الوحدة الإسلامية حول محور المرجعية العلمية لأهل البيت(عليهم السلام)

الوحدة الإسلامية حول محور المرجعية العلمية لأهل البيت(عليهم السلام)

 

 

الوحدة الإسلامية حول محور المرجعية العلمية لأهل البيت(عليهم السلام)

 

آية الله الشيخ محمّـد علي التسخيري

رئيس رابطة الثقافة والعلاقات في

الجمهورية الإسلامية الإيرانية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مدخل:

ظلّ موضوع المرجعية العلمية للمسلمين محوراً للنقاش والبحث طيلة مئات من السنين، وكانت أهمّية هذا الموضوع تزداد كلّما ابتعد المسلمون زمنياً عن عصر صدر الإسلام، وتحديداً عصر النصّ القرآني والنبوي. وكان من شأن اتّفاق المسلمين على مساحة مشتركة في هذا المجال أن يشكّل أحد أهمّ محاور الوحدة الإسلامية.

 

وإذا كان القرآن الكريم وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسُنّته المحورين الأساسيّين اللذين يشكّلان الإطار الذي يجمع المسلمين في داخله، فإنّ المرجعية العلمية التي تفسّر القرآن الكريم، وتكشف عن وجوهه، وتحسم حالة الاختلاف حول أحكامه في الجانبين العقيدي والفقهي، وكذا الحال بالنسبة للسُنّة النبوية الشريفة، هذه المرجعية العلمية هي أهمّ قضية ظلّت حائلا دون اتّفاق المسلمين في البعد العلمي للاختلاف.

 

وفي هذا البحث نحاول استئناف الحوار العلمي حول هذه المرجعية العلمية، مع افتراض أنّها تتمثّل في أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله); إذ أنّ طرح هذا الافتراض في مدخل البحث سيحصر موضوع البحث في دائرة واضحة في معالمها، ويحول دون تشتّت محاور البحث وتشظّي خطّته.

 

ولا شكّ أنّ هذا الافتراض مبني على أُسس رصينة سنأتي عليها في فقرة المرجعية العلمية للمسلمين في القرآن والسُنّة; لأنّ القرآن والسُنّة هما المصدران المقدّسان اللذان يحتجّ بهما المسلمون على اختلاف فرقهم ومذاهبهم.

 

ومن هنا فمنهج البحث يقوم على محاولة إثبات محورية مرجعية أهل البيت  (عليهم السلام) العلمية، وقد سعينا لاستخدام الموسوعات الحديثية والفقهية والتاريخية لأهل السُنّة أكثر من استخدامنا لكتب الشيعة، وذلك لسبب موضوعي، إذ أنّ الشيعة يعتقدون بما لا يقبل الشكّ بالمرجعية العلمية لأهل البيت  (عليهم السلام)، فهو القاعدة التي قام عليها مذهبهم. ومن هنا سيكون الحديث باتّجاه مذاهب المسلمين الأُخرى للبحث معاً، وفي إطار حوار علمي معمّق حول الاتّفاق على شكل ومضمون المرجعية العلمية التي يُجمع عليها المسلمون.

 

وهذا الاكتشاف المشترك سيؤدّي آليّاً إلى تجاوز الخلاف التاريخي، والتركيز على المساحات المشتركة التي تجمع المسلمين في الحاضر والمستقبل، فضلا عن رفع الحيف عن جزء كبير من المعارف الإسلامية التي ظلّ القسم الأكبر من المسلمين يتجاوزها ولا ينتفع بها، برغم أنّها بحر لجّي من العلوم والمعارف.

 

وستعتمد خطّة البحث مجموعة محاور، يشكّل كلّ محور منها محطّة من الاستدلالات التي تخرج بنتيجة علمية تنقل البحث آليّاً إلى المحور اللاحق الذي سيحوّل النتيجة باتّجاه التكامل، وفقاً للمنهج الاستقرائي الذي سنتحدّث عنه في الخاتمة.

 

المرجعية العلمية للمسلمين في القرآن والسُنّة:

ونقصد بالمرجعية العلمية ـ كما أشرنا ـ النقطة المشتركة التي يتّفق عليها المسلمون، وتنتهي عندها مسائل الاختلاف بين المسلمين، ولا سيّما في المجالين العقيدي والفقهي، وهي المرجعية التي تكشف عن حقائق القرآن الكريم والسُنّة النبوية، بالصورة التي تحسم خطوط التقاطع بين المسلمين.

 

وبما أنّ القرآن الكريم والسُنّة الشريفة هما المصدران المقدّسان لدى المسلمين كافّة، فسنترك القرآن والسُنّة ينطقان بنوعية هذه المرجعية وباسمها وصفاتها. ولسنا هنا بصدد الدخول في المباحث الأُصولية بشأن حجّية الأدلّة، لأنّنا سوف لن نخرج عن المساحات المتّفق عليها، ولا سيّما في ما يرتبط بالحديث الشريف وحجّيته  ودلالة بعض النصوص.

 

ومن خلال استقراء ما ورد في القرآن الكريم والسُنّة الشريفة من نصوص حول هذه المرجعية، وجدنا أنّ النصوص لا تشير إلى مرجعية أُخرى غير مرجعية أهل البيت  (عليهم السلام)، وإن كانت هناك بعض الأحاديث الضعيفة التي يختلف فيها المسلمون، ولذا تجاوزناها إلى ما يتّفقون عليه. وبالنظر لضيق المساحة المحدّدة للبحث، فسوف نستعرض أدلّة القرآن والسُنّة استعراضاً سريعاً بالصورة التي لا تطيل البحث ولكنّها تفي بالغرض. ونبدأ أوّلا ببعض آيات القرآن الكريم المفسّرة بالسُنّة الشريفة.

 

1 ـ يقول تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ([1]).

جاء في تفسير ابن جرير الطبري بسنده عن جابر الجعفي: لمّا نزلت هذه الآية، قال عليّ: «نحن أهل الذكر»([2]).

 

ويقول الحارث: سألت عليّاً عن هذه الآية: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ)، فقال: «والله إنّا لنحن أهل الذكر، نحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل»([3]).

 

 

2 ـ يقول تعالى: (وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم) ([4]).

 

جاء عن الإمام عليّ (عليه السلام) في خطبة له: «أين الّذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى»([5]).

 

3 ـ يقول تعالى: (ومن عنده علم الكتاب) ([6])، عن أبي سعيد الخدري قال: «سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن هذه الآية، قال: «ذاك أخي عليّ بن أبي طالب»([7]).

 

4 ـ يقول تعالى: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ([8]).

 

وفي تفسير هذه الآية يقول الرسول (صلى الله عليه وآله): «أنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب»([9]).

 

وقال (صلى الله عليه وآله): «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون»([10]).

 

وآية التطهير هذه تؤكّد العناية الإلهية الخاصّة بأهل البيت  (عليهم السلام) وإبعادهم عن الزلل والانحراف; ليشكّلوا نماذج إنسانية سامية يتمّ الرجوع إليها عند اختلاف المرجعيات الثانوية.

 

 

 

5 ـ يقول تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى)([11]).

 

روى عبد الله بن عبّاس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما سئل عن هذه الآية: ومن هم القربى؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناها»([12]).

 

وعن سعيد بن جبير أنّهم: «قربى آل محمّد»([13]).

 

وهذه الآية تشدّ القلوب والعقول إلى آل البيت، وتؤكّد أنّ محبّتهم الحقيقية هي أجر الرسالة. وموالاتهم ـ في البعد العلمي كحدّ أدنى ـ هي المودّة الحقيقية، وربّما يستفاد من الآية الكريمة: (قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله) ([14])، التلازم بين الاتّباع والمودّة.

 

6 ـ يكشف حديث الكساء عن المقصود بأهل البيت (عليهم السلام).

 

يروي ابن عبّاس: (... أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين وقال: «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً»([15]).

 

وعن أُمّ سلمة: «لمّا نزلت هذه الآية: «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً» دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّل عليهم كساءً خيبرياً، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس

 

وطهّرهم تطهيراً. قالت أُمّ سلمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ألستُ منهم؟ قال: أنت إلى خير»([16]).

 

وقد رواه عن أُمّ سلمة: عطاء بن يسار، أبو سعيد الخدري، أبو هريرة، حكيم بن سعد، شهر بن حوشب، عبدالله بن المغيرة، عطاء بن أبي رباح، عمره ابن أفعى، وعلي زين العابدين (عليه السلام).

 

كما روى الحديث عن عائشة كلّ من: صفية بنت شيبة، العوام بن حوشب، عن التميمي وجميع بن عمير، وقد روته على النحو التالي: «خرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) غداةً وعليه مرطٌ مُرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال: «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً»([17]).

 

وقد روى حديث الكساء جمع كثير من الصحابة أيضاً، منهم: أبو سعيد الخدري، أبو برزة، أبو الحمراء، أبو ليلى الأنصاري، أنس بن مالك، براء بن عازب، ثوبان، جابر بن عبدالله الأنصاري، زيد بن أرقم، زينب بنت أبي سلمة، سعد بن أبي وقّاص، صبيح مولى أُمّ سلمة، عبدالله بن جعفر، عمر بن أبي سلمة، عمر بن الخطّاب وغيرهم.

 

وتنصّ رواياتهم على أنّ قصد النبيّ (صلى الله عليه وآله) من أهل البيت هم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). ومعظم أسانيد هذه الروايات منقولة من صحاح أهل السُنّة وموسوعاتهم الحديثية([18]).

 

7 ـ ويكشف حديث الثقلين أيضاً عن المقصود بأهل البيت (عليهم السلام) وهم العترة، وعن مرجعيتهم الشاملة يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «انّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»([19]).

 

وفي رواية أُخرى أنّه قال (صلى الله عليه وآله): «إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض»([20]).

 

وحديث الثقلين جعل أهل البيت عدلا للقرآن. وقد رواه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أكثر من (33) صحابياً، منهم: أبو أيوب الأنصاري، أبو ذرّ الغفاري، أبو سعيد الخدري، أبو شريح الخزاعي، أبو قدامة الأنصاري، أبو هريرة، أُمّ سلمة، أنس بن مالك، خزيمة ذو الشهادتين، سعد بن أبي وقّاص، زيد بن ثابت، سلمان الفارسي، عبد الرحمن بن عوف، عبدالله بن عبّاس، عمر بن الخطّاب، وعمرو ابن العاص([21]).

 

 

ومن خلال حديث الثقلين يستدلّ بعض علماء أهل السُنّة على أنّ المرجعية المقصودة في الحديث هي مرجعية الفقه، وحسب تعبيره: «لا يدلّ على إمامة السياسة وأنّه أدلّ على إمامة الفقه والعلم»([22])، ولا نريد هنا الدخول في نقاش حول دلالة الحديث، ولكن نكتفي بالحد الأدنى المتّفق عليه بين الفريقين وهو الدلالة على إمامة أهل البيت العلمية.

 

ويقول أحد الباحثين بأنّه جمع (185) مرجعاً من عيون مراجع أهل السُنّة ذكرت بأكملها نصّ: «كتاب الله والعترة» وأنّ المقصود بالعترة أهل البيت الّذين سمّاهم الرسول (صلى الله عليه وآله) أكثر من مرّة كما في دلالة هذا الحديث وحديث الكساء([23]).

 

8 ـ عن انس بن مالك، قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): «أنت تبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه بعدي»([24])، والحديث واضح الدلالة على المرجعية العلمية لأهل البيت.

 

9 ـ عن سلمان الفارسي، قال الرسول (صلى الله عليه وآله): «أعلم أُمّتي من بعدي عليّ ابن أبي طالب»([25]).

 

10 ـ يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) مخاطباً السيّدة فاطمة الزهراء: «أما ترضين أنّي زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً»([26]).

 

11 ـ عن عبدالله بن عبّاس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف»([27]).

 12 ـ عن أبي ذرّ الغفاري، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم

 

 

كسفينة نوح في قومه، فمن ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق»([28]).

 

13 ـ يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «إنّا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله ورسوله»([29]).

 

14 ـ يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «... نحن شجرة النبوّة، ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم»([30]).

 

15 ـ عن جابر بن سمرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش»([31]).

 

16 ـ وعن عبدالله بن مسعود أنّهم سألوا الرسول (صلى الله عليه وآله) عن عدد خلفاء الأُمّة فقال: «اثنا عشر، كعدّة نقباء بني إسرائيل»([32]).

 

وهناك عدد كبير من الأحاديث الصحيحة من مصادر الفريقين تشير إلى المعنى نفسه مع اختلاف في الألفاظ، وبناء على ذلك فإنّ المسلمين بأجمعهم متّفـقون على أنّ عـدد الأوصياء أو الخلفاء أو النقباء والأُمراء والأئمّة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) هو اثني عشر، وكلّهم من قريش، وأنّهم معيّنون بالنصّ كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، وأنّ هذه الأحاديث أكّدت بقاء هؤلاء الأئمّة ما بقي الدين الإسلامي أو حتّى تقوم الساعة، كما هو مقتضى رواية مسلم في صحيحه.

 

وهذه الأحاديث كانت مأثورة في بعض الصحاح والمسانيد قبل أن يكتمل عدد الأئمّة «من عليّ وحتّى المهديّ»، فمن المستحيل ـ اذن ـ أن تكون أحاديث موضوعة بعد اكتمال العدد المذكور فضلا عن جميع رواة الأحاديث من طرق أهل السُنّة هم من الموثوقين لديهم([33]).

 

وعموماً فإنّ حجّية ما استعرضناه من آيات وأحاديث، يترتّب عليه واقع عملي، وهو الواقع الذي ندعو المسلمين جميعاً إلى صياغته وبلورته، دون أن يفقد أي مذهب إسلامي خصوصيّاته.

 مصادر علم أهل البيت (عليهم السلام) :

إنّ دلالة القرآن الكريم والسُنّة الشريفة على طهارة أهل البيت  (عليهم السلام)ومرجعيّتهم العلمية ـ من خلال النصوص الواردة ـ وافية جدّاً. ويقول السيّد الحكيم: بأنّ ما ورد من انسجام واقعهم التاريخي مع طبيعة ما فرضته أدلّة حجّيتهم من العصمة والأعلمية، وبخاصّة في ما يرتبط بالأئمّة الّذين لا يمكن إخضاعهم للظروف الطبيعية المتعارفة، ولا سيّما الأئمّة الثلاثة: الجواد والهادي والعسكري، هو خير ما يصلح للتأييد، فتعميم السُنّة ـ إذن ـ لهم هو في محلّه.

 

وهنا يمكن الاستشهاد بدليل عقلي يسوقه الخليل بن أحمد الفراهيدي حول الإمامة: «استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه دليل إمامته»، وهو دليل يمكن تعميمه على إمامة جميع الأئمّة، إذ لم يحدث في التاريخ أن احتاج أحد من الأئمّة إلى معرفة شيء من شخص آخر، أو أنّه درس عند شخص آخر، عدا المعصوم الذي سبقه([34]).

 

 

وهذا الحديث يقود إلى موضوع مهم للغاية يرتبط بالمصادر التي استقى منها أهل البيت علومهم، لا سيّما وأنّ النصوص التاريخية لم تشر إلى أنّهم درسوا عند أحد. ومن خلال عدد من الروايات الصحيحة نستنتج أنّ مصادر علوم أهل البيت تنحصر في أربعة فقط: يعلمون»([35])، وقول عليّ (عليه السلام) مؤكّداً ذلك: «سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم جبل»([36]).

 

وما روي عن عبدالله بن مسعود: «إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن»([37])، ويطلب الإمام علي (عليه السلام) من المسلمين أن يستنطقوا القرآن، برغم صعوبة ذلك، إذ

 

 

يقول: «ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن أُخبركم، ألا أنّ فيه علم ما يأتي»([38])، وتحصر مجمل هذه الروايات فهم القرآن حقّ فهمه بآل البيت  (عليهم السلام)، وبأنّه المصدر الأوّل لعلمهم، وأنّهم مرجعية المسلمين في استنطاق القرآن.

 

2 ـ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): وهو المصدر الثاني لعلومهم (عليهم السلام). ولعلّ أشهر حديث يستدلّ به في هذا المجال: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب»([39]).

 وفي رواية أُخرى: «أنا دار العلم وعليّ بابها»([40]).

 أو: «أنا دار الحكمة وعليّ بابها»([41]).

 وقد روى الحاكم عن بريدة الأسلمي قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب: «إنّ الله تعالى أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك، وأن أُعلّمك وأن تعي، وحقّ على الله أن تعي، فنزل قوله تعالى: (وتعيها أُذن واعية) ([42])»([43]).

 

 

وعندما كان الإمام علي (عليه السلام) يُسأل عن مصدر علمه الذي أذهل الجميع كان يقول: «... وما سوى ذلك فعلمٌ علّمه الله نبيّه فعلّمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطمّ عليه جوانحي»([44]).

 

وتحدّث بعض الروايات أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أورث علمه الإمام عليّ (عليه السلام)وأنّ الإمام عليّ (عليه السلام) أورثه ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام)، ثمّ أورثه كلّ إمام للإمام الذي يليه. ففي جواب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين سأله الإمام علي: «ما أرثُ منك يا رسول الله؟» قال (صلى الله عليه وآله): «ما ورّث الأنبياء من قبل: كتاب ربّهم وسُنّة نبيّهم»([45]).

 

وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ الله علّم رسوله الحلال والحرام والتأويل، وعلّم رسول الله علمه كلّه عليّاً»([46]).

 

ويؤكّد الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) أنّ علمهم لا يمثّل رأيهم، بل وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول: «لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأُصول علم عندنا نتوارثها كابر عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم»([47]).

 

3 ـ الإمام الذي سبقه: فالإمام لا يأخذ علمه إلاّ من الإمام الذي سبقه، ولا  يتعلّم إلاّ عنده، وهذا العلم هو إرث حصري بهم، برغم أنّهم يعلّمون منه بعض تلامذتهم بمقدار استيعابهم. وهناك نصوص كثيرة في هذا المجال([48]).

 

4 ـ الخبرة والتجارب الشخصية: لا شكّ أنّ لكلّ إمام من آل البيت (عليهم السلام)

 

تجربة شخصية في الحياة، أكسبته خبرة عملية معينة، وهذه التجارب تتعلّق بدور كلّ إمام في بناء الحياة الإنسانية، وهي أدوار تتكامل مع بعضها وتمثّل إرادة واحدة وغاية واحدة، برغم أنّ لكلّ دور وسائله وعناصره الخاصّة([49]).

 

فالإمام علي  (عليه السلام) ـ مثلا ـ خبر العمل السياسي، وفنون الحرب، ووعى بدقّة السُنن الإلهية والقوانين الاجتماعية، ووقف على حركة الطبيعة وعلومها، ولا سيّما أنّه دخل هذه المعتركات منذ صباه وحتّى استشهاده، أي أنّها تجربة أكثر من (50) عاماً من العمل السياسي والحروب والحركة الاجتماعية والوعي العلمي الفريد.

 

وهي تجربة ورثها الأئمّة الآخرون. وهذا البعد المهمّ ضروري للغاية لفهم الطبيعة البشرية لأهل البيت (عليهم السلام)، وأنّهم عبيد الله، ولكن حباهم الله بنعمة خاصّة دون الآخرين.

 

... والحقيقة أنّ ظاهرة الغلو في أهل البيت (عليهم السلام) كان سببها الأساس الفهم غير الحقيقي لشخصية أهل البيت (عليهم السلام) وطبيعة علومهم، فكان هذا الفهم الناقص يؤدّي إلى ذهول لدى بعض المسلمين، ويحوّلهم إلى مغالين، نتيجة ما يشاهدونه لدى أهل البيت (عليهم السلام) من علوم تحيّر العقول، وكرامات وقابليات تستعصي على البشر.

 

ومن هنا كان الإمام عليّ (عليه السلام) يؤكّد حقيقية بشرية أهل البيت، وأنّهم لا  يعلمون الغيب مباشرة، وإنّما علمهم هو فضل من الله تعالى ورثوه من رسول الله  (صلى الله عليه وآله). فيقول الإمام عليّ (عليه السلام): «علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله، وما  سوى ذلك فعلمٌ علّمه الله نبيّه فعلّمنيه»([50])، وكان الإمام عليّ (عليه السلام) يلعن أهل الغلوّ، وكذا الحال مع باقي أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وليس أدلّ على ذلك من مقولة للإمام

 

 

الصادق (عليه السلام): «فوالله، ما نحن إلاّ عبيدُ الذي خَلَقَنا واصطفانا، ما نقدر على ضرّ ولا نفع، وإن رحِمنا ] الله [ فبرحمته، وإن عذّبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجّة، ولا معنا من الله براءة، وإنّا لميّتون ومقبورون، ومنشرون ومبعوثون، وموقوفون ومسؤولون»([51]).

 

على أنّا لا نجد ما يمنع من أن يمنّ الله عليهم ويلهمهم الصواب في القضايا المتنوّعة.

 

المكانة العلمية لأهل البيت (عليهم السلام) في الواقع الإسلامي:

ظلّ المسلمون على مختلف تياراتهم ومدارسهم الكلامية والفقهية ينظرون لأهل البيت (عليهم السلام)، نظرة خاصّة تميّزهم عن غيرهم من الصحابة والتابعين والفقهاء، الأمر الذي تغصّ به كتب الحديث والفقه والتاريخ؟ ولولا السياسة المزيّفة التي مارسها بعض الحكّام، في العهدين الأُموي والعبّاسي، لبقيت مكانة أهل البيت راسخة في عقول المسلمين وقلوبهم، إذ سعت هذه السياسة المنحرفة إلى تزييف الحقائق والتحايل على الواقع; من أجل حرف الأنظار عن أهل البيت ومرجعيتهم.

 

ولكي لا يطول بنا المقام نستعرض هنا جزءاً من الشهادات التي أدلى بها كبار الصحابة والتابعين الفقهاء بحقّ أهل البيت (عليهم السلام)، بالصورة التي تعكس تطابقاً كاملا بين الواقع الذي جسّده أهل البيت عملياً، والنصوص الواردة في القرآن والسُنّة، ونظرة المسلمين الموضوعية لأهل البيت (عليهم السلام).

 

وإذا تجاوزنا عصر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى عصر الخلفاء، فسنرى أنّ البداية كانت مع الخليفة الأوّل أبي بكر، برغم الملابسات المعقّدة التي شابت

 

 

الواقع الإسلامي منذ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله). فأبو بكر رجع إلى الإمام عليّ (عليه السلام)في موضوع قتال أهل الردّة، وفي كثير من الأحكام الشرعية.

 

علي»، وذلك لأنّ الإمام عليّ (عليه السلام) كان ينجد عمر في المشاكل العقائدية والفقهية التي تعترضه أو التي يحرجه فيها المسلمون وغير المسلمين.

ومن الأحداث الجديرة بالذكر في هذا المجال، حادثة كتابة التاريخ، إذ أنّ عليّ بن أبي طالب هو الذي أشار على الخليفة عمر بن الخطّاب أن يبدأ بكتابة التاريخ من اليوم الذي هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، ففعل ذلك عمر([52]).

 

وكذلك رجع إليه في أن يقود الجيش الذي فتح إيران والجيش الذي قاتل الروم، وسنأتي على ذلك في فقرة قادمة.

 

وكذا الحال مع عثمان بن عفّان الذي رجع إليه في كثير من المسائل العقائدية والفقهية، بالصورة التي نصّت عليها كتب الحديث والفقه والتاريخ([53]).

 

وكانت عائشة أيضاً تحيل كثيراً من يسألها في الأحكام الشرعية إلى الإمام عليّ، ومن أقوالها المأثورة في هذا المجال: «عليك بابن أبي طالب لتسأله»([54])، «ائت عليّاً فإنّه أعلم بذلك منّي»([55]).

 

وروى الحاكم بسنده عن قيس بن أبي حازم أنّ الصحابي سعد بن أبي وقّاص نهر رجلا تعرّض للإمام عليّ (عليه السلام) فقال عنه: «ألم يكن أوّل مَن أسلم؟! ألم يكن أوّل مَن صلّى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟! ألم يكن أعلم الناس؟!»([56]).

 

وإنّ التاريخ ليشهد أنّ لقب الإمام صار من أشهر الألقاب لعليّ، وهناك العديد من الشهادات أيضاً في الإمام الحسن والإمام الحسين، وعلي بن الحسين

وباقي الأئمّة أيضاً، ولعلّ من المناسب هنا ذكر أبيات من ميمية الفرزدق في مدح أهل البيت (عليهم السلام)، وتحديداً الإمام علي بن الحسين (زين العابدين):

 

من معشر حبّهم دينٌ وبغضهمُ كفر وقربهم مَنجى ومُعتصمُ

 

 مقدّم بعد ذكر الله ذكرهمُ في كلّ بدء ومختومٌ به الكلمُ

 

إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم أو قيل مَن خير أهل الأرض؟ قيل همُ

 

وكذلك رائية أبي نؤاس التي يمتدح فيها أهل البيت (عليهم السلام)، يقول:

 

مطهّرون نقيّات ثيابهم تجري الصلاة عليهم أينما ذُكروا

 

فالله لمّا برى خلقاً فأتقنه صفاكم واصطفاكم أيّها البشرُ

 

فأنتم الملأُ الأعلى وعندكم علم الكتاب وما جاءت به السورُ

 

أمّا ميمية أبي فراس الحمداني فهي من أكثر القصائد تعبيراً عن مكانة أهل البيت، ونقتطف منها هنا ما يرتبط بالبعد العلمي:

الحقّ مهتضمٌ والدين مخترمُ وفيء آل (رسول الله) مقتسمُ

خلّوا الفخار لعلاّمين إن سُئلوا ويوم السؤال وعمّالين إن علموا

لا يغضبون لغير الله إن غضبوا ولا يُضيعون حقّ الله إن حكموا

تُنشى التلاوة من أبياتهم أبداً وفي بيوتكم الأوتار والنغمُ

الركن والبيت والأستار منزلهم وزمزم والصفا والحجرُ والحرمُ

 

1 ـ وفيات الأعيان لابن خلكان، ج 6 ص 96.

2 ـ عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق، ج 2 ص 143 ح 10، والمناقب لابن شهرآشوب، ج  4 ص 366.

3 ـ يقصد الشاعر هنا العبّاسيّين.

4 ـ ديوان أبي فراس الحمداني، تحقيق د. محمّد بن شريفة، ص 197 ـ 206.

 

وهذا التعبير يكشف ـ في حقيقته ـ عن اتّجاه الرأي العام الإسلامي في ما يرتبط بالمكانة التي يختصّ بها أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) ([57]).

 

 بل إنّ هذا الاتّجاه لم يقتصر على الشعراء وعموم الناس، بل عمّ حتّى الفقهاء وأئمّة المذاهب الإسلامية، فالشافعي أنشد يقول:

 

آل النبيّ ذريعتي وهمُ إليه وسيلتي *** أرجو بهم أُعطى غداً بيدي اليمين صحيفتي

 

وكان عدد كبير من أئمّة المذاهب الإسلامية وكبار الفقهاء قد درسوا على أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا سيّما الإمام جعفر الصادق،إذ جمع الحافظ ابن عقدة أسماء أربعة آلاف رجل من الفقهاء والمحدّثين، رووا ودرسوا على الإمام الصادق، وذكر ابن عقدة مصنّفات كثير من هؤلاء([58]).

 

منهم: مالك بن أنس، أبو حنيفة النعمان([59])، يحيى بن سعيد، ابن جريج، سفيان الثوري، شعبة بن الحجّاج، عبد الله بن عمرو، روح بن القاسم، سفيان بن عيينة، إسماعيل بن جعفر، إبراهيم بن طحّان، وغيرهم([60]).

ولعلّ مقولة أبي حنيفة الشهيرة: «لولا السنتان لهلك النعمان»([61])، ـ وهما

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

 

 (92)

 

السنتان اللتان حضر فيهما دروس الإمام الصادق (عليه السلام)، وتتلمذ عليه ـ تشير إلى عمق التأثير العلمي لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في الواقع الإسلامي.

 

ومثلها مقولة مالك بن أنس: «ما رأت عين ولا سمعت أُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) علماً وعبادةً وورعاً»([62]).

 

ويوضّح الشيخ أبو زهرة هذا الواقع بقوله: كان أبو حنيفة يروي عن الإمام الصادق ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان مالك يختلف إليه دارساً راوياً، ولا يزيده فضل الاستاذية على أبي حنيفة ومالك فضلا، فالصادق لا يمكن أن يؤخَّر عن نقص ولا يقدَّم عليه غيره عن فضل، وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين (عليه السلام)، الذي كان سيّد أهل المدينة في عصره فضلا وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري وكثير من التابعين، كما أنّ الصادق هو ابن محمّد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه([63]).

أُسلوب المناظرة يكشف عن علم أهل البيت (عليهم السلام) :

كانت حياة أهل البيت مليئة بالحوار العلمي، فهم رجال الحوار الّذين تمثّلوا آدابه وأساليبه الصحيحة بالشكل والمضمون اللذين أوضحهما القرآن الكريم، فكانت مجالسهم أو المجالس التي يحضرونها ساحة للمناظرات ومواقف للاحتجاج.

 

وتختلف هذه المناظرات في دوافعها باختلاف الأحداث التي أدّت إليها، فهناك مناظرات كان بعض الحكّام يهدفون إلى إحراج أهل البيت فيها، وأُخرى كانت تجري في جوّ علمي صرف هدفه إظهار الحقيقة، وثالثة كانت بطلب من

 

 

(93)

 

آخرين، حكّاماً أم رواة وفقهاء، بعد أن عجزوا عن مجاراة الخصم. وقد جمع بعض المؤلّفين هذه المناظرات في كتب خاصّة نقلوها من مصادرها الأصلية([64]).

 

 

والمهم في هذه المناظرات، وبكلمة أدّق ما يفيدنا في هذا البحث، هو أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لم يُفحموا أو يُحرجوا أو يتردّدوا في أي من هذه المناظرات، برغم أنّ بعضهم (كالإمام محمّد الجواد) أُقحم في مناظرة علمية رفيعة المستوى وهو دون التاسعة من عمره ـ كما سيأتي ـ فضلا عن المستوى العلمي الفريد الذي كانت تكشفه هذه المناظرات، ممّا يجعلها دليلا آخر من الواقع العملي على مرجعية أهل البيت التي لا ينافسهم عليها أحد.

 

وأوّل من دخل في هذه المناظرات هو الإمام عليّ (عليه السلام)، وكان جزؤها العلم غالباً مع أصحاب الديانات الأُخرى، كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم([65]).

 ، فضلا عن حواره مع الغلاة، بهدف استتابتهم، ومع الّذين خرجوا على إجماع الأُمّة حول خلافته، بل كان يحثّ الأُمّة على أن يسألوه عن كلّ شيء في العقائد والأحكام والعلوم النظرية والطبيعية ولطالما ناداهم: «سلوني قبل أن تفقدوني»([66]).

 

وعلى سيرة عليّ (عليه السلام) سار ولداه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فمن مناظرات الإمام الحسن الشهيرة مناظرته مع الرجل الشامي الذي أرسله معاوية بن أبي سفيان، ومعه أسئلة عميقة في مضامينها كتبها له القساوسة الروم، ويريد أن يسأل بها الإمام عليّ (عليه السلام) ليحرجه، فأحاله الإمام عليّ على ولده الحسن (عليه السلام)، فأجاب الأخير عن كلّ الأسئلة الدينية والعلمية والفلسفية التي كان يحملها الرجل

 

 

(94)

 

الشامي([67]).

 (1).

وعلى غرار هذه المناظرة كانت مناظرة الحسن البصـري مع الإمام الحسن (عليه السلام) حول القضاء والقدر([68]).

 (2).

وللحؤول دون الإطالة في هذا المجال، سنقتصر على ذكر بعض النماذج من مناظرات الإمام جعفر الصادق، وهي كثيرة جدّاً ومطوّلة، بالنظر للفترة التاريخية الاستثنائية التي عاشها الإمام الصادق (عليه السلام).

 

ومن هذه النماذج: مناظرته مع أبي حنيفة النعمان التي أقحمه فيها المنصور، وأحرج فيها أبو حنيفة، إذ يرويها الأخير بنفسه، يقول: «ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد، لمّا أقدمه المنصور بعث إليَّ، فقال: يا أبا حنيفة! إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمّد، فهيّئ له من المسائل الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر (المنصور) وهو بالحيرة، فأتيته فدخلت عليه وجعفر بن محمّد (الصادق) عن يمينه، فلمّا أبصرت به دخلتني الهيبة لجعفر بن محمّد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر (المنصور)، فسلّمت عليه وأومأ لي فجلست، ثمّ التفت إليه فقال: يا أبا عبدالله (الصادق) هذا أبو حنيفة، فقال: نعم... ثمّ التفت إليّ المنصور فقال: يا أبا حنيفة! ألقِ على أبي عبدالله من مسائلك، فجعلت أُلقي عليه; فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا، فربّما تابَعَنا وربّما تابَعَهم، وربّما خالفنا جميعاً، حتّى أتيت على الأربعين مسألة، ثمّ قال أبو حنيفة: ألسنا روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس»([69]).

 

وهناك أيضاً حوار شهير بين الإمام الصادق (عليه السلام) مع أحد زعماء الزنادقة، في شتّى العلوم الدينية والفلسفية وعلوم الديانات الأُخرى، وأدّت أجوبة الإمام

 

 

الصادق (عليه السلام) بالزنديق إلى الإيمان ودخول الإسلام ([70]).

 

وللإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حوار معروف ومطوّل، وثّقه كثير من المؤرّخين، مع علماء ومتكلّمي النصارى واليهود والصابئة والمجوس، إذ جمعهم الفضل بأمر من الخليفة المأمون، وطلب منهم أن يتناظروا أمامه، وكانت النتيجة أن أسلم كثير من هؤلاء العلماء والمتكلّمين على يد الإمام الرضا  (عليه السلام) ([71]).

 

وقد استمرّ المأمون ـ بعد انتهاء المناظرة ـ في طرح أسئلته على الإمام الرضا (عليه السلام) في مختلف العلوم ([72])، فكان المأمون يزداد بعد كلّ جواب دهشة وذهولا من مستوى علم الإمام، وهي دهشة كانت مشوبة بالخوف من هذا الرجل الذي قد يشكّل إجماع الناس عليه خطراً على الدولة العبّاسية.

 

أمّا المناظرة الأكثر إثارة ودهشة، فهي مناظرة الإمام محمّد بن علي الجواد  (عليه السلام) مع يحيى بن أكثم (قاضي القضاة في عهد المأمون)، وكان الإمام الجواد حينها دون التاسعة من عمره، وكانت هذه المناظرة عبارة عن رهان بين المأمون وبطانته حول علم الإمام الجواد، وهي في الواقع امتحان أرادوا إحراج الإمام الجواد فيه مستغلّين صغر سنّه ([73])، وحين اكتمل المجلس بحضور المأمون وعدد كبير من قادة الدولة والعلماء والرواة وزعماء الأُسرة العبّاسية، طرح يحيى ابن اكثم سؤالا قصيراً على الإمام الجواد حول حكم: «مُحرِم قتل صيداً». فأجابه الإمام الجواد (عليه السلام) بصيغة سؤال:

 

«هل قتله في حلّ أو حرم؟

عالماً كان المحرِم أو جاهلا؟

قتله عمداً أو خطأً؟

حرّاً كان المحرم أو عبداً؟

صغيراً كان أو كبيراً؟

مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟

من ذوات الطير كان أم من غيرها؟

من صغار الصيد أم من كباره؟

مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟

في الليل كان قتله للصيد أم بالنهار؟

محرِماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟».

فتحيّر يحيى بن أكثم وعجز عن مجاراة الإمام.

حينها طلب المأمون من الإمام الجواد أن يفصّل أحكام كلّ تشقيق من التشقيقات التي وضعها الإمام للسؤال. فأجاب عليها الإمام الجواد بالتفصيل واحدة تلو الأُخرى. ممّا اسقط في يد يحيى وبطانة المأمون ما كانوا يضمرونه للإمام الجواد (ابن السنوات التسع فقط) ([74]).

ولعلّ هذه المناظرة وما أسفر عنها من نتائج تكفي وحدها للدلالة على أهمّية أُسلوب المناظرات وفاعليته في الكشف عن مرجعية أهل البيت، دون أن يؤثّر في ذلك سنّ أو زمان أو مكان؟ فلا يمكن أن يكون النجاح الدائم والمطلق في المناظرات ـ التي كان كثير منها يأخذ طابع الامتحان ـ مجرّد صدفة، فالصدفة هنا مستحيلة ـ كما يقول أحد الفقهاء([75]) ـ; لأنّها ممكنة في حدود امتحان ما لشخص ما وفي مجال ما، ولكن أن يكون الامتحان في مختلف المجالات، ويتكرّر باستمرار، سواء بالنسبة لكلّ واحد من الأئمّة أو بالنسبة لجميع الأئمّة، صغارهم وكبارهم، فهو ما لا يمكن أن يكون صدفة أبداً، خصوصاً إذا لاحظنا أنّهم كانوا مصحرين بآرائهم ومرجعيتهم.

 

الإنتاج العلمي لأهل البيت (عليهم السلام) :

 

ترك أهل البيت (عليهم السلام) للأُمّة إنتاجاً علمياً ضخماً، استثمرته في ماضيها، وستبقى تنتفع به في حاضرها ومستقبلها; فهذا الإنتاج لم يكن لزمانه وحسب، بل هو خالد على مرّ العصور. وتمثّل إنتاج أهل البيت في أحاديثهم وخطبهم وكتاباتهم ودروسهم، وما تضمّنته من مناهج وقواعد وتعليمات وعلوم، فضلا عن الجامعات العلمية التي أسّسوها، والطاقات العلمية التي ربّوها ورعوها وغذّوها بالعلم والمعرفة.

 

فعلى مستوى التأليف والتصنيف، الإمام عليّ (عليه السلام) نقطة الانطلاق في تاريخ الإسلام، وكانت أُولى أعماله جمع القرآن الكريم مرتّباً حسب النزول، وبيّن أسباب نزول آياته، عامّها وخاصّها، مطلقها ومقيّدها، محكمها ومتشابهها، ناسخها ومنسوخها، عزائمها ورخصها، وسُننها وآدابها. حتّى أنّ ابن سيرين قال: لو أصبت ذلك الكتاب لكان فيه العلم([76]).

 

وروى أبو نعيم عن الإمام علي (عليه السلام) قوله في هذا المجال: «لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقسمت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتّى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي عن ظهري حتّى جمعت القرآن»([77]).

 

 

(98)

 

والمصنّف الآخر للإمام علي هو «الصحيفة»، وهو كتاب في الديات، أي الأموال المفروضة على الجنايات التي ترتكب خطأً أو شبيهاً بالعمد أي في ما لا  يكون القصاص فيه([78]).

 

 وكتاب «الجامعة» هو مصنّف آخر للإمام عليّ (عليه السلام)، وهي أمالي للرسول كتبها الإمام، وتضمّنت ما يحتاجه الناس من أحكام شرعية وتفصيل لما جاء في القرآن الكريم.

 

أمّا الكتب التي جمعت إنتاجه فهي كثيرة، وأهمّها «نهج البلاغة» الذي يشتمل على منتخب من خطب للإمام علي (عليه السلام) وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه، وقد جمعها الشريف الرضي.

 

وكذلك «مسند الإمام عليّ» الذي يشتمل على ما رواه الإمام عليّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد جمعه ابن شعيب النسائي.

 

والكتاب الآخر هو «غرر الحكم ودرر الكلم»، ويتضمّن كلماته القصار وحكمه، وقد جمعه عبد الواحد الآمدي.

 

وإلى جانب مصنّفات الإمام عليّ، فإنّ بعض الموالين لمدرسته، كسلمان الفارسي وأبي ذرّ الغفاري ورافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأصبغ بن نباته، مارسوا التأليف والتصنيف أيضاً بتوجيه من الإمام نفسه([79]).

 

ويمكن مراجعة كتب الرجال للوقوف على تراجم الرجال الّذين تتلمذوا على الإمام عليّ وولديه الإمام الحسن والإمام الحسين، بيد أنّ مدّة إمامة علي بن الحسين زين العابدين، والتي بلغت حوالي 35 عاماً، سمحت له بأن يبني جيلا متخصّصاً من الرواة والفقهاء والمتكلّمين، وفيهم عدد من الصحابة والتابعين([80]).

 

وقد ترك الإمام زين العابدين رسالة رائعة هي «رسالة الحقوق» والتي تتضمّن بياناً لأنواع الحقوق وما يترتّب عليها.

 

والفرصة التاريخية نفسها فسحت المجال للإمام الصادق بأن يبني جامعة إسلامية في تاريخ الإسلام، كان تلامذتها كبار محدّثي وفقهاء وعلماء الأُمّة، من مختلف البلدان، كالعراق والحجاز وفارس وبلاد الشام، وقد تمكّن تلامذة الإمامين محمّد الباقر وجعفر الصادق من تصنيف وتأليف كم كبير من الرسائل والبحوث والكتب، ومنهم أبان بن تغلب روى 30000 حديث عن الإمام الصادق، وأبو حمزة الثمالي وبريد بن معاوية وأبو بصير وزرارة بن أعين ومحمّد بن مسلم وهشام بن الحكم (اشتهر من كتبه 29 كتاباً) ([81]).

 

وقد بادر بعض تلاميذ الإمام الصادق إلى تدوين روايات وفتاوى الإمام الصادق (عليه السلام) وجمعوها في 400 مصنّف، عُرفت بالأُصول الأربعمائة.

 

ثمّ برع تلامذة الأئمّة الآخرين: موسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمّد الجواد، وعلي الهادي، والحسن العسكري، في التصنيف والتأليف، عبر نقل روايات هؤلاء الأئمّة وفتاواهم وتحويل توجيهاتهم إلى مصنّفات مدوّنة في مختلف المجالات والاختصاصات، ولا سيّما علوم الدين.

 

ومن هؤلاء أحمد بن خالد البرقي الذي ألّف نحو 100 كتاب، والحسين بن سعيد الذي ألّف 30 كتاباً، والفضل بن شاذان صاحب أكثر من 200 مؤلّف، ومحمّد العياشي الذي كتب أيضاً ما يقرب من 200 كتاب وبحث([82]).

 

ولم يقتصر تعليم أهل البيت تلامذتهم على علوم الدين، بل تعدّتها إلى العلوم الأُخرى أيضاً، كما هو الحال مع علم النحو الذي علّمه الإمام علي أبا

 

 

 (100)

 

الأسود الدؤلي، أو علم الكيمياء الذي برز فيه جابر بن حيّان الكوفي تلميذ الإمام الصادق (عليه السلام) وغيرها([83]).

 

وقد أوضح أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كلّ ما كانت الأُمّة تحتاجه من أُصول عقيدية وفقهية وأخلاقية، وكانت آراؤهم تمثّل فصل الخطاب لكلّ اختلاف علمي ديني يحدث بين العلماء المسلمين ومذاهبهم الكلامية والفقهية، ولا سيّما في قضايا التوحيد وصفات الخالق تعالى ووصف ذاته مع صفاته، وقضايا العدل الإلهي وما يرتبط بذلك من أفعال الإنسان، ومسائل القضاء والقدر، والوسطية بين الجبر والتفويض، والبداء والتقية، وكذا القواعد الأُصولية والفقهية التي أقام عليها فقهاء مذهب أهل البيت مدرستهم. وقد كتب في هذه المجالات الآلاف من الكتب([84]).

 

 علم أهل البيت (عليهم السلام) في خدمة مصالح الأُمّة:

برغم المحن القاسية التي مرّت على أهل البيت في مختلف المراحل والعهود، إلاّ أنّهم ظلّوا يضحّون من أجل رعاية مصالح الأُمّة ووحدتها وتغليب هذه المصالح على أي شيء آخر، من منطلق الرسالة التي كُلِّفوا بحملها. كما ظلّت علومهم هي المنار الذي يهدي الأُمّة إلى الطريق القويم.

 

وكانت القضية الأُولى هي قضية الخلافة، إذ صمت الإمام عليّ (عليه السلام) حيالها، برغم تصريحه بأحقّيته فيها، وذلك حرصاً على مصلحة الأُمّة التي كانت تعيش

 

 

(101)

 

مرحلة تثبيت الأقدام والفتوحات وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، ولم يسمح لمن أراد أن يلوِّح بورقة الخلافة لتفريق الأُمّة، بتمرير مخطّطه، وهو ما حدث مع أبي سفيان، الذي دعاه عقيب السقيفة بأن يتصدّى للخلافة، فنهره الإمام عليّ وفضح أمره، بل إنّ الإمام عليّ لم يبخل بأية مشورة للخلفاء الراشدين. ويكفي أن نراجع الخطبة الشقشقية وكتابه إلى أهل مصر الذي بعثه مع مالك الأشتر، لنقف على مجمل هذه الحقائق.

 

ففي كتابه إلى أهل مصر قال الإمام عليّ (عليه السلام): «... إنّ الله سبحانه بعث محمّداً نذيراً للعالمين ومهيمناً على المسلمين، فلمّا مضى تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقي في روعي ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزيح هذا الأمر من بعده عن أهل بيته ولا أنّهم منحّوه عنّي من بعده، فما راعني إلاّ والناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّد، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به علَيّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان... كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتّى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدين»([85]).

 

وهذه الكلمات واضحة الدلالة تماماً على تغليب الإمام عليّ (عليه السلام) مصلحة الإسلام، برغم تصريحه بأحقّيته في خلافة رسول الله، ولم يقف الإمام على الحياد تجاه قضايا الإسلام، بل ظلّ في خضمّ الأحداث فاعلا وعاملا، ومن ذلك موقفه من حروب الردّة ومانعي الزكاة، ثمّ موقفه من التجاوزات التي قام بها بعض قادة الجيش الإسلامي خلالها. ففي كليهما تصرّف بالطريقة التي يمليها عليه موقفه

 

(102)

 

الشرعي.

 

وفي السياق نفسه تأتي مواقفه في مرحلة خلافة عمر، فحين استشاره الخليفة في أن يخرج بنفسه لغزو الروم، فإنّ الإمام عليّ (عليه السلام) أشار على عمر بعدم الخروج بنفسه; لأنّه خليفة المسلمين ومحور وحدتهم([86]).

 

وفعل الشيء نفسه حين استشاره عمر بأن يخرج بنفسه لقيادة جيش المسلمين المتوجّه لفتح إيران; لأنّه ـ  كما يقول الإمام عليّ ـ لا بُدّ أن يكون القطب الذي تدور الرحا حوله، فخروجه يعني تشتّت أمر المسلمين([87]).

 

وفي السياق نفسه جاء صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية في إطار الظروف الاستثنائية التي مرّ بها الإمام وعانت منها الأُمّة، ثمّ ثورة الإمام الحسين  (عليه السلام); إذ ضحّى الحسين (عليه السلام) بنفسه وبصحبه وأهل بيته من أجل مصلحة الأُمّة والحيلولة دون استشراء الانحراف في جسدها.

 

ويلفت الإمام السجّاد (عليه السلام) الأنظار بدعائه للجيش الإسلامي برغم خضوع هذا الجيش لقيادة الأُمويين الّذين أذاقوا أهل البيت الأمرّين، وهو دعاؤه المعروف بدعاء «أهل الثغور» الذي يقول فيه:

 

«اللّهمّ صلّ على محمّد وآله وحصِّن ثغور المسلمين بعزّتك، وأيّد حماتها بقوّتك... وكثّر عددهم واشحذ أسلحتهم... وألِّف جمعهم، ودبِّر أمرهم، وواتر بين مسيرهم، وتوحّد بكفاية مؤنهم، وأعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر... اللّهمّ أعزّ بكلّ ناحية من المسلمين على من أزاءهم من المشركين وامددهم بملائكة من عندك مردفين»([88]).

 (103)

 

كذا الحال مع الإمام الباقر (عليه السلام) الذي كان يضع علمه وخبرته تحت تصرّف الدولة الإسلامية، ومن ذلك حلّه مشكلة السكّة حين قنّنها الروم على المسلمين فأشار الإمام الباقر (عليه السلام) على عبد الملك بن مروان بأن يضرب السكّة باسمه.

 

ثمّ مواقف الإمام الصادق (عليه السلام) من قضايا الخلاف الكبرى بين الفرق الإسلامية في العهد العبّاسي، فكان يوجِّه أصحابه وشيعته بشأن سلوكهم مع أتباع المذاهب الأُخرى، فيقول: «صلّوا في جماعتهم، وعودوا مرضاهم، واحضروا جنائزهم وموتاهم; حتّى يقولوا: رحم الله جعفر بن محمّد، فلقد أدّب أصحابه، كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا»([89]).

والأمر نفسه كان يحدث مع الأئمّة الآخرين، وبالإمكان مراجعة مواقفهم كما جاءت في المصادر التاريخية وفي كتب التراجم الموثّقة.

وعموماً فإنّ هذه المواقف كانت تعبِّر عن نظرتهم المتفرّدة لقضايا الأُمّة وتشخيصهم الدقيق لمصلحتها العليا.

النتائج:

نخلص ممّا سبق إلى نتائج نضعها بين أيدي الباحثين والمختصّين; للتداول والحوار، بهدف إثرائها وبلورتها:

1 ـ إنّ القرآن الكريم والسُنّة الشريفة أكّدا مرجعية أهل البيت العلمية العامّة لكلّ المسلمين.

2 ـ إنّ السُنّة الشريفة الصحيحة كشفت عن المقصود بأهل البيت بصفاتهم وعددهم.

3 ـ وإنّهم لم يحتاجوا إلى أحد في حياتهم العلمية، سوى المعصوم الذي سبقهم.

4 ـ إنّ أعلام الأُمّة ورجالات المسلمين، بدءاً بالخلفاء الراشدين وأئمّة المذاهب الإسلامية وحتّى الآن، شهدوا بأعلمية أهل البيت، وبحاجة المسلمين إلى مرجعيتهم العلمية.

5 ـ إنّ أهل البيت وظّفوا علمهم لخدمة الأُمّة ومصالحها، برغم قساوة الظروف التي واجهتهم.

6 ـ وبناءً على ما سبق فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) مرجعية علمية عامّة للمسلمين، دون أن يؤثّر في ذلك زمان أو مكان، وهو الحد الأدنى الذي يتّفق عليه المسلمون بشأن محورية أهل البيت في الوحدة الإسلامية.

فإذا كانت الإمامة السياسية لأهل البيت موضع جدل بين المسلمين، فإنّ المرجعية هي ـ وفقاً لما سبق ـ نقطة التقاء بين المسلمين([90]).

واتّفاق المسلمين على هذه الحقيقة أمر في غاية الأهمّية; لأنّ من شأنه تقرير مصير الأُمّة في قضية طالما حاول الحكّام وحاولت السياسة التعتيم عليها طيلة مئات من السنين.

ومن المناسب هنا الإشارة إلى منهج الدليل الاستقرائي الذي استخدمه الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر لإثبات الخالق تعالى; لأنّه منهج يُعتمد عليه في إثبات جميع الحقائق العلمية، وهو يقوم على حساب الاحتمالات([91]). فنستخدمه هنا في إثبات كون أهل البيت الفئة التي منحت الأهلية للمرجعية العلمية لهذه الأُمّة.

 

ويمكن تلخيص هذا المنهج في الخطوات الخمس التالية:

 

أوّلا: التعرّف على ظواهر القضية التي نريد إثباتها، من خلال التجربة والحسّ.

 

ثانياً: بعد ملاحظة تلك الظواهر وتجميعها، ننتقل إلى مرحلة تفسيرها، وإيجاد فرضية علمية صالحة من خلال تفسير هذه الظواهر وتبريرها، والمقصود بكونها صالحة هو أنّها إذا كانت ثابتة في الواقع فهي تستبطن أو تتناسب مع وجود جميع تلك الظواهر الموجودة بالفعل.

 

ثالثاً: إن لم تكن هذه الفرضية صحيحة وثابتة في الواقع، فإنّ فرصة تواجد تلك الظواهر مجتمعة كلّها ضئيلة جدّاً، أي أنّ نسبة احتمال وجودها جميعاً إلى احتمال عدمها أو عدم واحدة منها ـ على الأقلّ ـ ضئيلة جدّاً.

 

رابعاً: نخلص إلى أنّ تلك الفرضية صادقة، ودليل صدقها هو وجود تلك الظواهر المجتمعة معاً، والتي أحسسناها في الخطوة الأُولى.

 

خامساً: إنّ درجة إثبات تلك الظواهر للفرضية المطروحة في الخطوة الثانية تتناسب عكسياً مع نسبة احتمال وجود تلك الظواهر جميعاً إلى احتمال عدمها على افتراض كذب الفرضية، فكلّما كانت هذه النسبة أقلّ كانت درجة الإثبات أكبر، حتّى تبلغ في حالات اعتيادية كثيرة درجة اليقين الكامل بصحّة الفرضية([92]).

 

ونحن في هذا البحث استخدمنا هذا المنهج استخداماً غير مباشر حيث قلنا: إنّ كلّ هذه الظواهر التاريخية الثابتة إنّما تنسجم مع الأهلية الحقيقية لهم عليهم السلام لهذه المرجعية وإلاّ احتجنا إلى الكثير من الصدف التي لا يُعقل اجتماعها. متمنّين على أهل العلم والاختصاص الانتفاع من هذا المنهج وفقاً للخطوات التي حدّدها الشهيد الصدر، في مثل هذه الموضوعات المصيرية بالنسبة للأُمّة التي تنتمي إلى الرسالة الخاتمة التي تبشّر البشرية جمعاء بالعدل والسعادة وخير الدنيا والآخرة.

 

 

النتيجة :

ونخلص من هذا البحث إلى أنّ الأُمّة الإسلامية لكي توسّع من مساحة مصادرها الأصيلة ومقدرتها على مواجهة التساؤلات الحياتية المتنوّعة، وتنسجم أكثر مع توجّهات القرآن الكريم والسُنّة الشريفة يجب أن ترجع إلى هذا التراث الضخم وتستمدّ منه ما يركّز موقعها الحضاري المطلوب.

 

محمّـد علي التسخيري

طهران / صفر الخير 1422 هـ

 

 

 

الهامش:

([1]). سورة النحل: 43، وسورة الأنبياء: 7.

([2]). تفسير القرآن لابن جرير الطبري/ ج 17 ص 5.

([3]). شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ـ للحاكم النيسابوري ـ/ ج 1 ص 432، ح 459، والمناقب ـ لابن شهرآشوب ـ/ ج 4 ص 179.

([4]). سورة آل عمران / الآية 7.

([5]). نهج البلاغة، الخطبة 144، والمناقب ـ لابن شهرآشوب ـ / ج 1 ص 285.

([6]). سورة الرعد، الآية 43.

([7]). شواهد التنزيل ج 1 ص 400 ح 422، والأمالي ـ للصدوق ـ / ج 3 ص 453 وغيرهما.

([8]). سورة الأحزاب / الآية 33.

([9]). انظر: دلائل النبوة ـ للبيهقي ـ ج 1 ص 170، البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ ج 2 ص 257، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ج 12 ص 81 ح 12604 وغيرها.

([10]). انظر: ينابيع المودّة ـ للقندوزي الحنفي ـ ج 3 ص 291 ح 9، فرائد السمطين ـ لإبراهيم الجويني ـ ج 2 ص 133 ح 430 وغيرهما.

([11]). سورة الشورى: 23.

([12]). فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ج 2 ص 669 ح 1141، والمعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 47 ح 2641، الدرّ المنثور في التفسـير بالمأثور ـ لعبـد الرحمن السيوطي ـ ج 7 ص 348 وغيرها.

([13]). الصحيح ـ للبخاري ـ ج 4 ص 1819 ح 4541، والسُنن ـ للترمذي ـ ج 5 ص 377 ح 3251، والمسند ـ لابن حنبل ـ ج 1 ص 614 ح 2599 وغيرها.

([14]). سورة آل عمران: 31.

([15]). المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، ج 3 ص 143 ح 4652، المسند لابن حنبل، ج 1 ص 708 ح 3062، وتاريخ دمشق لابن عساكر، ج 1 ص 185 ح 250 وغيرها.

([16]).  انظر: المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، ج 3 ص 158 ح 4705، ج 2 ص 451 ح 3558، السُنن الكبرى لأبي بكر البيهقي، ج 2 ص 214 ح 2861، والمعجم الكبير، ج 3 ص 52 ح 2662 وغيرها.

([17]).  انظر: صحيح مسلم،ج 4 ص 1883 ح 2424، والسُنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 212 ح 2858، وتفسير الطبري م 12 ج 22 ص 6 وغيرها.

([18]). انظر: محمدي الري شهري، أهل البيت في الكتاب والسُنّة، ص 27 ـ 50.

([19]). انظر: صحيح مسلم، ج 4 ص 1873 ح 2408، سُنن الدارمي، ج 2 ص 889 ح 3198، مسند ابن حنبل ج 7 ص 75 ح 19285، والسُنن الكبرى ج 10 ص 194 ح 20335، فرائد السمطين، ج 2 ص 234 ح 513، وسُنن الترمذي، ج 5 ص 663 ح 3788.

([20]).  المستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 118 ح 4576، خصائص الإمام أمير المؤمنين للنسائي ص 150 وغيرهما.

([21]).  انظر: صحيح مسلم، ج 4 ص 1874 ح 36 و 37، سُنن الترمذي، ج 5 ص 662 ح 2786 و 2788، سُنن الدارمي، ج 2 ص 889 ح 3198، مسند ابن حنبل، ج 4 ص 30 ح 11104 وعشرات المصادر الأُخرى.

([22]). الشيخ محمّد أبو زهرة، الإمام الصادق، ص 199.

([23]). أحمد حسين يعقوب، الخطط السياسية لتوحيد الأُمّة الإسلامية، ص 351.

([24]). مستدرك الصحيحين ج 3 ص 122; وقال الحاكم النيسابوري أنّه حديث صحيح على شرط الشيخين. وانظر أيضاً: كنز العمّال للمتّقي الهندي، ج 6 ص 156.

([25]). كنز العمّال، ج 6 ص 156، وكنوز الحقائق للمناوي، ص 18.

([26]). كنز العمّال، ج 6 ص 153.

([27]). المستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 162 ح 4715.

([28]). فرائد السمطين، ج 2 ص 246 ح 519، ينابيع المودّة، ج 1 ص 94 ح 5، المستدرك على الصحيحن، ج 3 ص 163 ح 4720، المناقب لابن المغازلي، ص 132 ـ 134 وغيرها.

([29]). الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 6 ص 240.

([30]). نهج البلاغة، الخطبة 109.

([31]). انظر: صحيح مسلم، ج 3 ص 1453 ح 10، مسند ابن حنبل، ج 7 ص 410 ح 20869، ومسند أبي يعلى، ج 6 ص 473 ح 7429 وغيرها.

([32]). انظر: مسند ابن حنبل، ج 2 ص 55 ح 3781، المستدرك على الصحيحن، ج 4 ص 546 ح 8529، والمعجم الكبير، ج 1 ص 158 ح 10310 وغيرها.

([33]). السيّد محمّد تقي الحكيم، الأُصول العامّة للفقه المقارن، ص 178 ـ 179.

([34]). المصدر السابق، ص 179.

([35]). رواه أنس بن مالك، شواهد التنزيل ج 1 ص 39 ح 28.

([36]). انظر: الطبقات الكبرى ج 2 ص 338، تاريخ الخلفاء لعبد الرحمن السيوطي، ص 218، تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 3 ص 21 ح 1039 وغيـرها.

([37]). انظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج 1 ص 65 وينابيع المودّة، ج 1 ص 215 ح 24.

([38]). نهج البلاغة، خطبة 158.

([39]). رواه مجاهد عن عبدالله بن عبّاس، وقال الحاكم أنّه حديث صحيح الإسناد، انظر: المستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 126 ـ 127، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد بأربع طرق، ج 4 ص 348، ج 7 ص 172، ج 11 ص 48 ـ 49، ورواه ابن الأثير في أُسد الغابة ج  4 ص 22، والمتّقي الهندي في كنز العمّال، ج 6 ص 152، وغيرها من المصادر التي ذكر قسماً منها الفيروز آبادي في كتابه فضائل الخمسة في الصحاح الستّة، ج 2 ص 281 ـ 282.

([40]). كما في الرياض النضرة للمحبّ الطبري، ج 2 ص 193 وغيره.

([41]). انظر: صحيح الترمذي، ج 2 ص 299، تاريخ بغداد أو مدينة السلام للخطيب البغدادي، ج 1 ص 204، كنز العمّال للمتّقي الهندي، ج 6 ص 401.

([42]). سورة الحاقّة / الآية 12.

([43]). كفاية الطالب للكنجي، ص 4.

([44]). نهج البلاغة، الخطبة 128.

([45]). كنز العمّال، ج 5 ص 41.

([46]). المناقب لابن شهرآشوب، ج 4 ص 366، وعيون أخبار الرضا، ج 2 ص 143 ح 10.

([47]). بصائر الدرجات، ص 30 ح 4، والاختصاص للشيخ المفيد، ص 280، وهناك حديث للإمام الصادق (عليه السلام) بالمضمون نفسه رواه أبو داود بن يزيد في بصائر الدرجات، ص 299.

([48]). معظم هذه النصوص وردت في الموسوعات الحديثية الشيعية، كالكافي للكليني، والتهذيب، والاستبصار للطوسي، وبحار الأنوار للمجلسي وغيرها. وهذه القضية من القضايا التي تمثّل أساساً مهمّاً في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .

([49]). انظر: أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وحدة هدف وتنوّع أدوار، للسيّد محمّد باقر الصدر.

([50]). نهج البلاغة، الخطبة 128.

([51]). رواه عبد الرحمن بن كثير، رجال الكشّي، ص 491.

([52]). أخرجه البخاري في تاريخه، ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ج 3 ص 14.

([53]). انظر: الموطّأ لمالك بن أنس، ص 36 وص 176، سنن البيهقي، ج 7 ص 419، مسند الشافعي، ص 171، مسند ابن حنبل، ج 1 ص 100، وص 104، تفسير ابن جرير، ج 25 ص 61 وغيرها.

([54]). انظر: سُنن النسائي، ج 1 ص 32، سُنن ابن ماجه، ص 42، ومسند ابن حنبل ج 1 ص 96، ص 100، ص 113، ص 117، ص 210، ص 133، ص 146، وص 149.

([55]). المصادر السابقة نفسها.

([56]). رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن قيس بن أبي حازم، ج 3 ص 499.

([57]). انظر: الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 108، ونور الأبصار، ص 105.

([58]). الرجال لابن عقدة الزيدي، نقلا عن أعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين، ج 1 ص 661.

([59]). ذكر ذلك معظم كتب الطبقات والأعلام والتاريخ، كمطالب السؤول لابن طلحة الشافعي، ص 218، والصواعق المحرقة، ص 30.

([60]). حلية الأولياء لأبي نعيم، نقلا عن المناقب لابن شهرآشوب، ج 4 ص 247.

([61]). تحفة الآلوسي، ص 8 وغيره من المصادر التاريخية، وقصّة التقريب للسيّد محمّد تقي الحكيم ص 90.

([62]). تهذيب التهذيب، ج 2 ص 104.

([63]). الشيخ محمّد أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق، ص 3.

([64]).  ومنها كتاب الاحتجاج للطبرسي.

([65]).  مثالا على ذلك، انظر: عرائس التيجان للثعلبي، ص 566.

([66]).  انظر: كتاب يحمل العنوان نفسه للشيخ محمّد رضا الحكيمي.

([67]). الاحتجاج، ص 267 ـ 269.

([68]). تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحرّاني، ص 231.

([69]). رواها الموفّق في مناقب أبي حنيفة، ج 1 ص 173.

([70]). الاحتجاج، ص 331 ـ 335.

([71]). المصدر السابق، 415 ـ 425.

([72]). المصدر السابق، ص 425 ـ 432.

([73]). انظر: الأُصول العامّة للفقه المقارن للسيّد محمّد تقي الحكيم، ص 183.

([74]). انظر: الصواعق المحرقة، ص 204، الاحتجاج، ص 444 وغيرهما.

([75]). السيّد محمّد تقي الحكيم في الأُصول العامّة للفقه المقارن، ص 184.

([76]). انظر: المراجعات للسيّد عبد الحسين شرف الدين، المراجعة 110.

([77]). حلية الأولياء، ج 1 ص 67.

([78]). انظر: تكملة المنهاج للسيّد أبي القاسم الخوئي، ج 2، كتاب الديات.

([79]). انظر: المراجعات، ص 412 ـ 413، والمناقب لابن شهرآشوب.

([80]). انظر: المناقب لابن شهرآشوب، ج 4 ص 161، ورجال الكشّي.

([81]). انظر: المراجعات، ص 415 ـ 419.

([82]). المصدر السابق، ص 422.

([83]). انظر: رجال الكشّي، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيّد حسن الصدر، مؤلّفو الشيعة في صدر الإسلام للسيّد عبد الحسين شرف الدين، رجال النجاشي، طبقات مؤلّفي الشيعة للشيخ آغا بزرك الطهراني وغيرها.

([84]). انظر: المصادر السابقة نفسها.

([85]). نهج البلاغة، الرسالة رقم 62.

([86]). المصدر السابق، الخطبة 134.

([87]). المصدر السابق، الخطبة 146.

([88]). الإمام زين العابدين (السجّاد)، الصحيفة السجّادية، ص 87 ـ 91.

([89]). الفصول المهمّة في توحيد الأُمّة، للسيّد عبد الحسين شرف الدين.

([90]).  لا يعني هذا ذوبان المذاهب الإسلامية في مذهب واحد، بل يعني تحديد مساحة مرجعية عامّة يلتقي عندها كلّ أتباع المذاهب الإسلامية، مع احتفاظ كلّ مذهب وفريق بخصوصياته.

([91]).  انظر: السيّد محمّد باقر الصدر، الأُسس المنطقية للاستقراء (ق 3)، ص 135 فما بعدها.

([92]). انظر: المصدر السابق: ص 355 ـ 410 وقد عرض الشهيد الصدر هذا المنهج بصورة مبسّطة ومختصرة في كتابه (المرسل الرسول الرسالة)، ص 24 ـ 27.