قراءة في واقع ظاهرة التطرف وفي كيفية التعاطي معها

قراءة في واقع ظاهرة التطرف وفي كيفية التعاطي معها

 

 

قراءة في واقع ظاهرة التطرف وفي كيفية التعاطي معها

 

الشيخ مصطفى ملص

باحث و مفكر اسلامي - لبنان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أنه التطرف في سلوك الأفراد والجماعات، وفي فهمهم للقيم والمبادىء بشكل عام، ليس حكراً على طائفة أو دين أو عرق أو شعب من الشعوب، فهو يضرب في كل مكان تتوافر فيه العوامل والعناصر الدافعة والمشجعة له.

 

وإذا كانت فلسفة الحياة تقوم على مبدأ الصراع بمعناه العام، أو على مبدأ التدافع كما أسماه القرآن الكريم، فهذا يعني أن الأمم والشعوب ستظل عرضة للتصادم بشكل من الأشكال طالما أن هناك إختلافاً، أو خلافاً بين بني البشر.

 

ومع ذلك، فإننا، لا نزعم أن الأصل في علاقة الناس ببعضهم هو التصادم، بل نؤكد أن الأصل في العلاقات الإنسانية هو التفاهم والتعأون والوئام، وإن التصادم والصراع والتقاتل هو الإستثناء، وأنه يأتي في مراحل أو مفاصل يفشل الناس فيها في إيجاد المخارج المُرْضية، لتعارض المصالح فيما بينهم.

 

ويأتي الصدام، أو التدافع غالباً ليعيد التوازن إلى واقع مختل، سواءٌ كان الصدام على سبيل الهجوم أو الدفاع، على الأقل من وجهة نظر كل طرف، فالمعتدي يظن أنه يبادر إلى عمل يخدم مصالحه، ويزيد في تحسين أوضاعه، والمدافع يعتقد أنه يحمي حقه، أو وجوده، أضف إلى ذلك أن امتلاك جهة ما لعناصر القوة والغلبة يشكل إغراءً لهذه الجهة لتوظف هذه القوة ضد من هم أضعف أو أقل قوة منها، وهذا ما تقوم به القوى الغاشمة اليوم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ضد العالم الإسلامي عموماً، وضد العالم العربي خصوصاً.

 

حيث تعمد إلى القوة لفرض سيطرتها المباشرة على مناطق كثيرة في العالم، وأكثرها وضوحاً العراق وأفغانستان وجزيرة العرب.

 

إنّ نشوءَ التطرف لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة خلل ما يصيب منظومة القيم والمبادىء التي تحكم العلاقة الإنسانية في بعض وجوهها، وغالباً ما تلجأ إليه الجهة الأضعفُ قوةً أو حجةً، بإعتباره (أي التطرف) أنه بشكل من الأشكال خروج على القواعد المتعارف عليها، وتمردّ على الضوابط التي تحكم الصراع بين المتكافئين. وفيه إنشاء لقواعد جديدة غير مسلّم بها، أو لجوء إلى أساليب مرفوضة، تحت ذرائع ومسوغات معينة.

 

ونعيش اليوم في زمن شيوع وإنتشار مصطلح التطرف ومرادفاته، وقد استطاعت القوى العالمية النافذة أن تجعل من هذا المصطلح سبيلاً للنيل من كل قوة أو جهة أو جماعة لا تنصاع لإرادتها، أو تتمرد عليها. واللجوء إلى استخدام مصطلح التطرف له غرض فكري، أو ثقافي إجتماعي يتمثل في كشف هؤلاء المتمردين على إرادة الأقوياء، وتصويرهم على أنهم خارجون أولاً على مجتمعهم وقِيمَة ومبادئه، مما يحفز هذا المجتمع للوقوف في وجههم والتصدي لهم، هذا بغض النظر عن حقيقة هؤلاء، وبغض النظر عما إذا كانوا طلاب حق أم طلاب باطل.

 

ونحبُ أن نشير إلى أن إثارة هذا الأمر ليست وليدة العصر، فالتجربة الإنسانية عموماً والإسلامية والعربية خصوصاً شهدت تاريخاً حافلاً من الصراع بين القوى، وبين الحكام والمحكومين، وإنْ كان التعبير اللفظي يختلف من حين لآخر، كالغلو، والزندقة، والتشدد، والتنطع، والتعمق وغير ذلك.

 

لذلك، تملك أمتنا تاريخاً مريراً من هذه الناحية، وما زاد الأمر مرارة أن كل الأطراف كانت تبحث عن مستند شرعي لما تدعو إليه أو تمارسه، وغالباً ما كان اللجوء إلى الدين هو السبيل لإضفاء الشرعية، عبر استنطاق النصوص وإعطائها التفاسير المختلفة، بغض النظر عن صحتها أو خطئها.

 

وإذا حأولنا استقراء تاريخ ما يسمى بالغلو، أو التطرف، أو التشدد، أو الخروج، فسنجد أن الدافع الأساسي إنما هو دافع سياسي، أو في حقيقته صراع على السلطة أو أن وراءه قصد تأسيس سلطة ما.

 

وعلى كل حال، فالكتابة عن التطرف وبالأخص التطرف الديني ليس بالأمر اليسير، فهو كالسير في حقل ألغام، لاسيما وأن التزييف والتزوير والكذب والخداع وتحريف الوقائع والأفكار، والبعد عن الموضوعية، والإحتكام إلى الأهواء والشهوات كان وما زال سمة المتصارعين والمتنافسين، إلا من رحم ربي، وهم قليل وقليل جداً، والعصر الراهن أشد تلاعباً، نظراً للإمكانيات المادية والتقنية، وللقدرة على استثمار الصوت والصورة بعد تزيفهما.

 

لذلك، أتمنى أن أوفق لأكون موضوعياً ولا أقول حياديا، فإنا في الصراعات الدائرة اليوم لست حيادياً، لأنني معني بهذه الصراعات، ولأنني اعتقد ان من مصلحتنا أن نكون موضوعيين، ومن ديننا ومبادئنا أن نكون منصفين.

الفصل الأول

الإسلام والتيسير:

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: ١٤٣)

 

أمة الإسلام هي الأُمة الوسط، أي أنها أمة الإعتدال في كب شيء، والإعتدال هوالوقوف عند حد اليسر، والبعد عن التكلف، وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة مبينةً أن هذا الدين يسر، بمعناه العام، وأن التكليف بقدر الإستطاعة والوسع.

 

(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أو أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة: ٢٨٦)

 

 

وقال أيضاً: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: ٧)

 

وفي الدلالة على أن الدين يسر يقول جل جلاله: (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طه: ٢)

 

(إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى) (طه: ٣).

 

(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج: ٧٨)

 

(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(التوبة: ١٢٨).

 

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: ١٨٥).

 

وقد استخرج العلماء قواعد فقهية من خلال استقرائهم للأوامر والنواهي تدل على أن الشريعة الإسلامية سمحة، وهي أبعد ما تكون عن التشدد والتضيق على العباد، ومن أهم هذه القواعد:

المشقةُ تجلبُ التيسيرَ

ومعناه أن الأمر إذا وصل إلى حد الإرهاق والمشقة على النفس الغته الشريعة، وخير مثال على ذلك جواز الإفطار للمسافر والمريض، وسقوط الجمعة عن المسافر وجواز أكل الميتة للمضطر.

 

1-   إذا ضاق الأمر اتسع

 

ومعناه إذا ظهرت مشقة في أمر فإنه يرخص فيه ويوسَّع.

 

وتضرب عليها مثالاً بجواز الأكل من مال الغير عند الإضطرار بدون إذنه حفظاً لحياة المضطر على أن يكون ضامناً لما أخذ.

وفي الأحاديث النبوية دلالات واضحة على ذلك ومنها:

1-   الحديث الذي رواه بن ماجة عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»([1])، ومعناه رفع المسؤولية يوم القيامة عن كل فعل أو تصرف كان بغير قصد أو نتيجة نسيان أو إكراه، أما دنيوياً ففي الأمر تفصيل.

 

2- الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد: «بعثت بالحنيفية السمحة»([2]).

 

 والحنيفية هي دين إبراهيم (عليه السلام)، والسمحة أي التي لا عنت فيها ولا تضيق.

 

3-الحديث الذي رواه الإمام البخاري وأبو دأوود وغيرهما عن أبي هريرة: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»([3])، أي أن الدين الذي جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء لييسر أمر الناس ويسهل عليهم ولا مكان فيه للتعسير.

 

4- الحديث الذي رواه الإمام أحمد: «إن دين الله يسر، قالها ثلاثاً»([4]).

 

5- الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن السيدة عائشة(رض) قالت: قال رسول الله عليه وسلم: «ما خُيرَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أمرَين إلا أختار أيسرهما ما لم يكن إثماً»([5]).

 

وفي ذلك دلالة على أن السنة التي أمر المسلمون بالإقتداء بما تنحو نحو إختيار ايسر الامرين إذا كانا متسأويين في الحِّل.

 

إن ما أوردناه من آحاديث وآيات وقواعد فقهية تؤكد ان الإسلام كدين يعتمد مبدأ التيسير والسهولة وكل ما فيه من رفع الحرج عن الناس، وما ينافي الشدة والتضيق عليهم، وقد رأينا التقدم بهذه الأدلة قبل البدء في مناقشة مسألة التطرف، نظراً لما يشتمل عليه التطرف من حرج، ولما فيه من منافاة للوسطية التي تعني أنه لا إفراط ولا تفريط، أو كما قال تعالى: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقاء ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً»([6]).

التطرف

إن النظرة إلى التطرف نسبيةٌ إلى حد ما، فما يكون تطرفاً في نظر البعض قد لا يكون كذلك في نظر البعض الآخر.

 

والتسمية بحد ذاتها تدل على أن هناك نقطة تتوسط خطاً وكل إبتعاد عن هذه النقطة إلى أي جهة من جهتي طرفي الخط هو تطرف فكل إبتعاد عن الوسط وإقتراب من أحد الطرفين أو أحد الأطراف هو تطرف. لذلك لو عدنا إلى اللغة لفهم معنى التطرف فإننا سنجد أن التطرف مشتق من الطرف أي الناحية أو منتهى كل شيء، وتطرف أي اقترب من الطرف والطاء والغاء والراء كما يقول بن فارس أصلان، أحدهما يدل على حد الشيء وحرفه، والثاني يدل على حركة فيه.

 

وقيل كل ما زاد على النصف طرف.

 

ويقول الجصاص طرف الشيء إما أن يكون إبتداءه أو نهايته ويبعد أن يكون ما قرب من الوسط.

 

وقيل التطرف عكس الإعتدال والتوسط، وقد يقصد به التسيب والمغالاة.

 

وإن شاع استخدامه في المغالاة والإفراط فقط.

 

وقبل التطرف يعني الغلو، وفي المصباح المنير غلا غلواً من باب تعد أي تعصب وتشدد وتجأوز الحد.

تعريفات قاموسية:

قاموس اكسفورد وتحت عنوان (Extremity) أي التطرف جاءت العديد من المعاني،

 

منها: «هو النهاية القصوى في أي خط أو سلسلة متدرجة».

 

ومنها: «هو شدة المغالاة، أو العنف في الإنفعال والسلوك».

 

ومنها: «هو الغلو في الإعتقاد والسلوك» (Obers chall 1973)

 

أما قاموس Standard Dictionry فقد جاء فيه: «التطرف هو راديكالية الإعتقاد» (Funk 1970).

 

وتكاد القواميس الأجنبية تتفق على أن التطرف هو تجأوز حد الإعتدال والغلو في الإعتقاد والسلوك.

مفهوم التطرف في علم الإجتماع وعلوم أخرى

يُعرّف السيد عويس التطرف بمفهوم علم الإجتماع بأنه: «هو التعصب في الرأي وتجأوز حد الإعتدال فيه، وما يترتب على هذا التعصب من ألوان السلوك الإنساني العنيف أحياناً، اللاإنساني أحياناً أخرى»([7]).

 

وفي تعريف آخر لسمير احمد نعيم: «أنه أسلوب مغلق للتفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص أو الجماعة»([8]).

 

ومن التعريفات القانونية: «إن التطرف هو المعاملة القاسية والعنيفة»([9]).

 

ومن التعريفات السياسية ما أورده قاموس السياسة المعاصرة: «التطرف هو الموقف المتوتر إلى أقصى حد»([10]).

 

وفي علم النفس نجد إتجاهين للتعريف المتعلق بالتطرف، الإتجاه الأول تنأول التطرف بإعتباره أسلوباً للإستجابة التي تنحرف سلباً أو إيجاباً عن المتوسط، يقول سعيد محمّد نصر: «يتمثل التطرف في الإستجابة الأكثر تطرفاً إلى أعلى أو إلى أسفل عن التقدير المتوسط»([11]).

 

والإتجاه الثاني فهو يركز على معنى التطرف ومفاده: «إن التطرف ظاهرة يمكن أن تكون ثورة على الواقع إذا لم يكن ذلك الواقع مقنعاً أو كافياً، أو قد يكون هروباً من ذلك الواقع إذا كانت الثورة عليه مستحيلة»([12]).

 

من خلال مراجعة التعريفات اللغوية ومفهوم التطرف في بقية العلوم لا نكاد نجد تناقضاً أو إختلافاً كبيراً، فهو إبتعاد عن الوسطية والإعتدال في الإعتقاد والسلوك.

 

ومن التعريفات الوافية للتطرف التعريف التالي: «هو ذهنية معنية في فهم الأوضاع والعلاقات الإجتماعية، وفي فهم أزماتها، وفي إختيار حلولها بوسائل عنيفة، غالباً ما تتعارض مع الأنظمة المرعية الإجراء، والقيم والقوانين التي يتبناها الناس الراغبون بحل تلك الأزمات».

التطرف في المفهوم الإسلامي

أطلق العلماء قديماً كلمة المتطرف على المخالف، وكلمة التطرف على القول أو الفعل المخالف للشرع.

 

قال القرطبي: «وتكره القبلة للصائم من أجل ما يخاف عليه من التطرف إلى الجماع والإنزال».

 

قال ابن تيمية: «وكثيراً ما يغلط بعض المتطرفين من الفقهاء في مثل هذا المقام، فإنه يسأَلُ عن شرطِ واقفٍ، أو يمين حالفٍ».

 

والحقيقة ان مفهوم التطرف ليس قاصراً على كلمة التطرف، فقد دلت عليه عبارات أخرى وردت في الكتاب والسنة مثل عبارات «الغلو» و«التنطع» و «التعمق» و«العدوان» أو «التعد» والإطراء.

 

فالغلو كما قال الإمام النووي: «هو الزيادة على ما يطلب شرعاً» وقال ابن حجر: «هو المبالغة في الشيء والتشدد فيه بتجأوز الحد، وفيه معنى التعمق.

 

قال المنأوي: الغلو تجأوز الحد.

 

أما التنطع فهو التكلف المؤدي إلى الخروج على السنّة.

 

والعدوان والتعد هو تجأوز الحق، أو تجأوز الحد الذي تسمح به الشريعة.

 

والغلو من قِبل أهل الكتاب كان في زعمهم الوهية عيسى بن مريم رسول الله (عليه السلام)، وفي حديثهم عن التثليث، وإدعائهم أن المسيح ولد الله، وهذا تطرف في الإعتقاد، سببه المغالاة في أطراء السيد المسيح وتبجيله وإنزاله في منزلة فوق منزلة البشر.

 

لذلك قلنا إن الإطراء إذا تجأوز الحد فهو تطرف، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فعبدوه».

 

ومن الإطراء الذي يصل إلى حد التطرف والمغالاة أن يُنسب إلى أولياء صالحين أو بشر عاديين ما ليس للبشر، وحتّى الأنبياء، لا ينبغي أن يبالغ في فضلهم باكثر مما ذكر الله تعالى لهم، ومن ذلك إدعاء علم الغيب لأحد من الخلق إلا ما أوصى به لرسله، قال تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَأواتِ والأرض الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل 65).

 

لذلك نجد تطرفاً ومبالغة في ذكر فضائل بعض الصالحين لدى بعض أهل التصوف يصل إلى حد مخالفة الشرع الحنيف.

 

ونهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المبالغة في الإطراء واضح: «لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى بن مريم فعبدوه، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله» أي انزلوني في منزلتي الحقيقية وهي منزلة العبودية لله عز وجل ومنزلة الرسول المرسل من الله تعالى.

 

وكل ما شاكل ذلك هو تطرف في الإعتقاد سببه الغلو والمبالغة.

 

اما التعد والعدأون فهو تطرف لأن فيه تجأوز حدود الشرع، قال تعالى: (ِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة 229).

 

وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)( الطلاق 1).

 

والتعد هنا هو تجأوز الحد الذي وضعه الله سبحانه للرجال في حال طلاقهم للنساء فاعتبر أن ذلك ظلم للنفس، وظلم عام، ولو وقف عن حدود الشرع لكان في ذلك إعتدلاً وتوسطاً فلما لم يكن إعتدلاً وتوسطاً، صار تطرفاً، خصوصاً وأن فيه إعتداءً على حقوق النفس وعلى حق الغير.

 

وفي الحديث عن بني إسرائيل قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) ( آل عمران 112).

 

إن كل هذه الجرائم التي اقترفها اليهود بحق أنبيائهن، وسائر معاصيهم لهي عدوان على حدود الله، وكل عدوان على حدود الله هو تطرف.

 

أما التنطع والتعمق: وهما بمعنى واحد، فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس رضى الله عنه قال: «واصل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آخر الشهر، وواصل ناس من الناس، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: «ثم لو مد بي الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهمن، اني لست مثلكم أني أظل يطعمني الله ويسقين».

 

وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن سيرين عن عبيدة قال: مر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (على قوم)، فسلم عليهم ف لم يردوا عليه أو قال: فلم يتكلموا، فسأل عنهم فقيل: نذروا أو حلفوا ألا يتكلموا اليوم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «هلك المتعمقون» يعني: المتنطعون المجأوزون للحدود في أقوالهم وأفعالهم.

 

قال النووي: قال الخطابي: «المتنطع، المتعمق في الشيء، المتكلف للبحث عنه، على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغ عقولهم».

 

قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): «أياكم والتبدع، أياكم والتنطع، أياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق».

 

وفي هذا الحديث دعوة إلى أخذ الدين دون عقد أو تكلف اي ببساطته وسهولته إلتي عرفه بها أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

معيار التطرف

مما لا شكّ فيه ان إتهام جهة ما، أو شخص معين بالتطرف مسألة تضع للأمزجة أو لإختلاف وجهات النظر.

 

وفي عصرنا الحاضر نشهد موجهة من إطلاق التهم بالتطرف على جهات وأفراد من قبل جهات سياسية وإعلامية لا تستند إلى قاعدة معتبرة، أو معيارٍ سليم، بل تنطلق في ذلك من منطلقات شتى كإختلاف المصالح أو تعارض السياسات.

 

وفي التاريخ شواهد لا تحصى على ان رمي الناس بالتطرف أو الكفر أو الزندقة أو النفاق كان سلوكاً لم تسلم منه أمة من الأمم، ولا شعب من الشعوب ولا دين من الأديان، أو جماعة من الجماعات.

 

ومن مراجعة التاريخ المدون للإنسانية جمعاء، نكاد نزعم ان التاريخ غالباً هو تاريخ التطرف، فلقد كان التطرف هو المتحكم في معظم الصرعات التي عرفتها الشعوب.

 

وقد حأول علماء، الإجتماع وغيرهم وضع معيار لتحديد التطرف، وما هي القاعدة التي نحكم من خلالها على الفكر أو التصرف بأنه متطرف، يقول بعضهم: «إن السلوك الإجتماعي سواءٌ أكان إخلاقياً أو غير إخلاقي، مشروعاً أو غير مشروع، يمكن فقط أن يفهم في ضوء القيم التي تعطي السلوك معناه، أي أن المعاني لا تكمن في طبيعة الأشياء ولكن تُضفيها على تلك الأشياء ثقافة الجماعات المعيارية المرجعية.

 

وهكذا تكتسب بعض إنماط السلوك صفة الشرعية، والبعض الأخر صفة الإنحراف، وحين يتم ذلك فهذا يتم في إطار معايير الجماعة السائدة، التي تفرض معاييرها على المجتمع كله.

 

فتقييم السلوك يتم في ضوء المعايير الإجتماعية التي يعتريها ككل شيء في المجتمع التغيير، حيث أن أحكامنا القيمية نسبية، تختلف من بيئة لآخرى، ومن مجمتع لأخر، ومن مرحلة تاريخية لأخرى، ومن ثقافة لأخرى»([13]).

 

وبناءً عليه نستطيع أنّ نقول أن الثقافة والأعراف الإجتماعية أو السياسية أو الدينية الثابتة والمقبولة من أفراد المجتمع، أومن غالبية افراده، هي التي يُستند إليها في تحديد معيار التطرف، بحيث يعتبر كل فكر أو سلوك مخالف، أو متجأوز لما عليه الجماعة تطرفاً.

 

أما معيار تحديد التطرف في الإسلام فيتمثل في تجأوز ما امر به الشرع الحنيف.

 

وإذا كان البعض قد اعتبر أن التطرف عند العلماء هو القول أو الفعل المخالف للشريعة، فإنني أفضل أن لا ادخل القول أو الفعل المخالف للشريعة في دائرة التطرف، لأن مخالفة الشرع هي نقض له وبالتالي فهي خروج على الدين، بينما التطرف هو الذهاب إلى حد أبعد مما يرضى به الشرع أو يامر به، ونضرب عليه مثالاً الوصال في الصيام، الذي نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الذي أوردناه آنفاً.

 

وهكذا نجد أن المعيار لإعتبار وتحديد التطرف هو مدة ملاءمة التصرف للقواعد السائدة، إجتماعياً أو دينياً أو سياسياً، فكلما ابتعد التصرف عن هذه القواعد كان اكثر تطرفاً، ومن الضروري أن تكون هذه القواعد مستقرة ومعترفاً بها على وجه عام، فلا يمكن الإحتكام إلى قواعد ومعايير غير معترف بها من قبل الهيئة الإجتماعية، أو الدينية أو من قبل المجتمع السياسي، كما لا يمكن الركون إلى قواعد ومعايير يضعها أخرون، كما هو حاصل اليوم من قبل الولايات المتحدة الأميركية حيث يتم السعي من قبلها وعبر جهات وشخصيات لوضع مفاهيم جديدة للأسلام تتناسب مع المصالح الأميركية.

 

هل يمكن ان يشكل الخروج على القواعد والاعراف في لحظة ما حاجة إجتماعية؟

 

يطرح هذا السؤال نفسه عند الحديث عن المعيار المعتمد لتحديد مفهوم التطرف لاسيما في المجالين الإجتماعي والسياسي، ناهيك عن المجال الديني.

 

بمعنى آخر، هل يمكن للقواعد الإجتماعية والسياسية والدينية أن تصبح حجر عثرة في وجه تقدم المجتمع وتطوره وحل مشاكله؟

 

أو هل يمكن لهذه القواعد أن تستغل من قبل جهات أو افراد أو جماعات ضد مصلحة المجمتع، فيصبح الإلتزام بها أو الإنسجام معها ذا تأثير سلبي على المجمتع؟

 

وفي حال اصبحت القواعد والأعراف والقيم الإجتماعية على هذا الشكل السلبي الذي ذكرناه، هل يصبح الخروج عليها والتمرد ضدها هو الفعل الصحيح؟ أي هل يمكن للتطرف بهذا المعنى أن يصبح مطلباً؟ وبالتالي أن يعتبر تصرفاًَ صحيحاً؟

 

ثم إن هناك سؤالاً أخر يطرح حول من هي الجهة التي تقرر أن الخروج على القواعد والقيم والأعراف المستقرة والمتوارثة قد صار ضرورياً؟

 

مما لا شكّ فيه ان هذه المسألة تندرج ضمن ضرورات التغيير التي تفرض نفسها على المجتمع، المحلي والدولي، وتدخل ضمن مسألة الصراع أو التدافع التي تفرضها الحياة بقوة من أجل الحفاظ على المجتمعات والقيم الإنسانية العليا، والمبادىء الأساسية، ولحصول ذلك لا بد من إرهاصات معينة ومخاضات معروفة، خاضت معظم الأمم والشعوب غمارها في فترة ما، حتّى استطاعت أن تتوصل إلى صياغة ما هي عليه من قيم ومبادىء وضوابط، وعلى هذا الأساس كانت بعض الثورات ضرورية لإحداث التغيير، وللإحاطة بالفساد والمفسدين، وكذلك كانت بعض الحروب من أجل رفع الطغيان، أو الإحتلال أو تحقيق الإستقلال عن القوى الغاشمة.

 

لذلك لا يمكننا أن نزعم أن كل تطرف مذموم، أو على الأصح أن كل تطرف هو تطرف فعلاً، بل قد يكون ما يسمى بالتطرف هو التصرف الأمثل ضد تطرف حقيقي متغلغل في المجتمع، ولكنه مقنع بقناع النظام أو الدين أو الإستقرار السياسي والإجتماعي.

 

وبهذا يمكن أن نقول أنه حينما يصاب المجمتع بخلل ما، وتعجز القواعد المنظمة والضابطة لعملية التغير والإصلاح عن القيام بوظيفتها بشكل صحيح أو تصبح هذه القواعد والضوابط معيقة لعملية إصلاح الخلل، يصبح التمرد عليها واجباً على المصلحين، الذين استطاعوا تحديد مواطن ومكامن الخلل.

 

ويصبح التطرف هنا أو الفعل الذي تصفه القوى المتضررة منه بأنه تطرف، يصبح فعلاً إيجابياً.

 

ومن ذلك حركات المقأومة في مختلف إنحاء العالم التي تصارع القوى الطاغية والظالمة والمغتصبة للسلطة في حال كانت غاية هذه الحركات تحقيق غاية سامية وشريفة([14]).

أسباب ظهور حالات التطرف

إن التوازن والإستقرار هما أساس الحياة الإجتماعية، وعندما يفقد المجتمع عنصري التوازن والإستقرار يصبح تربة خصبة لنمو الحركات المتطرفة.

 

وفي ذلك الإطار يشير خونسون إلى أن الإختلال الوظيفي يحدث عندما يعجز أحد الأنظمة المكونة للمجتمع عن أداء وظيفته التي تحفظ التوازن، فإذا لم يحدث إجراء إصلاحي فإن النظام الإجتماعي سوف يفقد توازنه ككل!

 

وينقل د. عدلي أبو طاحون عن بارسونز أنه حدد أربعة شروط أساسية تؤدي إلى ظهور الحركات الإجتماعية (Tomkins 1982) هي([15]).

 

1- وجود عناصر دافعية إغترابية واسعة الإنتشار بين الناس إي وجود شعور بين الأفراد بأن النظام الإجتماعي القائم في حاجة للتغيير نتيجة لما يعانيه الأفراد من مشاكل مثل التضخم والكساد والبطالة.

 

2- تنظيم جماعة ذات ثقافة منحرفة، وهذا الشرط يفترض قيام قادة وزعماء الحركة بعملية التنظيم، وتوفير التضامن بين أعضاء الحركة.

 

3- يتعلق هذا الشرط بوجود ايديولوجية أو مجموعة من المعتقدات الدينية التي يمكن أن تنجح في اكساب الشرعية للحركة.

 

4- وهذا الشرط يتعلق بمدى استقرار النظام الاجتماعي الذي تصطدم به الحركة، وعلاقة ذلك بالتوازن في المجتمع.

 

وينتهي إلى أن الحركات الدينية المتطرفة تنشأ وفقاً للاتجاه الوظيفي بسبب فشل وتعثر النظم السياسية في مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع، وذلك لغياب المؤسسات والأبنية اللازمة للقيام بتلك المهمة، ونظراً لضعفها وهشاشتها فالحركات الاجتماعية المتطرفة، هي وليدة التغييرات التي تراكمت في مجمتع ما، بحيث أصبحت قيمه ومعايره لا تشبع حاجات الأفراد، ولا تتلاءَم مع المتغيرات التي يمر بها المجتمع([16]).

 

ويعتبر البعض ان الهامشية الاجتماعية من المفاهيم التي تنأولتها العديد من التخصصات مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الانتربولوجيا ويذكر د. ثروت اسحاق عدداً من خصائص الإنسان الهامشي ومنها:

 

1-   هو إنسان لا ينتمي للمجتمع.

 

2-   يؤدي الموقف الهامشي للإنسان إلى خلق عدد من سمات الشخصية المضادة للجمتمع.

 

3-   يلجأ الإنسان الهامشي للتطرف كمحأولة للتعبير عن هامشيته وفقدان دوره في المجتمع.

 

4-   تلجأ الجماعات الهامشية للدين بسبب ما يحققه لها من اشباع انفعالي([17]).

 

وبالإضافة إلى ماذكرناه هناك العديد من النظريات المفسرة لاسباب ظهور حالات التطرف كنظرية الحرمان التي تزعم ان الحرمان يدفع الناس إلى تنظيم أنفسهم في محأولة لإرغام السلطات والمؤسسات على تحسين ظروفهم.

 

وهناك نظرية المجتمع الجماهيري كاطار لتفسير التطرف، ويشير رواد هذه النظرية إلى ان الحركات المتطرفة تنشأ بسبب انهيار الروابط والعلاقات الاجتماعية، فجأة، وظهور حالات من التسيب، مما يترتب عليه غياب الجماعات الوسطية التي تتوسط العلاقة بين القادة والجماهير وتقوم بعملية الضبط الاجتماعي. . . ويؤدي هذا الغياب للجماعات الوسطية إلى تعرض الجماهير لتدخل اشخاص لهم سمات القادة المغامرين، الذين يقومون بتجنيد الافراد في حركات متطرفة ضد النظام([18]).

 

وهناك العديد من النظريات الأُخرى وهي في معظمها نظريات سيكولوجية مثل نظرية غريزة الموت، والنظرية الاحتياطية، ونظرية التعلم.

 

وخلاصة هذه النظريات ان دعوات التطرف لا تنشأ في اجواء يسودها التوازن والاستقرار والتفاعل الاجتماعي وفي ظل آليات اجتماعية وقانونية تؤدي إلى حل الاشكالات التي تعترض سبيل أفرد الهيئة الاجتماعية والتي تضمن تصحيح الخلل في حال حصوله.

 

وإن البؤر التي تسمح بقيام حالات التطرف حيث يسود اختلال التوازن وتتضارب العلاقات الاجتماعية ويشكو الأفراد من الإهمال والتهميش وتنعدم فرص المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، وحيث يفقد الافراد دورهم وتصبح طموحاتهم بعيدة المنال. أو تتحطم احلامهم على صخرة الواقع المرير الذي يعيشون فيه.

 

ويشكل الدين الزأوية الرخوة التي يستطيع اصحاب المعاناة التحرك من خلالها لإثبات وجودهم، ولحجز دور لهم في الحياة الإجتماعية، باعتبار أن الدين هو الميدان المفتوح أما جميع الناس وعلى مختلف مستوياتهم العلمية والثقافية والاجتماعية، وإن الدين إن لم يكن سبيلاً لتحقيق المطامح الدنيوية فانه يضمن لهم فوزاً اخروياً. يعتبر في نظر المتدينين الغاية القصوى من الحياة وما فيها.

 

وهذا لا يعني ابداً أن التطرف لا يكون إلا دينياً، أو مستنداً إلى أساس ديني فقد يكون التطرف الحادياً نافياً لدور الدين وللمقولات الدينية من أساسها، وقد شهد التاريخ بروز حركات متطرفة قامت على انكار الدين والاباحية أو الشيوعية في الحياة.

 

وفي عصرنا الحاضر يلعب الدين الدور الأكبر في ادارة الحراك الاجتماعي لدى معظم الأمم والشعوب، وخصوصاً بعد انهيار عدد من المنظومات السياسية والنظريات الفكرية والسياسية التي شكلت في مرحلة من المراحل نافذة خلاص للشعوب، ولكنها أدت إلى نتيجة عكسية وفشلت في تحقيق احلام وطموحات الشعوب في الحرية والعدالة والتقدم.

 

ولا يفوتنا ان نشير إلى الدور الذي لعبته الازمات الناتجة عن تسلط فئات دينية متطرفة مثل قضية فلسطين، حيث لعب الصهاينة اليهود المتطرفون الدور الأعظم في انشاء إسرائيل على حساب أرض وحقوق شعب فلسطين، وكذلك الدور الذي لعبه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأميركية لا سيما خلال ولاية جورج دبليو بوش (الأبن) والمحافظون الجدد يمثلون تياراً دينياً صهيو- مسيحي.

 

كذلك كانت الهجمة التي تعرض لها الإسلام من قبل المنظمات والهيئات المسيحية لاسيما المنظمات التبشيرية التي عملت على تنصير المسلمين في كثير من بقاع الأرض، والهجمة الاعلامية التي تتنأول قيم واخلاق الإسلام واحكامه أيضاً، ومحأولات دفع الشباب المسلم باتجاه الاباحية والانحلال الأخلاقي سبباً في نشؤ بعض حالات التطرف الإسلامي، في مقابل استسلام الهيئات الحاكمة السياسية أمام هذه الهجمات، وفي مقابل عدم إهتمام جدي تظهره المرجعيات الدينية الرسمية المتصالحة والمتعأونة مع السلطة الرسمية، والتي تضع نفسها في صدمة النظام السياسي كيف ما كان.

التطرف الديني: اليهودية

جاءت الشرائع السمأوية لهداية الناس ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولكن الشرائع الدينية تعرضت لظروف غيرت فيها، لا سيما اليهودية والنصرانية حيث يؤكد القرآن الكريم أن اتباع الديانتين المذكورتين قد غيروا فيهما، وحرفوا نصوصهما. ومن المعروف ان الأديان قد وضعت قيوداً على أمور وحرمت أخرى، وأباحت أموراً غيرها. ومن الطبيعي أن تؤدي هذه الأحكام إلى الاضرار بمصالح البعض المادية، ومن الطبيعي أيضاً أن يسعى هؤلاء للحفاظ على مصالحهم بشتى الطرق، كما أنه من الطبيعي عند ضعف الوازع الايماني عند البعض أن يحأول هؤلاء التملص من القيود والتفلت من الضوابط والانفتاح على الغرائز والشهوات.

 

والظاهر أن هذا كان دأب اليهود، فبالاضافة إلى احتقارهم لغيرهم من الشعوب وإعتبارهم أنّ الناس انما خلقوا لخدمتهم كما ورد في سفر المكابيين، الثاني) (15-34) فقد زعموا أن إسرائيل (أي النبي يعقوب (عليه السلام)) سأل إلهه: لماذا خلقت خلقاً سوى شعبك المختار؟ فقال له: لتركبوا ظهورهم، وتمتصوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوثوا ظاهرهم وتهدموا عامرهم.

 

فهل هناك تطرف وغلوا أكثر من هذا الكلام الذي ينسبه اليهود إلى الخالق العظيم؟

 

ومع ذلك كانت علاقات اليهود فيما بينهم علاقات تباغض وتنافر .

 

ومما جاء في القرآن الكريم: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وارسلنا اليهم رسلاً كلما جاءَهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا أوفريقاً يقتلون) (المائدة -70)، وتحدث القرآن الكريم عن قسوة قلوبهم فقال: )ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو اشد قسوة، وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار، وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون( (البقرة 74)

 

وحول تحريفهم الكتاب والكذب على الله؛ قال تعالى: (وإن منهم لفريقاً يلوون السنتهم بالكتاب وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عندالله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)( ال عمران 78).

 

 وقال أيضاً: (وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه) (المائدة 13)

 

واخيراً قوله تعالى: (ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب إلا اماني وان هم إلا يظنون، فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون) (البقرة 78- 79).

 

وقال عز وجل: (وإذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان، وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم، افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدينا، ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون) (البقرة 84-85).

 

وعرف اليهود في ثقافة الشعوب وادابهم بأنهم شعب بخيل محب للمال يفعل كل شيء في سبيل الحصول عليه والامساك به، وعرف عنهم على الغالب انعزالهم في معازل خاصة بهم، وعرف عنهم تآمرهم الدائم والمستمر للإيقاع بخصومهم بدون أدنى إحترام لقيم أو أخلاق.

 

وإذا تجأوزنا ما عرف عنهم بالنقل، فإن ما شهدناه بام العين وعشناه من أعمالهم في فلسطين خلال ما يزيد على مئة عام لهو خير دليل على ما هم فيه من تطرف وانحراف ومعاداة للقيم والأخلاق الإنسانية. فهم يمثلون قمة الانحطاط الإنساني، فلقد قتلوا وشردوا شعب فلسطين من أرضه، ونفذوا من المجازر ما تعجز الألسن عن وصف إجرامه وبشاعته.

 

وإذا لم يكن ما يفعله اليهود تطرفاً فيما هو التطرف، أليس كل جرائمهم فيها خروج على قواعد المجتمع الإنساني؟ وإذا كان اليهود بسبب سيطرتهم على بيوت المال العالمية، وعلى المصالح الاقتصادية، وبسبب إمساكهم بوسائل الإعلام العالمية، قد أستطاعوا أن يزيفوا الحقائق، وأن يقلبّوا الأُمور، وأن يظهروا أنفسهم أمام الدول أو شعوب الدول الأوروبية والاميركية على أنهم الضحايا، فإن ذلك لا يغيير من الحقائق شيئاً، وما حصل في جنين منذ اعوام، وما يحصل في غزة اليوم إنما هو نموذج لما قامت عليه دولة اليهود الغاصبة على أرض فلسطين.

النصارى والتطرف:

شهد تاريخ النصارى من الحروب والمعارك فيما بينهم ، وفيما بينهم وبين الآخرين ما يفوق بقية الأمم والأديان، ومن وجهة نظرنا كمسلمين تقوم الديانة النصرانية المعروفة اليوم على التحريف والتزيف والضلال.

 

فبعد ظهور الإختلاف في الإعتقاد بين من قال بألوهية المسيح (عليه السلام) ومن قال بناسوتيته، ارتكب المسيحيون بحق بعضهم البعض مذابح لاحصر لها، كانت تتم في معظمها غيلة وغدراً.

 

ويقال أن البدع أول لمّا ظهرت على يد بولس حيث ادعى الوهية المسيح وقال بالتثليث، واستمرت الكنيسة بعد ذلك في هذا الخط فابتكرت الخرفات كالعشاء الرباني وغفران الذنوب. ولم ظهر من بين النصارى من يعارض هذه الخرفات والبدع كان نصيبه التعذيب أو القتل.

 

وفي القرن الرابع الميلادي عارض آريوس (366) القول بالوهية المسيح فعقد الامبراطور مجمع نيقيه لبحث هذا الأمر، وكانت نتيجة المؤتمر أو المجمع اتخاذ القرار بادانة اريوس واحراق كتبه وتحريم اقتنائها، وتعرض انصاره للطرد والتنكيل والنفي والاعدام.

 

وفي عهد تيودوسيوس(395) ظهرت لأول مرة محاكم التفتيش وكانت مركزاً لابشع أنواع التعذيب والاضطهاد، وكان اعضاؤها من الرهبان، وكانت وظيفتهم اكتشاف المخالفين في العقيدة، ولهم سلطان كبير، وكانوا لا يسألون عما يفعلون([19]).

 

ولا حاجة بنا للتذكير بما فعلته محاكم التفتيش في اسبانيا بحق المسلمين، حيث كانت هذه المحاكم تلاحق المشتبه باسلامهم فتنكل بهم اشد تنكيل وصولاً إلى حد الاحراق أو القتل دون تمييز بين كبير وصغير، وطفل وشيخ، ويقال ان ملايين الاشخاص قد سيقوا لينفذ حكم القتل فيهم([20]).

 

أما المذابح بين البروتستانت والكاثوليك فكانت متبادلة، فعندما ظهرت البروتستانتيه قامت الكنيسة الكاثولكية باضهادهم وكثرت المذابح ومن أهمها مذبحة باريس في 24 آب سنة 1572 والتي سطا فيها الكاثوليك على ضيوفهم البروتستانت وقد دعوا إلى باريس لعمل تسوية تقرب وجهات النظر، فقتلوهم جميعاً وهم نيام فلما اصبحت باريس كانت شوارعها تجري بدماء هؤلاء الضحايا، وانهالت التهاني على تشارلس التاسع من البابا ومن ملوك الكاثوليك([21]).

 

ويقول ابو طاحون في كتابه سيوسيولوجية التطرف الديني: « والعجيب ان البروتستانت لما قويت شوكتهم مثلوا نفس دور القسوة مع الكاثوليك ولم يكونوا أقل وحشية في معامله خصومهم من اعدائهم السابقين.

 

أما ما فعله المسيحيون الأوروبيون بالمسلمين في الحروب الصليبية فهو يبين لنا أن المسيحية التي توصف بأنها دين الرحمة، قد حولها بعض اتباعها إلى نقيض ذلك ومارسوا بإسمها وحشية ما بعدها وحشية.

 

ينقل د. أحمد شلبي في موسوعته، مقارنة الأديان - المسيحية، عن غوستاف لوبون قوله: «لم يكتف قومنا الصليبيون الاتقياء بضروب العنف والتدمير والتنكيل التي اتبعوها، بل عقدوا مؤتمراً أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى الذين كان عددهم ستون ألفاً فأفنوهم عن أخرهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم إمرأة ولا طفلاً ولا شيخاً([22]).

 

وإذا كان البعض يرجع جميع ما جرى من تحريف للتعاليم المسيحية الاصيلة إلى اندساس بعض اليهود في صفوف النصارى كما هو الحال مع بولس الذي كان اشد الناس عداءً للنصرانية واشد الناس تنكيلاً باتباعها، فاذا به ينقلب بين ليلة وضحاها إلى مبشر بالنصرانية، ويقال انه استطاع ان يدخل في معتقدات هذه الديانة ما يحولها من ديانة توحيدية إلى ديانة فيها من الخرافات والزييف حتّى صارت على نقيض التوحيد.

 

وفي العصر الحديث ظهرت من أميركا طائفة تسمى «المورمون» وهي طائفة صهيو- مسيحية، لعب اليهود دوراً عظيماً في تكوين عقائدها وشكلت إنشقاقاً ضمن المسيحية.

 

وتتبنى هذه الطائفة كتاباً مشابهاً للتلمود ويحاكيه في كل شيء وكأنه نسخة طبق الأصل عنه، كما يتبنون وجهة النظر الصهيونية كاملة بشأن القدس وفلسطين.

أسباب التطرف لدى اتباع النصرانية

يتسأل الإنسان كيف يستطيع اتباع الأديان التوحيدية التي جاء بها رسل الله ليصلحوا من شأن البشرية، ولينشروا اجواء الرحمة والتعأون والمحبة والتسامح بين الناس؛ كيف يستطيع هولاء الاتباع تحوير قيم الايمان ودفع الناس إلى الاعتقاد بأن هذه الأديان تآمر بالقتل والعدوان والغصب وانها ترضى بالحاق الاذيى بمخالفيها.

 

بل أن الأديان السمأوية، لا سيما النصرانية كما يقول المسيحيون هي ديانة تبشير، أي دعوة ونصح وبيان، وانها تدعو الناس إلى المحبة والتسامح، وعدم الرد على الإساءة بمثلها، ومقولة « من ضربك على خدك الايمن فأدر له خدك الأيسر» من المقولات الشائعة عن النصرانية.

 

لقد شن ملوك النصارى الأوروبيون الحروب الصليبية تحت عنوان تحرير بيت المقدس من المسلمين لتسهيل أداء الحجاج النصارى الأوروبيين رحلة الحج إلى كنيسة القيامة ومهد السيد المسيح. ولكن الحقيقة التي ظهرت من خلال ما ارتكب من جرائم ضد المدن والقرى والناس العزل، وكل من لم يتعأون مع الحملات الصليبية، حتّى نصارى بلاد الشام نالوا نصيبهم من القتل والتنكيل لا سيما من رفض منهم مد يد العون للغزاة المحتلين.

 

لقد كانت الغاية من الحملات الصليبية فتح أفاق استثمار جديدة أمام قادة الحملات الذين ضاقت بهم أوروبا فطمعوا في تأسيس ممالك جديدة لهم في بلاد الشرق الإسلامية، ليكون لهم عروش يجلسون عليها والقاب يحملونها، ومكاسب مالية وإقتصادية يستخدمونها في الوصول إلى غاياتهم.

 

لذلك نحن نرى أن الأطماع الشخصية والطموحات القومية لدى البعض من أصحاب الطموح والمغامرة، هي الدافع لتحرك هؤلاء. ولما كان لا بد من حافز يحفز الناس على حمل السلاح وبذل الأرواح والأموال . فكان لا بد من اللجوء إلى الدين نظراً لمكانته في نفوس العوام. ولما كانت تعاليم الدين لا تقبل بهذا السلوك، كان لابد من الاستعانة ببعض الرهبان أو رجال الدين ليقوموا بتحريف التعاليم عبر التفسيرات، والتأويلات وحتّى إختراع النصوص، بما يؤدي إلى بث الفكر المتطرف والدعوات المتطرفة، التي تصور العنف والتطرف على انه الحل الأمثل للمشاكل، والطريق الاقصر لنصرة الدين وتفوق اتباعه.

 

إنها المصالح والأطماع الشخصية أو القومية أو العنصرية، هي الحافز الأول للتطرف، التي تستغل الازمات، والاختلافات، والتباينات والتنوع الإنساني، من أجل ان تحقق غاياتها المشبوهة.

التطرف الديني لدى المسلمين:

لم يكن الإسلام دعوة إعتقادية فقط، بل شملت الديانة الإسلامية العقيدة التي تتنأول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبكل ما جاء به القرآن من الغيبيات، وشملت كذلك الشريعة التي تتنأول تنظيم أمور الحياة في كل ما يتعلق بالإنسان بإعتباره المخلوق المفضل والمكلف بعمارة الأرض، أو استعمارها، وتكاد الشريعة الإسلامية بحسب ما فهمه الفقهاء منها تضع عنأويين تشمل كل قضايا الحياة والإنسان.

 

ومن أهم ما ركز عليه المسلمون بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) موضوع الخلافة، أو الإدارة السياسية للمجتمع.

 

لقد أثار موضوع خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صراعاً بين جماعات من المسلمين، ووجدت بنتيجته فرق وشيع وجماعات واحزاب، واستمرت هذه الخلافات والصراعات حتّى يمكننا القول أنه ليس هناك خليفة ولا امير ولا حاكم ولي أمر السلطة السياسية إلا وكان له خصوم يرفضون ولايته وبالتالي مبابعته، ويدعون إلى عزله واختيار سواه.

 

وليس هناك خليفة على مر التاريخ الإسلامي(والله اعلم) حظي باجماع على ولايته أو احقيته، فقد ولي الخلفاء الراشدون الاربعة الخلافة ورحلوا عنها وهناك من المسلمين ومن اصحاب رسول الله صلى الله عليه من يرفض بيعتهم. فكيف بمن جاء بعدهم!؟

 

ورغم أننا نجد اليوم بين المسلمين خلافات حول قضايا إعتقادية أو فكرية إلا أن حقيقة الخلاف في بدايته لم تكن إلا سياسية حول الخلافة أو الحكم أو حول مواقف سياسية.

 

وبما أن الخلافة في نظر معظم المسلمين هي مسألة دينية فإن الخلاف حولها تدرع بمواقف وأراء دينية، واستصرح نصوصاً مقدسة من كتاب أو سنة عبر التفسير والتأويل لدعم مواقف معينة.

 

وقد بدأ الأمر مع إجتماع السقيفة؛ سقيفة بني ساعدة واستمر بعدها وما زال قائماً حتّى اليوم حيث توجد حركات إسلامية يطلق عليها حركات الإسلام السياسي، تتبنى مواقف من السياسة والحكم والإمارة وغيرها.

 

وقد دفع الخلاف السياسي في السابق إلى قيام فرق دينية تبنت افكاراً فيها من التطرف والغلو الشيء الكثير، وقد عرف التاريخ الإسلامي عشرات الفرق المتطرفة التي تتمحور أفكارها حول أشخاص معينين تزعم كل فرقة منهم أن من تدعو إليه صاحب حق في الإمامة أو الخلافة أو الولاية.

 

ونؤكد ان بعض الفرق التي نشأت بسبب الخلاف حول الخلافة والامامة ليست متطرفة، وإنما هي فرق معتدلة باعتبار أنها لم تأت في دعواها بما يخالف كتاب الله ولا سنة نبيه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). وكذلك بعض الفرق التي خاضت صرعات ضد بعض الأمراء والسلاطين.

 

ولقد غالت بعض الفرق المتطرفة في ما نسبته إلى رموزها أو ما بشرت به من أفكار أو زعمت حصوله من احداث.

 

ونادراً ما وجدت فرقة دينية متطرفة أو من أصحاب الغلو إلا ولجئت إلى العنف واستخدام القوة في التصدي لخصومها، أو في سعيها من أجل احداث التغيير.

 

ورغم أن الحوار والمناظرة كثيراً ما كانت تجري بين المتخاصمين إلا أنه لا يذكر عظيم فائدة ينتيجة الحوار والمناظرة، بل كان الأمر غالباً ما ينتهي إلى الصدام المسلح.

 

وكما وجد من يزعم أن كل مظاهر التطرف لدى النصارى يقف وراءها أفراد أو جهات يهودية، فإن الأمر نفسه يسري على المسلمين حيث يزعم بعض المؤرخين أو العلماء المسلمين أن اليهود يقفون وراء حركات التطرف والغلو الديني لدى المسلمين بدأ من عبدالله بن سبأ اليهودي اليمني الذي دخل في الإسلام وعمل على بث دعوات الفتنة مستغلاً الخلاف بين علي (عليه السلام) وسواه من الصحابة.

 

ومن الممكن أن تكون هناك مبالغة في القول أن كل مصيبة نزلت بالمسلمين أو كل فتنة نشبت بينهم إنما يقف وراءها تآمر يهودي، ولكن لو لم يكن هناك أصل لهذا القول لما شاع هذا الأمر، لا سيما وأن هناك أحداثاً تاريخية تشهد بتآمر اليهود على المسلمين عموماً وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

ومهما كان حجم التدخل اليهودي في إزكاء نيران الفتن بين المسلمين، فإن أصل المشكلة موجود لدى المسلمين وأن اليهود وأمثالهم قد لعبوا على التناقض الموجود داخل الأُمة وبين أبنائها.

 

ويقتضي منا الإنصاف أن ننبه أيضاً إلى أن إطلاق صفة التطرف على جماعة أو فرقة أو طائفة أمرٌ لا ينبغي التسليم به دون بحث أو تدقيق إذا أمكن التدقيق والبحث، سواءٌ كان الموصوف بالتطرف في غياهب التاريخ ام كان معاصراً. ذلك أن التاريخ يكتبه غالباً الأقوياء والمنتصرون، ولا ندري ما إذا صحيحاً، وما إذا كان الذي نسب إلى تلك اللفرق والجماعات والطوائف الموسومة بالتطرف والغلو صحيحاً، وما إذا كانت فعلاً تتبنى ما نسب إليها من أفكار الغلو والتطرف.

 

إذ أن هذه الجماعات غالباً ما كانت تتصدى أو تصطدم بالحاكم، أو تختلف معه أو مع رجال الدين الذين يؤمنون له الحماية الشرعية عبر إصدار الفتأوى والأحكام التي تبرر أعماله أو جرائمه بحق الناس.

 

لقد صور عبدالله بن الزبير (رضي الله عنه) الذي بويع بالخلافة في المدينة وحكم الحجاز والعراق ومصر لمدة تسع سنوات على انه متمرد خارج على القانون والشرع، وقد جرى اعتقاله وقتله على يد زمرة لا تدانيه في المكانة الدينية والاجتماعية، وهو من هو في النسب والقرابة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلى عائشة أم المؤمنين وأبيها أبي بكر الصديق (رضي الله عنهم)

 

وكذلك جرى الأمر مع سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) حيث لقي مصيره المحتوم على يد فئة من ارذل أهل الأرض في حينها وهو من هو في الشرف والعلم والدين والفضل والانتساب إلى محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى علي وفاطمة عليهما السلام.

 

لهذا قد يكون التطرف فعلاً في الجهة التي تربح الصراع وتكسب القتال فتنسبه إلى الجهة الخصم، ولقد عرف تاريخنا من تطرف الحكام والسلاطين وابتعادهم عن أحكام الشرع العدد الاكبر، ولولا ذلك التاريخ من قتال أعداء الدولة الإسلامية الخارجيين لدى هؤلاء الحكام.

 

(وهو ما دعا الأُمة إلى السكوت على اعمالهم) لما كان لهم من فضيلة تذكر بين الناس ولظهر قبح دورهم على حقيقته.

 

أما في التاريخ الحديث، والزمن المعاصر، فنحن نرى كيف أن قوى التطرف العالمية التي تمتلك قوة السلاح، وقوة الاقتصاد، وقوة الاعلام، والتي تضرب وتقتل وتدمر وتشرد الشعوب الضعيفة وتعتدي على حقوقها وتحتل ارضها، ثم تصف من يقف في وجهها ويرد عدوانها، ويضحي لحماية وطنه وأهله وحقوقه بأنه ارهابي ومتطرف ومتشدد.

 

ومثال فلسطين حي ناطق فينا فرغم إجرام اليهود ومخالفتهم لكل الاعراف والشرائع والقوانين الدولية والإنسانية والدينية. فإنه يتم تصوير اليهود الصهاينة على انهم ضحايا العنف والتطرف والإرهاب الفلسطيني، رغم الفرق الهائل في الأسلحة المستخدمة في الصراع. ورغم المجزرة اليومية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني منذ أيام العصابات الصهيونية في فلسطين وإلى يومنا هذا، فإن الصورة التي يعمل الإعلام الغربي على إشاعتها هي أن الفلسطينين إرهابيون ومتطرفون.

 

فإذا كنا في هذا الزمن حيث كل حدث ينقل إلى العالم مباشرة بالصوت والصورة، ويجري هذا التزوير فكيف في سالف الأيام حيث مصدر الأخبار يحكى أنّ.

أثر عقائد وثقافات الشعوب

غير العربية في التطرف الديني:

من المعروف ان العرب أهل بدأوة، وقد كانوا بعيدين كل البعد عن فلسفات وعقائد الشعوب المحيطة بهم كالفرس والروم والهنود والصينين والإغريق فلقد عرفت هذه الشعوب فلسفات وعقائد وخرافات وأديان، وتكونت لديها ثقافات خاصة تتعلق بالملوك والسلاطين والحكام قد تصل إلى تأليه الحاكم واعتباره ظل الله على الأرض.

 

وجاء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدين الحنيف والشريعة السمحة وعقيدة التوحيد الخالص لله عز وجل، وهي عقيدة تتناسب مع الفطرة الإنسانية البسيطة، ومع عقلية الإنسان العربي المنسجم مع بيئته الصحرأوية وترفض التعقيدات الفلسفية.

 

وبانتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، وبدخول الشعوب المجأورة من فرس وروم وهنود وغيرهم في حظيرة الإسلام، فقد كان من المستحيل ان لا يتأثر هؤلاء الوافدون إلى الإسلام من ثقافات اخرى بتلك الثقافات سواءٌ عن حسن نية أو عن سؤ نية، مع التأكيد على أن دخول الناس في الإسلام كان يتم بشكل جماعي حيث تسلم مدن وقرى وبلدات وقبائل وعشائر، وكانت جماعات تدخل الإسلام بمجرد دخول كبيرهم ملكاً كان أو أميراً أو شيخ عشيرة في الإسلام.

 

ومما لا شكّ فيه أن توفر الدعاة والعلماء والشراح للدين لم يكن بالقدر الذي يسمح بنقل تعاليم الإسلام وأحكامه ومبادئه على وجه السرعة لذلك سمح هذا الوضع بدخول عقائد وخرافات لا تنسجم وصفاء الإسلام وتجرده وبساطته وصعب على العامة تميزها، ولولا القرآن الكريم وحفظه لآلت الأُمور إلى ماهو اسوء من ذلك.

 

لذلك وجدنا في معظم الفرق المغالية نسبتهم الالوهية إلى بعض الأئمة والصالحين أو الأنبياء والمرسلين.

 

وتروي الكتب مغالاة البعض في شأن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) إلى حد تآليهه، كما حصل على لسان السبئية([23])، وذهب بعض طوائف الإسماعيلية إلى القول أن الله تجلى في صورة جعفر الصادق (عليه السلام)، ومن هذه الفرق يذكر عدلي على أبو طاحون: الخطابية والمعمرية والبزيفية والعملية أو العميرية والمفضلية والقرامطة. وهناك الكثير من الفرق التي ينسب إليها الغلو والتطرف وما زال بعضها موجوداً إلى يومنا هذا.

 

مما لا شكّ أن الإسلام هو دين التوحيد الخالص لله عز وجل وأن كل ما سوى الله تعالى فهو مخلوق والله وحده هو خالق كل شيء، وأن الفرق التي انطلقت من أساس إسلامي أو بزعم أنها فرقة اسلامية أو أنها استندت في فكرتها إلى تأويل أية قرآنية أو حديث شريف، ثم ابتدعت قولاً يتعارض أو يتناقض مع ما جاء به الإسلام من صريحٍ التوحيد أو مقتضيات الإيمان كزعم الوهية أحد من الخلق أو أن جزءاً إلهياً قد حل فيه كما زعمت فرقة تسمى البيانية([24])، حيث قالوا ان جزءاً الهياً حل في علي (رضي الله عنه) واتحد بجسده وبه كان يعلم الغيب ويحارب الكفار وله النصر والظفر وبه قلع باب خيبر. . . الخ، فان مثل هذه الفرية تخرج القائل بها من حظيرة الإسلام اخراجاً كاملاً، ويصير صاحبها في عداد الكفار، لذلك وان ظهرت هذه الفرق في مجتمعات مسلمة وفي ظل سيطرة الدولة الإسلامية، وحأولت أن تظهر أنها تنتسب إلى الإسلام أو أنها إمتداد له أو تطوير في الرسالة أو الدين، أو أن تشرح وتوضح ما كان ملتبساً على الآخرين، فإن كل ذلك لا يعني أنها إسلامية أبداً، بل الصحيح أنها خرجت على الإسلام.

 

ولقد سبق وذكرنا ان الحكم والفيصل في تحديد التطرف والغلو وبيانهما انما هو أولاً كتاب الله عز وجل؛ القرآن الكريم ثم بعده سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديثه الشريفة. كما أن الفيصل في تحديد وبيان الايمان والكفر إنما هو الكتاب والسنة.

 

لهذا نحن نحاكم هذه الفرق إلى الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة فهو من المسلمين، وما أخرجته من الإسلام فهو ليس بمسلم.

الفصل الثاني

التطرف في عالمنا اليوم

العولمة والتفرد

أصبح العالم بفضل تطور تقنيات ووسائل الإتصالات والمواصلات أشبه بقرية صغيرة مكشوفة، ينتقل الخبر بسرعة البرق، وإمكانية إيصال الخبر إلى شخص يقطن معك في نفس المدنية أو القرية أو الحي هي ذات إمكانية إيصال الخبر إلى شخص يقيم في أميركا أو كندا أو أوستراليا أو في أية قرية في آسيا وأفريقيا، كما وتستطيع أن تدير حواراً بواسطة شبكة الأنترنت مع أي شخص في العالم.

 

أما المواصلات، فجعلت المسافات البعيدة أقرب ما يكون وبساعات معدودة يمكن للمرء أن ينتقل من أقصى الأرض المعمورة إلى أقصاها.

 

وجعلتنا وسائل الأعلام المرئي والمسموع على إطلاع على كل ما يجري مما يمكن أن يهتم له العالم ، بل إن الفضائيات تنقل الحدث مباشرة لحظة حدوثه.

 

وتشابكت مصالح الدولة والشعوب إلى حد أنه لم يعد هناك خصوصية لشعب من الشعوب أو دولة من الدول، وإزاء أي حدث مهما كان داخلياً أو خاصاً فبمجرد أن يكون له ادنى تأثير على مصالح جهة ما أو دولة فستجد من يخرج في وسائل الأعلام متحدثاً بالترهيب والترغيب، محأولاً التأثير بشكل ما أو محأولاً الحد من آثار العمل وحصره.

 

وبعد تفرّد العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية بالسيطرة على القرار بعد إنهيار ما كان يسمى بالمعسكر الشرقي، وهو ما أطلق عليه الآحادية القطبية، أصبحت منظمة الأمم المتحدة بهيئتيها، الجمعية العامة ومجلس الأمن تحت سيطرة الولايات المتحدة الأميركية، وصارت هذه المنظمة مجرد اداة لتنفيذ السياسات والرغبات الأميركية.

 

وقد ساعد على هذا التفرد ما تتمتع به الولايات المتحدة الأميركية من قوة إقتصادية، وقوة عسكرية هائلة، وقوة سياسية ناتجة من إمتلاك القوتين الأخريين، بالإضافة إلى السيطرة على وسائل الإعلام الأقوى في العالم.

 

أمام هذا الواقع وهذا الشعور بالقوة، طمعت الولايات المتحدة وطمع حلفاؤها كل على قدره، في فرض سيطرتهم السياسية والإقتصادية بل والثقافية على جميع شعوب الأرض، وصار تدخل الولايات المتحدة الأميركية، في شؤون الأمم الأخر واضحاً وفاضحاً، فعملت على قلب وتغيير كل حكومة أو سلطة في دول العالم الثالث لا تأتمر بأمرة الإدارة الأميركية، أو لا تدخل في حلف إستراتيجي تبعي معها، وإذا كان التدخل الأميركي ليس بالجديد، فإنه كان سابقاً يتم سراً وعن طريق المخابرات السرية، أما اليوم فصار علناً دون تمويه ولا تعمية.

 

وجاءت نظرية العولمة، وهي نظرية أثارت الكثير من الجدل بين المفكرين والسياسين ونخب المجتمعات العالمية وقوبلت بالرفص من معظم هؤلاء، وما نفهمه نحن من هذه النظرية انها تطمح إلى تعميم الثقافة الأميركية على كل شعوب الأرض لاسيما الشعوب المستضعفة .

 

وترمي أيضاً إلى إلغاء الخصوصيات المتعلقة بالأمم والشعوب الأُخرى فلا يعود هناك إلا نسق واحد هو النسق الأميركي إخلاقياً وإجتماعياً وثقافياً وحتّى غذائياً.

 

إن هذه العولمة بالمعنى الذي ذكرناه تعد تطرفاً، وفقاً للقواعد التي وضعها علماء الإجتماع والسياسة والقانون، إذ انها تخالف شرعة الأمم المتحدة التي تتحدث عن حق الأمم والشعوب في الحفاظ على تراثها الفكري والثقافي والإجتماعي، وإستقلالها السياسي وسيادتها على أرضها.

 

إن ميثاق الأمم المتحدة يحتم على الدول الأعضاء إحترام سيادة وإستقلال كل دولة، ويمنع التدخل في شؤونها الداخلية، وإذا كانت شرعة الأمم المتحدة هي الشرعة المعترف بها في المجتمع الدولي فلماذا لا تَُعَلَنْ الولايات المتحدة الأميركية دولة متطرفة وخارجة على القانون والمجتمع الدوليين؟

 

انه في الحقيقة قانون القوة الذي يعطي الأقوى حق التصرف منفرداً ويمنع على المستضعف حتّى ان يدافع عن نفسه.

الإرهاب والحروب:

رغم التقدم العلمي الهائل والسريع، والتجوال في عباب الفضاء وبين الإجرام السمأوية، ورغم ما شهدته القوانين من تطور، فما زالت الإنسانية بدائية جداً في حل الخلافات والنزاعات فيما بين أبنائها، ما زالت الحروب وإستعمال القوة واللجوء إلى العنف هي الوسيلة المعتمدة لحل معظم الخلافات والنزاعات لاسيما السياسية منها.

 

لقد أسس المجتمع الدولي الهيئات الناظرة في الخلافات، والمحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية في لاهي، والمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى مجلس الأمن الدولي ولكن كل تلك الهيئات والمحاكم لم تفلح في تغيير السلوك العنفي من قبل الدول أو السلطات.

 

وتعمل القوى العالمية المستكبرة على تخريب انظمة المجتمعات والدول عبر إزكاء الفتن، وتحريض مختلف الأطراف على بعضها البعض، فإذا ما تحقق لها ما تريد من فوضى وإضطراب وإقتتال داخلي عمدت إلى التدخل إما مباشرة أو تحت علم الأمم المتحدة بحجة وضع حد للفوضى وإعادة النظام، أو بحجة الفصل بين المتقاتلين، وهكذا تضع الدول الكبرى يدها على البلد المنقسم، وتدخله في حروب لا تنتهي.

 

وعلى سبيل المثال نذكر أفغانستان وما حل بها جراء تدخل القوى العظمى، فهي دخلت في صراع منذ أكثر من خمسٍ وعشرين سنة، وحتّى اليوم لم يستطع الشعب الأفغاني إستعادة سيادته على أرضه، أو حكم نفسه بنفسه وهذه الصومال أيضاً دخلت في مذبحة رهيبة وهي لا تدري سبيلاً للخروج منها حيث يقتتل الصوماليون فيما بينهن وتدخلت أثيوبيا بالنيابة عن الولايات المتحدة الأميركية، وأعاد قراصنة البحر أمجاد الماضي.

 

أما العراق، فمنذ الإحتلال الأميركي لأرضه يعيش اصعب أنواع النزاع، حيث ينقسم الناس دينياً ومذهبيا وعرقياً وإقليمياً، وحيث القتل مستعر ولا تُعرف له نهاية.

 

هذه أمثلة ثلاثة حاضرة أمامنا تثبت أن التدخل الدولي في شؤون الدول والشعوب لا يقدم حلاً، وإنما يدخلهم في سبل المعاناة القاسية.

العالم الإسلامي والغرب:

ينفرد الإسلام من بين جميع العقائد الدينية بالربط بين الحياة الإجتماعية والسياسية وبين الدين، فالدين الإسلامي ليس مجموعة من العقائد والعبادات والشعائر فقط، وإنما هو شريعة تتنأول بأحكمها العلاقات الإقتصاد\ية والمالية والإجتماعية والسياسية والثقافية، فكما ينظم العلاقات بين المؤمنين داخل المجتمع المسلم، فإنه ينظم علاقاتهم بغير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وينظمها أيضاً بالمجتمعات غير المسلمة، وكذلك في العلاقات الإقتصادية والمالية فإنه ينظم العقود من بيع وشراء وإجارة وهبة وإعارة، كما أنه يحرم التعامل الربوي في المعاملات المالية.

 

وهو ينظم الزواج ويضع أحكامه، ويقسم الإرث إلى آخر ما هنالك مع أمور يمكن الرجوع إليها في كتب الفقه الإسلامي.

 

وللإسلام موقف من الظلم والظالمين ومن الطغيان والطغاة، ومن الفساد في الأرض والمفسدين، وهذا الموقف ليس موقف الإعراض فقط، بل هو موقف المواجهة والعمل من أجل إزالتها وإزهاقها، فالإسلام يلزم المسلمين بالقتال من أجل حماية المستضعفين من النساء والولدان والشيوخ كما قال تعالى: في محكم تنزيله: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء/75).

 

والإسلام يامر المجتمع المسلم ويأمر الأفراد كل منهم من منطلق مسؤوليته بتربية الأجيال على المبادىء والقيم والأخلاق والسلوك والمشاعر الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم ومن سنة الني محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

فمهمة المسلم ليس فقط إلتزام الإسلام بنفسه، وإنما بحمل الإسلام ونقله إلى الأجيال القادمة، إلى أولاده وجيرانه ومجتمعه وكذلك بنقله إلى كل الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

 

إن ديناً فيه هذه الحيوية وهذا التكليف، يشكل تحدياً لكل القوى الظالمة والطامحة إلى إستعباد الناس وإسترقاتهم بمعنى إمتلاك حريتهم وقرارهم ومقدراتهم، وهذا بالفعل ما هو حاصل بين الإسلام والغرب.

 

فالغرب المتمثل بأوروبا في القرنين الماضيين، وبأميركا في القرن الماضي والحاضر، قد مارس تجاه أمتنا الإسلامية سلوكاً عدوانياً إستكبارياً تمثل في الإحتلال الأوروبي لمعظم بلاد العالمين العربي والإسلامي فيما عرف بالعهد الإستعماري وفي العصر الحاضر، تمثل هذا السلوك في العدوان الأميركي العسكري، وفي الطغيان الإقتصادي والمالي والسياسي ضد أمتنا وضد قضايانا المحقة.

 

ورغم أن الغرب كان يجد دائماً من يخضع له ويرضى بالتعامل معه وبالإستجابة لأؤامره من قبل حكام وسلاطين وزعماء عملوا على توطئة البلاد والعباد لإحتلاله، ونابوا عنه في القتل والتنكيل والتعذيب، إلا أن خميرة الإسلام الكامنة في كيان الأُمة وروحها كانت كفيلة في كل مرة بإنبثاق روح التحدي والجهاد والمقأومة في شباب الأُمة وشيوخها ونسائها وفتيانها، لتتصدى للعدوان والظلم والإحتلال، ولتحول بينه وبين تحقيق غاياته واهدافه بأثمان بخسة، وظروف سهلة.

 

لقد وجد الغرب الطامح لبسط سيطرته على العالم ممثلاً بالولايات المتحدة الأميركية إن الإسلام هو العائق الأقوى والأعظم في وجه مشاريعه الطاغوتية، في وجه نشر ثقافته المتعارضة في كثير من وجوهها مع الثقافة الإسلامية بما تحويه من قيم وأخلاق ومبادىء، فقرر العمل على هدم هذا الدين بشتى الطرق والوسائل، لاسيما بإعتماد الوسائل العسكرية أو العنيفة التي يمكن وصفها بأنها متطرفة وغير مشروعة، وأيضاً بالعمل على تجويف الدين وتفريغه من مضامينه وإبقائه هيكلاً بدون روح.

 

ووجد المسلمون أنفسهم أمام هذا السلوك الأميركي - الأوروبي مضطرين للدفاع عن كيانهم ووجودهم ودينهم وأخلاقهم وعن شخصيتهم الخاصة.

 

ورغم أن الغرب يزعم أنه إنما يريد الحوار والتفاهم وأنه مستعد لقبول الآخر، إلا أن هذا الزعم إنما هو مجرد منأورة، الهدف منها إرباك الطرف الإسلامي وإحراجه، ذلك أن ما يعلن بالفم واللسان يخالفه واقع الأعمال وممارسة العدوان.

 

لهذا نجد أن العلاقة بين الغرب والإسلام أبعد ما تكون عن صفة الحوار، وأقرب ما تكون إلى الصراع والنزاع، بل هي في حقيقتها علاقة صراع بكل ما للكلمة من معنى.

 

ومما لا شكّ فيه أن العالم الغربي لا يسير في إتجاه واحد، فهناك النظام الرسمي الغربي تؤازره جماعات فكرية أو عنصرية أو دينية، وهو يقود عملية الهجوم على الإسلام، وهناك قوى فكرية أو ثقافية أو دينية ترفض النهج الرسمي للنظام الغربي ولكنها غير فعالة، أو مؤثرة إلى حد التأثير في القرار وتصحيح المعادلة بين الإسلام والغرب.

 

ورب قائل أن الحرية المتوفرة للمسلمين في كثير من دول المنظومة الغربية غير متوفرة في معظم البلدان الإسلامية، وهذا القول على صحته، أو على فرض صحته فإنه لا يعدو كونه وهماً وإغتراراً، فلو كان هؤلاء المسلمون يشكلون أدنى خطر على العالم الغربي أو على منظومته الإخلاقية أو الثقافية لما سمح لهم بالتمتع بأدنى قدر من الحرية.

 

ولعل معركة العالم الغربي، لاسيما الأوروبي منه مع الحجاب الإسلامي الذي ترتديه المرأة المسلمة تدل خير دلالة على أن ما يسمى بالتسامح الغربي ينحسر أمام أي مظهر إسلامي يمكن أن يغير في المظهر الغربي العام، الذي تتمسك به أوروبا وبقية العالم الغربي.

 

ولا بد لنا أن نشير إلى أن النظام الديمقراطي الغربي بسبب طبيعته المتسامحة لا بد ان يظهر بعض التسامح أمام وجود جاليات إسلامية تعيش ضمن البلدان التي يسود فيها، ولكن كما قلنا فإن هذا التسامح يتوقف عند أي خطر يمكن أن يهدد المشهد الغربي العلماني، وإذا شئنا الدقة قلنا أن الغاية من وجود هذا التسامح الفعلية تتجسد في المساعدة على عملية دمج الجاليات الإسلامية التي هي في معظمها جاليات مهاجرة من العالم الإسلامي إلى العالم الغربي، ولا يمكن إتمام عملية الدمج دون إظهار شيء من التسامح والإنفتاح.

 

وربما لجأ النظام الغربي والقوى المنسجمة مع مشروعه الحقيقي الصدامي إلى اللعبة الديمقراطية ليبرر ما يقوم به البعض من إساءة مقصودة للإسلام ورموز الإسلام وللمسلمين بشكل عام، والمثل الواضح على ذلك يتمثل في تلك الرسوم الكاريكاتورية التي أساءت إلى النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تذرعت السلطات في عدم تصديها لهذه الإساءة بأنها أي الإساءة تأتي ضمن الممارسة الديمقراطية وحق التعبير عن الرأي الذي تكفله المبادىء الديمقراطية.

 

كذلك، عبر الغرب عن حقيقة موقفه من الإسلام والمسلمين بما أظهره من دعم للمرتد سلمان رشدي، حيث اسبغت عليه الألقاب، وعلقت على صدره الأوسمة، وقدمت له الجوائز، ليس بكونه متميزاً في ميدان الأدب، ولا لكونه عبقرياً ومفكراً لا يشق له غبار، وإنما فقط لكونه تجرأ ووجه لنبي الإسلام إساءت ما تجرأ أحد قبله على توجيهها.

 

ولا يقتصر الأمر في هذا المجال على المرتد سلمان رشدي، بل تعد ذلك إلى إحتضان كل متمرد على الإسلام وقيمه وأخلاقه ومبادئه وثقافته، بل ومجتمعه.

 

إن ادراك المسلمين لحقيقة المجابهة والصراع مع الغرب قد عزز من مشاعر التنافر والتحدي إن لم نقل مشاعر العداء تجاه هذا الغرب المعتدي علينا على مدى قرنين من الزمن، ناهيك عما في تاريخنا وذاكرتنا مما حصل أيام حروب الفرنجة ضد الشرق العربي، تلك الحروب التي أطلق عليها الغرب الحروب الصليبية.

 

إن وجود هذه المشاعر لدى عامة المسلمين تجاه الغرب وبالأخص أميركا، تشكل الأرضية الصالحة والمساعدة لتبني فئات من أبناء المجتمع الإسلامي للأساليب العنيفة في التصدي للغرب والمواجهة معه، وهو ما يطلق عليه العالم الغربي مصطلح التطرف الإسلامي، هذا التطرف الذي هو في حقيقته رد فعل على التطرف الغربي تجاه الإسلام والمتمثل في الأعمال والممارسات التي أشرنا إليها آنفاً.

التطرف العلماني:

إذا كان العالم الغربي يتصدى للإسلام على الشكل الذي أشرنا إليه، فإن هناك تطرفاً آخر تمارسه قوى أخرى موجودة ضمن العالم الإسلامي، ومرتبطة فكرياً وثقافياً بالعالم الغربي ضد الإسلام والجماعات الإسلامية التي تدعو إلى تبني منهج الإسلام في إدارة المجتمع وممارسة الحياة بقيم إسلامية.

 

هذه القوى هي القوى العلمانية التي تسيطر على الحكم في عدد من البلدان الإسلامية، وأوضح مثال عليها في العالم العربي هو تونس وفي العالم الإسلامي هو تركيا.

 

ففي تونس يوجد نظام يوصف بأنه علماني يحكم البلد منذ أن نال إستقلاله عن فرنسا في خمسينات القرن الماضي، وهو منذ ذلك التاريخ يسعى بشكل دائم ومستمر إلى إنشاء مجتمع لا إسلامي عبر محاربته للقيم الإسلامية ودعوته إلى التحرر من كل إلتزام ديني، وتصديه لكل حركة إسلامية، أو حزب أو جمعية تدعو إلى التمسك بالحياة الإسلامية، وعبر إعتقاله أو نفيه للقيادات الإسلامية.

 

والحقيقة أن هذا النظام كغيره من الأنظمة في العالم العربي إنما هو نظام إستخباراتي (بوليسي) يتصدى لكل القوى أو الجماعات السياسية التي لا تمحضه الولاء، وتطرح في المقابل مبدأ التغيير في النظام، سواءٌ أكان التغيير المرتجى بالوسائل العنيفة أو كان بالوسائل الديمقراطية التي تزعم الأنظمة (الديمقراطية) في العالمين العربي والإسلامي أنها تؤمن بها وتطبقها.

 

وعلى كل حال، لا يختلف الوضع بالنسبة لقمع المعارضة في أي بلد من بلدان العالم العربي على الاطلاق، فكل نظام يخرج مبرراً يناسب واقعه يستند إليه زوراً وبهتاناً في محاصرة خصومه وقمعهم ومصادرة حرياتهم.

 

أما في تركيا فهناك نظام علماني موروث منذ عهد مصطفى كمال (آتاتورك) وهذا النظام نشأ بعد الإنقلاب على نظام الخلافة العثمانية الذي نفذه حزب الإتحاد والترقي العلماني، الذي آل على نفسه إخراج الإسلام من الحياة في الدولة التركية، فمنع كل المظاهر الإسلامية في المجتمع التركي، وعمل على نشر المظاهر والعادات الأوروبية فيه، ومن أجل إيجاد قطيعة بين تركيا الحاضر وتركيا الخلافة العثمانية الإسلامية فمنع الرجال من إرتداء الطربوش وهوغطاء الرأس التركي الشهير، ودعا إلى إستبداله بالقبعات الأوروبية، ومنع رجال الدين من إرتداء الزي الديني إلا داخل المساجد.

 

وبلغ النظام العلماني التركي في تطرفه وحقده حداً غير مسبوق، ففي إطار سعيه من أجل القطعية التامة مع الإسلام قررا إستبدل الحرف الذي كانت تكتب به اللغة التركية وهو الحرف العربي، بالحرف اللاتيني الذي تكتب به اللغات الأوروبية.

 

لقد سعى النظام العلماني في تركيا إلى إلحاق تركيا التي كانت الدولة الأم في الشرق الإسلامي، وكانت رأس العالم الإسلامي وفيها خليفة المسلمين، سعى إلى إلحاقها بالغرب، وما زال النظام التركي منذ عشرات السنين يتسول أو يتوسل أن تقبل أوروبا إلحاقه بها وبمؤسساتها التي تربط بين دولها وشعوبها، وما تزال أوروبا حتّى يومنا هذا تضع الشروط التعجيزية على الحكومات التركية المتعاقبة في مسعى لا يمكن أن يفهم منه إلا أن القصد هو تنصير تركيا قبل أوربتها، وهذا ما تجهر به بعض القوى السياسية النافذة في أوروبا عندما تطرح رداً على طلب تركيا الإلتحاق بالإتحاد الأوروبي، شعار «أوروبا مسيحية».

 

إن النظام العلماني التركي الذي أصبح اليوم مرفوضاَ من أغلبية الشعب التركي الذي أوصل إلى السلطة حركات وأحزاب سياسية تدعو إلى اسلمة الحياة في تركيا هو نظام محمي بشكل قوى جداً من قبل المؤسسة العسكرية التركية وجنرالتها الكبار، فهؤلاء الجنرالات يستطيعون في كل وقت يستشعرون فيه ان هناك خطراً يتهدد النظام العلماني من أي جهة كانت أن يتدخلوا وإن يقلبوا الحكومة ويتسلموا السلطة الكاملة وأن يتخذوا الإجراءات القمعية التي يدعون أنها ضرورية لحماية النظام، وكل ذلك بموجب نص دستوري يخولهم مثل هذه الصلاحية.

 

لذلك، ورغم وجود حزب العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية في السلطة بموجب إنتخابات ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها فإن الحرب ما زالت حتّى يومنا هذا جارية حول إمكانية السماح للنساء المسلمات بإرتداء الحجاب الإسلامي.

 

فبعد قرار أصدره البرلمان قضى بالسماح للنساء في إرتدا الحجاب في الجامعات وفي الدوائر الرسمية، تدخل القضاء التركي المرتبط بالمؤسسة العسكرية وحأول نقض قرار البرلمان بإعتبار أن قرار السماح بالحجاب يهدد النظام العلماني وهذا مثل عن التطرف العلماني في مواجهة الإسلام.

 

وفي مصر حزب الأخوان المسلمين يسرى عليه حظر من قبل النظام منذ محأولة إغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رغم أنه أكبر حزب في مصر وإتباعه بالملايين، وأتباعه يدخلون البرلمان كمستقلين أو على لوائح أحزاب أخرى لا شعبية لها، رغم ان النظام المصري يدعي أنه نظام ديمقراطي وفيه تعدد أحزاب.

 

إن النظام العلماني قد أخذ على عاتقه منع حركات الإسلام السياسي من الوصول إلى السلطة ولو كان ووصلها إلى السلطة مطلب عامة الشعب، وسنبين لاحقاً دور التطرف العلماني في إيجاد التطرف الديني والسياسي.

 

وفي مقابل تشدد الأنظمة العلمانية تجاه حركات الإسلام السياسي نجد دعماً وإحتضاناً لجماعات الإسلام الصوفي التي تظهر عدم إهتمام بالأمر السياسي أو عدم رغبة في الدخول في مواجهة مع السلطة الحاكمة من أجل تغيير الواقع الفاسد، أو أنها تعتبر أنْ ليس من واجبها التصدي للسلطة مهما كانت وهذه الجماعات المسماة صوفية ليست في الحقيقة محايدة وإنما هي موالية للسلطة وتستطيع السلطة إستغلالها من أجل التشويش على الإسلام السياسي وتشويه صورة الحركات والأحزاب الجهادية أو التغيرية.

الاداء السياسي في العالمين العربي والإسلامي والتطرف

لقد رحل الإستعمار الغربي عن بلاد العالمين العربي والإسلامي، وأوكل أمر السلطة بعد رحيله إلى احزاب سياسية، أو شخصيات وطنية تربت في جامعاته وحملت النظريات السياسية الغربية، من قومية وديمقراطية وليبرالية ومسميات شتى أخرى، وأختلط ذلك مع ما في بلادنا من أفكار إستئثارية والغائية ومن عصبيات عشائرية أو عرقية أو دينية أو مذهبية أو غيرها وكانت النتيجة أنطمة سياسية هجينة قمعية تسلطية مفعمة بالفساد بمختلف أنواعه وأشكاله.

 

وجاءت تجربة اليسار العربي وتسلمه للسلطة في عدد من البلدان بنفس النتيجة السلبية من حيث الفساد والقمع والإستثمار.

 

وعجزت الحركة الإسلامية الموجودة منذ خمسنيات القرن العشرين عن تقديم تصور صحيح وكامل للسلطة، وعجزت بالتالي عن الوصول إلى السلطة في أي بلد عربي أو إسلامي.

 

وفي بعض الحالات التي تحالفت فيها بعض الحركات أو الأحزاب الإسلامية مع قوى قومية أو ليبرالية أو وطنية أستطاعت الوصول إلى السلطة كانت النتائج أيضاً سلبية، وإنتهت إما بطرد الإسلاميين أو بضربهم وإيداعهم السجون والمعتقلات أو بإنحراف هؤلاء وإنخراطهم في مشروع السلطة وترك خطهم الإسلامي، أو تحويله من دعوة تغيرية جذرية إلى نظرية إصلاحية.

 

وخلاصة الأمر أن الأنظمة السياسية أو على الأصح الأحزاب أو الشخصيات التي تسلمت السلطة كان مشروعها الدائم هو الأمساك بالسلطة باي ثمن وبأي وسيلة، بحيث أصبحت السلطة هي غاية بحد ذاتها، وليس وسيلة لتنمية وتطوير المجتمع وإيجاد إليّة لتدأول السلطة.

 

وسادت لفترة طويلة من الزمن نظرية أن الطريقة الوحيدة لتدأول السلطة أو على الأصح الإستيلاء عليها هي الإنقلاب العسكري أو الثورة المسلحة وسادت مقولة أن الرؤساء ينتقلون من السلطة إما إلى القبر وإما إلى السجن.

 

لقد أدت سياسة الإستئثار بالسلطة، وأقفال الباب أمام مسألة تدأول السلطة، وسياسة عدم فتح الباب أمام القوى السياسية أو الإجتماعية أو الثقافية للمشاركة في الحياة السياسية، أو لأخذ دورها في إدارة الشأن العام وكذلك عمليات تزوير الإنتخابات، وخديعة الإستفتاءات التي تأتي غالباً بنتيجة 99و99% لصالح الحاكم، لقد ادى كل ذلك إلى إيصال القوى السياسية والإجتماعية إلى حالة من اليأس، اليأس من التغيير، واليأس من الإصلاح، واليأس من تطوير النظام بالطرق الديمقراطية والوسائل السلمية، وصارت ثقافة العنف والتطرف هي الطابع المسيطر على العقول والأفهام، وبدل تأسيس الأحزاب السياسية للمشاركة في السلطة، انتشرت الحركات التي تتبنى نظريات العصابات المسلحة والحركات الثورية.

 

وفي بعض البلدان التي قدمت فيها ممارسة ديمقراطية عبر إجرءا إنتخابات نيابية وادت إلى وصول قوى معارضة للسلطة عبر الفوز بأكثرية المقاعد البرلمانية لم تستطع قوى السلطة تحمل النتائج والقبول بها كما حصل في الجزائر حيث فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية بالإنتخابات النيابية، فنفذ الجيش إنقلاباً عسكرياً وإعتقل قادة جبهة الإنقاذ الإسلامية وأودعوا في السجون والمعتقلات، أو قد ادى ذلك إلى قيام الحركات الإسلامية الجهادية التي اعتمدت طريق العنف المسلم لإسقاط السلطة القائمة، وكانت النتيجة أنهاراً من الدماء وإقتتالاً داخلياً، وسيطرة للفكر التكفيري الذي يبيح لإتباعه قتل الناس وسفك دمائهم، وتدمير ممتلكاتهم والقتل الذي إستباحته ههذ الجماعات هو القتل الجماعي عبر التفجيرات التي تستهدف المساجد والمدارس وأماكن إجتماع الناس في الأسواق.

 

وبالمقابل لم يكن تعامل السلطة مع الناس أقل تطرفاً وإجراماً، فكانت تعتمد نفس الأساليب الدموية، وتستخف بأرواح الناس وممتلكاتهم.

 

ولا بد هنا من الإشارة إلى العراق أيام صدام حسين وما شهده من تطرف السلطة في التصدي لمن يعارضها، حيث سفكت الدماء بدون ادنى رادع من ضمير أو أخلاق أو قيم.

 

وإذا شئنا إعطاء عينات ونماذج وامثلة لوجدنا في كل بلد من بلاد عالمنا الإسلامي.

 

إن هذا الاداء السياسي للأنظمة الحاكمة في عالمنا العربي والإسلامي هو المتسبب الأول في تهيئة اجواء التطرف في هذين العالمين، وبين تطرف الأنظمة الحاكمة في تمسكها بالسلطة باي ثمن وبين تطرف القوى العلمانية في تصديها للدين أو للمتديين، وفي إستخفافها بتعاليمه ومبادئه وإخلاقياته وبكل ما يدعو إلى الإيمان به من الغيب والبعث وغيره، كان لا بد من ظهور ما يطلق عليه اليوم بالتطرف الديني السياسي ونحن نميز بين أسباب التطرف الديني السياسي وبين التطرف الديني الإعتقادي، فالمسؤول عن التطرف الديني السياسي، والتطرف السياسي بشكل عام إنما هو مجموعة العوامل التي أشرنا إليها، والتي يشترك فيها بالإضافة إلى موقف وسلوك العالم الغربي تجاه أمتنا، وإلى السلوك والأداء السياسي للأنظمة الحاكمة في عالمنا العربي والإسلامي، يشترك فيها أيضاً إنخفاض مستوى الوعي، وسيطرة حالة اليأس على الجماعات الطامحة للعب دور ما في إدارة الحياة العامة في المجتمع، وسيطرة حالة من الجهل، أو على الأصح الفهم الجزئي للشريعة والنظر إلى النصوص منفصلة عن بعضها البعض، ومحأولة ربطها بالواقع وفقاً لأهواء ورغبات معنية.

غياب الحوار وثقافة الإلغاء:

الإنسان عدو ما يجهل، حكمة عربية شهيرة، والبعد موجب للجفاء، وغالباً ما يُكَّونُ الفرد نظرته للأخرين عن بعد فيصدق الإشاعات والتهم، ونحن نعيش في عصر كل ما فيه خاضع للتزوير والتزيف، لاسيما في ظل إعلام هادف وموجه ومرتبط بجهات محلية ودولية، وفي ظل تدخل أجهزة الأمن والمخابرات وتركبيها للقضايا والملفات، لذلك وجب الحذر الشديد قبل تكوين اي تصور عن أي شخص أو جهة، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصف المؤمن فيقول: «المؤمن كَيَّسّ فطن»، والقرآن الكريم يحذرنا في سورة الحجرات فيقول:

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6)

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: ١٢)

 

وفي المجال السياسي في عالمنا العربي نفتقد أمراً مهماً في الحياة السياسية أسمه الحوار، الذي حل محله شيء أخر أسمه الإتهام.

 

إن الجماعات السياسية يكاد تراثها الوحيد المشترك أن يكون تبادل الإتهام بالعمالة والرجعية والتخلف والإلحاد والكفر وغير ذلك من الأوصاف المسيئة، وليس حال الحكومات أو الأحزاب الحاكمة مع القوى السياسية بمختلف عن حال الأحزاب مع بعضها البعض دون تمييز بين أحزاب في السلطة واحزاب في المعارضة، لذلك نجد أن معظم الأحزاب السياسية في العالم العربي والإسلامي أما هي أحزاب محظورة، وإما هي أحزاب محاصرة، وتفضل العديد من القوى العمل متخفية أو تحت الأرض خوفاً من بطش الأنظمة الحاكمة وأجهزتها الأمنية، التي غالباً ما تهيء الملفات المفبركة والمدبرة الكفيلة بدفع الخصوم إلى المقصلة.

 

أما الحوار وهو الوسيلة الأمثل لقيام تبادل معرفي يؤدي إلى كشف كثير من الجوانب الخفية، والزوايا المعتمة كما يؤدي إلى الإضاءة على الجوانب الإيجابية والقيم المشتركة والجامعة بين الأطراف، التي يتشكل منها المشهد السياسي في البلد.

 

كما يؤدي الحوار إلى توضيح المواقف وإزالة الإشكالات والأمور الملتبسة عند كل طرف.

 

إن غياب الحوار والنقاش الإيجابي يؤدي حتماً إلى التباعد والتنافر كما اشرنا وإلى تكوين وجهة نظر سلبية تجاه الآخر، وإلى إفتراض أن الآخر هو شر يجب التصدي له، والقضاء عليه من أجل الوصول إلى المجتمع الطهوري الخالي من المفسدين ومن المتمردين على القيم والأخلاق والمبادىء، فإذا وصل الحال إلى هذا المستوى من إنعدام الثقة، ومن سيادة الشك والإتهام، بل ومن إصدار الأحكام المطلقة غير القابلة للنقض أو المراجعة، فهذا يعني أن المجتمع السياسي يعيش حالة تطرف سياسي، وهذه الحالة لا بد أن تؤدي إلى وقوع الصدام المصحوب بالعنف، وهذا هو حال الكثير من دول عالمنا الإسلامي ففي مصر على سبيل المثال هناك تطرف أدى إلى إزهاق الارواح تقع مسؤوليته على جميع مكونات المجتمع السياسي وبالأخص أولاً على السلطة ثم على بقية الأطراف، وكذلك في باكستان هناك صراع بين الأحزاب التي يتشكل منها المشهد السياسي الباكستاني، وتطرف ادى إلى إزهاق أوراح آلاف البشر في جرائم قتل على ابشع صورة، والعراق وأفغانستان تجد فيها نفس الصورة التي ذكرناها.

 

ولعل أحد أهم دواعي التطرف السياسي يتمثل في ذهنيته الإستئصال والإلغاء التي تسيطر على تفكير معظم الأنظمة السياسية في عالمنا الإسلامي، وعلى تفكير كثير من القوى السياسية لاسيما القوى الناشئة منها التي تطمح إلى المشاركة في السلطة وتجد نفسها في هذا المجال أمام حائط مسدود، يتمثل في إنعدام إمكانية تحقيق هذه الغاية بالوسائل المشروعة أو الدستورية لذلك لا يتبقى امام هذه الجماعات لإرضاء ذاتها، وتحقيق وجودها، ومشاركتها في الحياة السياسية إلا الخروج على الأطر الدستورية، والمشروعة، واللجوء إلى العنف وإلى السلاح على الصعيد الداخلي، وهذا ما يسمى بالتطرف السياسي.

 

وهكذا نجد ان الخروج من حالة التطرف السياسي، إنما هو مرتبط بقيام أجواء الحوار بين مكونات مجتمعنا السياسية، بحيث يكتشف كل طرف أن الأطراف الأُخرى، وإن كانت لديها اخطاء وعثرات إلا أنه يمكن التوصل معها إلى قواسم مشتركة تعيد إلى المجتمع توازنه السياسي والإجتماعي.

 

ولا بد أن نشير إلى أن من أهم أسباب إنعدام الحوار في أيامنا هذه هو ذلك التدخل الأميركي الذي يفرض عى الأطراف السائرة في فلكه ان لا تنفتح على القوى الأُخرى التي لا ترضى بمسايرة المشاريع الأميركية، والصهيونية، وما جرى بين حركتي فتح وحماس هو خير دليل، فلقد جرت أكثر من محأولة لإقامة حوار بين الحركتين، ولكن كل تلك المحأولات كانت تصطدم بالفيتو الأميركي على كل حوار.

 

وفي لبنان تتحكم أميركا بأطراف سياسية تملي عليها إرادتها، وتفرض عليها عدم الدخول في حوار جدي، والحوار الدائر بين القوى السياسية اللبنانية الممثلة في البرلمان ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وهو في حقيقته وجه آخر لمعركة فشل الغرب في ربحها في الميدان، ويريدون ربحها في المفأوضات، أو ما يسمى بالحوار الوطني.

 

وما ينبغي قوله حتّى لا ننفي عن أنفسنا المسؤولية ونلقيها على الآخرين هو أننا نثبت لانفسنا الطهارة الكاملة، وننفي ذلك عن خصومنا، ونعتبر أنهم خبثاء، وبالتالي لا نكلف أنفسنا عناء سماع ما عندهم، بل لا نقبل فرضية أن فيهم شيء من الخير، وهذا منتهى التطرف الإجتماعي والسياسي.

 

وغالباً ما نحمّل الدين الإسلامي ما نحمله من اراء افكار، ونخلط بين الديني والشخصي واللاديني، والسياسي، والإسلام براء من كل ذلك، فالذكر الحكيم ينقل لنا حوارات حقيقية أو مفترضة بين الرسل والرافضين لرسالاتهم من الكفار، بل وينقل لنا حوارات جرت بين الخالق العظيم جل جلاله وبين الشيطان ابليس، لعنه الله، فالافكار والقناعات لا تبنى بالقوة ولا بالقهر ولا بالاكراه، بل تبنى بالحوار والنقاش وعرض الادلة والحجج والبراهين.

 

والله سبحانه وتعالى لا يقبل ايماناً مزعوماً لا أساس له من قناعة ووقر في الصدر أو القلب، لهذا جاءَت القاعدة الإيمانية: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: ٢٥٦)

 

والقناعات السياسية لا تختلف في شيء عن القناعات الدينية، فهي مثلها لا تتكون إلا بنتيجة الحوار والنقاش وعرض الأدلة والبراهين، بل وبيان الجدوى كما في كل امر تتعدد فيه الاحتمالات بين الربح والخسارة.

 

لذلك لا بد من أجل الوصول إلى حياة سياسية سليمةَ في مجتمعنا الإسلامي من اطلاق حركة حوار بدون حدود، وبدون محرمات، على قاعدة: رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب. التي حكمت حوارات الفقهاء المسلمين والتي ابتعد عنها كل البعد حكام وسلاطين المسلمين على مر التاريخ، وهناك قاعدة اخرى علينا ان نعطيها الاعتبار الاعظم من حوارنا مع الاخر خصوصاً المسلم، وهي: ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه.

التطرف الديني كمصطلح سياسي معاصر:

التطرف الديني مصطلح غربي - أميركي، تبنته دول إسلامية ووسائل اعلام عالمية ومحلية، وبات التعاطي مع مصطلح التطرف الديني خاضعاً للمفهوم الأميركي بالتحديد، ونجد أن صفة التطرف الديني تطال المسلمين وغير المسلمين من اتباع الأديان السمأوية والوضعية، ولكننا سنقتصر على مناقشة ما يسمى بالتطرف الديني عن المسلمين.

 

ففي المفهوم الأميركي يعتبر متطرفاً إسلامياً كل شخص أو جهة أو حركة أو حزب يعارض السياسة الأميركية المتبعة في العالم الإسلامي من منطلق إعتقادي أو ديني، يعتبر متطرفاً اسلامياً.

 

ولا قيمة للإعتبارات العبادية والشعائرية في تقرير التطرف، فالغلو في أمر الدين لا قيمة له في تحديد الصفة إلا إذا كان الأمر العبادي يؤدي إلى مظهر مزعج بشكل ما لما تريد الادارة الأميركية اشاعته ونشره من عادات وافكار وثقافات.

 

فالتطرف الديني إذا هو ما كان معادياً للسياسات والمصالح الأميركية على أساس ديني أو إعتقادي.

 

فهل نسلم بهذا التوصيف الأميركي أم نرفضه؟

 

ومما لا شكّ فيه أن التطرف حتّى يوصف بالديني يجب أن يكون متعلقاً بقضايا دينية؛ عبادية أو اعتقادية أو سلوكية.

 

ومما لا شكّ فيه أيضاً أن الادارة الأميركية تمارس تجاه منطقتنا وشعوبنا وقضايانا الاستراتيجيّة سياسية متحيزة ومتطرفة تطرفاً شديداً، وهي تمتلك قوة عسكرية ومالية وإقتصادية وإعلامية تسخرها في قمع المختلفين معها والمعارضين لسياساتها، أما مباشرة وأما عبر حكومات عميلة.

 

وبما أن الإسلام كما اشرنا سابقاً يشكل عقيدة وشريعة وبما أنه يمثل منهج حياة، وبما أن المسلمين وعلى مر عقود من الزمن جربوا العديد من النظريات والافكار وحكموا من قبل أنظمة سياسية ليبرالية (بالاسم) واشتراكية وشيوعية، وجمهورية وملكية، فلم تكن كل تلك النظريات والانظمة على اختلاف أنواعها لتزيد العالمين العربي والإسلامي إلا فقراً وتخلفاً وتبعية للشرق والغرب.

 

ولم تفلح هذه الأنظمة في بناء قوة عسكرية لهذه الأُمة تحمي كيانها وتدافع عن أرضها ومقدساتها وحدودها.

 

ووجدت الشعوب الإسلامية والعربية على وجه الخصوص نفسها وأرضها ترزح تحت احتلالات عسكرية، أما مباشرة، وإما مقنعة باتفاقات ومعاهدات، كما هو الحال في الخليج والعراق وافغانستان وباكستان وغيرها كثير، وأمام هذا الواقع المرير المشعر بالذل والمهانة، وامام القمع والتنكيل وإرهاب أجهزة المخابرات التي تلاحق الناس بدون ضوابط إلا ما تمليه مصلحة الحاكمين.

 

وبعد أن استطاعت الثورة الإسلامية أن تحقق إعجاز النصر على اعتى قوة طاغوتية في العالم الإسلامي المتمثلة في النظام السابق لشاه إيران عميل المخابرات الأميركية.

 

بعد كل ذلك استطاعت أحزاب وشخصيات علمانية وفكرية اسلامية ومرجعيات دينية أن تقدم الإسلام باعتباره المخرج الأوحد لهذه الأُمة مما تعانيه من تخلف وتبعية وسيطرة اجنبية واحتلالات عسكرية.

 

وبالفعل شهد العالم الإسلامي ظاهرة تدّين وعودة إلى احكام الدين وانتشار للدعاة في مختلف انحاء العالم.

 

وككل ظاهرة مماثلة لها هذا الإطار الواسع من الإمتداد والتنوع، حيث تبرز القيادات المختلفة من نواحٍ كثيرة؛ من الناحية العلمية والفكرية والثقافية والمذهبية فقد برزت قيادات وتشكلت جماعات ومنظمات إسلامية لا حصر لها.

 

وبرزت أيضاً شخصيات علمائية ومشيخية بافكار ومعتقدات بعضها جديد، وعمل آخرون على احياء افكار ونظريات وطروحات بائدة، واخرجت من بطون الكتب افكار غريبة، وطرح كل ذلك في الأوساط المجتمعية الإسلامية.

 

وبالاضافة إلى ذلك، لما رأت الولايات المتحدة الأميركية هذه العودة إلى الدين عند المسلمين، وكيف أن الجماهير الإسلامية تأثرت بالطروحات الدينية، فقد رأت ان من مصلحتها ان تعمل على ايجاد مشايخ وجمعيات وحركات تعمل تحت غطاء الدين وتسعى في الحقيقة لخدمة المصالح والاهداف الأميركية، ورصدت المخابرات المركزية الأميركية موازنات بملايين الدولارات من أجل دعم هذه الجمعيات والشخصيات والحركات.

 

كما حأولت الأنظمة المحلية ان تركب الموجه فصار كل نظام يعمل على ايجاد أو تبني مجموع من المتدينين ليستخدمها في خدمة غاياته واهدافه وهكذا اختلط الحابل بالنابل، واشتغلت فرق واحزاب الظاهرة الإسلامية ببعضها البعض، واستطاع الغرب والولايات المتحدة الأميركية عبر مخابراتها ان تشوه أو تشوش على ما سمي بالصحوة الإسلامية، وعملت على رمي الصحوة بشكل عام بصفة التطرف الديني.

 

والحقيقة ان عملية التشويه هذه وان كانت قد أضرت بالواقع الإسلامي إلا ان الأُمور سرعان ما تتكشف ويظهر الفاسد على حقيقته، ويبدو الصالح على صلاحه.

 

ولعل اهم ما رمت إليه اجهزة المخابرات الأميركية والمحلية من وراء وصم التدين بالتطرف هو تشويه صورة حركات المقأومة والتحرير التي تبنت الإسلام كمنهج لمقأومة المحتلين والظالمين والطغاة مثل حركات المقأومة في فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان والشيشان وغيرها في معظم بلدان العالم الإسلامي.

 

وقد استطاعت معظم هذه الحركات والاحزاب والجماعات ان تثبت لجماهير الأُمة أنها أبعد ما تكون عن التطرف، وانها تحمل الإسلام المحمّدي الصحيح الذي يكفل لأمتنا العزة والكرامة والرفعة في الدنيا والآخرة، كحال حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وهكذا نستطيع القول أن مسمى التطرف الديني بالمفهوم الأميركي انما هو مسمى سياسي واصطلاح يقصد به وصف الحركات والاحزاب والفرق والجماعات والافراد الذي يتحدون السياسة الأميركية الظالمة والطاغوتية، والتي كان رأس قمتها نظام المحافظين الجدد وعلى رأسه مجرم الحرب الكوني جورج دبليو بوش.

 

وذلك بغض النظر عن مدى سلامة وجهة نظرهم الدينية أو الفقهية أو الاعتقادية أو ممارستهم الدينية.

 

التطرف الديني البحت:

 

مما لا شكّ فيه أن الإسلام قد عرف على مدى ألف وأربعماية سنة ويزيد فرقاً وجماعات من الصعوبة بمكان حصرها أو تحديدها بدقة، هذه الفرق والجماعات نشأت نتيجة التفسير والتأويل فيما يتعلق بالقرآن الكريم، أو بسبب ما شاب مسألة رواية الحديث النبوي من شوائب كمثل ثبوت الحديث أو عدم ثبوته ومدى صحته وقوته في حال قبوله. وبسبب أراء وأفكار وعقائد طرأت على الدين من خارجه أو نقلت إليه من أديان وعقائد أخرى.

 

وبعد إنتشار حركة الترجمة أيام العباسيين والإطلاع على أراء الفلاسفة الإغريق وما لدى الشعوب الأُخرى كالهنود والفرس من فلسفات وأفكار، ناهيك عن تأثير اليهود والنصارى وما عرف بالإسرائيليات. نعم لقد نشأت فرق كثيرة حادت عن نهج الإسلام الفطري البسيط الذي يخاطب العقل الإنساني خطاباً مباشراً وواضحاً وصريحاً، كما وصفه القرآن الكريم ذاته «بلسان عربي مبين»

 

وحأولت هذه الفرق أو بعضها تفسير كل شيء تفسيراً فلسفياً، وحأولت اعطاء الظوهر تأويلات ما انزل الله به من سلطان.

 

وراح بعضها يحرف النصوص ويلوي أعناقها لتخدم فكرة معينة أو هدفاً بحد ذاتها وللحكم على هذه الفرق وتحديد من هو متطرف أو منحرف أوغالٍ لا بد من مقايس أو معايير دقيقة غير خاضعة لأمزجة حاكم أو صاحب هوى.

 

ولعل عبارة موافقة الكتاب والسفة هي المعيار الأدق والاصح الذي ينبغي اعتماده للفصل في هذه المسألة.

 

وإذا كان من غير المفيد اعادة محاكمة تاريخ الفرق، فإن من الواجب حماية الإسلام المعاصر من الأفكار الهدّامة ومن أفكار الغلو، رغم ان العصر الذي نعيش فيه وبسبب إنتشار المعرفة وسهولة الحصول عليها لا يسمح بإنتشار الغلو خصوصاً فيما يتعلق بالأشخاص، والأشخاص كما هو معلوم كانت تتعلق بهم معظم أفكار الغلو في ايام تلك الفرق.

 

وأفضل رد على افكار الغلو والتطرف هو في طرح الإسلام المحمّدي الأصيل البعيد عن تحكم الأهواء والامزجة والمصالح الفردية والآنية.

 

وإذا سألنا عن أهم اسباب الغلو والتطرف الديني البحت فالجواب هو الجهل أولاً والجهل ثانياً، والجهل ثالثاً، ثم بعد ذلك تأتي الأغراض المشبوهة، والمؤامرات المحيكة من قبل جهات تريد الاساءة للدين في سبيل هدمه والقضاء عليه.

 

وحينما نتحدث عن الجهل فليس هو ذلك الجهل المقصود به عدم المعرفة، بل المقصود به المعرفة الجزئية البسيطة التي لا يدرك صاحبها حقيقة حجمها بالنسبة إلى الحقيقة الكاملة للمعرفة الإسلامية، أي المعرفة الإنسانية بالدين وفقاً للضوابط التي حددها العلماء المقطوع باعلميتهم.

خطر التطرف الديني:

لو اقتصر التطرف على المجال الفكري أو الإعتقادي لكان خطره الإجتماعي أقل، ولكن المشلكة ان معظم فرق وجماعات التطرف لا تقف عند حدود الفكرة بل لا تلبس أن تتجسد في ممارسات عملية تظهر على أرض الواقع تكفيراً وإخراجاً من الملة، ويعقب ذلك هدر للدماء وفتأوى بقتل المخالفين في الفهم أو التأويل والتفسير بتهمة الكفر.

 

ومما يؤسف له أن أفكار التكفير تجد سوقاً رائجة في هذا الزمن الرديء، وهو ما يحدث انقساماً في الأُمة والمجتمع الإسلامي، وينشأ عدأوات غير قابلة للزوال، ومهيئة لظروف الصدام والاقتتال بين أبناء الأُمة الواحدة، وليس بالهين ان يعمد بعض الفرق إلى اخراج مئات الملايين من المسلمين كما يقال بجرة قلم من الملة لمجرد انهم مخالفون بالفهم أو بالتأويل، وهو ما لم يفعله كبار العلماء والفقهاء، الذين رفضوا تكفير المسلم بذنب أو بخلاف في التأويل.

 

والحديث النبوي مفاده انه من رمى مسلماً بالكفر فقد باء بها أحدهما، أي أن الاتهام بالكفر اما ان يكون صحيحاً وفي مكانه، واما ان القائل به هو الكافر فعلاً فكيف يستهون مؤمن اطلاق مثل هذا الاتهام الخطير؟!

 

أما التطرف بمعنى الغلو في الدين، أي التطرف في العبادة أو في السلوك الدعوي بمعنى تحميل النفس ما لا تطيق أو الزيادة في أي أمر من الأُمور على ما طلبه الشارع الحكيم فهو في معظمه سلوك فردي، وغير قابل للتوسع والانتشار، وان كان البعض يروج لمثل ذلك ويسعى لفرضه على الآخرين، وهذا المعنى هو ما ذكره حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

 

«إن هذا الدين متين فأوغل فيه يرفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى».

 

ومعنى هذا الحديث ان الذي يكلف نفسه في الدين فوق قدرته لا يحقق نتيجة مرضية وشبهه بالمسافر مع القافلة ينقطع عنها مسرّعاً دابته التي لا تلبث أن تهلك بسبب التعب والإرهاق.

خاتمة: في التصدي للتطرف بين أسلوب الحاكم وأسلوب العالم

لا بد من النظر إلى الغلو والتطرف على أنه أثر، أورد فعل، وهو سلوك انساني قاعدته القناعة المتكونة لدى الفرد، أو لدى الجماعة، وهو بحد ذاته حالة مرَضِّية يصاب بها أفراد، أو جماعات، فتنعكس سلباً على العلاقات بين أبناء المجتمع.

 

وإذا كان التطرف والغلو يتجسد في ممارسات عنفية غالباً، وهذا العنف قد يكون مادياً وقد يكون فكرياً، فإذا كان استعمال القوة لفرض قناعة يسمى عنفاً مادياً، فإن اللجوء إلى التكفير والحكم على الافراد أو الجماعات بالخروج من الملة ؛ هو عنف فكري لما يشكله من ضغط يصعب احتماله على الإنسان المؤمن. نقول ان التصدي للتطرف والغلو ضمن المسلمين لا يتم بالعنف ولا بالقهر ولا بالضغط أو الإكراه .

 

لأن الضغط والعنف والاكراه والقهر يحدث القتل أو الايذاء البدني أو المادي والاقتصادي وغير ذلك، ولكنه أبداً لا يؤثر في القناعات الفكرية والعقائد الدينية ، وعلى مر العصور والدهور كانت التجارب مؤيدة في نتائجها لما ذكرناه.

 

والمتطرف أو المغالي انما يمارس قناعة وهذه القناعة ناشئة عن تجربة أو نقاش فكري أعتمد أدلة وحججاً وبراهين ساعدته في تكوين تلك القناعة بغض النظر عن صوابيتها أو خطأها، لا سيما وأن الأرض المناسبة والبيئة المساعدة على نشؤ ونمو التطرف والغلو إنما هي البيئة التي توصف بقلة العلم والدراية والوعي.

 

لهذا يختلف الموقف في الوسائل والاساليب المعتمدة للتصدي للغلو والتطرف عند كل من الحاكم والعالم.

 

اما الحاكم فهَمّهُ حفظ النظام والامساك بالامن وهذا بالنسبة إليه لا يتحقق إلا بالاساليب المعروفة لدى السلطة وهي استعمال العنف والقوة في مواجهة العنف والقوة، واستعمال اساليب الضغط المادي والمعنوي لمواجهة القناعات التي لا تنسجم مع توجهات السلطة واجهزتها، واساليب الضغط هذه تتمثل في الإعتقال والحبس والمطاردة والتضيق في مسائل اكتساب الرزق كالطرد من الوظيفة الرسمية. كل هذه الاساليب والوسائل تلجأ اليها السلطات الحاكمة في العالم الإسلامي في مواجهة خصومها بشكل عام ومنهم اصحاب الغلو والتطرف.

 

وهذه الوسائل والاساليب لا تجدي في مجال تغيير القناعات والأفكار وإنما تؤجج الصراع وترسخ القناعات، وتحول أصحاب الغلو والتطرف إلى ضحايا أو شهداء مما يعطي قضيتهم بعداً فيه شيء من القداسة والإحترام.

 

وللأسف فإن السلطات في معظم بلدان عالمنا الإسلامي لا تمييز بين من يختلف معها فكرياً ومن يرتكب أعمالاً جنائية أو جزائية جرمها القانون، مع أنه من المفترض أن صاحب الخلاف الفكري يجب أن لا يعاقب على قناعته أو افكاره، وان الذي يرتكب الأعمال الجرمية هو الذي يعاقب ولكن بموجب حكم قضائي وليس بموجب إرادة مخابراتية أو بوليسية كما يحصل في انظمتا الديكتاتورية والطاغوتية.

 

أما العالم فدوره في التصدي للغلو والتطرف يعتمد على العلم ونشره وبيانه وهو بالضبط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأرقى وجوهه. ولا يمكن للعالم أن يتصدى لذلك ما لم يكن عالماً حقيقياً يمتلك الحجة والدليل وقوة الاقناع وقديماً قيل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى ثلاثة أمور: العلم قبله والحلم معه والصبر بعده. لأن الجاهل لا يعرف المعروف من المنكر فكيف يأمر بما لم يعرف. أما الحلم معه فلأن الحانق والأحمق يصطدم سريعاً بمن يدعوهم ولن يأخذوا عنه، وأما الصبر بعده فلأن استجابة الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غالباً ما تكون ضعيفة.

 

ونحن للأسف لا نجد من فئة العلماء إلا النذر اليسير جداً، بينما نجد أن معظم المتصدين لأمر الدعوة هم بعيدون جداً عن صفة العلم الحقيقي، فهم ارباع متعلمين ذات تفكير سطحي بعيدون عن الفهم العميق للشريعة وللدين عموماً، ويقتصر علمهم على بعض المحفوظات والنصوص.

 

لذلك لا يصلح امثال هؤلاء لا للتصدي ولا للمواجهة العلمية، لذلك ترى كثيراً من هؤلاء يفضلون ان تتولى السلطة التصدي للغلو والتطرف بطرقها ووسائلها التي أشرنا اليها آنفاً، وترى هؤلاء يقيمون تحالفاً مع السلطة ويضعون أنفسهم في خدمتها، مستخدمين صفتهم العلمية.

 

وفي الختام لا بد من الاشارة إلى أن الغلو والتطرف مهما بلغ من القوة والقدرة في فترة زمنية معينة، وفقاً لظروف وأحداث معينة، فإنه لا يلبث أن ينكشف وينكفىء وينحسر ليبقى إما في دائرة التاريخ أو في متحف الافكار، فيما لو قدر له أن يدون.

 

لذلك لا ترى للغلو والتطرف إلا خطراً آنياً، خصوصاً إذا عرفت الأُمة كيف تتصدى له.

 

ومن الخطورة بمكان أن نعتبر أن المختلفين معنا فكرياً أو فقهياً على شيء من التطرف، فالخلاف ضمن الضوابط المعتبرة أمرٌ طبيعي وصحي والله سبحانه وتعالى خلف الخلق مختلفين متنوعين ومتمايزين.

والحمـدالله رب العالمين.

الهوامش:

([1]). سنن أبن ماجة (10/659) ورواه الدار قطني (4/170)

([2]). سند الإمام أحمد (5/266 - 6/116، 233)

([3]). صحيح البخاري (1/89) سنن أبي داوود 1/103 لجمع دار أحياء السنة النبوية.

([4]). سند الإمام أحمد (5/69، والبخاري جزء من حديث (1/15/طبع دار الكتب العلمية.

([5]). فتح الباري (10/643 رقم 6126) مختصر صحيح مسلم (ص412 رقم 1546)

([6]). القرآن الكريم سورة الأسراء آية 29.

([7]). سيد عويس بحث الحركات الدينية المتطرفة المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية 1982.

([8]). سمير أحمد نعيم، محددات التطرف الديني في مصر، مجلة المستقبل العربي عدد 131/1990

([9]). حارث سليمان الفاروقي، المعجم القانوني، دار النشر اللبيية - طرابلس 1962.

([10]). قاموس السياسة المعاصرة - مكتية ليبيا - 1975 م وهبة بالإنجليزية.

([11]). سعيد محمد نصر، التطرف والإعتدال في ضوء السمات الشخصية للفرد- جامعة عين شمس 1979.

([12]). محمد عبد القادر الطيب، استبيان العدائية وإتجاهها، دار المعارف - القاهرة 1984

([13]). راجع كتاب دكتور عدلي علي أبو طاحون: سوسيولوجيا التطرف الديني، جذور ومظاهر التطرف الديني بين إتباع الديانات السماوية مع دراسة للواقع المصري، صادر عن المكتب الجامعي الحديث، الأزاريطة - الإسكندرية، تليفاكس: 4843789 عام 1999.

([14]). المصدر السابق ص 474

([15]). المصدر نفسه ص 474

([16]). المصدر السابق 474

([17]). ثروت اسحاق، المهمشون من الفئات الدنيا في القوى العاملة - المركزالقومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 1987 .

([18]). راجع كتاب عدلي ابو طاحون المذكور آنفاً ص 479

([19]). راجع عدلي علي ابو طاحون، مصدر سابق. ص 190 وما بعدها.

([20]). المصدر السابق,

([21]). المصدر نفسه.

([22]). مقارنة الأديان - المسيحية - مكتبة النهضة المصرية - ط 4 عام 1984.

([23]). السبئية فرقة تنسب الى عبدالله بن سبأ الشهير بابن السوداء وهو يهودي صنعائي اسلم في زمن عثمان، كان يحث المناقشات الدينية، تنقل في بلاد المسلمين يحاول نشر ضلالاته بينهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة فالكوفة ثم الشام، وبعد ان اخرجه أهل الشام ذهب إلى مصر وكان ممن حرضوا على عثمان بن عفان ويقال ان المصريين تأثروا بدعوته وشاركوا في الخروج على الخليفة الثالث، وأظهر السبيئة بدعتهم في عهد علي (عليه السلام)، وذكر لعلي حبه فقربه فلما عرف ببدعته همّ بقتله فنهاه بن عباس وقال له ان قتلته اختلف عليك اصحابك، فلما خشي علي الفتنة نفاه الى المدائن، فأفتتن به الرعاع بعد مقتل علي (رضي الله عنه). وذكر الشهرستاني في ان هذه الفرقة من الغلاة الذين ابتدعوا البدعة والضلالة، وصدق فيهم قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم): «يهلك فيه اثنان محب غال ومبغض قال» ويقصد بذلك علياً اما المحب فهم السبئية وأما المبغض فالخوارج، وبعد مقتل علي (رضي الله عنه) وصل نعيه الى ابن سبأ فقال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة واقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا انه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الارض».

([24]). عدلي ابو طاحون - المرجع السابق ص 303