مشاكل التعليم والتربية في بلاد المسلمين

مشاكل التعليم والتربية في بلاد المسلمين

 

 

مشاكل التعليم والتربية في بلاد المسلمين

 

الاستاذ الدكتورعلى اوزاك

رئيس وقف دراسات العلوم الإسلامية- تركيا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وعلي آله واصحابه أجمعين اما بعد :

أنني أخترت هذا الموضوع بسسب أنه من أهم المواضيع التى تتعلق بقطاعات الأمة الإسلامية علاقة شديدة وهي العلاقة  اللازمة والضرورية  بنهضة الامة علميا وإقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا وتجاريا وصناعيا وتكنيكا لان أهم المسائل والوسائل والوسائط التي تفيد الأمة وتساعدها في الحياة  الدنيا والآخرة معا هو العلم والتعليم و التربية والمعرفة والتجربة لأن الإنسان لكي يفهم الدين الحقيقي والدنيا الحقيقية يحتاج قبل كل شيئ إلى العلم والمعرفة. والمراد من العلم هو العلوم الدنيوية مع الدينية وهى العلوم الإنسانية  والتكنولوجية والفنون الجميلة والعلوم المهنية وما الى ذلك.

قال العلماء قديما: العلم علمان: علم الابدان وعلم الاديان.

فلا بد من أن تمشى العلوم الدينية مع العلوم الدنيوية. لان الإنسان ككائن حيٌ يعيش مع بعض ويُكوّن جمعية بشرية وعيش البشرية كجماعات يحتاج الى نظام يُرتب و ينظم أمور الناس فى المجتمع  وهذا النظام هو الدين  لذلك لا بد من نظام ديني ليعيش البشر فى سكون وراحة.

علم الابدان:

فعلم الابدان يحتوى و يتضمن كل العلوم التي تتعلق بحياة الإنسان في الدنيا لان الإنسان حيوان إجتماعي يتعايش مع بعض ومن ناحية أخرى عرّفوا الإنسان بأنه حيوان ناطق مستقيمَ القامة لذلك في امكانه ان يتعلم ويعرف ويوجد وسائل وسائط تسهّل حياة الإنسان  فى الدنياكما هو معروف فيما بين الناس. فالإنسان يمتاز ويتميز عن المخلوقات الأخرى بعقله و بمشيه على رجلين  مستقيم القامة ويستعمل أيديه فعقل الإنسان يوجّه الإنسان إلى ما كان مفيدا أو ضارا فى الحياة  واليدان تعملان حسب توجيه العقل والرجلان يساعدان للتحرك.

علم الاديان

أما العلوم الدينية وهي تُنظم وتُرتب حياةَ الإنسان في الدنيا لكي تكون الغاية و النتيجة موافقةً تعاليمَ الدين قاصدةً سعادةَ الإنسان في الدنيا والآخرة. لأن الحياة الدنيا والآخرة توأمنان كل واحد منهما ملتصق بآخر. فالرجل الذي أعمر الدنيا وعاش فيها عيشة سهلة فهو يعيش ايضا في الآخرة عيشة سعيدة كما قيل الدنيا مزرعة الآخرة،  وان لم يعش المسلم فى الدنيا سعيدا يأكل و يشرب من كسب نفسه الحلال ولايحتاج لعيشه الى الآخرين فهذا المسلم هو الذي سوف ينجو ويفوز فى الآخرة و يدخل الجنة بسلامة. لانه أعمر دنياه بكسب الحلال. واعمار الدنيا مؤمنا بالله تعالى الذي خلق الكون و عاملا وساعيا وشاكرا لله هو فى الحقيقة اعمار الآخرة . اذن ينبغي للمسلم القوي السالم من العاهات ان يسعى لان يكون غنيا لا فقيرا لان الرسول (ص)  قال:  " كاد الفقر ان يكون كفرا " لايمكن للمسلم الفقير ان يعبد الله تعالى كما يليق به لانه دائما يشتغل فكرُه و عقله بفقره ولاينقطع للعبادة . هذه من ناحية . ومن ناحية اخرى انه غير مكلف بالزكاة و الحج و الصدقة و الاحسان ومساعدة الآخرين  ولا يستطيع ان يُلبى احتياجات أهله و أولاده كما ينبغي.....

والآن نرى حالة المسلمين انهم بسبب ترك إعمارهم دنياهم اصبحوا محكومين  للاقوام الذين أعمروا الدنيا واخترعوا وسائل و وسائط تُسهّل الحياة للانسانية والمسلمون ايضا يستفيدون  من هذه الامكانيات الفنية والتكنولوجية والالكترونية . هذا جميل . ولكن اذا نظرنا الى المسألة من ناحية اخرى لايمكن للمسلمين ان يكونوا حاكمين سياسيا و اداريا كما فى فلسطين منذ ستين سنة و كما فى أفغانستان و العراق.

مسألة الحكم:

فى ادارة الحياة الدنيا وسيلة الحكم و الحاكمية ووسائطها ثلاثة فقط.

الاول : التقدم فى العلوم والمعارف.

الثاني : القدرة الإقتصادية يعني التجارة والزراعة والصناعة والاستثمار و الاستنتاج.

الثالث : التكنولوجية يعنى الصناعة و المهن والاسلحة ووسائل النقل برا وبحرا وجوا.

 والذى لايملك هذه الوسائل يكون محكوما لا حاكما.

كيف انهزم المسلمون و انهزمت الدولة العثمانية؟

كما سنذكر فى هذه الرسالة فيما يستقبل أنه ضعف التعليم و التربية فى بلاد المسلمين وإنتشر التمايل التصوفي و الطرق الصوفية وإنشغل المسلمون بالتصوف و المعنويات أكثر من إنشغالهم بالتعليم والتربية وأصبحت الامية والجهالة منتشرةً و كثرت البطالة و خالفوا آية قرآنية وهى : " وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدوكم..."( الانفال /60)   فالعلوم الدينية تُوجه الإنسان في الحياة الدنيوية إلى ماكان صحيحا ومباحا وهو عقيدة التوحيد والايمان بالرسل وبالمعاد اى البعث بعد الموت.

اما الايمان بنبوة الانبياء هو قبولهم بانهم رسل الله تعالي ارسلهم لارشاد الناس إلى الطريق الصحيح وهو الهداية.

والمعاد  هو الحياة الجدبدة فى الآخرة و هى مالم تكن في إمكان البشر ان يعرفهالسبب أنه البعث بعد الموت بمعني أن الإنسان بعد الموت يُبْعث من جديد لكي يحاسب عما عمله في الدنيا فالحياة بعد الموت اي الحياة الجديدة في الآخرة اخبرها الانبياء.فعقل الإنسان كعقل بشري لا يستطيع ان يعرف حقائق الآخرة فالانبياء هم الذين اخبروا هذه الحقيقة بوحى من الله تعالى.

فبناءا علي ذلك ان الامور الغيبية كلها ثبتت باخبار الانبياء لان ميزة النبي هي أنه  يأخذ الوحي من الله تعالى ويقول للناس ان هناك ستكون حياة جديدة بعد الموت و النبي بوحى من الله تعالى  يعلّم الناس السلوك الاخلاقية والحلال والحرام وكيفية العبادة لله تعالي. وفي الحقيقة ان العقل لا يفيد ولايأتي بخير للانسان ان لم يوجد الدين وتعاليمه كما ان الدين اذا لم يعتمد علي العقل يصيرعبارة عن الخرافات وسبب المكلفية شرعيا هو العقل والبلوغ، ونقصان العقل لَيكون سببا لنقصان الدين، والفهم الصحيح والطريق الحق هو العقل السليم الذي يتغذي من احكام الشريعة ويحفظ نفسه من السقوط في اخطاء. اذن لا يمكننا ان نتقدم في حياتنا اليومية إلا بالتمسك بالعقل والدين معا. وذلك يقتضى ان يكون الإنسان عالما وعارفا وهذا لا يتحقق الا بالتعليم والتربية ومنبع العلم هو العقل والوحي معا.

كيف تمدن و تقدم الإنسان عن البدائية؟

 فالإنسان تعلم كل شيء في الحياة من الانبياء ثم أضاف عقل الإنسان إلى ماجاء به الرسل من احتياجات وضرورات الحياة مثل العلوم المكانيكية والمهن الصناعية والفنون الجميلة وغيرها من حاجات الإنسان لان الذي نجا بالإنسان من البدائية هم الانبياء والرسل  لأنهم كانوا يتلقون الوحي من الخالق الذي خلق الإنسان وأرسل الرسل لإرشاد الناس إلى تسهيل الحياة اليومية.  فالإنسان تعلم النظافة والحلال والحرام والنافع والضار من الانبياء. لذلك نجد ونرى ان الإنسانية انتقلت من البدائية إلى عصور  التقدم الصناعية والتكنولوجية والفنية بتعاليم الانبياء والحقيقة القاطعة ان أيّة قوم في الحياة لا بد من ان  تعتنق بدين سواء كان حقا أو باطلا ومن هنا يظهر اهمية الايمان لكي لا يكون الإنسان في فراغ. والآن لو أمكن ان يُعمل إحصاء فى العالم أظن إن الاكثرية القاهرة من الناس يؤمنون بدين وهذا يدل على أهمية الايمان و الدين.

إنتقال الإنسانية من البدائية الى التقدم:

مَنْ علّم الإنسان النظافة في البداية ؟  هم الانبياء الذين تلقوا الوحي من الله تعالي وهوالله الذي خلق الخلق وعلّمه سيرة الحياة بارسال الانبياء والرسل.وفي هذا الموضوع ننقل ما قاله الله تعالي: " اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ اِقْرَاْ وَرَبُّكَ الْاَكْرَمُ الذي عَلَّمَ بِالْقَلَم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَم" (العلق/1-5 )

 مَن علم الإنسان اولا الحلال والحرام و المفيد والضار؟  علم الإنسان كل ما ينفعه ويضره الانبياء لانهم عرفوا هذه الاشياء بطريق الوحي.

من علّم الإنسان حساب الأسابيع والشهور والاعوام؟ الذي علم الإنسان هذه الازمان هم الانبياء ايضا كما جاء في القرآن «اِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فى كِتَابِ اللّٰهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضَ مِنْهَا اَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ الدّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فيهِنَّ اَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكينَ كاٰفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كاٰفَّةً وَاعْلَمُوا اَنَّ اللّٰهَ مَعَ الْمُتَّقينَ»  (التوبة 9/36)

من بدأ أولا بالزراعة؟ ومن بدء اولا بالتجارة؟  ؟ ومن بدء اولا بتربية الحيوانات الوحشية وإستعمالها في خدمة البشرية ؟

كل هولاء الذين علموا الإنسان ما كان مفيدا ونافعا في حياة الإنسان اليومية  هم الانبياء عليهم السلام وكان كل نبي له صنعة كما ذكر في كتب تاريخ الانبياء. وكذلك الأمر والواقع في يومنا في القرن الواحد والعشرين كما ترون ان الذي يوجه الإنسانية إلى الخير ويحفظهم عن السقوط في المهلكات هو الدين، فإذا أبعدت الإنسان عن الاعتقاد الديني رجع الإنسانية إلى البدائية وتتطلب ان تعيش مثل الحيوانات الوحشية من غير قيد اخلاقي فمستندا على ذلك فان اهمية معرفة أحكام الدين الصحيحة فى غا ية  من الأهمية جدا بسبب أن عقل الإنسان دائما تمشي تحت سيطرة النفس التي دائما تميل إلى الشر. فعقل الإنسان يرشد صاحبه إلى الخير والشر معا ولكن ارشاده إلى الشر أكثر من ارشاده إلى الخير لان العقل هو الخادم الامين للنفس والنفس دائما تميل إلى الشر. خذ مثلا شخصا يريد ان  يسرف وفي حين عمل السرقة ان عقله يقول له : ان هذا العمل غير صحيح ومُضر لأنه اذا سرقت قُبضت عليك وسوف تعاقب الا ان نفسه تغلب على العقل ولا يستمع إلى ما يقوله العقل ويطيع النفس ويسرق فبعد ذلك يقطع يده أو يسجن. لو استمع هذا السارق إلى عقله ما سرق ولم يعاقب. ولذلك اعضاء الإنسان في يوم الحساب تشهد علي صاحبها كما جاء في سورة يس: )اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلٰى اَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا اَيْديهِمْ وَتَشْهَدُ اَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( (36/65)

والرسول (ص) قال : "ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن (بخارى مظالم 30 /مسلم ايمان 100/1004

«ولايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (ابن ماجة فتن/3)

فمعنى "وهو مؤمن" ان الشخص الذي يسرق في حين سرقته لا يستمع إلى عقله لان عقله لَيقول له  ان السرقة حرام الا ان الشخص لا يستمع إلى عقله بل يستمع إلى ما يقوله نفسه لان عدم سماع الشخص عقلَه يجعله كانه غيير مؤمن لحظة من الزمان   وهو زمان السرقة و زمان الزنا.  والمهم هنا هو ان ما جاء به الدين من المسائل الدينية والدنيوية  معقول لا عقلي فالعقل يقبل ما يقوله الدين لان ما جاء به النبي معقول ومفيد للبشر اما العقل البشري وحده لا يستطيع ان يوجد دينا والسبب ان العقل قوة مادية اما الدين قوة معنوية. فمجال العقل محدود، وان كل الاديان سواء كان ثبوتها بالانبياء أو بالبشر تتصل  بالانبياء اصلا  لان القرآن أخبر في آيتين  إن الأنبياء أرسلت إلى كل قوم : )اِنَّا اَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشيرًا وَنَذيرًا وَاِنْ مِنْ اُمَّةٍ اِلَّا خَلَا فيهَا نَذيرٌ(  (فاطر/24)

)مَنِ اهْتَدٰى فَاِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِه وَمَنْ ضَلَّ فَاِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرٰى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولًا(  (الاسراء /15 )

ان هذين الآيتين  تدلان على أن لكل قوم وملة بُعث نبيّ. الا ان كثيرا من الاقوام إما غيروا تعاليم النبي الذي ارسل اليهم أو انهم أضافوا  إلى تعاليم النبي أشياء جديدة بعقولهم البشرية فبمرور الزمن اصبح هذا الدين  كأنه دين بشري عقلي.

 إذن كيف نفرق حقيقة هذه الاديان  الموجودة المعروفة بين الناس باسماء مختلفة؟

إن معيار حقية الدين الذي كان يعتمد على النبي هو الاعتقاد بالمعاد يعني باليوم الآخرة  اى احياء الإنسان بعد الموت والحساب في المحشر والدخول إلى الجنة والنار والبقاء بالاعراف. لان عقل الإنسان لا يستطيع ان يعرف هذه الحقيقة  الا بطريق الوحى. والانبياء اخذوا هذه المعلومات من الله تعالى بطريق الوحي.

والخلاصة: ميزان حقية الدين يعتمد على اعتقاد المعاد اي البعث بعد الموت. وإذا وجدنا في اي اعتقاد أو دين الايمانَ بالمعاد فهذا يدل علي إن هذه العقيدة كانت معتمدة علي النبي ومتصلة إلى تعاليم الرسل والانبياء.

وضع الدين

الدين ليس عائقاومانعا أمام الناس إلى التقدم والتجدد فيما يتعلق بحياة البشر. لأن كل نبي جاء إلى الناس في حين تأخرهم وتدنيهم ماديا ومعنويا لا كما ظن بعض الناس الذين قالوا  ان التمسك بأحكام الشريعة يؤدي إلى التأخر في المسائل الدنيوية.

وهذا الادعاء قد يكون صحيحا اذا كان العلماء لا يفسرون احكام الدين بطريق صحيح بعيدا عن التشدد و التعسر فى الدين و عن الخرافات التى لا أصل لها فى الدين و ايضا بعيدا  من ان يكون العلماء ملكيين اكثر من ملك. وهذا الطريق الصحيح المشار اليه هو السعي أولا في إعمار الدنيا كما فعل رسول الله (ص) لانه قبل ان يكون رسولا كان تاجراً وكان يكسب ما يحتاج اليه من العيش في الدنيا. لو انه كان محتاجا ما كان أدى وظيفته الدينية. كما قيل "اولا الفرنُ ثم المسجد"

الفرن هو المكان الذي يطبخ فيه العيش و المراد هو سعي الإنسان اولا لكسب ما يحتاج، اليه ثم يسعى للعبادة.

الطريق الصحيح

 فما الطريق الصحيح في تطبيق احكام الشريعة في الحياة الدنيا؟

الطريق الصحيح هو العمل اولا لكسب الإنسان ما يحتاج اليه ليعيش به لأن الانبان لايستطيع ان يعيش بدون غذاء . إذن لا بد من السعى اولا لكسب الدنيا ثم لكسب الآخرة . عندنا مثل فى اللغة التركية : " الدب الجائع لا يلعب " الاتسان الجائع ايضا لايلعب ولا يعبد.

أما الطريق الصحيح من ناحية فى تطبيق الشريعة  هو الحديث المشهور - حديث معاذ بن جبل- حينما اُرسل إلى اليمن واليا  من طرف رسول الله صلي الله عليه وسلم

قال الرسول (ص):كيف تقضي إذا عرض لك القضاء؟

 قال معاذ : أقضي بكتاب الله.

 قال النبي (ص): إن لم تجد في كتاب الله؟

 قال معاذ: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الرسول (ص) : وإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله ؟ قال معاذ: أجتهد رأيي ولا آلو. (يعني لا اقصرفي الاجتهاد ولا اترك بلوغ الوسع فيه)

  فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يُرضي رسول الله يعني يقول الرسول (ص):الحمد لله الذي وفق رسول رسوله في ادارة الدنياوالدين.  فالمهم هنا هو فهم المسلم دينَه الاسلام كما ورد في هذا الحديث. لانه إذا سئل ما هو الفهم الصحيح في المسائل الدنيوية  والدينية ؟  نقول:  الفهم الصحيح هو فهم  الإنسان الدينَ أنه جاء اولا لاعمار الدنيا ثم لاعمار الآخرة.لان الدين  لصلاح الإنسان  كما جاء في الآية "...ورضيت لكم الاسلام دينا...."لان الدين جاء لارشاد الناس في مسائل الدنيا بالاولوية وليعلم البشركيف يعيش فى الدنيا حسب تعاليم الخالق. ولذلك يجب علي العلماء ان يُسهلوا الدين لكي يحب الناس الدينَ ويطبقوه فى حياتهم اليومية. كما ورد فى الحديث : يسرواولاتعسروا بشروا ولاتنفروا.

مسألة الاجتهاد

وفي الحقيقة ان في كتب التفسير والحديث وثائقَ كثيرة ودلائل قوية في مسألة الاجتهاد في المسائل الدنيوية و الدينية. والدليل علي ذلك هذه المذاهب المختلفة الموجودة في العقائد والفقه. لان العلماء قديما تمسكوا بحديث معاذ بن جبل واجتهدوا كثيرا. فالاجتهاد يعتمد علي العلم والمعرفة.  والعلم والمعرفة لا يتحقق الا بالتعليم والتربية. ولذلك ان المسلمين قديما اهتموا بالتعليم والتربية وعلموا اولادهم ذكورا وإناثا العلوم َوالمعارف الضرورية واللازمة دينيا ودنيويا. واذا أراد أحد ان يعرف انهم علّموا البنات مع الاولاد فلينظر إلى الجلد الأخير من كتاب تأذيب التأذيب لابن حجر العسقلانى  و نصف هذا المجلد  خصّص للمعلمات و المحدثات من النساء المؤمنات اللاتي عاشت قبل القرن الثامن و التاسع  من الهجرة.

وهذا الاهتمام بالتعليم والتربية دام إلى العصر السابع عشر الميلادي ثم ضعف شيئا وشيئا إلى أن وصل في أواخر الدولة العثمانية إلى درجات التخلف والتأخر كأن في الشريعة الاسلامية نصوصا ووثائق تمنع من تعليم  وتربية المرأة .

وفي أواخر الدولة العثمانية لاتوجد طالبات فى المدارس أو لا توجد مدارس للطالبات و  كانت لاتدرس في المدارس عامةً غير اللغة العربية  والعلوم الفقهية مع أن المسلمين قديما درّسوا في مدارسهم كل العلوم الدينية والطبيعية وبسبب ذلك ظهر بين المسلمين علماء في كل العلوم والفنون.والبنات تذهبن الى المدارس مع البنين.

اما في العلوم الدينية فمثلا في التفسير والحديث والفقه والكلام والفلسفة والطب وغيرها من العلوم الاجتماعية اشتهر كثير من العلماء الاجلاء المشهورين في العالم  و نذكر مثالا في العلوم الطبيعية مثل ابن سينا في الطب والفلسفة.و دُرِسَ كتاب الشفاء لابن سينا في مدارس أوربا أربعمائة سنة متواصلة.  وابو نصر  الفارابي المعلم الثاني في العلوم الاجتماعية والفلسفية وفي الفنون الجميلة. وخارزمي في علوم الحساب وظهر علماء مشهورون في علوم الكيمياء والفزيك والفلك والتاريخ وجعرافيا.  وكان أوربا أخذ كل هذه العلوم من المسلمين وطوروا ثم باعوا إلى المسلمين بعد ذلك

اسباب تأخر المسلمين

 لكي نعرف معرفة صحيحة اسباب تأخر المسلمين في العلوم الطبيعية والتكنولوجية ينبغي لنا ان نُلفت النظر إلى تاريخنا المجيد بعد ظهور الاسلام وكيف تقدم المسلمون الذين عاشوا في العصور القديمة. لتسهيل البحث تاريخيا ينبغي ان نقسم تاريخ المسلمين فى التعليم و التربية إلى مراحل وهي سبعة مرحلة:

الأول: عصر السعادة وعصر الخلفاء الراشدين من اول الهجرة الي41

الثاني: عصر الدولة الاموية يبدأ من  41 = 132هجرى/661-750م

الثالث: عصر الدولة العباسية 132-656هجرى/750-1258 م

الرابع: عصر الدويلات هذا العصر يبدأ من أواخر الدولة العباسية و من بعد غزو المغول و من  سقوط الدولة العباسية ويستمر الى قيام الدولة العثمانية.

الخامس: عصر الدولة العثمانية 1299-1922 م

السادس: عصر الاستعمار يبدأ بعد  ضعف الدولة والخلافة وبعد سقوط الدولة تمامافى سنة 1922 فبعد هذا التاريخ لا يوجد في العالم الاسلامى دولة مستقلة غير الجمهورية التركية والمملكة الافغانية و الشاهية الايرانية والبقية من الدول الاسلامية كلها أصبحت مستعمرة للإنجليز وفرنسا وروسيا وهولندة.

السابع: عصرنا الحاضر،  وهو العصر العشرون والواحد والعشرون.

حالة التعليم و التربية حسب العصور المنقسمة:

 نبدأ من عصر السعادة هو عصر الرسول(ص) وهذا العصر يأخذ من الزمان كما يقال ثلاثة وعشرين سنة. ثلاثة عشر سنة منها في مكة المكرمة وعشر سنوات في المدينة المنورة . ونحن نعلم جميعا وضع هذا العصر من القرآن والسنة والسيرة النبوية  ومن وثائق تاريخية. انه عصر التحرك والتجدد والتقدم في كل مراحل الحياة كافة واذا قسنا هذا العصر بعصرنا الحاضر نري هناك فروقا كبيرة من الناحية الدينية والسياسية والاخلاقية.

فما هي الفروق البارزة بين العصر الاول والعصر الحاضر:

أولا: من الناحية الدينية نجد ان فى عصرنا الحاضر توجد مذاهب اعتقادية ومذاهب فقهية و يوجد في هذه المذاهب فروق واختلافات كبيرة. ولكن في عصر السعادة وعصر الخلفاء ما كانت هناك مذاهب مختلفة فقهيا كانت أو اعتقادية اذن ماسبب هذه الفروق والاختلافات؟

السبب هو العقل البشري واجتهاد العلماء معتمدين على عقلهم و منطقهم.

لأن العقل البشري يختلف  باختلاف الاشخاص. لان تمايل الشخص يؤثر في فهم الدين كما قال العلماء ان العالم المجتهد يجب عليه ان يملك  العقل السليم وهو التفكر الحر بعيدا من التأثيرات النفسية مثل شهوة المنصب والتجارة و الافضلية على الناس علما فالمجتهد دائما يعتمد علي النصوص من الكتاب والسنة الا أن التأويل العقلي الاجتهادي- ولو انه معتمد علي نص- يختلف في فهم النصوص باخلاف الاشخاص. وهذه الاختلافات المذهبية لسبب اختلاف فهم العلماء معقولة ومقبولة وضرورية ايضا كما قال  الرسول(ص) "إختلاف أمتي رحمة واسعة" لان اختلاف المذاهب وبالخصوص المذاهب الفقهية  يعتبر سهولة عظيمة ويسرا مطلوبا للامة الاسلامية بسبب ان هذه المذاهب تأتي بالتوسع واليسر ويعطي المسلمين سهولة مطلوبة بسبب ان وظيفة مسلم الدينية احيانا لاتوافق ظاهر النص وقد يوافق رأي المذهب من المذاهب الفقهية. ولذلك كان هذا التوسع واليسر في تاويل  العلماء النصوص واجتهادهم باتيان آراء ومذاهب جديدة رحمة واسعة والمشكلة هنا هى التمسك الشديد والتعصب بآراء المذاهب مع ان النصوص التي اعتمد عليها المجتهدون من الكتاب والسنة موجودة الآن بين ايدينا ونحن في امكاننا ان نربي علماء راسخين في العلم  ليدققوا آراء المذاهب ثم ان كان هناك حاجة لتجديد الاحكام بسبب تغير الازمان يجتهدون  من جديد في هذه النصوص مهتمين باحتياجات الناس في هذا العصر ويأتون بحلول مفيدة تناسب حاجة  العصر ان قال قائل-كما يقال بين الناس- نحن لسنا في مستوى المجتهدين الذين اجتهدوا وأنشؤا مذاهب. لانهم كانوا قريبين من عصر الرسالة وأخذوا العلم من الصحابة والتابعين وتبع التابعين . وهذا الرأى قد يكون  مخالفا لحديث الرسول(ص).

"نضر الله امرأ سمع  منا حديثا فحفظه حتي بلّغه.  رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه " رواه ابو داوود في كتاب العلم باب فضل نشر العلم. والترمذي في العلم وإبن ماجه في المقدمة

إن هذا الحديث وحديث معاذ بن جبل الذي ذكرناه سابقا يفيد بان من جاء بعد عصر النبي(ص) وبعد عصور الصحابة والتابعين سيكون أكثر علما وفقها بمصداق هذا الحديث يقول الرسول(ص) " رب حامل فقه إلى من هو افقه منه" فيجب الايمان و القبول بمجئ  علماء ومجتهدين دائما فيما يستقبل من الزمان لتجديد  شريعة محمد (ص) كما نقل من علمائنا السابقين :" يأتي في كل عصر مجددون يجددون هذا الدين" وإلا سوف يقف تطبيق الشريعة كما هو الحال في زماننا. فالواجب علينا ان  نشجع ونشوّق الاجتهاد الجديد بشرط ان يكون موافقا  لقواعد الاجتهاد ولقواعد استنباط الاحكام من الكتاب والسنة كما في الأول، والمعيار لموافقة الاجتهاد لاصول الشريعة هو وجود الحرية الفكرية و الحرية العلمية و هذه الحرية الفكرية هى الضمان لحفظ أصل الشريعة لان الرسول (ص) قال: " ان أمتي لا تجتمع على ضلالة " (إبن ماجة فتن 8 أبوداود فتن 1 فى حين وجود الحرية الفكرية بطبيعة الحال كل شخص له الحرية الفكرية فى القول و الاجتهاد ولكن فى هذا الوسط اذا كان واحد يخطئ فى الاجتهاد و الآخر لَيأتى بالصواب. ونرى هذا السلوك فى أوائل ايام المسلمين وكانت قد ظهرت آراء و مذاهب مختلفة.

التقدم العلمي والفني في عصر النبوة

سبب التقدم البارز في عصر السعادة، وعصر الخلافة هو وجود حرية تامة في التعليم والتربية وكان هذان  العصران جامعة عامة مفتوحة للجميع  من غير تحديد العمر، وفي هذه الجامعة العامة كان يدرس الصغار والكبار مع بعض. والدليل علي ذلك منع الرسول (ص) السؤال عن المقيمين بالمدينة في المسائل الدينية مدة.

 وهذا كان حينما كثر سؤال الناس عن المسائل الدينية فبسبب الحرية التامة كان الصحابة يسألون عن الرسول (ص) مسائل دينية دنيوية كثيرة  وخاف الرسول (ص) من تعسير الدين علي الامة بسبب هذه الاسئلة الكثيرة ومستندا على ذلك منع (ص) السؤال عن من يقيم في المدينة قائلا: "ان الأمم السالفة هلكوا بكثرة سؤالهم انبيائَهم في مسائل دينية أو دنيوية ". فبعد هذا المنع ان الصحابة فكروا فى هذا الوضع لكي لايفوت عنهم الاستفادة من النبي جعلوا اتفاقا بينهما واحد منهما يذهب إلى العمل والآخر يبقي في المدينة لكي يتابع الرسول(ص) ويحفظ ما قاله ثم يجتمع مع صديقه مساءً ويعرف ما قاله الرسول(ص) . واليوم الثاني كان آخر يذهب إلى العمل ويبقى الثاني هكذا دواليك لان هذا المنع كان خاصا لمن يقيم في المدينة اما الذين يأتون من خارج المدينة وكان لهم حق ان يسأل عن الرسول(ص).

وهذا يدل علي ان كل صحابي كان طالبا في هذه الجامعة المفتوحة  والفرق بين المدارس والجامعات ان الذين يدرسون في المدارس لهم تحديد السن.

إما الذين يدرسون في الجامعات ليس لهم تحديد السن الصغير والكبير يدرس متساويا.

فهكذا أخذ العلم من الرسول(ص)الرجالُ و النساء متساوين من قير تحديد.

 

عصر الدولة الأموية:

ميزة عصر الدولة الاموية هي تعميم التعلم والتربية وكان كل صحابي له طلاب خاصة في علم الحديث والفقه وكان الناس يتشوقون أن يعرفوا عن الصحابة ما كانوا نقلوا عن النبي (ص) ومن ناحية أخري أن عصر الدولة الاموية تعتبر عصر الفتوح والازدهار العلمي والاجتماعي و الاقتصادى والادبى  وكان قد نشأ و عاش ائمة المذهب الخنفي والمذهب الزيدي في هذا العصر مثل الامام الزيد و ابو حنيفة واصحابه امام ابو يوسف ومحمد وزفر وظهر المذاهب الاعتقادية مثل المعتزلة والجبرية والقدرية والمرجئة في العصر الأموى فظهور هذه المذاهب الاعتقادية تدل علي وجود حرية الفكر والدراسات الفلسفية والعلوم الطبيعية لان التقدم العلمي والفني والتكنولوجي دائما يحتاج و يعتمد علي الحرية الفكرية. وان لم يوجد وسط الحرية والتسامح لا يظهر التفكر العلمي والأدبي ولا يتحقق التقدم والتطور بسبب الخوف من الآراء المخالفة مع ان الحركة العلمية تحتاج الى الآراء المخالفة و الا لايتحقق التقدم الفكري والعلمي.

عصر الدولة العباسية:

إن هذا العصر عصر الازدهار والتقدم البارز وعصر الكشف في كثير من الموضوعات العلمية مثل علم التفسير وعلوم القرآن- علم الحديث والرواية- علم السير والتاريخ- علم الفلسفة وعلم اصول الفقه- علم التاريخ- علم الادب- علم اللغة والصرف والنحو- علم البلاغة-علم الحساب-علم الفزيك والكميا-علم الهندسة-علم الفلك، -علم الجغرافيا-وعلم الطب.

ونجد ان آثار كل هذه العلوم قد أُلفت ونُشرت في ايام الدولة العبسية،  وان قلنا ان المسلمين أكملوا نشاطاتهم العلمية في أيام الدولة العباسية ثم ناموا عصورا طويلة فهذا القول كاد ان يكون صحيحا  كانت هناك أسبابا كثيرة لوقف الجهود العلمية اوقلة الجهود البحوثية.

السبب الاول: وهو المهم جدا هو غزو المغول في البلاد الاسلامية. لان هذا الغزو وقّف كل النشاطات العلمية وكتب المراجع التي كانت قد كُتبت والّفت وصنّفت في مدة خمسة قرون لأن المغول لم يكتف باستعلاء البلاد واستعمارها بل انهم هدموا المدن ومبانيها  وخربوا المدارس والمكتبات وشردوا الناس وكانت هذه التخريبات كارثة عظيمة وموتا للعلم و للناس وتخريبا لكل ما اوجدها الإنسان من العلوم والفنون وما إلى ذلك.  

السبب الثاني: هو انتشار التمايل التصوفى والطرق الصوفية وظهور التكايا والزاويات  وذهاب عدد كبير من الشباب إلى تلك التكايا والزاويات بدل ما يذهب إلى المدارس.لان الله تعالى أعطى كل قوم افرادا أذكياء وأصحابَ العقول السليمة. لكى ينال القوم والمجتمع  إلى هؤلاء الاذكياء ويحصل علي هؤلاء الابقريين ينبغي لهم ان يعلموا اولادهم ذكرا كان اواناثا. لاننا لا نعلم اين هؤلاء الاذكياء الذين سوف يفيدون اقوامهم؟ أهم من بين الذين يذهبون إلى المدارس اوالى التكايا أو إلى الطرق الصوفية اوبقوا من بين الذين لم يذهبوا إلى المدارس؟ أم هم عاشوا بين الناس عمالا و خداما.

السبب الثالث: هو كون البلاد الاسلامية غنية طبيعيا فى تلك الايام وساق الناسَ هذا الغناء والعيش السهل إلى الكسل والرحاوة. وشجّع هذه الفكرةَ والتمايلَ فهمُ الحياة بانها لا تليف للاهتمام بها ويكفيك ان تحصل علي قوتك اليومى

السبب الرابع: هو التفرقة بين المسلمين خاصة بعد سقوط الدولة العباسية. كانت هناك دويلات كل دولة تدّع الزعامة ويحارب الاحد منهما الآخر.

السبب الخامس: هو ظهور الحروب الصليبية وكان ضرر هذه الحروب كثيرة جدا. والصلبيون قد استرد بعض البلاد الاسلامية وقتلوا كثيرا من المسلمين.

السبب السادس: هو عدم امكان اصلاح الفهم الزهني والعقلي عند المسلمين بسبب هذه الكوارث الواقعه في تاريخ المسلمين.

السبب السابع: هو ظهور روناسانس في اوروباومقاومة علماء المسلمين لهذا التقدم الجديد في أفكار جديدة ظانين ان هذه الافكاروالاكتشافات والحركات الجديدة تضر الاسلام والمسلمين.

كل هذه الاسباب اثرت في عقول المسلمين تأثيرا منفيا كأن هذه التجديدات الجديدة في اوربا كانت مخالفة لتعاليم الاسلام مع ان المسلمين الاوائل هم الذين كشفوا وطوروا هذه الكشوفات وأخذ اوربا منهم، والمسلمون أصبحوا متأخرين بسبب انهم لم يدرسوا في المدارس علوم الطبيعة. و فى العصور الاخيرة قلت تدريس علوم الطب والهندسة وعلوم الطبيعة والكميا والمتاماتيك والتاريخ والسير حتي وصل هذا النظام إلى درجة أنه في أواخر الدولة العثمانية كانت تدرس في المدارس اللغة العربية وعلوم الفقه فقط. ولا تدرس فيها اللغة التركية والتاريخ والعلوم الطبيعية وحين ما ارادت الدولة ان تضع هذه العلوم في المدارس لم يقبل العلماء تدريس  هذه العلوم في المدارس وفتحت الدولة مدارس جديدة تُدرس فيها العلوم الطبيعية وعارض علماء المدارس القديمة تدريس العلوم الطبيعية ووقعت بينهما مشاجرة ومناقشة وإتهم علماء المدارس أصحابَ المدارس الجديدة بالابتعاد عن الدين  وإتهم وأصحاب المدارس الجديدة اصحابَ المدارس القديمة بالرجعية، ودامت هذه إلى سقوط الدولة العثمانية وبعد ذلك كما تعلمون تغير كل شيء بسبب هذه الاختلافات فى التعليم و التربية.

عصر الدويلات وحروب الصليبية

غزو المغول في البلاد الاسلامية كان كارثة عظيمة قتلت الحضارة الاسلامية فبعد هذا الغزو ما أمكن للمسلمين ان يكسبوا من جديد ما كان عندهم من العلوم والفنون. لذلك نحن نرى في تاريخ المسلمين الانحطاط العلمي والتكنولوجي في ايام الدويلات بالنسبة ما كان موجودا ومحصولا في العصور الماضية في ايام الدولة العباسية.  ونضيف إلى ذلك الحروب الصليبية وخاصة سقوط الاندلس كان ضربة قاتلة على الحضارة الإسلامية.

عصر الدولة العثمانية:

الدولة العثمانية التي عاشت حوالي ستمائة و خمسين سنة  وإتسعت إلى ثلاثة قارات مجاورات الى البحر الابيض وكانت دولة عظيمة ومسيطرة وتقدمت كبيرا في المسائل العلمية والسياسية والادارية والاجتماعية وكانت مثلا عظيما للإنسانية إلى يومنا هذا  فى كثير من مرافق الحياة إلا أننا إذا قسنا بعصور الدولة العباسية بما فيها من التقدم العلمي الفني وبما كان قد حصل في اوروبا انها كانت متأخرة في العلوم المكانيكية تجاه البلاد الاوروبية. فبسبب تأخرها في التكنولوجية انهزمت امام الدول الاوروبية في الحرب العالمية الاولي كما تعلمون وفي نظري ان سبب سقوط الدولة العثمانية كان تأخرُها و تخلفها فى التعليم والتربية لان اكثرية الامة المسلمة خاصة النساء كانوا أميين لايعرفون القراءة والكتابة .

عصر الاستعمار

في عصر الاستعمار نجد بلاد المسلمين انقسموا إلى دويلات مختلفة تحت ادار غير المسلمين منهم من كان تحت ادارة الانجليز ومنهم من كان تحت ادارة فرنسا ومنهم من كان تحت بلجقه وهولاندة. ومنهم من كان تحت إدارة الدولة الروسية فبعد الحرب العالمية الأولى لا توجد دولة مستقلة اسلامية فى العالم غير دولة تركياوايران وافغانستان. وهى الدول الثلاث فقط دولة مستقلة إلا أنها أيضا شيئاً ما تحت سطيرة الدول الغربية ولكن لم يكن هناك طريق آخر يؤدى إلى الإستقلال التام.

العصر الحاضر

في  زماننا نشاهد حقائق مرة  تتجول بين المسلمين وهي حالة المسلمين فان حالة المسلمين مؤسفة جدا بسبب ان هذا الدول التي يصل عددها بالتسجيل في المؤتمر الاسلامي إلى سبعة وخمسين دولة وكلها تابعة لدولة غربية في العلوم والتكنولوجية والاقتصاد والسياسة.

فبعد هذا العرض التاريخي نريد أن نشير إلى شيء مهم جدا في ايضاح اسباب التخلف بين المسلمين وهو انه يجب علينا اولا ان نفرق بين الاسلام والمسلمين: لان الاسلام تحت رعاية الله "إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" لان النظام الاسلامي لا يتغير أبدا أصل الاسلام مكتوب في كتاب الله القرآن وفي سنة رسول الله (ص)،   وسنة رسول الله (ص) عبارة عن الاحاديث النبوية الصحيحة والسير المعتمد وتارخ الاسلام والمسلمين المدلل بوثائق تاريخية. وليس هناك أية قصور و نقصان في الاسلام كشريعة ونظام واما النقصان والقصور في اعمال المسلمين الذين ينتظرون من الله  العليّ القدير النصرةَ للمسلمين وهذه النصرة لا تأتى مادام المسلمون لايطبقون الاسلام الصحيح في حياتهم اليومية ومعنى تطبيق الاسلام الصحيح في الحياة اليومية هو أولا فهم الاسلام فهما صحيحا وجعل الاسلام محبوبا للمسلمين لا منفورا كما قال الرسول (ص)" يسروا ولا تعسروا بشروا ولا تنفروا" ( بخارى علم 11  " ان هذاالدين يسر لن يشاد الدين احد الا غلبه ......" ( بخارى ايكان 29) وكما قال الله تعالي "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"  ( البقرة 185 ) "يريد الله ان يحفف عنكم وخلق الإنسان ضعوفا" (النساء 28)

يجب على المسلمين ان يعرفوا بعض الحقائق التي نقلت إلينا في القرآن والسنة وهي ان الله تعالي لا يفرق بين عباده في المسائل الدنيوية، كما قال الله" وان ليس للانسان الا ما سعى وإن سعيه سوف يرى ثم يجزاه جزاء الاوفى" سورة النجم/ 39-42

فمعنى هذا - في نظري- ربنا يعطي كل انسان جزاء سعيه في الدنيا حسب غيرته ونشاطاته ولم ينظر أهو مؤمن أم لا  لذلك كان رسول الله (ص) سعي وفعل وعمل وتعب لنشر الاسلام وتعميم الاخلاق الحميدة بين الناس وجاهد وحارب ولم يقعد وكان في إمكانه ان يدعو الله تعالي لِيوفِّقَه في نشر الدين من غير جهاد وحرب. ولم يفعل ذلك لماذا؟

لأنه لوفعل ذلك كان مخالفا لسنة الله في الخلق. اذن لا يمكننا ان نصل إلى غايتنا بالدعاء من غير سعي وغيرة فبناء علي ذلك يمكن ان يقال: ان التحلف بين الناس عامة سواء كان مسلما أو غير مسلم يأتى ويتحقق من عدم السعي والغيرة. فاول سعي مهم جدا هو السعي العلمي. لان الإنسان يتميز بعقله فالإنسان لا يملك شيئاً -ولو كان عاقلا- ان لم يجتهد و يملك العلم لان العقل موجود في كل انسان الا انه لا يتقدم الإنسان ان لم يستعمل عقله  لان الإنسان العالم هو الذي يمتاز ويملك التقدم لانه استعمل عقله ووصل به إلى درجات عالية.

وإذا جمعنا كل هذه الاسباب والدواعى والمبررات وفكرنا فيها وحللناها بتحليل جيد وصلنا إلى نتيجة وهي ان المسلمين فى العصور الاولي فهموا الاسلام (يعني العلماء) فهما صحيحا ووصلوا إلى ان الدين لا يمنع من التقدم المادي في الدنيا بل أنه يشجع ويُشوق اعمار الدنيا ولذلك تعلموا كل شيء ولم يكتفوا بالعلوم التي جاء بها الاسلام فقط وترجموا ما كان مفيدا من اليونان القديم ومن الهند القديم وجاهدوا ودرسوا وبحثوا ولم يفرقوا بين الدينية والدنيوية بل حصّلوا كل ما كان مفيدا في الدنيا فمعتمدين علي ذلك تقدموا واشتهروا في كل العلوم مثل ماتاماتيك- وحساب و هندسة-  كمياء ، فيزيك، طب، فلك وجغرفيا وغيرها. وأناروا طريق الحياة للانسانية جميعا.

نظر الغربيين فى المسلمين

أرنست رينان الذي عاش في القرن التاسع عشر ومات سنة 1892 ميلادي كتب رسالة عن المسلمين نقد فيها المسلمين وقال خلاصة : " ان الاسلام ونظامه التعليمي منع المسلمين من التقدم …."

والكاتب الأديب الشاعر الشهير نامق كمال الذي عاش أيضا في القرن التاسع عشر ومات 1888 م كتب ردا علي أرنست رينان بعنوان "رسالة المدافعة ضد أرنست رينان" ودافع ورد عليه وأشار إلى أن النظام الاسلامي ليس عائقا امام المسلمين من التقدم. وكان المسلمون قديما متقدمون من الغرب بعصور طويلة.  الآن المسلمين الذين عاشوا في القرن التاسع عشر اصبحوا متأخرين من الغرب لاسباب كثيرة ….

والمعروف ان أرنست رينان كان شخصا ينقد المسلمين ويهاجم  علي الاسلام والمسلمين. ولكن المهم هنا في نظري ينبغي لنا ان ننظر إلى انفسنا فنصلح ما كان فينا من الاخطاء وسوء الفهم  ومن التأخر والتخلف فلنَنتبه الحقيقةَ المرة وهي حالة المسلمين من ناحية التعليم والتربية، والآن اكثر الاقوام جهالة وامية وبطالة هي الاقوام المسلمة.لاننسى هذا !

إن أحسن جواب لأرنست رينان هو كتاب  ا.د.فؤاد سذكين بعنوان: "العلوم والتكنولوجية في الاسلام"  نَشَر هذا الكتاب باللغة التركية بلديةُ اسطنبول في خمس مجلات سنة 2008 والقارئ يقرأ ويرى في هذا الاثر الكبير المستوى العلمى والفني  والصناعي الذي وصل وأحرز المسلمون من اول ظهور الاسلام إلى العصر التاسع والعاشر الهجرى.

فاننا نعرف ونتعلم من البحوث التى توجد في هذا الأثر العظيم فان التقدم العلمي والفني الموجود الآن فى أوربا كان مأخوذا من المسلمين، ننقل هذه الحقائق عبرة لمن إعتبر واستبصارا لمن استبصر.

المستمعين الكرام !

إننا مسلمين ينقصنا النقد النفسي، فالواجب علينا تفتيش أنفسنا بدقة فإن نظام الله في العالم وخصوصا في الأحياء مرتبطة بقواعد لا تتغير. فان عدد الأفراد العبقريين الموهوبين و الأذكياء محدودة في المجتمعات التي يكونِّها الإنسان الذي يتعايش معا بسبب كونه موجودا إجتماعيا.

و يجب القيام بتعليم و تربية أفراد المجتمع برُمَّتِهم ذكورا كان أو إناثا لاكتشاف الأفراد الموهوبين و متفوقي القدرات الذهنية. وإلا لا يمكن الوصول إلى كشف الأفراد الموهوبين و متفوقي القدرات الذهنية من الشبان. و بسبب عدم كشف هؤلاء العبقريين يتأخر المجتمع في مجال العلم و الفن والتكنولوجية نتيجةَ عدم الاستفادة من هؤلاء الأفراد الموهوبين و متفوقي القدرات الذهنية كما هو الحال اليوم في الدول والمجتمعات الإسلامية.

وللحصول على هؤلاءالاذكياء  يجب علينا أن نهتم بتعليم وتربية أولادنا جميعا ذكورا كان أو إناثا. و لا يتصور نجاح المجتمعات التي لم تتمكن من تعليم وتربية أولادهم جميعا. نشاهد اليوم  التأخر و التخلف فى  الأمم الذين لم ينجحوا في تعليم وتربية مجتمعهم كلهم كافة. ولا شك أن أنشطة التعليم والتربية قد تأخرت في الدول الإسلامية خلال قرني الثامن عشرة والتاسع عشرة والعشرون ومقابل ذلك إزدادت نسبة القراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس في الدول الغربية.

يجب علينا نحن المسلمين أن نبدأ في البحث من اليوم حول موضوع " كيف نجعل أبنائنا و فتاتنا كلهم يقرؤون و يكتبون" . وهناك ضرب مثل هكذا " ترك الخسارة أيان كانت يعتبر ربحا". و ينبغي علينا جميعا أن نُشمر عن ساعد الجد لتحقيق ما يلزم من أجل التعليم و التربية في أقرب وقت. ولا نفكر فيما فات علينا بل نفكر فيما سنحصل عليه في المستقبل.وأريد أن أُلفت إنتباهكم إلى الأمر التالي وهو أن كوننا أغنياء لا يحل مشكلة التعليم والتربية. إذ ان هناك دولا كثيرة وهي غنية و مع ذلك لم يتيسرلهم التوصل إلى الهدف المطلوب من ناحية التعليم والتربية. فيما أذكر وكان قبل  خمس عشرة سنة و كما كنت قد قرأت الدراسة المنشورة في موسوعة أَلمنق. وكما ذُكر هناك كان يبلغ مجموع استثمار الدول الغنية بالنفط إلى أربعمائة (400) مليار دولار.

وكان كل هذه الاستثمار مقدما للدول الأجنبية (الغربية). وأغلب العمال الذين عملوا في هذه الاستثمارات كانوا أجانب و الأغرب من هذا هو أنه لم يشارك أحد من المهندسين أو الفنيين من هذه الدول القائمة باستثمارات الكبيرة في هذه المشروعات. لماذا؟ السبب يعود إلى أن عدد الناس المؤهلين كانوا قلة في تلك الدول وهذا ناجم عن قلة فرص التعليم والتربية هناك. 

وأريد هنا أيضا أن أذكّرالمسلمين بهذه الآية الكريمة: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (سورة الزمر:9). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة ) رواه ابن ماجه في المقدمة. نحاول أن نطبق هذه الأوامر. و أنا هنا أنادي خصوصا علماء المسلمين و المشايخ الذين يشكون و يترددون فى تربية و تعليم البنات و في اشتغال المرأة فى مرافق الحياة مع الرجل متساوين فى العمل و الاجرة.

المستمعين الكرام!

 الماضي مضى و اصبح ورائنا وتعالوا ننظر إلى المستقبل و نبحث عن طرق رفع مستوى تعليم و تربية المسلمين في القرن الحادي والعشرين. يجب أن يكون هدفنا هو أن يَمر جميعُ أفراد المجتمع ذكورا كان أو إناثا بمراحل التعليم و التربية. وإلا لن نتمكن من كشف المواهب و القدرات الذهنية التي يهبها الله لمجتمعاتنا بقدر محدود وبناء على ذلك نتخلف في منافسة العلم التكنولوجيا و الفن و التجارة.

وجهة نظري هو اننى أرى أن سبب تخلف مجتمعات المسلمين هو الجهل والامية والبطالة. إذ لا فرق من ناحية العلم والمعلومات و المعرفة و الأخلاق بين البهائم والإنسان الذي لم يستفد من التعليم والتربية لان الفرق الفاصل بين الإنسان والحيوانات هو التعليم والتربية ونشاهد هذه السلوكات في المجتمعات الإنسانية المتخلفة. ثم المهم جدا هو  ان المجتمعات كجماعة و افراد لايستطيع ان يعمل شيئا ان لم يوجد مَن يُوجه و يُدير و يرشد الناس كما يقال :" الف عامل واحد مدير أو رئيس "  وإستنادا على هذا أن الذي يسمو بالإنسان و يُكشف الأفراد الموهوبين ومتفوقى القدرات الذهنية هو التعليم والتربية. ويعتبر الانبياء عليهم السلام أول معلم للبشرية كما ذكرنا سابقا فى هذا البحث.و يمكن تطبيق التعليم والتربية شفويا كما هو في بعض الأقوام القديمة. فالإنسان بمعنى الكلمة لا يكون إنسانا بدون التربية و التعليم لانه يحتاج دائما إلى التعليم والتربية في كل حين كما قيل :  العلم من المهد الى اللحد  وكما نحتاج إلى تصفية تراب كثير للحصول على الذهب الموجود فيه و كذلك نحن بحاجة إلى تعليم الأطفال الذين هم في مرحلة التعليم والتربية إلى مستوى أقصاه المرحلة الثانوية على الاقل حتى يَُكتشف الأفراد الموهوبون ومتفوقو القدرات الذهنية في المجتمعات. وبناء عليه يكتشف الافراد الأذكياء من الطلاب الذين استمروا في التعليم إلى هذه المرحلة و يقطعون أشواطا في سبيل العلم. ولكن اليوم في الدول الإسلامية بعض الأطفال الذين هم في سن المدرسة لا يستطيعون الإلتحاق بالمدارس بسبب عدم وجود الامكانيات. . نحن دائما نقول و نكرر " إن أفضل الاستثمار هو ما جُعل للإنسان"والاستثمارللإنسان هوتعليمه وتربيته.

وهناك مسألة لا يجوز التغافل عنه وهي كيف وصلنا إلى هذه الحالة التي انحططنا إليه مع أن أول أمر فى كتابنا القرأن الكريم يبدأ  بكلمة "إقرأ". فيجب أن نكون أكثر حذرا. لا يمكن أن يستمر الحال هكذا. كما تلاحظون اليوم أن العالم ينقسم إلى الكتل.

ها أنتم ترون هناك الولايات المتحدة الأمريكة و الإتحاد الأوربي و الإتحاد الروسي من جانب، الصين و الهند واليابان على جانب آخر و أما المسلمون في حالة ضيق بين هؤلاء الدول. فلنفكر كيف يكون وضعنا في المستقبل. أنا أرى سبيل الحل هو التعليم و التربية والدموقراطية الحقيقية. و ليس النجاح و الوصول الى النتبجة فى التفريق بين الرجل و المرأة و انما النجاح فى الحياة هو فى تعليم و تربية المرأة مع الرجال و اعطاء المرأة حق العمل فى المجتمع كما كان فى عهد الرسول (ص)  لانه فعل هذا و أمر به كما تعلمون جيدا. ان االرسول(ص) أجاز للمرأة ان تعمل طبيبا و تاجرا و أمرهن ان يحضرن فى صلاة الجمعة والاعياد و اشترك المرأء فى الحروب و الاسفار وأخذ الرسول(ص) البيعة من النساء.

نحن اليوم على قيد الحياة ولكن غدا لن نكون موجودين. نُعد أجيالنا جيدا

ولكن بعد القرن الثامن والتاسع الهجري تقريبا شيئا وشيئا بدء الكسل والتأخر في العلوم الدنيوية بين المسلمين فمقابل ذلك بدأ التقدم العلمي في العلوم الدنيوية في الغرب ومنع العلماء دخول بعض الحركات الجديدة مثل المطبعة وغير ذلك.

مع إن الرسول قال:"الحكمة ضالة المؤمن أين وجدها اخذها، اطلب العلم ولو كان في الصين" وهناك احاديث كثيرة  تشجّع المسلمين في تحصيل العلم وتدريسه اذن ماذا حصل بعد الثامن الهجري بين المسلمين؟  إذ أنهم تجنبوا وتسهلوا في تعليم وتدريس العلوم الدنيوة واصبحوا محكومين تحت ادارة غير المسلمين وهنانتذكر حديث القصعة قال رسول الله (ص): "يوشك الأمم أن تداعي عليكم كما تداعي الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ، قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله عن صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن، قال: حب الدنيا وكراهية الموت (رواه ابو داوود في كتاب ملاحم رقم الحديث  4297 )

فبأي سبب أوداع أو مبرر وصلت حالة المسلمين إلى هذه الدرجة ؟ فالجواب إلى هذا السؤال هو التأخر البارز في التعليم والتربية وعدم تعميم المعارف والمهن والتفريق بين الرجل والمرأة في التعليم والتربية وقصر دول المسلمين في السعي في تعميم التعليم والتربية بين الذكور والاناث متساويا .

يا اخواني! ينبغي عليناان ننقد انفسنا نقدا ذاتيا الآن نجد الامية والجهالة والبطالة شاملة  في بلاد المسلمين. اكثرية الشعب في بعض بلاد المسلمين لا يعرف القرائة والكتابة. وهل يجوز ويناسب لمجتمع يؤمن بالقرآن وهو يبدأ بكلمة اقرأ هذه الامية والجهالة والبطالة ثم ان الاسلام دين المتعلمين والقرآن والسنة دائما شجع المسلمين إلى التعليم والتعلم والمعرفة.

قال الله تعالي في القرآن:

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لَا يَعْلَمُونَ اِنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُولُوا الْاَلْبَابِ) زمر/9.

(إنما يخش الله من عباده العلماء....) فاطر/28.

وفي الحديث قال الرسول (ص): رأس الحكمة مخافة الله.

فإن الله تعالى لا يُؤيّد عبده المسلم ان لم يكن هو يسعى لأن يكون عبدا يعمل حسب شريعة الله تعالى وشريعة الله تأمر العبد ان يعمل لدنياه ودينه سواء والدنيا مقدم على الدين وان لم يُعمّر العبد اولا دنياه ولا يمكن له ان يعمر آخرته.

 لأن وظيفة العبد قبل كل شيئ ان يعمل ويكسب ما يحتاج إليه من الرزق ويجب عليه ان يعمل ويكسب رزقا حلالا لأن احكام مسائل الشريعة تعتمد علي العمل كما قال رسول الله (ص): "الدين معاملة ثلاث مرات" وجاء في القرآن "ولا تنسى نصيبك من الدنيا..." فمثلا ان شخصا يشتغل بالعبادة ولا يرتكب اى حرام ولكن  هذا الشخص يأكل ويشرب من كسب الآخرين مع القدرة  علي العمل فلا يُقبل اذن عبادته عند الله بسبب ان قبول عبادة العبد يعتمد علي الرزق الحلال والرزق الحلال هو ما كسبه الشخص بعمله الذاتي ولذلك كان من ضروريات احكام الشريعة ان يعمل العبد ويسعى أولًا لكسب ما يحتاج اليه في الحياة الدنيا ثم يعبد الله تعالي. لان الله تعالي خلق الإنسان اولا ثم ارسل الرسل فوظيفة الإنسان اولا السعى لكسب رزقه ثم يعبد الله تعالي

هذا الفهم وهذا الاعتقاد هو اساس الدين-  اى الدين الاسلامي-

وخلاصة القول: يجب علي المسلم العمل لاعمار الدنيا ثم العبادة لخالقه

المراد من العلم هو التعلم والمعرفة بامور الدنيا اولا ثم بامور الدين ثم العمل والسعى حسب تعاليم الدين. والمسلمون في الاوائل فهموا هذه الحقيقة وطبقوا تعاليم الاسلام ووصلوا إلى درجات عالية دنيوية كانت أو أخروية هم وصلوا إلى القمة في كل العلوم والفنون و اعمروا الدنيا لان الدنيا مزرعة الآخرة.

ما هي مشاكل المسلمين في عصر الحاضر؟

 مشاكل المسلمين في العصر الحاضر هي الأمية والجهالة والبطالة وهي التي جعلت المجتمعات المسلمة متأخرة ومتخلفة في مجال التعليم والتربية ومجال العلوم الاجتماعية والسياسية والحقوقية والاقتصادية وفي مجال العلوم التكنولوجية والفنون الجميلة والعلوم الطبية وغيرها من المعارف الإنسانية والحيوانية.

إذا نظرنا إلى الأقوام المتقدمة في بلاد الغرب نجد انهم نجحوا اولا في تعليم اولادهم ذكورا كان أو اناثا إلى الدرجة المتوسطة. والذين عندهم زكاء قوى يتبارزون في هذه المرحلة و يذهبون إلى الجامعات ويتخرجون منها  وينفعوا لاقوامهم وللانسانية باختراعاتهم الفنية والميكانيكية وهؤلاء الأذكياء يخترعون وسائل جديدة تُسهِّل الحياة اليومية للانسانية.

اما اذا نظرنا إلى بلاد المسلمين وجدنا الامية  والجهالة والبطالة منتشرة جدا وهذه الحالة والوضع في نظرى هي الاسباب والدواعي للتخلف. والطريق الصحيح هو تعليم وتربية اولادنا ذكراً كان أو اناثا لكي نملك اصحاب العقول القوية والقدرات الذهنية من الشباب كما فعل اجدادنا قبل العصر الثامن الهجري وكما فعل اهل الغرب في العصور الأخيرة وكما يقال في المثل "وللعقل طريق واحد" ولا مانع من أخذ العلوم والمعارف من الغرب كما جاء في الحديث "الحكمة ضالة المؤمن اين وجدها أخذها"

ننقل هذه الحقائق المرة عبرة لمن اعتبر ودرساً لمن تدرس.