مقاصد الشريعة الاسلامية وخصائص الاسلام العامة

مقاصد الشريعة الاسلامية وخصائص الاسلام العامة

مقاصد الشريعة الاسلامية
وخصائص الاسلام العامة

  

المستشار توفيق على وهبه
رئيس المركز العربي للدراسات والبحوث
وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
وعضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية

  

الفصل الأول: مقاصد الشريعة
 يتعرض الإسلام لحملات تشكيك وتشويه شديدة من أعدائه المتربصين به في الخارج ومن بعض المنتسبين اليه الخارجين عن إجماع أمتهم في الداخل يعملون على توهين العقيدة في أنفس أبنائه ومحاولة إبعادهم عن أحكامه وتشريعاته وتخويف غير المسلمين منه لإبعادهم عنه ومنعهم من إعتناقه ويعملون على تكوين جبهة شديدة العداء للإسلام والمسلمين
 والذين يعملون ضد الإسلام سواء في الداخل أو في الخارج بعيدون عن الفهم الحقيقي لتعاليم الإسلام، وبعيدون عن إدارك المقاصد الحقيقية للشريعة الإسلامية وخصائصها العامة.
 لقد جاء الاسلام ليحكم حياةالبشر دينا ودنيا فرسم طريق النجاة للإ نسان في دنياه وآخرته.ووضع من النظم والأحكام ما يحقق ذلك, ولذلك كانت من مقاصد الشريعة المحافظه على كل ما يحقق للإ نسان حياة سعيدة في دنياه وما يوجهه الى طريق النجاة في الآخرة فيحقق ما خلقه الله من أجله وهو عبادة الله سبحا نه وتعالى وعمارة الأرض.
قال تعالى (وما خلقت الجن و الإنس الاليعبدون) ([1] )
 ومن هنا تأتي ضرورة التوضيح لحقائق الإسلام والتعريف بقيمه وتعاليمه والكشف عن مقاصد الشريعة الإسلامية وما ترمي اليه من خير للبشرية جمعاء([2]) لذلك يجب أن يتحد أبناء الأمة بكافة مذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم للوقوف صفا واحدا في مواجهة أعدائهم مما يجعل التقريب بين المذاهب الإسلامية ضرورة واجبة لحماية دينهم ومعتقداتهم من غزو أعدائهم الثقافي والفكري والعسكري لتصبح أمة الإسلام خير أمة كما وصفها ربنا سبحانه وتعالى بقوله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)([3]) ومن الأمر بالمعروف الدعوة الى التقريب بين المذاهب الإسلامية ومن النهي عن المنكر الدعوة الى نبذ التشدد والتعصب المذهبي والعنف العرقي والطائفي  لذلك أصبح من الواجب علينا بل في هذه الأوقا ت العصيبة كاد أن يكون فرضا علينا مواجهة هذه الحملات بأن نبين لهؤلاء وأولائك مقاصد الشريعة وخصائص الإسلام العامة حتي لايكون هناك ذريعة لأحد من الأعداء لتبرير عدائهم أو تحقيق أهدافهم وتكاليف الشريعة - كما يقول الشاطبي – ترجع الى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو أن تكون ثلاثة أقسام: أحدها أن تكون ضرورية، والثاني أن تكون حاجية والثالث أن تكون تحسينية.
- فأما الضرورية فمعناها أنها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث اذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرى فوت النجاة والنعيم والعودة بالخسران المبين، ومجموع الضرورات الخمسة هي حفظ النفس،حفظ الدين، حفظ النسل،حفظ المال، حفظ العقل وقد قالوا انها مراعاة في كل ملة فلا تخص المسلم دون غيره لأن هذه الضرورات تخص كل إنسان من حيث كونه إنسانا وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر اليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب الى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة.
- وأما التحسينيات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق ([4])
 ولذلك كانت أهم الضرورات التى قصدت الشريعة المحافظه عليها هى:
- حفظ النفس
- حفظ الدين
- حفظ النسل والعرض
- حفظ المال
- حفظ العقل
 ولذلك تؤكد الشريعه الاسلاميه على ما يضمن تحقيق هذه المقاصد التى تعد ضرورات حقيقيه للعباد والتى ترمى الى جلب المصالح ودرء المفاسد لأن هذه الدنيا التى نعيش فيها تقوم على هذه المصالح الخمس, ولاتقوم الحياة الانسانية الرفيعه إلابها.
 ومن هنا كان تكريم الإنسان في المحافظه عليها فمثلا الدين لابد منه للإ نسان الذى تسمو معانيه الإنسانيه لأن التدين خاصه من خواص الإنسان, ولابد أن يسلم له دينه من كل اعتداء، وقد خص الإسلام بأحكام حرية التدين فقال تعالى (لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى ( [5]) ونهى عن الفتنه في الدين واعتبر الفتنه فيه آثم من القتل، فقال تعالى ( والفتنه أشد من القتل ( [6])حسب ما سنبين ذلك في ثنايا البحث.
 وإنه كان من أجل المحافظه على هذه الضروريات وحماية وتخصيص النفس يالمعانى الدينيه شرعت العبادات كلها.تزكيه للنفس وتنميه روح التدين([7]) كما شرعت العبادات والمعاملات الضرورية جميعا.
 ولذلك شرع الاسلام من الأحكام والتكاليف مايحمى هذه المصالح التى تيلغ الحاجة اليها مبلغ الضرورة, ولا تقوم حياة الإنسان بدونها.وهي لاتخص انسانا دون انسان بل هي تخص الانسانية جمعاء  وحياة الأنسان في هذه الدنيا تقوم على هذه الأمور الخمسة التى تعد ضروريات لازمه للإ نسان من حيث هو إنسان, كما تعد أصولاً راسخه لحقوق الإنسان العامة التى ينادى بها المجتمع الإنسانى في العصر الحديث والتى لاتقوم الحياة الإ نسانيه الى بها ([8]).
 جاءت الشرائع السماوية للمحافظة عليها كما أن الشرائع الوضعيه تحاول أن تحققها ([9]).
 ولقد عرف الامام الشاطبى هذه الضروريات - كما سبق أن ذكرنا - بقوله:
 إنها تعنى مالابد منه في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة. بل على فساد وتهارج وفوت حياة. وفى الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.([10])
 وبين الامام الغزالى رحمه الله أهمية حفظ هذه المصالح فيقول في المستصفى:
 إن جلب المنفعة ورفع المضارمقاصد الحق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم لكننا نعنى بالمصلحه المحافظة على مقصود الشرع,ومقصود الشرع من الخلق خمسة:هو ما يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم وما لهم, فكل ما يضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة, وكل مايفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهى أقوى المراتب في المصالح.
 وفى نفس الغرض يقول الامام الشاطبى في كتابه الموافقات:
إن أحكام الشريعة ما شرعت إلا لمصالح الناس وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله ([11])
 ويقول ابن القيم في الطريق الحكمية:
 فإذا ظهرت إمارات العدل وأسفر وجهه بأى طريقة كان فثم شرع الله ودينه([12])
وهكذا يبين لنا أن الهدف من المقاصد الشرعية هو حماية مصالح الناس الدينية والدنيوية 000
 والمقاصد تعكس فلسفة الاسلام وتعبر عن رؤيته في الدين والدنيا وانها لاتنفصل عن مصالح الناس وهى تقنين لأوضاع ضرورية لاغنى للجماعة عنها في نطاق الالتزام بالثوابت وقطعيات النصوص وتحقيق المصالح العامة للدين والوطن والأمة فهى بحق بنا ء حضارى مبدع ([13]) والأمة الاسلاميه في حاجة الى احياء الفكر المقاصدى لان إحياءه بعث لرسالة الاسلام في الكون والوجود خاصة في هذا العصر الذى تحاول أمه الاسلام فيه اللحاق بركب التطور والاسهام في بناء الحضارة الانسانية الفاعلة.
هذا وسوف نركز فيمايلى على الضروريات الخمس التى تعتبر المقاصد الأساسية في الشريعة الاسلامية وهي:
1-حفظ النفس
2- حفظ الدين
3- حفظ النسل والعرض
4- حفظ المال
5- حفظ العقل
 أولا: حفظ النفس
 يعمل الإسلام على حفظ النفس الإنسانية فهى أساس الحياة ومن مجموع هذه الأنفس يتكون المجتمع وتسير دفة الحياة، لذلك حرم الإعتداء عليها سواء بالقتل أو الاتلاف كالضرب أو غير ذلك.
حياة الإنسان مصونة في شريعة الإسلام
كفل الإسلام حق الحياة للناس جميعا إذ لا يجوز الاعتداء على النفس التى حرم الله إلا بالحق وقيد حق الدولة في القتل بعدة قيود حتى يأمن كل فرد على حياته ليعيش مستقرا سعيدا،فالحياة منحة من الله عز وجل منحها للإنسان كما منحها سائر المخلوقات فلا يجوز المساس بها أو الأعتداء عليها ([14])
 يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)([15])
 قال المراغى رحمة الله في تفسير هاتين الآيتين: 
( ولاتقتلوا أنفسكم ) أى لايقتل بعضكم بعضا. وعبر بذلك للمبالغة في الزجر وللإشعار بتعاون الأمة وتكافلها ووحدتها وقد جاء في الحديث ( المؤمنون كالنفس الواحدة ) ولأن قتل الإنسان لنفس يفضى إلى قتله قصاصا أو ثأرا فكأنه قتل نفسه، وبهذا علمنا القرآن الكريم أن جناية الإنسان على غيره جناية على نفسه وجناية على البشر جميعا، لا على المتصلين به برابطة الدين أو الجنس أو السياسة فقط كما قال تعالى(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) ([16])كما أنه أرشدنا باحترام نفوس الناس كنفوسنا لأن ذلك يؤدى إلى احترامنا نفوسنا.
 فلا يباح بحال أن يقتل أحد نفسه ليستريح من الغم أو شقاء الحياة. مهما أشتدت المصائب بالمؤمن فعليه أن يصبر ويحتسب ولا ييأس من الفرج الإلهى ومن ثم لايكثر بخع النفس ( الانتحار ) إلا حيث يقل الايمان ويفشو الكفر والالحاد.
 ( إن الله كان بكم رحيما ) أى أنه ينهاكم عن أكل الأموال بالباطل وعن قتلكم أنفسكم. كان رحيما بكم إذ حفظ دماءكم وأموالكم وعلمكم أن تتراحموا وتتوادوا ويكون كل منكم عونا للآخر يحافظ على ماله ويدافع عن نفسه.
 ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصلية نارا )
العدوان هو التعدى على الحق وهو يتعلق بالقصد بأن يتعمد الفاعل وهو عالم أنه قد تعدى الحق وجاوزه الباطل.
 و(الظلم) يتعلق بالفعل نفسه بألا يتحرى الفاعل عمل مايحل فيفعل ما لا يحل والوعيد مقرون بالأمرين معا ([17]).
 وكما لايحق للأفراد الاعتداء على حياة بعضهم فإنه لايحق – كذلك – للدولة الاعتداء على حياة الناس إلا بالحق وفى الحدود التى تقرها الشريعة كالقصاص وتنفيذ العقوبات يقول الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)([18])
النهى عن قتل النفس:
 ويحرم الاسلام قتل الانسان نفسه ليتخلص منها لأنها ليست ملكا له يتصرف فيها كما يشاء بل هى ملك لخالقها سبحانه وتعالى وهى وديعة لدى الانسان عليه أن يحافظ عليها ولا يجوز له التفريط فيها يقول الله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم )([19]) ويقول جل شأنه ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ([20])فكل انسان حريص على نفسه بصير بها، مسئوول عما يصيبها من أذى باهماله أو بتعمده إذ المفروض عليه أن يبذل قصارى جهده في المحافظة على حياته والدفاع عنها من أى أعتداء عليها.
 عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال ( احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فاشفقت أن اغتسلت أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابى صلاة الصبح فلما قدمنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكروا له ذلك فقال ياعمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فقلت: ذكرت قوله تعالى ( ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )([21]) فتيممت ثم صليت فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يقل شيئا ([22]).
 وهكذا كان يفهم أسلافنا رضوان الله عليهم دينهم ويحافظون على أرواحهم التى استودعهم الله اياها
 وفى الصحيحين من حديث جندب بن عبد الله قال:
 قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فجز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله عز وجل ( بادرنى عبدى بنفسه حرمت عليه الجنة) "
وكما قلنا: إن الإنسان مكلف بالدفاع عن نفسه ودرء كل اعتداء عليها يقول الله سبحانه وتعالى:( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)([23])
 ويقول سبحانه: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) ([24])
 ومعنى هذا ان دفع الاعتداء والاقتصاص منه مأذون فيه في الأشهر الحرم كما هو في غيرها ولقد استدل الشافعى بالآية الأولى على وجوب قتل القاتل بمثل ماقتل به فيذبح إذا ذبح، ويخنق إذا خنق، ويغرق إذا أغرق وهكذا.
 وفى الآية الثانية أن كل جناية على النفس أو المال تقابل بمثلها حتى يرتدع الظالمون المعتدون.
 ولقد حبب الاسلام في العفو وندب اليه فمن حق ولى الدم أن يقتص أو يعفو دون ضغط عليه أو إكراه بل بمحض إرادته وحرية فكره ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ).([25])
 وفى حديث سويد بن مقرن رضى الله عنه يتبين لنا مشروعية الدفاع عن النفس ووجوبه على المؤمن حيث يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):( من قتل دون مظلمة فهو شهيد ) ([26])وعن سعيد بن زيد رضى الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ).([27])
 وهكذا يشدد الاسلام في وجوب المحافظة على حياة الإنسان لذلك يجب العناية بالصحه العامة ودفع الأمراض ومكافحة الأوبئة حتى يمكن المحافظة على الصحة ووقاية الإنسان من الأمراض التى قد تفتك به وتودى بحياته.
 وواجب كل فرد، بل وواجب المجتمع كله أن يحافظ على النفس التى حرم الله إلا بالحق وأن يكرمها كما كرمها الله سبحانه وتعالى، وأن يقيم العدل الذى أمر الله به بتطبيق شرعه والسير على منهاجه والعمل بكتابه وهدى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
 ثانيا: حفظ الدين
 ومن مقاصد الشريعة حفظ الدين بإ قامة أحكامه وأداء فرائضه وتحليل ما أحل والانتهاء عما نهي عنه وحرم ومن أعظم ما حرمه الإسلام هو تحريم الردة، وهو ما قصده الأصوليون في هذا المقام، والردة هي عودة الشخص المسلم إلى الكفر بعد اعتناقه دين الإسلام ولقد حرمت الشريعة الرجوع عن الإسلام والعودة إلى الكفر تحريما قاطعا، والنصوص الواردة في تحريمها كثيرة منها:
أولا: القرآن الكريم:
 أ- بقول الله سبحانه وتعالى:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)( [28])
ب – ويقول جل علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)([29]).
ج- ويقول تباركت كلماته ( من كفر بالله من بعده إيمنه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم([30]).

ثانيا: من السنة الشريفة:
 يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من بدل دينه فأقتلوه )([31]) ويقول ( لايحل دم أمرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس )([32])
ولجريمة الردة أركان ثلاثة:
1 – ارتداد الشخص عن دين الإسلام وترك التصديق به والرجوع عنه، ويكون ذلك بأحد طرق أربعة: بالفعل أو بالامتناع عن فعل، أو بالقول، أو بالاعتقاد
 أما الفعل فهو: أن يأتي المرتد أمرا يحرمه الإسلام كالسجود للصنم أو الشمس أو القمر أو الحيوان أو غير ذلك مما يخالف عقيدة الإسلام أو إلقاء المصحف أو كتب الحديث ووطأها استهزاء بها وإنكارا لما فيها واستخلالا لما يحرمه الله.
 أما الامتناع عن فعل فيكون بترك ما أمر الإسلام به، كتارك الصلاة مع جحوده لها، أو مانع الزكاة أو تارك الصوم،أو الحج، المنكر إياه، أو الامتناع عن كل ما أوجبته الشريعه الإسلامية وأجمع الفقهاء على وجوبه.
 ويكون القول بصدور ما يفيد جحود الربوبية وإنكار وجود الله أو جعله لله شركاء بأن يدعى أن له صاحبة أو ولدا،أو يدعى النبوة أو ينكر الملائكة أو البعث والحساب أو القرآن.
 أما الاعتقاد الذي يؤدى بالإنسان الى الارتداد عن دين الإسلام فيكون باعتناق ما يخالف الإسلام كالاعتقاد بألوهية غير الله أو تكذيب رسالة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
2- أن يكون المرتد مسلما بالغا عاقلا غير مكره على الردة لقوله سبحانه جل وعلا:( مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ([33])
3- القصد: بأن يكون المرتد قاصدا ترك الدين الإسلامي والعودة إلى الكفر أو النطق عمدا بالقول الكفري أو اعتناق دين آخر مع علمه أن الردة عن الإسلام محرمة وهى معلومة من الإسلام بالضرورة لأن من يعتنق الإسلام لا يحل له أن يتركه إلى غيره.
 عقوبة المرتد
 يرى جمهور الفقهاء أن المرتد يحبس ثلاثة أيام يستتاب فيها فإن تاب أخلى سبيله وإن تمسك بردته قتل لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ( من بدل دينه فاقتلوه ) ([34])
 ويرى بعض الفقهاء أن على المرتد أن يتوب في الحال حتى لاينفذ فيه الحد، ولكن رأى الجمهور هو الراجح، اذا الواجب حبسه ثلاثة أيام يستتاب فيها وإلا ضرب عنقه.
 ويذهب البعض إلى عدم قبول توبة الذين عرفوا بالزندقة لأن انحراف فكرهم ونفوسهم واستهتارهم وتوهين الدين لايجعل لاحتمال الصدق في توبتهم موضعا لأنه لا يدعو الى توهين العقيدة إلا من كان قلبه غير مطمئن بالايمان فإن نطقوا بكلمات التوبه إنما يكون ذلك فرارا من العقوبة ليس إلا.
 يقول الإمام القرطبى في معرض تفسيره للآية الكريمة: ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خلدون )
 يقول رضى الله عنه " قالت طائفه: يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قتل. وقال بعضهم: ساعة واحدة وقال آخرون: يستتاب شهرا، وقال أخرون: يستتاب ثلاثا على ماروى عن عمر وعثمان، وهو قول مالك رواه عنه ابن القاسم، وقال الحسن: يستتاب مائة مرة، وقد روى عنه أنه يقتل دون استتابه،وبه قال الشافعى في أحد قوليه,وهو أحد قولى طاووس وعبيد ابن عمير..
 ثم يقول وذكر أبو يوسف عن أبى حنيفه أن المرتد يعرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا قتل مكانه إلا أن يطلب التأجيل، فإن طلب ذلك أجل ثلاثة أيام، والمشهور عنه وعن أصحابه أن المرتد لا يقتل حتى يستتاب ".
العقوبة التبعية:
 هناك نوعان من العقوبات التبعية توقع على المرتد إذا حكم بقتله:
أولهما: مصادرة أمواله:
 ولقد أختلفت العلماء في أموال المرتد، فقال على بن أبى طالب رضى الله عنه والحسن، والشعبى، والحكم، والليث وأبو حنيفه، وإسحاق بن راهويه:
 ميراث المرتد لورثته من المسلمين، وقال مالك وربيعة وابن أبى ليلى و الشافعى وأبو ثور: ميراثه في بيت المال، وقال ابن شبرمة وأبو يوسف ومحمد والأوزاعى في إحدى الروايتين: ما اكتسبه المرتد بعد الردة فهو لورثته المسلمين وقال أ بو حنيفة مااكتسبه المرتد في حال الردة فهو فىء، وماكان مكتسبا في حالة الإسلام ثم ارتد يرثه ورثته المسلمون، وأما ابن شبرمة وأبو يوسف ومحمد فلا يفصلون بين الأمرين، ومطلق قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا وراثه بين أهل ملتين ) يدل على بطلان قولهم وأجمعوا على أن ورثته من الكفار لا يرثونه، سوى عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) فإنه قال: يرثونه([35]).
ثانيهما: نقص أهليته للتصرف:
 يرى جمهور الفقهاء وقف تصرفات المرتد في أمواله لتعليق حق الغير بها، فإذا أسلم نفذت، وإذا قتل كانت تصرفاته باطلة.
 ويرى البعض أن تصرفات المرتد باطله بطلانا مطلقا لصدورها من غير مالك.
والراجح هو رأى الجمهور، وهو وقف التصرف فإذا أسلم نفذ وإذا مات على ردته أصبح تصرفا باطلا.
العقوبة البديلة:
ينفذ على المرتد عقوبة بديلة في حالتين:-
أ – إذا سقطت العقوبة بتوبة المرتد فللقاضى أن يوقع عليه عقوبة تعزيرية مناسبة أو يعفو عنه على حسب مايراه من ظروف القضية.
ب – إذا سقطت العقوبة للشبهه يحبس المرتد حتى يعود الى الإسلام.


هل تقتل المرأة المرتدة؟
 أختلف الفقهاء في قتل المرأة المرتدة فيرى مالك والأوزاعى والشافعى والليث أن تقتل مثل الرجل سواء بسواء، وحجتهم ظاهر الحديث (( من بدل دينه فاقتلوه )) ( ومن ) تصلح للذكر والأنثى، كما يحتجون بحديث النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) (( لايحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد ايمان.. الخ )) فعم كل من كفر بعد إيمانه رجالا كانوا أو نساء.
 وقال الثورى وأبو حنيفة وأصحابه: لاتقتل المرتدة وهو قول ابن شبرمة واليه ذهب ابن علية،وهو قول عطاء والحسن، واحتجوا بأن ابن عباس لم يقتل المرتدة، ومن روى حديثا كان أعلم بتأويله،وروى عن الإمام على مثله.
 كما احتج أصحاب الرأي الأول بأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أمر برجم الغامدية التى زنت، وهذا يدل دلاله واضحه وصريحه أنه لافرق بين الرجال والنساء في إقامة الحد وكان نهى النبى عن قتل النساء والصبيان في الحرب لآنهم لايستطعون الدفاع عن أنفسهم لضعفهم، ولم ينه عليه الصلاة والسلام عن قتل النساء في الحدود أو في القصاص، وإلا أصبح المجتمع فوضى فكل مايريد إرتكاب جرم والفرار من العقاب يدفع امراة لارتكابه، وهو يعلم أنها لن تقتل إذا كانت العقوبة القتل وليس ذلك من العدالة في شىء. لذلك أقتضت شريعة الله أن يكون العقاب واحدا للرجال والنساء إذا أجرموا نكالا لهم على ما أقترفت أيديهم وزجرا لغيرهم وردعا.
محاربة الافكار المنحرفة
ومن المحافظة على الدين محاربة الأفكار المنحرفة التى تهاجم الإسلام أو تدعو إلى توهين العقيدة في أنفس الناس فالاسلام لايحجر على حرية الفكر ولكن يمنع الأفكار المنحرفة.
  الدعوة الى حرية الفكر وتحريم الرأى المنحرف
أ – حرية الفكر:
 لقد أطلق الاسلام حرية الفكر، ولم يحجر على آراء الناس، بل أباح لهم ابداء آرائهم عن أى شىء شاءوا وعلى هذا المبدأ سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء الراشدون من بعده، كما أن هذا المبدأ – حرية الفكر كان منفذا في بعض عصر بنى أمية وصدر عصر بنى العباس حتى أن الناس كانوا لا يمتنعون عن ابداء رأيهم في أحقية بنى العباس في الخلافة أمام الخليفة نفسة وذلك في عهد عمر بن عبد العزيز والمأمون بن هارون الرشيد وغيرهما ([36]).
 ويدخل في ذلك أيضا حرية التفكير العلمى فلكل فرد الحق في تقرير مايراه بخصوص الظواهر الفلكية والجغرافية والطبيعية وغيرها ولم يقف الإسلام في طريق التفكير العلمى، ولكنه استحث العلماء والمفكرين على النظر في ظواهر الكون وحفزهم على التأمل فيما خلق الله يقول الله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ).([37])
ويقول (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ {يس/36} وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {يس/37} وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {يس/38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {يس/39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ([38])
 وغير ذلك من الآيات الكثيرة التى تدعو الى البحث والتفكير والتأمل في ملكوت الله ومخلوقاته حيث أن البحث في هذه الظواهر والمخلوقات يؤدى حتما الى التوصل الى وجود الله والاعتقاد في ذلك اعتقادا تاما على الأسس والنظريات العلمية وذلك مايدعو اليه الاسلام ويحبب فيه.
 وبناء على ذلك قامت المدارس الفقهية كمدرسة الامام جعفر الصادق (رضي الله عنه) بالمدينة المنورة،وأبى حنيفة في العراق والشافعى في العراق ومصر وأحمد ومالك في المدينة،ومن تبعهم,وغيرهم من مذاهب ومدارس الاسلام كالظاهرية والاباضية والزيدية ([39]).
 ولكن قد ينحرف الرأى عن الطريق المستقيم ويكون جريمة يعاقب عليها الاسلام.
ب – تحريم الرأى المنحرف
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ([40]).
لقد ظهرت في العالم العربى هذه الأيام ظاهرة ملفتة للنظر وهى الهجوم على الاسلام أو الدعوة الى توهين العقيدة الإسلامية، والغريب في هذا الأمر أن يقوم به مواطنون من داخل دول الإسلام نفسها، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ينادون بدعاوى باطلة، وأمور مبتدعه ينقلونها عن بعض المستشرقين والحاقدين على الاسلام ورسوله الأعظم صلى الله عليه وأله وسلم بقصد إضعاف الاسلام والتشكيك فيه..
 ولكن مهما حاول هؤولاء وأولئك فلن يستطيعوا أن ينالوا من الاسلام شيئا وسيبقى الاسلام دائما قاهرا منتصرا، وسوف تموت هذه الدعوات الخبيثة، ويموت أتباعها ومروجوها غيظا وكمدا.
 ولقد قصدنا بيان رأى الاسلام في هؤلاء.. وتنبيه المسلمين والحكومات الاسلامية الى مايدبر ضد دينهم والانتهاكات الصريحه لمعتقداتهم دون أن يدفعوا عن أنفسهم غائلة هذا الهجوم الضارى الشرس..
 اننى أدق ناقوس الخطر ليستيقظ كل من أخدته سنة من النوم قبل أن يفوت الأوان.. ! ان حرية الانسان في ابداء رأيه، أو مايعتقد أنه الصواب، من أهم الحقوق التى يقررها الاسلام ويكفلها لأفراد المجتمع، ولا رقابة على الفرد أو الحجر عليه في رأيه طالما كان الرأى خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى، ولصالح المجتمع, بعيدا عن الطعن في الدين...
 أما اذا تعدى الرأى حدوده بأن اعتدى على الدين أو دعا الى توهين العقيدة الإسلامية أو مس شخص الحاكم بدون وجه حق اعتبر ذلك جريمة يجب العقاب عليها لأن الجانى نصب من نفسة مدعيا وقاضيا ومنفذا..
 وجريمة الرأى ذات شقين:
( أ ) مجرد إبداء الرأى المنحرف سواءأ كان ضد الحاكم أم ضد الدين
( ب) تجاوز ابداء الرأى الى الفعل المنحرف بالاعتداء على شخص الحاكم بدون بينة، كما حدث للخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهم حيث قتلوا بأيد أثيمة غادرة حاقدة لم يكن لها من هدف إلا الكيد للإسلام ومحاولة تقويض بنيانة..
أمثلة من الأراء المنحرفة ضد الحكام:
( أ ) يروى أن رجلا جاء إلى النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد توزيعه الغنائم في غزوة حنين وقال له: اتق الله يامحمد. فقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (( فمن يطع الله إن عصيته أيأمننى على أهل الأرض ولا تأمنونى )) ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله، فلم يأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: ( ان من ضئضىء هذا قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )).
 وهكذا رفض الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أن يعاقب الرجل الذى اعتدى عليه بالقول ولكنه بين أن هذا الرجل وأمثاله إذا اعتدوا على الدين أو دعوا الى توهين العقيدة الإسلامية فانه يقاتلهم ويأمر بقتالهم.
( ب ) وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ثيابا فقسمها بين المسلمين، وكان بينهما ثوب يمتاز بالجودة فرفض توزيعه عليهم حتى لايغضب من لا يكون من نصيبه، وطلب من القوم أن يرشدوه الى فتى من قريش نشأ نشأه حسنة ليعطيه اياه فسموا له (المسور بن مخرمة) فدفعه اليه، فنظر اليه سعد بن أبى وقاص على المسور فقال له ماهذا؟ قال: كسانية أمير المؤمنين فجاء سعد الى عمر فقال: تكسونى هذا البرد ( الثوب ) وتكسو ابن أخى مسورا أفضل منه فقال: ياأبا اسحق إنى كرهت أن أعطيه أحدكم فيغضب أصحابه فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة لا يتوهم فيها أنى أفضله عليكم فقال سعد: فانى قد حلفت لأضربن بالبرد – الذى أعطيتنى رأسك،فخضع عمر رأسه وقال رأسى عندك ياأبا اسحق، وليرفق الشيخ بالشيخ، فضرب رأسه بالبرد.
 وكان هذا الموقف السمح لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ممن اعتدى عليه لم يعنفه ولم يعاقبه بل أرفق به ومكنه من رأسه ليبر في قسمه.. ولم يغضب عمر لنفسه..
ج – بدأ بعض أصحاب الهوى والغرض يطعنون في الخليفتين الطاهرين النقيين التقيين عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما ورفع في الجنة درجتهما، فلم ينتقما منهم قط وكانا يستمعان الى النقد الخارج عن الحدود، والذى لم يقصد منه الا التجريح والإهانه ولا يغضبان ولا ينتقمان بل كانا يصفحان عن المعتدين
‏ وحدث أن كان الامام على كرم الله وجهه يخطب على المنبر أن هاجمه بعض مخالفيه ورموه بالكفر، وقال نفر منهم لا حكم الا لله. فما كان منه إلا أن قال:( كلمة حق يراد بها باطل. نعم. انه لا حكم الا الله، ولكن هؤلاء يقولون لا امرة الا لله، وانه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ فيها الأجل ويبلغ فيها الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر).
(د) يروى ان رجلا من الخوارج سب أمير المؤمنين على بن أبي طالب وهدد بقتله فنقل أحد أصحاب الامام ذلك اليه فقال له: اشتمه كما شتمني، فقال: انه يريد قتلك. فقال: ولكنه لم يقتلنى. وترك الرجل.
‏ورغم ما في هذا التصرف من عظمة وجرأة وسموفي الأخلاق الا انه كان الأحرى بالامام أن يحتاط لنفسه عندما علم بعزم الرجل على قتله إذ أن حياته ليست ملكا له وحده بل من صالح المسلمين بقاء أمير المؤمنين ليقودهم ويصلح أحوالهم. ولكنه كرم الله وجهه لم يأبه بذلك وترك الرجل، ولم يأخذ الحيطة الواجبة، أو الحراسة اللازمة للمحافظة على حياته ولم يعر انتباها لتهديد الرجل واكتفى بقوله: ( ولكنه لم يقتلني » أى انه ما دام الرجل لم ينفذ جريمته فليس هناك ما يدعو الى عقابه..
‏هذه أمثلة قليلة وغيرها كثير مما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاءه الآخيار الأطهار لم يعاقبوا على جريمة الاعتداء بالقول على شخصهم واعتبروا أنفسهم مثل غيرهم من عامة الناس لا فضل لهم عليهم، ولا حق لهم أكثر مما للناس من حقوق.. فمن سبهم عفوا عنه ولم يعاقبوه.
‏اما ما تقرره الحكومات والدول الحديثة من العقاب الصارم الذي يوقع على من يرتكب جريمة النقد لرئيس الدولة واعتبار ذاته مصونة لا تمس، فهي عقوبات وضعية وصلت الى النظم الحديثة من قوانين العصور الوسطى التي كانت تعتبر أن الملك يحكم بالحق الالهى المقدس وأنه يعلو جميع البشر الذين يحكمهم ولا يجوز الطعن فيه أو معارضته.
ولكن الإ سلام لا يعرف هذه الجريمة ولم يحدد لها عقابا كما هو واضح من الوقائع السابقة.
 ذلك هو الشق الأول لجريمة الراي حينما تكون مجرد نقد لعمل الحاكم، إذا لم تستتبع بأفعال أوأقوال تمس شخصه، فما هوموقف الاسلام من هذه الجريمة إذا كانت موجهة ضد الدين..
‏ان الا سلام يتعرض.- كما قلنا.- لحملات تضليل وتشوية شرسة منبعثة من داخل بلاد الإسلام من مسلمين وغير مسلمين، وهذه الحملات يجب أن توقف وأن يخرس الضالون المضلون، المر جفون الحاقدون الى الآبد..
 إن الهجوم على الإسلام من أعدائه أمر مفهوم ومعلوم يحركه الحقد والضغينة اللذين يملآن قلوبهم وصدورهم.
‏.أما الغريب حقا فهو ما نلحظه _ أحيانا_ من هجوم خفي آو علني من بعض المنتسبين الى الاسلام بالاسم والإسلام منهم بريء.
‏ وقبل أن نبين رأي الاسلام في هؤلاء نوضح ما يلي:
‏ا - تنص دساتير الدول الاسلامية والعربية على.أن دين الدولة الرسمي هو الاسلام ويستتبع ذلك أن يقوم كيان الدولة على أساس الدين الاسلامي ويجب ان تكون الشريعة الاسلامية هي الحكم بين الناس في تعاملهم وفي كل ما يخصهم من أمور الدين والدنيا وأي مساس أو خروج عن تعاليم الاسلام يعد ماسا بالدولة نفسها وعدوانا على سلطتها.
 والنص على دين الدولة في الدستور من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته، ويعاقب كل من يخالف النظام العام للدولة أو يحاول الاعتداء عليه، وعلى ذلك فكل اعتداء أو هجوم على الدين الاسلامي يستوجب عقاب فاعله بأشد العقوبات.. ولكني أعجب من تراخى كثير من الحكومات عن معاقبة هؤلاء المجرمين والضرب على ايديهم حتى توقف عبثهم وتمنع نشر أباطيلهم..
 قد يقول قائل إن الدساتير تنص إيضا على حرية العقيدة. نقول له: ولكن حرية الاعتقاد المكفولة للجميع لا تمنح لأحد مهما كانت عقيدته أو شخصيته الحق في مهاجمة دين الدولة الرسمي.
 وتنص الدساتير كذلك على حرية الرأي، وهذه الحرية مكفولة أيضا في الحدود التي لا تسمح بالاعتداء على حق الغير.. فاذا ما جاوز الرأي حدوده فاعتدى على الغير وجب وقفه فورا وعقاب صاحبه..
 ان عمليات الهجوم التي مني بها الاسلام منذ نشأته وحتى الآن لم يكن الباعث عليها حرية الفكر أو الاعتقاد، ولكن الدافع الحقيقي لكل هذا هو محاولة تقويض كيان الدولةوالقضاءعليها اذا استطاعوا الى ذلك سبيلا..
 ظهرت في اواخر عهد الخلفاء الراشدين دعاوي منحرفة وهدامة ضد الاسلام من بعض من دخلوا الاسلام ظاهرا، وكانوا في الباطن يحاولون هدمه والقضاء عليه حتى يمكنهم اقامة دول منفصلة عن الخلافة لايحكمها الاسلام
 ثم ظهر الخوارج والزنادقة الذين تمكنوا من أن ينفثوا سمومهم وسط المسلمين، وأن يكونوا من أنفسهم قوة إستطاعت محاربة الدولة العباسية ولكن المهدي هزمهم بعد حرب مريرة قاسية.
 ومن هذا يتضح أن من أعداء الإسلام من يعتنقه ليندس في صفوف المسلمين ثم يروج لدعاواه الباطله ضد ه، وينشر الأباطيل والضلالات التى تقوض الدين وتنزعه من صدور أبنائه، فيستطيع هؤلاء الأعداء، أن يهزموا المسلمين بعد أن يقضوا على الإسلام لعلمهم أن هذا الدين يجعل من المسلمين قوة صلبة، ووحدة قوية تقف في وجه من يحاول الإعتداء، عليه أو على البلاد الاسلاميه.
وكانت أولى جرائم الراي ضد الدين ما ظهر.أيام خلافة الامام على بن أبي طالب كرم الله وجهه من بعض الخوارج الذين ادعوا انه إله أو حل فيه الإله، وقد عاقبهم الامام بالقتل حيث اعتبرهم كفارا مرتدين عن الاسلام.
 ولم يعاقب الإمام على (رضي الله عنه) على الرأي إذا لم يكن كفرا، أو يؤدي الى الكفر، ولم يستتبع هذا الرأي بفعل يمس شخص الحاكم أوأشخاص المسلمين.
 أما الخليفة الثالث عثمان بن عنان وأمير المؤمنين ءمر بن الخطاب فقد ثبت انهما كانا يعاقبان على جريمة الرأي تعزيرا اذا كان الجاني يؤول الأحكام الاسلامية تأويلا خاطئا حيث اعتبراه قد أخطأ في حق الدين فيجب عقابه زجرا له ولأمثاله.
 راي الأئمة المجتهدين في جرائم الرأي.
‏ا. يرى الامام مالك وكثير من الحنابلة وبعض الشافعية قتل الداعي الى البدعة. يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: « جوز طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما قتل الداعية الى البدع المخالفة للكتاب والسنة، وكذلك كثير من أصحاب مالك. وقالوا انما جوز مالك وغيره قتل القدرية لأجل الفساد في الأرض لا لأجل الردة».
فالقتل في رأي هولاء من أجل البدعة وما تؤدي اليه من الفساد في الأرض.
2 ‏. يرى الإمام أبو حنيفة أن عقوبة الداعي الى البدعة التعزير بما يمنع الشر وهو دون القتل ما داموا لا يحملون السلاح، أما اذا حملوا السلاح للقتال اعتبروا مقاتلين فعلا ووجب قتلهم.
‏ هذا عن الشق الأول من جريمة الراي.
 أما الشق الثانى وهو اذا استتبح هذا الرأي فعل يؤدي الى المساس بشخص الحاكم فلا يوجد في الإسلام وصف لهذه الجريمة يزيد عن الوصف العادي باعتبارها جريمة اعتداء على النفس يجب فيها القصاص فاذا قتل الحاكم قتل المعتدي اذا كان واحدا، أو قتلت الجماعة - اذا كانوا جماعة. قصاصا كما هو الحال في جريمة القتل العادية تطبقا لقوله سبحانه وتعالى" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ([41])
أما اذا كان العدوان على ما دون النفس فيكون القصاص من جنس الجريمة: العين بالعين والسن بالسن والاذن بالاذن وهكذا..
 أما اذا استتبع ذلك القيام بقوة مسلحة ضد الدولة أو ضد الحاكم اعتبرت جريمة بغي، وليست جريمة رأي ويعامل هؤلاء البغاة بماقضي به القرآن والسنة في حقهم.
‏تلك هي جريمة الرأي في الاسلام أردنا بها كما قلنا تنبيه المسلمين الى ما يحاك ضد دينهم. فعلى الحكومات الاسلامية التصدى لهذة الفئة الضالة وردعها حتى لا يستشرى أمرها.. وأن تنفذ فيهم حكم الله بقتل من يستحق القتل، وعقاب من يتحق التعزير.
‏والى هؤلاء الذين ضلوا ممن ينتسبون الى الاسلام ويهاجمون دين الله أتلو هذه الآيات البينات من كتاب الله سبحانه وتعالى عظة وذكرى لعلهم يهتدون. وأدعو الله سبحانه وتعالي مخلصا.أن يعودوا الى الصواب ويتبعوا الطريق السوي ويتوبوا الى الله لعل الله يتوب عليهم.
قال الله سبحانه وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)([42])
 ثالثا: حفظ النسل والعرض
1- حفظ النسل
 وللمحافظه على النسل حرم الاسلام الزنا ولقد اتفقت جميع الشرائع السماويه على محاربة جريمة الزنا لمخالفتها للعقيدة والعقل ولذلك خاطب الإسلام البشرية جمعاءبالمحافظة على النسل وتحريم الزنا.
 وللقرآن الكريم طريقة فريدة في معالجة هذه الجريمة والقضاء عليها قضاء مبرما لما لها من أثر سلبى على تقويض بنيان المجتمع لشيوع الرذيلة فيه واختلاط الانساب بين أفراده.
 ولقدعالج القراَ ن الكريم الزنا في سبعة مواضع مبتدئا باستنكار الجريمه. ثم التحذير والإنذار وأخيرا بوضع عقاب محدد لها.([43])

أولا: استنكار القراَن وتحذيره وإنذاره لمرتكبى الزنا:-
1- كان أول ذكر للزنا في الآية 32 من سورة الإسراء: "  وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً 
2- ثم نزلت اَيات:
 "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* (5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(7) "
3- ثم نزلت آيات:
tûïÏ%©!$#ur xw acqããô0t’ yìtB «!$# $·g»s9Î) tyz#uä xwur tbqè=çFø)t’ }§øÿ¨Z9$# ÓÉL©9$# tP§ym ª!$# ~wÎ) Èd,ysø9$$Î/ xwur acqçR÷_t’ 4 `tBur
ö@yèøÿt’ y7Ï9ºsR t,ù=t’ $YB$rOr& ÇÏÑÈ ô#yè»xÒ㒠ã&s! Ü>#x9yèø9$# tPöqt’ ÏpyJ»u`É)ø9$# ô$é#ø’s ur ¾Ïm`Ïù $ºR$ygãB ÇÏÒÈ ([44]).
 وكل هذه الايات نزلت بمكة المكرمة ولم بشر القراَن الكريم إلى أيَ عقاب للجريمه وإنما بدأ بالتنفير منها واستنكارها والنهى عنها.
ثانياً: عقاب الزنا في القراَن الكريم
1- اتجه القراَن بعد ذلك إلى وضع عقاب لهذه الجريمة في الآيتين 15/16 من سورة النساء وقد نزلتا بالمدينة المنورة حيث قرر حبس الزانية في البيت حتى الموت أويجعل الله لها سبيلاً بالزواج ‘ أما بالنسبة للزانى فيضرب.
 يقول الله تعالى: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا ( 15 ) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ( 16 ) ([45])
2- وبعد ذلك تقرران يكون حد الزانى والزانية مائةجلدة والجمهور على أن هذا الحد الوارد في الآيتين 2،3 من سورة النور بالنسبة للزانية أو الزانى غير المحصن (غير المتزوج ) مع تغريبه أى نفيه خارج البلدة لمدة سنة. كما ثبت بالسنة الشريفه القوليه والفعليه ’ أن حد الزانى المحصن والزانية المحصنه ( أى المتزوج والمتزوجة ) هو الرجم حتى الموت وقيل إن هذا الحد كان مقررا بنص القرآَن وقد نسخت اَية الرجم تلاوة وإن بقى حكمها: قال تعالي "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" ([46])
3- ولقد خطا التشريع الإسلامى خطوة أخرى حيث وضع عقابا للأمة المحصنة إذا زنت وقدره بنصف عقاب الحرة أى بخمسين جلدة قال تعالي:
" وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "([47])
4- وكانت اَخر اّيات نزلت في جريمة الزنا هى آيات اللعان أى اتهام الزوج لزوجته بالزنا وليس لديه شهود على ذلك فيشهد بالله بالطريقه الواردة في الاَ يات على صحة ادعائه. وعليها أن ترد ادعاءه بأن تشهد بالله على كذبه فإن شهدت لم يقم عليها الحد وإن امتنعت أقيم عليها ’ أما إذا لم يشهد الزوج فيحد حد القذف.
 ولقد قرر الرسول عليه الصلاة والسلام عقوبة تبعيه في هذه الحالة وهى التفريق بين الزوجين قال تعالي: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ(8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) ([48]).
 ولما كانت جريمة الزنا من أبشع الجرائم التى ترتكب ضد الشرف والخلق والكرامة وتؤدى إلى تقويض بنيان المجتمع وتفتيت الأسر واختلاط الأنساب وقطع العلاقة الزوجية وسوءتربية الأولاد فقد وضع لها الشارع عقوبة غليظه حتى يرتدع كل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة عندما يقارن بين ماسيجنيه من لذة عارضة.وبين ما سيقع عليه من العقوبات.فعقوبة الزنا قصد بها أولا الردع والتخويف ولم يقصد منها في الدرجة الاولى القسوة والتعذيب. ونظراً لما لهذه الجريمة من وضع خاص يمس العرض والشرف فقد احتاط الشرع الاسلامى في إثباتها ووضع لذلك شروطا يكاد يكون من العسير توافرها.
كيف تثبت الجريمة؟
 تثبت جريمة الزنا بأحد أمرين:الإقرار أو شهادة الشهود.
أولا:إلا قرار
 وهو أن يقر الزانى بجريمته بشرط أن يكون عا قلا بالغا صحيحا وأن يكون الإقرار قولا لا كتابه, وأن يكون صريحا بإرتكاب الزنا. وأن يكون الإقرار أربع مرات فقد روى أن ماعزا جاء الى النبى (صلى الله وعليه وسلم ) فأقر بإرتكابه الزنا فأعرض عنه ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) وتكرر الإ قرار أربع مرات والرسول يعرض عنه وفى الرابعة قال عليه الصلاة والسلام: أبك خبل؟ أبك جنون؟ قال: لا: فقال: فهل أحصنت قال نعم فأمر عليه الصلاة والسلام برجمه.
 الرجوع عن إلاقرار يقسط الحد
 وإذا رجع المقر في إقراره سقط عند الحد. فقدروى أن ماعزا حاول الفرار من الرجم فتبعه الناس حتى قتلوه. وعندما ذكروا ذلك للرسول (صلى الله علية وسلم ) لم يقرهم عليه وقال " هلا تركتموه "([49]) كما لايقبل إقرار المكره والسكران والمجنون والنائم.
إلاقرار لايتعدى صاحبه
 إذا أقر الزانى بزناه ’ أقيم عليه الحد. ولايؤخذ إقراره صحة على من زنا بها, فإن أنكرت لم يقم عليها الحد. فقد روى الإمام أحمد وابوداود عن سهل بن سعد أن رجلا جاء النبى ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) فأقر بالزنا بأمرأة سماها.فأرسل ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) في طلبها فسألها فأنكرت فحده وتركها ([50])
ثانياً: شهادة الشهود
 تثبت الجريمة كذلك بشهادة الشهود,ولكن نظرا لخطورة هذه الجريمة,ولتدنيسها لعرض الأسرة,الزوج والزوجة وأولادهم. وتلويث شرفهم فقد تشددالإسلام في إثبات الجريمة فأشترط عدة شروط في الشاهد وهى البلوغ والعقل والحفظ والرؤية والعدالة والإسلام وانتفاء موانع الشهادة وأهم هذه الشروط ما يلى:
1- أن يكون الشهود أربعة رجال بخلاف الشهادة على سائر الحقوق وذلك لقوله تعالى:
" وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ "([51])
وقولة تعالى " خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. " ([52]) فإن شهد ثلاثة وكانت شهادة الرابع لاتذكر الزنا صراحة كأن يقول رأيتهم في لحاف واحد ولم يزد على ذلك يحد الثلاثه عند الحنيفه.ولاحد على الرابع وحجتهم ما روى أن ثلاثه شهود شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا فقام الرابع وقال " رأيت أقداما بادية ونفساعاليا وأمر منكرا ولاأعلم ما وراء ذلك " فقال عمر رضى الله عنه " الحمد لله الذى لم يفضح رجلامن أصحاب الرسول " وحد الثلاثة وكان ذلك بحضور الصحابة ولم ينكره أحد"([53]) ويتشرط في الشهود أن يكونوا رجالا كلهم فلاتصح شهادة النساء.
2- أن تكون الشهادة صريحة بوصف الزنا وأن تكون بمعاينة الفعل معاينة حقيقية.
3- أن تكون الشهادة صريحة على الفعل نفسه, وأن يكون التصريح باللفظ الصريح لا بالكناية ولا بالكتابة.
4- أن تكون الشهادة من الأربعة في مجلس واحد, فلا تقبل شهادتهم في مجالس متفرقه, ولا في أوقات متفرقة, بل يجب أن تكون الشهادة في مكان واحد وفى وقت واحد.
5- عدم التقادم لقول عمر رضى الله عنه "أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته فإنما شهدوا عن ضغن ولا شهادة لهم "([54]).
 فالشاهد اذا شاهد الجريمة فهو مخير في أدء الشهادة حسبة. أوالتستر على أخيه المسلم لقول النبى ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) "من ستر على أخيه المسلم سترالله عليه في الآخرة "([55]) فإذا عاد الشاهد بعد أن تقادم حادث الزنا ليؤدى الشهادة,فلا تقبل شهادته. لأن ذلك دليل على أن الضغينة هى التى حملته على الشهادة.
6- اقتناع القاضى بشهادة الشهود.
حمل المرأة بدون زواج
 اختلف الفقهاء في المرأة الحامل بدون زواج:
1- يرى الإمام أحمد وأبو حنيفة والشافعى أنه لا حد عليها لأنها يجوز أن تكون حملت بوطء شبهة أوإكراه.
2- مذهب أهل المدينة وبه قال الإمام مالك في الموطأ, وهوأنها تحد إلا إذا جاءت بإمارة على استكراهها كأن تكون بكرا وجاءت وهى تدمى مثلا.
 و الراجح هو الرأي الأول لأنه يحتمل أن يكون وطء بشبهه أواكراه. والحدودتدرأبالشبهات.
شروط إقامة الحد
 يشترط لإقامة الحد على الزانى أن يكون عاقلا بالغا وأن يرتكب الجريمة بأختياره دون إكراه فلا حد على مجنون, ولاصغير ولامكره. وأن يكون عالما بتحريم الزنا ([56]).
 وقد روى أن جارية سوداء رفعت إلى أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه وقيل إنها زنت,فخفقها بالدرة خفقات وقال " أى لكاع:زنيت؟ فقالت: من غوش بدرهمين، فقال عمر ما ترون؟ وعنده على وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال على رضى الله عنه أرى أن ترجمها وقال عبد الرحمن بن عوف أرى مثل مايرى أخوك. فقال عثمان أراها تستسهل بالذى صنعت لاترى به بأسا.وإنما حد الله على من علم أمر الله عز وجل.فقال عمر:صدقت "([57])
التنفير من إشاعة الفاحشة:
من المقرر أن الجريمة التى لايصل خبرها إلى الحاكم لايقام من أجلها حد فإ ذا لم يقر عنده الزانى او يشهد عليه شهود فلا عقوبة عليه. ولقد حبب من أجلها التستر على الأعراض لقوله (صلى الله علية وسلم ) لرجل من أسلم يقال له: "هزال " وقد جاء يشكو رجلا بالزنا – وذلك قبل ان ينزل قوله تعالى: خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح."([58]) ياهزال لوسترته بردائك كان خيرالك ""([59]).. كناية عن عدم إذاعة هذه الفاحشة.
 وعلى المسلم أن يستر نفسه ولا يفضحها لقوله ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) " يا أيها الناس: قد اَن لكم أن تنتهوا عن حدود الله:من أصاب شيئا من هذه القاذورات.فليستتر بستر الله,فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " وذالك لأن المجاهرة بها تبجج في عصيان الله ودليل على انهيار المجتمع وانحلاله, ولقد نفر القراّن من انتشار ما يسيئ إلى سمعة المسلمين حيث يقول سبحانه وتعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا) ([60])
 ان الإسلام يدعو الى احترام المرأة والبعد بها عن مواطن الزلل والشبهات وللاحتياط من وقوع جريمة الزنا نهى الإسلام عن الاختلاط والرقص والنظر المريب. وكل مايثير الغريزة.أو يدعو الى الفحش. وطلب من المؤمنين ألايدخلو بيوت الاَخرين إلا في وجودهم وبعد استئذانهم. يقول سبحانه وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27)فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) "([61])
 تلك هى جريمة الزنا في الشريعة الإسلامية كما صورها القراَن الكريم والسنة النبويه المطهرة وقد قررتها الشريعة الغراء حفاظا على النسل وطهارة العرض.
 2 - حفظ العرض
للمحافظه على النسل, وأن ينسب كل مولود إلى والده حرم الإسلام الزنا حسب ماسبق بيانه,ولمنع انتشارالفاحشة والتعرض للأعراض بما يشينها أويشكك في نسب المولود حرم قذف المحصنات ووضع لذلك عقابا رادعا.
ادلة تحريم القذف.
1- من القراَن الكريم: يقول سبحانة وتعالى:"" خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ([62])
 ويقول تعالى "ان الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) ([63])
من السنة النبوية.
 يقول النبى (صلى الله علية وسلم ):"اجتنبو السبع الموبقات.... قالو وما الموبقات يارسول الله؟ فقال الشرك بالله.والسحر.وقتل النفس التى حرم الله الابالحق. وأكل الربا.واكل مال اليتيم.والتولى يوم الزحف. وقذف المحصنات الغافلات"([64])
 ويقول إلامام القرطبى رضى الله عنه في تفسير الاَية الاولى المشاراليها"للقذف شروط عند العلماء تسعة: شرطان في القاذف وهما العقل والبلوغ لأنهما أصل التكليف.إذالتكاليف سقط دونهما.وشرطان في الشئ المقذوف به وهو أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد,وهوالزنا واللواط,اوينفيه من أبيه دون سائر المعاصى.وخمسة في المقذوف. وهى العقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عن الفاحشة التى رمى بهاسواء كان عفيفا من غيرها ام لا.
 وانما شرطنا في المقذوف العقل والبلوغ كما شرطناهما في القاذف وإن لم يكونا من معانى الإحصان لأجل أن الحد إنما وضع للزجر عن الاذاية بالمضرة الداخلة على المقذوف ولامضرة على من عدم العقل والبلوغ. إذلايوصف فيهما ولامنهما بأنه زنا"  واتفق العلماء على أنه إذا صرح بالزنا كان قذفا ورميا موجبا للحد فإن عرض ولم يصرح قال مالك "هوقذف" وقال الشافعى وأبوحنيفة:لايكون قذفاحتى يقول أردت به القذف.والدليل لما قاله مالك هوأن موضوع الحد في القذف إنما هو لإزالة المعرة التى أوقعها القاذف بالمقذوف.فإذا حصلت المعرة بالتعريض وجب أن يكون قذفا كالتصريح والمعول على الفهم".
وللقذف ثلاثة اركان:
1- اسناد واقعة الزنا او نفى النسب للغيرمع عجز الرامى عن اثبات الواقعة,أما إذااكان الرمى بغيرالزنا أونفى النسب فلايحد الرامى ولكنه يستحق التعزير ويتحقق الإسناد بأية طريقة سواء أكانت كلامية أم كتابية من شأنها أن توصل للجمهور الواقعة المدعاة.
2- أن يكون القاذف بالغا عاقلا غير مكره على اسناد الواقعة عالما بتحريم القذف وأن يكون قاصدا وهوقصد الرامى وعلمه أن مايرمى به المقذوف في حقه غير صحيح أوعدم استطاعته إثبات الواقعة أوإحضار شهود لإثباتها.ففى الشريعة الإسلامية يسمح للقاذف بإن يقدم الدليل على صحة الواقعة فإ ذا ثبتت أقيم الحد على من تثبت عليه أما في التشريع الوضعى فلا يسمح للقاذف بإثبات الواقعة. ويعاقب عن إسناد الفعل للمجنى عليه  ويثبت القذف بالشهادةأوالاقرار كما هوفى سائر الجرائم في الشريعة الإسلامية.
عقوبة القاذف
1- إذا كان حراً ثمانون جلده لقوله سبحانة وتعالى:
 (خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) ([65]).
2- عدم قبول شهادة القاذف بنص الاَية السابقة إلابعد التوبة وعدم العودةإلى هذاالجرم,
 اما إذا كان القاذف عبداً فيرى جمهور الفقهاء ان توقع عليه نصف العقوبة.
رابعا: حفظ المال
 المال هوعصب الحياة لذلك قرر الاسلام المحافظة عليه ومنع الاستيلاء على مال الغير ولذلك حرم السرقة ووضع حدا رادعا للسارق بقطع يده حتى يعيش الناس اَمنين مطمئنين في بيوتهم ويعيش المجتمع كله في أمن وسلام.
السرقة في الشريعة الاسلامية
السرقة في الشريعة الاسلامية هى أخذ مال الغير خفية من حرز على سبيل التملك وهى نوعان.. سرقة عقوبتها الحد وسرقة عقوبتها التعزير. ([66])
 وتنقسم الأولى إلى:
أ- سرقة صغرى وهى أخذ مال الغير خفية
ب- سرقة كبرى وهى أخذ مال الغير على سبيل المغالبة (قطع الطريق) وتسمى الحرابة.
 أما السرقة التى يعاقب عليها بالتعزير فهى نوعان:
1- كل سرقة ذات حد لم تتوفر فيها شروط الحد.أودرئ الحد للشبهة كأخذ مال الابن أو أخذ المال المشترك.
2- أخذ مال الغير دون استحفاء أى بعلم المجنى عليه وبدون رضاه وبغير تهديد أو مغالبة وهذه السرقة عقوبتها التعزير لا القطع لقول الرسول (صلى الله علية وسلم ) "لاقطع على نباش([67]) ولامنتهب ولا خائن "([68]).
 ولفظ السرقة لايطلق عادة في الشريعة الإسلامية إلاعلى السرقة الصغرى أما السرقة الكبرى فيطلق عليها الحرابة وما عدا ذلك من سلب ونهب واختلاس وغصب فيطلق عليه الاختلاس.
 وتعا قب الشريعة على كل الأفعال التى تعتبر تعدياَعلى مال الغير
ومن تعريف السرقة السابق ذكره يمكن استخلاص أركان هذه الجريمة وهى:
1- الأخذ خفية
2- أن يكون المسروق مالا مملوكا للغير
3- القصد الجنائى وهوعلم السارق بأن أخذه هذا المال حرام.
الاخذ خفية:
وهوأخذالمال دون علم صاحبه ودون رضاه فإذا أخذالمال بعلم صاحبه وبدون رضاه بلا مغالبة فهواختلاس وان أخذه بعلم صاحبه أوبدون علمه ولكن برضاه فلا جريمة على الاطلاق ويحب أن يكون أخذ المال من حرز
 ولكى يتحقق ركن الأخذخفية لابد من توافر شرطين:
ا- خروج المال من الحرز المعد لحفظه
ب- خروج هذا المال من ملك المجنى عليه ودخوله في ملك السارق فمن وضع يده على المسروق وضبط قبل إخراجه من حرز ه فلا يعد سارقا لأن عدم إخراج الشئ من حرزه لم يخر جه من ملك صاحبه ولذلك فلا يتحقق ركن الأخذ خفية في الشريعة الإسلامية,ويقابله ركن الاختلاس في القوانين الوضعية.
 يجب أن يكون المأخوذ مالا فإذا وقع الأخذ على غير المال فلا يعد سرقة ويشترط في المال المسروق أن يكون مالا منقولا ومتقوماً وأن يبلغ النصاب وأن يكون محرزا ومملوكا للغير.
 والمال المنقول هنا هو ما يمكن نقله وإخراجه من حرزه (وهو المكان المعد لحفظه) وضمه إلى حيازة السارق. ولايشترط أن يكون منقولا بطبيعته ولكن يكفى أن يكون منقولا بفعل الجانى كمن يسرق شباكا أوأحجارا من الحائط.
 اما المال المتقوم فهو كل مال ذو قيمة مما يتمول ويملك ويحل بيعه وأخذ العوض عنه فلا تقع على سرقة المال غيرالمنقوم مثل سرقة الخنزير أوالخمر حيث أنه لاقيمة لها عند المسلم فلا يقام من أجلها حد
 وهذا لا يمنع من توقيع عقوبة تعزيرية ويرى أبو حنيفة أنه لاقطع في سرقة الأشياء التافهة.فتفاهةالمال عنده شبهة تدرأ الحدأما الأئمة الثلاثة فيرون أن تفاهة المال لاتمنع من القطع إذ أن القاعدة عندهم أن كل مايمكن تملكه ويجوز بيعه وأخذ العوض عنه يجب القطع في سرقته مادام قد بلغ النصاب.
 أما النصاب الواجب القطع فيه كما يرى جمهور الفقهاء ربع دينار أوثلاثة دراهم لما روى عن النبى ((صلى الله عليه وآله وسلم)) أنه قال "" أقطعو في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك " ([69]) ولكن أبا حنيفة وأصحابه يرون أن القطع لا يكون إلا في دينار أو عشرة دراهم.
 ويجب أن يكون المال المسروق مملوكا للغير فلا قطع على أخذ المال المباح أوالطيرأو السمك أو المال المتروك.
 ولكى تتحقق جريمة السرقة يجب أن يكون الجانى عالما أنه يرتكب معصية في أخذه المال وأن أخذه محرم. وأن يأخذ السارق المال بنية إخراجه من ملك صاحبه وإدخاله في ملكه دون علم صاحبه أودون رضاه. فمن يأخذ شيئا يعتقد أنه مباح أو متروك فلا عقاب عليه لعدم قصده ارتكاب المعصية أواخذ مال الغير. ولا يعتبر سارقا من يأخذ الشئ بقصد استعماله وإعادته أومن أخذ شيأ مملوكا له كالمؤجر الذى يأخذ العين التى أجرها أو الشريك الذى يبيع العين المشتركة دون أن يقصد أخذ نصيب الشريك الآخر.
إثبات السرقة:
تثبت السرقة بإحدى الطرق الآتية:
1- شهادة الشهود:
 ويشترط أن يكون الشهود اثنين من الرجال أورجلا وا مرأتين أوشاهداَويمين المدعى. ويشترط في هؤلاء أن يكونوا شهود رؤية ويجوز أن يشهد على السارق شاهد رؤية وشاهدا سماع. فإن كان غير ذلك لم تقطع يد السارق بل يجب أن يقتصر الحكم على التعزير وإلزام السارق بضمان قيمة المسروق.
2- الإقرار:
 يرى مالك وأبو حنيفة والشافعى والظاهرية أن يكون الإقرارمرة واحدة. ويرى أبو يوسف من الحنفية وأحمد والشيعة الزيدية أن يكون الإقرار مرتين.
 والإقرار هو إعتراف السارق وإقراره على نفسه بإرتكاب جريمة السرقة ويشترط للقطع ألايرجع السارق في إقراره. فإن رجع في الإقرار يحكم عليه بعقوبة تعزيرية مع تضمينه بقيمةالمسروق.
3- اليمين:
يذهب رأى في المذهب الشافعى إلى أن السرقة تثبت باليمين المردودة فإن ثبتت السرقة قطعت يد السارق ولكن الراجح في المذهب أن القطع لا يكون إلا بالبينة أو الاقرار ولا قطع باليمين المردودة وإنما يثبت بها المال المسروق ويجب رده.
 وهذا الرأى يتفق ومذهب مالك وأبى حنيفة وأحمد.
المختلس والمنتهب والغاصب:
 لاقطع على المختلس والمنهب والغاصب ولكن للقاضى أن يحكم عليهم بعقوبات تعزيرية شديدة.يقول رسول الله (صلى الله علية وسلم ):" ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع "([70]).
 والحكمة في عدم قطعهم هى انهم يأخذون المال دون استخفاء ويمكن إثبات ذلك ضدهم والاحتراز منهم. بخلاف السارق الذى قرر الشارع قطع يده لأخذ المال خفية. فهو يسرق بعيدا عن الأعين ولا يمكن الاحتراز منه.
 يقول ابن القيم "أما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن حكمة الشارع أيضا.فإن السارق لايمكن الاحتراز منه. فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز. ويكسر القفل ولايمكن صاحب المتاع من الاحتراز بأكثر من ذلك فلولم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا. وعظم الضرر واشتدت المحنة بالسراق بخلاف المنتهب والمختلس فإن المنتهب هو الذى يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس فيمكنهم أن يأخذو على يديه ويخلصوا حق المظلوم أويشهدوا له عند الحاكم.وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من إختلاسه.والا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس فليس كالسارق.بل أشبه بالخائن. وأيضا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبا. فإنه الذى يغافلك ويختلس متاعك في حالة تخليك وغفلتك عن حفظه وهذا يمكن الاحتراز منه غالبا فهو كالمنتهب وأماالغاصب فالأمرمنه ظاهر وهوأولى بعد م القطع من المنتهب.ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب النكال والسجن الطويل والعقوبة بأحذ المال.
تلقين السارق مايسقط الحد:
 يندب للقاضى أن يلقن السارق مايسقط الحد لما روى عن النبى (صلى الله وسلم )أنه أتى يلص اعترف ولم يوجد معه متاع.. فقال (صلى الله علية وسلم ) ما أخالك سرقت؟ قال بلى مرتين أو ثلاثا([71])
 وكان أبوبكر وعمر رضى الله عنهما يلقنان السارق ما يسقط الحد عنه. وعن أبى الدرداء أنه أتى برجل سرق فسأله أسرقت؟ فقال لا فتركه.
 إذاثبتت السرقة قطعت يد السارق لقوله سبحانه وتعالى: " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ"([72])
 ولايجوزالعفو ولا التخفيف ولااستبدال العقوبة بغيرها. يقول (صلى الله وسلم "تجا فوا العقوبة بينكم فإذا انتهى بها الى الإمام فلا عفا الله عنه ان عفا ". ومن المتفق عليه أن القطع لليد اليمنى فإذا عاد قطعت الرجل اليسرى.ويكون قطع اليد من مفصل الزند عند الأئمة الأربعة والظاهرية والشيعة الزيدية. وتقطع الرجل من مفصل الكعب.
 وإذاسرق السارق عدة مرات قبل القطع أجزأت العقوبة عن السرقات السابقة.
ويرى الشافعى وأحمد أن تعلق اليد المقطوعة في عنق السارق للزجر والتنكيل.
حسم يد السارق:
 تحسم يد السارق بعد القطع بالكى بالنار أوبأى طريقة أخرى فعن أبى هريرة أن رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) أتى بسارق قد سرق شملة فقالوا يا رسول الله إن هذا قد سرق. فقال رسول الله علية وسلم (صلى الله علية وسلم ): ماإخاله سرق فقال السارق: بلى يا رسول الله،فقال اذهبوا به فا قطعوه ثم احسموه ([73]). ثم ائتونى به. فقطع فأتى به. فقال تب الى الله.فقال قد تبت الى الله فقال: تاب الله عليك.
مسقطات حد القطع:
 يسقط الحد عن السارق بما يلى:
1- تكذيب المسروق منه السارق في إقراره. أوتكذيبه للشهود.
2- العفو عن السارق من المجنى عليهم قبل رفع الأمرللقاضى.
3- رجوع السارق عن إقرارة إذا لم يكن ثمة دليل أخر.
4- رد المسروق قبل رفع الأمر للقاضى على خلاف بين الفقهاء.ولكن الراجح بين الجمهور وهو القطع.
5- تملك السارق للمال المسروق قبل القضاء.
6- ادعاء السارق ملكية المال المسروق.
 خامسا:حفظ العقل
 العقل هوزينة الانسان فبه يفرق بين الحق والباطل ‘والخير والشر وقد يما قالوا: العقل السليم في الجسم السليم.
 فالعقل هوالذى يوجه حركة الانسان في الحياة ‘ومن هنا كان حفظ العقل أحد مقاصد الشريعة الاسلامية
 ومحافطة من الاسلام على عقل الانسان حرم الاعتداء عليه سواء من صاحبه أومن غيره وتحقيقاً لهذا القصد السامى حرم شرب أوأكل مايذهب العقل أويغيبه أو يفسده كالخمور والمسكرات والمخدرات وغيرها ([74]).
تعريف الخمر
 هى كل شراب مسكر دون النظر إلى ماصنع منه لقوله صلى الله عليهوآله وسلم (( ما أسكركثيرة فقليله حرام )) ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (( إن من الحنطة خمرا، ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن التمر خمرا، ومن العسل خمرا )).
 ويرى بعض الفقهاء أن الخمر هى ما أسكر من عصير العنب خاصة وهذا رأى ضعيف.
 تعريف الشرب
 اختلفت الفقهاء في تعريف الشرب، فهو عند الأثمة مالك والشافعى وأحمد شرب المسكر سواء سمى خمرا أو لا، سواء أكان عصيرا للعنب أو لأيه مادة أخرى كالبلح والزبيب والقمح والشعير والأرز وسواء أسكر قليله أو أسكر كثيره.
وأدلتهم في ذلك مايلى: -
1- روى مالك عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن النقيع وعن نبيذ العسل فقال: (( كل شراب أسكر فهو حرام )).
 قال يحيى بن معين هذا أصح حديث روى عن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) في تحريم المسكر
2 - عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (( كل مسكر خمر، وكل خمر حرام )) ([75])
3- عن جابر بن عبد الله أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (( ما أسكر كثيره فقليله حرام )) ([76])
4- عن ابى عمر رضى الله عنهما أن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ( إن من العنب خمرا، من العسل خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن الحنطة خمرا، وانا أنهاكم عن كل مسكر )).
5 – قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه نزل تحريم الخمر من العنب والعسل والحنطة والشعير.والخمر ماخامر العقل.
6- يقولون إن الخمر في اللغة إنما سميت خمرا لمخامرتها العقل فكل ماخامر العقل فهو خمر. ([77])
أما الإمام أبو حنيفة فالشرب عنده قاصر على شرب الخمر فقط، سواء كان ماشرب كثيرا أو قليلا. والخمر عنده اسم لما يأتى:
1- ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد. وعند أبى يوسف ومحمد ماء العنب اذا غلى واشتد فقد صار خمرا قذف بالزبد أو لم يقذف.
2- ماء العنب إذا طبخ فذهب أقل من ثلثيه وصار مسكرا.
3- نقيع البلح والزبيب إذا غلى وأشتد وقذف بالزبد على رأى أبى حنيفه أو إذا غلى واشتد ولو لم يقذف بالزبد على رأى أبى يوسف ومحمد فالإمام أبو حنيفة يفرق بين الخمر والمسكر ويحرم شرب الخمر قليلا كان أو كثير أما ماعدا الخمر من المواد المسكرة فيسميه مسكرا لاخمرا.
أدلة أبى حنيفه ومن تابعه:
1- روى عن ابى عون الثقفى عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس عن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (( حرمت الخمر لعينها والسكر من غيرها )).
وقد ضعف جمهور الفقهاء هذا الحديث لأن بعض رواته روى ( والمسكر من غيرها ). وقيل ان خبر ابن عباس موقوف عليه، وانه يحتمل بالسكر المسكر من كل شراب إذ أنه روى هو وغيره عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (( كل مسكر حرام ))
2- ظاهر قوله تعالى: (( و مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ))
قالوا: السكرهو المسكر ولوكان محرم العين لما سماه الله رزقا حسنا
‏3 - قالوا إن الخمر في اللغة اسم للنى ء من ماء العنب المسكر، وقد سميت خمرا لا لخمرتها العفل بل لتخمرها.
الرأى الراجح:
‏ من هذا العرض لرأى الفقهاء وأدلتهم يتبين أن أدلة جمهور الفقهاء مالك والشافعى واحمد ومن تابعهم هى الأقوى، ورأيهم هو الواجب الأخذ به لان جميع الاشربة المسكرة تخمر العقل سواء كانت مستخرجة من العنب أو من غيره فوجب أن يكون حكمها واحد ([78]) لقوله صلي الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام " وقوله صلي الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام "
تعريف السكر: السكر هو فقدان الوعي نتيجة تناول المادة المسكرة، ويعتبر الشخص سكرانا إذا كان لا يعقل شيئا فلا يعرف السماء من الأرض، ولا يفرق بين الرجل والمرأة، وكان يخلط الأمور في كلامه مخالفا عادته حال صحوه.
 يقول صاحب كشف الاسرار في تعريف السكر: " قيل هو سرور يغلب على العقل بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له، فيمنع الإنسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله، ولهذا بقى السكران أهلا للخطاب، وقيل من غير مرض وعلة، وقيل هو معنى يزول به العقل عند مباشرة بعض الأسباب المزيلة، فعلى هذا يكون بقاؤه مخاطبا بعد زوال عقله أمرا حكميا ثابتا بطريق الزجر عليه لمباشرته المحرم، لا أن يكون العقل باقيا حقيقة لأنه يعرف بأثره ولم يبق للسكران من آثار العقل شئ فلا يحكم ببقائه.
أدلة تحريم الخمر:-
أولا / من القرآن الكريم:-
لم يحرم القرآن الكريم الخمر دفعة واحدة، نظرا لأن شربها كان منتشرا بين العرب.
بل بدأ ببيان ضررها، ثم نهى عن الصلاة أثناء السكر حتى يفيق الإنسان، ثم نزل بعد ذلك التحريم النهائى لها.
1- يقول الله سبحانه وتعالى:(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)([79])
2- ثم بين سبحانه وتعالى أن في شرب الخمر إثما حيث يقول تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ([80])
3- ثم نهى سبحانه وتعالى عن الصلاة في حالة السكر فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) ([81])
4- وأخيرا نزل التحريم القاطع بقوله سبحانه وتعالى:- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) ([82])
ثانيا: التحريم بالسنة النبوية:-
1- يقول صلى الله تعالى عليهوآله وصحبه وسلم " لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحموله إليه " ([83])
2- ويقول عليه السلام: " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام " ([84])
3- ويقو صلوات الله وسلامه عليه " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين ويشربها وهو مؤمن"([85])
4- ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم) " شارب الخمر كعابد وثن " ([86])
ولجريمة شرب الخمر أركان ثلاثة:-
أ- الشرب: وهو تعاطى المادة المخمرة سواء أكان قليلا أو كثيرا أسكر أو لم يسكر ويرى بعض الفقهاء أن العقوبة توقع على السكران الذى يخلط في كلامه مخالفا عادته حال صحوه، وعلى ذلك تكون العقوبة واجبة في حالتين:-
* حالة الشرب ولو لم يسكر الشارب
* حالة السكر
ب- أن يكون الشارب مسلما بالغا عاقلا غير مكره على الشرب فإن كان مكرها فلا عقاب عليه، ويرى بعض الفقهاء عقاب الذمى إذا كان دينه لا يبيح الخمر.
ج- القصد الجنائى: وهو علم الشارب أن شربه الخمر محرما وأن ما يشربه خمرا لأنه بانتشار الإسلام يعلم بالضرورة تحريم الخمر.
وتثبت جريمة الشرب بالشهادة والإقرار مثل باقى الجرائم ويرى بعض الفقهاء ثبوت الجريمة بوجود رائحة الخمر وانبعاثها من فم الشارب.
حكم شرب البيرة والكينا وما شابهها:
 تصنع البيرة من الشعير ([87]) وقد ورد بحديث سيدنا رسول الله صلى لله عليهوآله وصحبه وسلم المتقدم ذكره: " وإن من الشعير خمرا " فإذا احتوت البيرة على الكحول الموجودة بالخمور تكون محرمة حكمها حكم الخمر أما إذا كانت خالية من الكحول ولا تأثير لها على العقل فلا إثم على شاربها.
 أما شرب الكينا فقد ثبت من التحاليل المعملية أن بها نسبة كبيرة من الكحول تتراوح بين 25و 2، 35 % وأنه هو الكحول الموجود بالخمور وعلى ذلك يكون شراب الكينا محرما شرعا.
حكم الحشيش والأفيون وما يشابهها:-
 كما حرم الفقهاء الخمر والمسكر استنادا إلى الكتاب والسنة فقد حرموا أيضا كل ما يذهب العقل أو يفسده سواء كان جامدا أو مائعا أو غازا وعلي ذلك يكون تعاطي الحشيش والأفيون وما في حكمها حراما وقد صدرت فتوي من فضيلة الأستاذ مفتى الديار المصرية ([88]) " نشرت في مجلة الأزهر في عدد شعبان سنة 1360 هـ تقول: إنه لا شك، ولا يرتاب مرتاب في أن تعاطى هذه المواد يذهب العقل أو يفسده سواء أكان سائلا أم جامدا أم مائعا أم غازا لأنها تؤدى إلى مضار جسيمة ومفاسد كثيرة، فهى تفسد العقل، وتفتك بالبدن، إلى غير ذلك من المضار والمفاسد الخطيرة، فلا يمكن أن تأذن الشريعة بتعاطيها مع تحريمها لما هو أقل منها مفسدة، وأخف ضررا، ولذلك قال بعض علماء الحنفية: " إن من قا ل بحل الحشيش زنديق مبتدع "، وهذا منه دلالة على ظهور حرمتها، ووضوحها، وأنه لما كان الكثير من المواد يخامر العقل ويغطيه، ويحدث من الطرب واللذة عند متناولها ما يدعوهم الى تعاطيها والمداومة عليها. كانت داخلة فيما حرمه الله في كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخمر، والمسكر.
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " السياسة الشرعية " ما خلاصته: أن الحشيشة حرام يحد متناولها، كما يحد شارب الخمر، وهى أخبث من الخمر، ومن جهة أنها تفسد العقل، والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث، ودياثة، وغير ذلك من الفساد، وأنها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وهى داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر، والمسكر لفظا، أو معنى – قال أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه، يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن، البتع وهو العسل ينبذ حتى يشتد، والمزر، وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه فقال " كل مسكر حرام " رواه البخارى ومسلم.
 وعن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " إن من الحنطقة خمرا، ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ون التمر خمرا، ومن العسل خمرا وأنا أنهى عن كل مسكر " رواه أبو داود وغيره، وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) قال " كل مسكر حرام " وفى رواية " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام " رواهما مسلم.
 وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام " قال الترمذى: حديث حسن – والفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلا، ومعناه ما أسكر كثير فقليله حرام.
 وروى أهل السنن عن النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) من وجوه أنه قال " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وصححه الحفاظ، وعن جابر رضى الله تعالى عنه " أن رجلا سأل النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة – يقال له: المزر – قال أمسكر هو؟ قال: نعم فقال كل مسكر حرام، إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينه الخبال: قالوا: يا رسول الله، ماطينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار " رواه مسلم.
 وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى " كل خمر مسكر، وكل مسكر حرام " رواه أبو داود.
 والخمر ما يغطى العقل، والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة جمع رسول الله صلى لله عليه وسلم بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل، وأسكر ولم يفرق بين نوع، ونوع، ولا عبرة لكونه ماكولا، أو مشروبا، على أن الخمر قد يصطبغ بها، أى تجعل إداما، وهذه الحشيشة قد تذاب بالماء وتشرب ويؤكل والحشيشة تؤكل، وتشرب، وكل ذلك حرام، وحدوثها بعد عصر النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة لم يمنع من دخولها في عموم كلام رسول الله عن المسكر، فقد حدثت أشربه مسكرة، بعد النبى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب، والسنة.
 وقد تكلم الإمام ابن تيمية رحمه الله عن الحشيشة غير مرة في فتاواه فقال ما خلاصته: " هذه الحشيشة الملعونة هى وآكلوها ومستحلوها، الموجبة لسخط الله تعالى وسخط رسوله، وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة الله، تشتمل على ضرر في دين المرء، وفى عقله وخلقه وطبعه، وتفسد الأمزجه حتى جعلت خلقا كثيرا مجانين، وتورث من مهانة آكلها، ودناوة نفسه، وغير ذلك ما لا تورث الخمر، ففيها من المفاسد، ما ليس في الخمر، فهى بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على ان السكر منها حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل مرتدا، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر الملسمين، وإن القليل منها حرام أيضا، بالنصوص الدالة على تحريم الخمر، وتحريم كل مسكر " وقد تبعه تلميذه الإمام المحقق ابن القيم رحمه الله فقال في كتابه " زاد المعاد " ما خلاصته:-
 "ان الخمر يدخل فيها كل مسكر، مائعا كان أو جامدا, عصيرا أو مطبوخا فيدخل فيها لقمة الفسق والفجور – ويعنى بها الحشيشة – لأن هذا كله خمر بنص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصريح، الذى لا يطعن في سنده، ولا إجمال في متنه، إذ صح عنه قوله: " كل مسكر خمر " وصح عن أصحابه رضى الله عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابه، ومراده بأن الخمر ما خامر العقل، على أنه لو لم يتناول لفظه (صلى الله عليه وآله وسلم) " كل مسكر " لكان القياس الصحيح الصريح، الذى استوى فيه الأصل والفرع من كل وجه، حاكما بالتسوية بين أنواع المسكر، فالتفرقة بين نوع ونوع تفريق بين متماثلين من جميع الوجوه"
 وقال صاحب " سبل السلام شرح بلوغ المرام " " إنه يحرم ما أسكر من أى شئ وان لم يكن مشروبا كالحشيشة "
 ونقل عن الحافظ ابن حجر " أن من قال: إن الحشيشة لا تسكر، وإنما هى مخدر مكابر، فإنها تحدث ما تحدثه الخمر من الطرب والنشوة ".
 ونقل عن ابن البيطار من الأطباء " أن الحشيشة التى توجد في مصرمسكرة جدا، إذا تناول الإنسان منها قدر درهم، أو درهمين "
 وقبائح خصالها كثيرة، وقد عد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، وقبائح خصالها موجودة في الأفيون، وفيه زيادة مضار.
 وما قاله شيخ الاسلام ابن تيمة، وتلميذه ابن القيم، وغيرهما من العلماء هو الحق الذى يسوق إليه الدليل وتطمئن به النفس، وإذ قد تبين أن النصوص من الكتاب والسنة تتناول الحشيش، فهى تتناول أيضا الأفيون الذي بين العلماء أنه أكثر ضررا، ويترتب عليه مفاسد، ما يزيد على مفاسد الحشيش، وتناول أيضا سائر المخدارت التى حدثت، وفيها ما في الخمر، من مفاسد، ومضار، وتزيد عليها بمفاسد أخرى، كما في الحشيش، بل أفظع، وأعظم، كما هو مشاهد ومعلوم ضرره، ولا يمكن أن تبيح الشريعة الإسلامية شيئا من المخدرات.
 ومن قال بحل شئ منها فهو من الذين يفترون على الله الكذب، أو يقولون على الله ما لا يعلمون.
 وقد سبق أن قلنا إن بعض علماء الحنفية قال: " إن من قال بحل الحشيشة زنديق مبتدع " وإذا كان من يقول بحل الحشيشة زنديقا مبتدعا، فالقائل بحل شئ من هذه المخدرات الحادثة التى هى أكثر ضررا وأكبر فسادا، زنديق مبتدع أيضا، بل أولى بأن يكون كذلك.
 وكيف تبيح الشريعة الإسلامية شيئا من هذه المخدرات التى يلحق ضررها البليغ بالأمة أفرادا وجماعات، ماديا وصحيحا، وأدبيا، حيث أن مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح الخاصة، أو الراجحة، وعلى درء المفاسد، والمضار كذلك، وكيف يحرم الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم الخمر من العنب مثلا كثيرها وقليلها، لما فيه من المفسدة ولأن قليلها داع الى كثيرها، وذريعة اليه. ويبيح من المخدرات ما فيه، ويزيد عليها، بما هو أعظم منها، وأكثر ضررا للبدن والعقل، والدين، والخلق، والمزاج. هذا الحكم لا يقوله إلا رجل جاهل بالدين الإسلامى، أو زنديق مبتدع كما سبق القول به، فتعاطى هذه المخدرات على أى وجه من وجوه التعاطى من أكل، أو شرب، أو شم أو إحتقان حرام، باجماع الأئمة " أ. هـ.
 ومما ذكرنا يتبين أن الحشيش وسائر المخدرات قليلا كان أو كثيرا حرام على اى وجه سواء أكان أكلا أم شربا ويدخل في نفس الحكم الأفيون وما في حكمه.
حكم شرب الدخان:
 ثبت من الدراسات العلمية الحديثة الآثار الضارة للتدخين على صحة شارب الدخان ([89]) في الأماكن المغلقة التي يتجمع فيها كثير من الناس مما أدي الى أن تحرم الدول الأوروبية غير المسلمة التدخين في الأماكن العامة المغلقة محافظة على صحة المواطنين، وخذت حذوها كثير من الدول الإسلامية
 وألزمت الدول شركات أنتاج الدخان ان تكتب تحذيرات على منتجاتها تبين لجمهور المدخنين ضرر التدخين على الصحة.
فإن كان الإسلاتم قد حرم الخمور والمسكرات لضررها البالغ على عقل الإنسان وجسمه، فإن للتدخين أيضا ضررا بالغا على جسم الإنسان لذلك فقد أفتى بعض الفقهاء بكراهية التدخين وافتى أكثرهم بتحريمه.
 وقد ذكر جمع من أكابر العلماء وجهابذة الأطباء أن من العقل فضلا عن الشرع وجوب اجتناب التدخين حفظا للصحة ودفعا لدواعي الضعف الجالب للهلاك والدمار وخصوصا ضعيف البنية وكبير السن الذي ليست عنده قوة لمكافحة الأمراض وأصحاب المزاج البلغمي. ولذلك يتركه كثير من الناس خوفا من ضرره وكراهية لرائحته لفترات قد تطول او تقصر فاذا حمل اليهم وقت الحاجة اليه لم يستطيعوا الإعراض عنه أبدا بل يقبلون عليه بكلياتهم كل الإقبال فله سلطان عظيم على عاشقيه وتاثير على العقل وذلك أن شاربه يفزع الى شربه اذا نزل به مكدر([90])
فتوى مفتي الديار المصرية:
 وقد افتي الشيخ الدكتور نصر فريد واصل مفتي جمهورية مصر العربية بحرمة شرب الدخان وقال إنه أشد حرمة من الخمر لان الخمر تضر شاربها أما الدخان فقد أثبتت البحوث والدراسات الطبية أن ضرره يتجاوز شاربه الى غيره ممن يكون بينهم وأكثرهم ضررا أسرته من أطفال ونساء.
 وافادت الدراسات أن أضرار التدخين على المرافقين أشد ضراوة من ضرره على المدخن نفسه لذلك طالب المفتي أولي الامر بمنع تصنيع الدخان أو استيراده لأنه يضر الصحة ويتلف المال. ([91])
عقوبة شرب الخمر
 يذهب جمهور الفقهاء " مالك وأبو حنيفة ورواية عن أحمد " الى أن حد شارب الخمر ثمانون جلدة ويستدلون بالحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد قال " جلد على عهد النبي ( صلي الله عليه وسلم ) في الخمر بنعلين اربعين فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطا " ([92])
 وكان الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يجلد عنه أربعين جلدة في أول خلافته حتي إذا كان في أواخر خلافته فجلد ثمانين جلدة عندما كثر الشاربون وفسقوا.
 وفي الموطأ أن عمر إستشار في حد الخمر فقال له على (رضي الله عنه) أري ان تجلده ثمانين جلدة فإنه إذا شرب سكر، واذا سكر هذي، وإذا هذي افتري، وحد المفتري ثمانون، فجلد عمر في حد الخمر ثمانين جلدة ([93]).
 ويري بعض الفقهاء " الشافعي ورواية آخرى عن أحمد " أن حد الشرب أربعين جلدة فقط لما روي عن أنس " أن النبي – صلي الله عليه وسلم – كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين ".
 وفي حديث لسيدنا رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال:" من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فان عإد فاقتلوه في الثالثة أو الرابعة " شك من الراوي " فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده.. ولم يقتله النبي – صلي الله عليه وسلم ".
 ويروي عن الإمام على بن ابي طالب كرم الله وجهه أنه قال ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر ولو مات لوديته لأن النبي – صلي الله عليه وسلم – لم يسنه لنا.
 فمن رأي من الفقهاء أن الجلد ثمانين اعتبر أن الصحابة أجمعوا على ذلك وإجماع الصحابة تشريع واجب التطبيق
 أما الذين يرون أن الحد أربعين فيستدلون بما ورد عن سيدنا رسول الله – صلي الله عليه وسلم – والزيادة الى الثمانين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) تعزيرا من الإمام وليست حدا، فالحد في نظرهم أربعون والباقي تعزير وهذا من حق ولي الأمر.
 والرأي الراجح في الحد هو رأي الجمهور وهو الجلد ثمانين جلدة والله سبحانه وتعالي اعلم.


الفصل الثاني:
خصائص الإسلام العامة

 الإسلام دين عام شامل صالح لكل زمان ومكان أنزله الله سبحانه و تعالى على سيدنا محمد (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ) ليظهره على الدين كله. ليبشربه كل من في الأرض جميعا لقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) ([94])
 وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) ([95])
 وقوله سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا ) ([96])
وبناء على هذا الأمر الإلهى يكون البشر جميعا مخاطبون بالإسلام ومدعوون إلى اعتناقه والإيمان به وبرسوله ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) وكتابه.
 والمسلمون اليوم يتعرضون – كما سبق أن قلنا - لهجمات شرسة من أعداء الإسلام في الداخل والخارج يعملون على بث الشبهات ونشر الأباطيل حوله لينفروا الناس منه ويبعدوهم عنه ويشككوا المسلمين في دينهم
 وقد يكون كثير من غير المسلمين لا يعلمون شيئا عن الإسلام إلا ما يبثه هؤلاء الأعداء مما يضع على عاتق المسلمين مهمة بيان حقائق وخصائص هذا الدين لكى يكون الناس من المسلمين وغير المسلمين عل بينة من امرهم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة".([97])
 وللإسلام خصائص عامة تبين غاياته وأهدافه ومنهجه وتوضح دعائمه وقواعده ومقاصده ومن أهم هذه الخصائص ما يلى:-
 1.‏ الربـانية: ‏
ýý المراد بالربانية: أن الدين الإسلامي، مـادته ومنشـأه ونهايتـه من الرب سبحانـه وتعالى، فالإسلام شريعة ربانية من وجهين: ‏ ([98])
ربانية المصدر والمنهج: ‏
ýý إن المنهج الذي رسمه الإسلام للوصول إلى غاياته وأهدافه منهج رباني خالص؛ لأن مصدره وحي الله تعالى إلى خاتم رسله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ‏
ýý لم يأت هذا المنهج نتيجة لإرادة فرد، أو أسرة، أو طبقة، أو حزب، أو شعب، وإنما جاء نتيجة لإرادة الله الذي أراد به الهدى والنور، والبيان والبشرى، والشفاء والرحمة لعباده. كما قال تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)([99]) ‏
ýý وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}([100]). ‏
ربانية الغاية والوجهة: ‏
ýý إن الإسلام يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد هوحسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه هي غاية الإسلام، وبالتالي هي غاية الإنسان، ومنتهى أمله وسعيه وكدحه في الحياة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)([101]). ‏
 وقال تعالى: { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى }([102]). ‏
ýý وكل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وإرشاد، إنما يقصد إلى إعداد الإنسان ليكون عبداً خالصاً لله، لا لأحد سواه. ولهذا كان روح الإسلام وجوهره هو التوحيد. ‏
ýý ولقد خاطب الله تعالى رسوله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الحقيقة، وأمره أن يعلنها ويبلغها للناس، فقال: {
ö@è% ÓÍ_¯RÎ) ÓÍ_1y0yd þ_În1u_ 4_n<Î) :Þºu}ÅÀ 5O`É)tGó¡"B $YY’Ï` $VJu`Ï% s'©#ÏiB tLìÏdºtö/Î) $Zÿ`ÏZym 4 $tBur tb%x. z`ÏB tûüÏ.Î}ô³ßJø9$# ÇÊÏÊÈ ö@è% ¨bÎ) _ÎAxx|¹ _Å5Ý¡èSur y_$u9øtxCur  ÎA$yJtBur ¬! Éb>u_ tûüÏHs>»yèø9$# ÇÊÏËÈ xw y7’Î}x° ¼çms9 ( y7Ï9ºx9Î/ur ßNöÏBé& O$tRr&ur ãA¨rr& tûüÏHÍ>ó¡çRùQ$# ÇÊÏÌÈ } ([103])
ýý في الإسلام تشريع ومعاملات، ولكن المقصود منها هو تنظيم حياة الناس وتحريرهم من الصراع على المتاع الأدنى، وتوحيد وجهتهم إلى الغاية الأسمى؛ عبادة الله وطاعته. ‏
ýý وفي الإسلام جهاد وقتال للأعداء، ولكن الغاية: { حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله }([104]).
ýý وفي الإسلام حث على المشي في مناكب الأرض، والأكل من طيباتها ولكن الغاية هي القيام بشكر نعمة الله وأداء حقه: { كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }([105]). ‏
ýý إن الغاية الكبرى من خلق الجن والإنس هي عبادة الله بمعناها الشامل، قال تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ  إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)([106]). ‏
ýý فالإسلام إذاً منهج رباني، سلم من تحريف البشر بالزيادة أو النقصان، بخلاف الأديان الأخرى التي إما أن تكون في أساسها من وضع البشر، فهي قاصرة عن الوفاء بسعادتهم، لأنها متأثرة بقصور واضعيها وجهلهم وأهوائهم، كالديانات الوضعية على اختلاف أنواعها، أو تكون في أصلها من عند الله، ثم دخلها التحريف والتبديل فذهبت عنها قداستها وصفتها الربانية، كاليهودية والنصرانية. ‏
 قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([107]). ‏
2. الإنسانية: ‏
ýý هذه هي الخاصية الثانية من خصائص الدين الإسلامي، والمراد بالإنسانية:أن الإنسان له مكانة عظيمة في هذا الدين، وعقائد الإسلام وأحكامه وأهدافه إنما جاءت لإسعاده والعناية به وبحقوقه، بطرق مباشرة تظهر لعامة الناس، وغير مباشرة يدركها العارفون منهم. ‏
ýý فالرسول بشر وإنسان، وهو الذي نقل إلينا هذا الدين من الله سبحانه، قال عز وجل:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ) ([108]). ‏
ýý وكل دعوات الرسل التي جاءت من عند الله، ودعوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أساس دعوتها إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، ثم العناية بالإنسان وحاجاته، وإصلاح معاشه. ومن تأمل في دعوات الأنبياءالتي قصها الله في القرآن يجد أن إصلاح الانحرافات الواقعة في المجتمعات الإنسانية كانت من أولوياتهم. ‏
ýý فهذا شعيب عليه السلام يقول لقومه:( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ)([109]). ‏ ýý فمع دعوته للتوحيد نصحهم بترك التطفيف في المكيال والميزان، وغش الناس في البيع والشراء. ‏
ýý وهذا لوط عليه السلام ينصح قومه الذين كانوا يمارسون فاحشة اللواط وهي إتيان الذكر الذكر، فيقول لهم: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ)([110]). ‏
ýý وقال في موضع آخر: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ }([111]). ‏
ýý وشريعة الإسلام، كل عباداتها ومعاملاتها تعتني بجانب الإنسان ولأجل مصلحته، فالزكاة تؤخذ من الغني وتعطى للفقير، والصلاة والصوم تعينان الإنسان في حياته، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ([112]) ‏.‏
ýý وحرم كل البيوع والعقود التي تعود بالضرر على الإنسان، بل شرع من الآداب والأخلاق ما يحفظ للإنسان كرامته وعزته. ‏
* مظاهر تكريم الإنسان في الاسلام: ‏
‎ أ-استخلافه في الأرض. ‏
ýý قال عز وجل: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )‏([113])
ýý فكرم الله الإنسان بالخلافة في الأرض وعمارتها، وهيأه بالعلم والعقل الذي جعله في منزلة فوق الملائكة الأطهار. ‏
‎‎ ب-خلقه في أحسن تقويم. ‏
ýý فالله عز وجل خلق الإنسان وصوّره في أجمل وأحسن صورة، وكرمه بذلك على غيره من الكـائنات. ‏
ýý قـال عز وجل: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)([114])
 وقـال سبحانه: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }([115]).‏
‎‎ ج- أن الله نفخ في الإنسان من روحه
وأضاف الروح إلى ذاته الشريفة؛ لأنه كريم عند الله تعالى. ‏ قال عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)([116]). ‏
ýý وقال عز وجل: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون }( [117]). ‏
د- تسخير الكون لخدمة الإنسان. ‏
‎‎ من تكريم الله لهذا الإنسان أنه جعل الكون كله في خدمته، كرامة من الله له ونعمة منه عليه، لكي يسعد في الدنيا، ويستعين بها على عبادة ربه، قال عز وجل مخاطباً الإنسانية كلها: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)([118]). ‏
ýý وقال عز وجل: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)([119]).
‎ هـ-إلغاء الوساطات والحواجز بين الله والإنسان:
ýý وهذا تكريم آخر للإنسان المسلم، فإنه متى أراد أن يدعو ربه ليغفر ذنبه ويقضي ويسد حاجته، ما عليه إلا أن يرفع يديه إلى مولاه، فليس هناك حاجة إلى من يتوسط بينه وبين الله عز وجل، كما تفعل المسيحية التي تمنح الكهنة والرهبان حق إصدار صكوك الغفران للناس نيابة عن رب العباد، فتجعل سعادة البشرية مرهونة بأفراد معينين، يكونون حاجزا وحجاباً بينهم وبين ربهم ومولاهم سبحانه. ‏ قال عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)([120]).
 و- حفظ كرامة الإنسان وماله وعرضه: ‏
ýý أكد الإسلام على كرامة الإنسان وحرمة دمه وماله وصيانة عرضه، حتى إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلن ذلك في حجة الوداع حين خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْر في آخر سني عمره، أمام أعظم حشد من البشر، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) مقرراً حقوق الإنسان قبل أربعة عشر قرناً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (رضي الله عنه)مَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض ) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس (رضي الله عنه)، واللفظ للبخاري. ‏
ýý بل إن الإسلام لم يكتف بحماية حق الإنسان وحفظه في حياته، بل حتى بعد مماته، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا ) رواه أحمد وأبوداود وصححه الألباني.
 وهذا مخالف لما عليه الأديان الوضعية والقوانين الأرضية التي عنيت إلى حد الإفراط بجوانب من حياة الإنسان، وسمحت له أن يدمر نفسه في جوانب أخرى. ‏
‎ ز- الناس سواسية في شريعة الإسلام: ‏
ýý وهذا من مظاهر التكريم للإنسان المسلم، فلا فرق بين أبيض ولا أسود، ولا عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)([121]). ‏
ýý وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى )([122])
ýý بل إن الإسلام لما شرع العقوبات والحدود على المعتدين والمجرمين جعلها تطبق على الناس كافة، شريفهم ووضيعهم، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم. ‏
ýý قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها )([123]).
ثالثا الشمول: ‏
ýý ومن مظاهر الشمول التي تميز بها دين الإسلام: ‏
أ- أنه شامل لكل الناس إلى قيام الساعة. ‏
ýý بمعنى أن دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) هو دين لجميع الناس في الأرض إلى قيام الساعة وانتهاء الحياة الدنيا، فهو رسالة للعالم كله، وليس خاصاً بالعرب مثلاً، ولا بجنسٍ دون آخر، بل هو للعرب والعجم، والبيض والسود، والأحرار والعبيد. فدين الإسلام ليس فيه شعب مختار، أو تميز بسبب الجنس أواللون. فهذا ربنا يقرر هذه الميزة مخاطباً نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)([124]). ‏
ýý ويقول عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ([125]). ‏
ýý ويقول عز وجل: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) ([126]). ‏
ب- شمول شريعة الإسلام لجميع مراحل حياة الإنسان: ‏
ýý فالإسلام وضع نظاماً لحياة الإنسان وهو في بطن أمه حملاً، ثم عندما يكون طفلاً، فبين الذي له من حقوق الحضانة والرضاعة والرعاية، ثم لما يبلغ ويتزوج، ثم عندما يكون أباً أو أماً، ثم لما يكون شيخاً كبيراً، فشريعة الإسلام ترعى الإنسان وتدير شؤونه من قبل ولادته حتى وفاته وبعد وفاته. ‏
ج- شمول أحكام الإسلام لكل نواحي الحياة: ‏
ýý فدين الإسلام ينظم حياة الإنسان كلها في نفسه وعلاقاته مع غيره، في بيته وفي عمله وفي كل أحواله، فكل حياة الإنسان تكفّل الإسلام بوضع منهج متكامل لها، وجعل الالتزام بهذا المنهج عبادة يُثاب عليها إذا خلصت النية لله عز وجل. ‏
ýý في دين الإسلام لابد أن يؤخذ الدين كله ولا يجزّأ، ولا يؤخذ بعضه ويترك بعضه الآخر. ‏
ýý قال عز وجل: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) ([127]) ‏
 وقد أنكر الإسلام على اليهود الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم الآخر، قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ،  أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) ([128]).‏
رابعا ‏الوسطية: ‏
 وهي من ابرز خصائص الإسلام ويعبر عنها بالتوازن والتعادل ويظهر هذا التوازن الدقيق في خلق الله وفي امر الله جميعا فهو صاحب الخلق والأمر فظاهرة التوازن تبدو فيما أمر الله به وشرعه من الهدي ودين الحق أي في نظام الإسلام ومنهجه للحياة كما تبدو في هذا الكون الذي ابدعته يد الله سبحانه وتعالى فأتقن صنعه، فنجد الليل والنهار والظلام والنور والبرودة والحرارة والماء واليابس والغازات المختلفة كلها بقدر وميزان وحساب لا يطغي شئ منه على مقابله ولا يخرج عن حده المقدر له، فدين الإسلام دين وسط لا غلو فيه ولا تقصير، وليس فيه ظلم ولا تعد، فالوسطـية تعني عدة أمور: ‏
أ- وسطية بمعنى أنها شريعة عادلة، في أخذ الحقوق وإعطاء الواجبات. ‏
ýý وقد ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أروع الأمثلة في تجسيد هذا المبدأ، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ([129]). ‏
ýý وقال في خطبة حجة الواداع: (...وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربا عباس ابن عبد المطلب فإنه موضوع كله)([130]). ‏
ب- وسطية بمعنى أنها شريعة مستقيمة غير منحرفة: ‏
ýý والإسلام هو الصراط المستقيم، فليس هو طريق الضالين من النصارى، ولاطريق المغضوب عليهم من اليهود. قال تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
ج- وسطية بمعنى أنها شريعة كلها خير وحق وصواب: ‏
ýý فهي رمز للخيرية، كما قال عز وجل: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[131]. ‏
ýý وقا ل عز وجل: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)([132])‏
د- وسطية في الشعائر والاعتقادات والعبادات. ‏
ýý ففي الإسلام لم تحرم الطيبات، كذلك لم تبح الخبائث. ‏
ýý وفي الإسلام إثبات وجود الله ووحدانيته، وأنه رب الكون وخالقه وإلهه، فلايستحق العبادة إلا هو سبحانه. قال تعالى): (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)([133]). ‏
ýý وذلك خلافاً لما عليه الملاحدة الجاحدين، والمشركين الذين عددوا الآلهة وتجاوزوا الحد وأشركوا مع الله آلهة أخرى. ‏
ýý وفي الإسلام تقدير لحق الأنبياء، فهم رسل كرام ومصطفون عند الله أخيار، يطاعون ويتبعون، لكن لايبلغ بهم درجة الألوهية والعبادة كما فعل النصارى، وكذلك لا يسبون ويكذبون كما فعل اليهود. ‏ والإسلام وسط في عقائده فللّه الأسماء الحسنى والصفات العليا كما تليق به سبحانه، من غير تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.
 قال عز وجل: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)([134]). ‏
‎خامسا الواقعية: ‏
ýý المراد بالواقعية في شريعة الإسلام: أنها تراعي واقع الحياة التي يعيش فيها الإنسان، فالشرائع التي في الإسلام ملائمة لفطرة الإنسان وواقعه وحياته، ولهذا فهي الشريعة القادرة على إسعاد البشرية كلها. ‏
ýý فكل عقائد الإسلام ليس فيها شيء غير واقعي، فالإيمان لابد أن يكون بإله واحد لا شريك له حتى تجتمع حواس الإنسان وإرادته وتكون كلها لله سبحانه. ‏
ýý والإيمان في شريعة الإسلام عقيدة واقعية، فالمؤمن لا يحكم بإيمانه إلا إذا قام بالعمل واجتهد، فالإيمان قول واعتقاد وعمل. والرسول في عقيدة الإسلام بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. والقرآن كلام الله المنزل على رسوله المتعبد بتلاوته، وحروفه وألفاظه من الله تعالى. فليس في شريعة الإسلام وعقائده ما يستغرب أو ما هو مثالي لا يمكن أن يتلاءم مع واقع البشرية. ‏
ýý إن الأديان والفلسفات الوضعية والديانات المحرفة لم تكن واقعية، لأنها لم تلب حاجات البشرية ولم تسعدها، والواقع يشهد بهذا. لقد جاء الإسلام بعبادات واقعية. لأنه عرف ظمأ الجانب الروحي في الإنسان إلى الاتصال بالله، ففرض عليه من العبادات ما يروي ظمأه ويشبع نهمه ويملأ فراغ نفسه. فقد قضى الله أن في الإنسان جوعة لايسدها إلا الإيمان بالله والصلة به. (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )([135]). بلى سبحانه. ‏ ومع هذا لم يشرع له عبادات فوق طاقته، بل جعلها ميسرة سهلة، قال عز وجل: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ([136]). ‏
ýý ومن واقعية الإسلام أن جعل محفزات ومرغبات للعمل الصالح، ومرهبات ومنفرات عن العمل السيء، لأن الإنسان بفطرته وطبيعته لا يحركه إلى الخير ولا يبعده عن الشر إلا شوق يحفزه ويدفعه، أو خشية تحجزه وتمنعه، وليس كالشوق إلى مثوبة الله وجنته والنظر إلى وجهه حافز، ولا كالخوف من عذابه وبطشه وانتقامه حاجز ومانع. ‏
ýý من واقعية شريعة الإسلام أنها لم تحرم على الإنسان شيئاً هو في حاجته، وكذلك لم تبح له شيئاً يعود عليه بالضرر، قال عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ([137]).‏
ýý ومن واقعية شريعة الإسلام أنها أقرت بأن الإنسان مفطور على الميل إلى اللهو والمرح والترويح عن النفس، فضبطت ووجهت تلك الغريزة، ولم تمنعها وتكبتها، بل هذبتها، فأباحت كل لهوٍ ليس فيه محرم وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وحرمت ما اشتمل على ضد ذلك، كالغناء بآلات اللهو والطرب والموسيقى والكلام الفاحش البذيء، وأباحت الشعر والإنشاد بالدف وبالكلام المباح. ‏
ýý وقد غنت جاريتان بالدف عند عائشة (رضي الله عنه)ا في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فانتهرهما أبو بكر وأنكر عليهما، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيد ) ([138]). ‏
ýý وقال أيضاً:(لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَة )([139]). ‏
ýý وقد أذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للحبشة أن يلعبوا في مسجده بالحراب. ‏
سادسا ‏الوضوح والسهولة: ‏
ýý مما تميزبه الإسلام الوضوح في عقيدته وشريعته وأحكامه، يفهمهما البليد والذكي والجاهل والعالم، وليس فيها ألغاز ولا مبهمات، ولا يوجد في الإسلام كما في غيره من الأديان كالنصرانية "اعصب عينيك واعتقد "، بل يعتقد وهو يعلم ماذا يعتقد. يعتقد بأن إلهه واحد، وهو الله سبحانه وحده الذي تصرف له العبادة دون ما سواه، وهو وحده الذي تطلب منه الحاجات، وهو وحده الذي بيده الضر والنفع. ‏
ýý من وضوح هذه العقيدة: أن كل الغيبيات التي أخبر الله عز وجل بها من أمر الآخرة كالجنة والنار وما فيهما من نعيم أوعذاب. وكذلك صفات الله سبحانه، كلها معقولة، تدرك العقول معناها وإن كانت لا تدرك كيفيتها لأنها غيب، قال عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }([140]). ‏
ýý ومن وضوح هذه الشريعة: أن جميع عباداتها سواء البدنية أو المالية كلها معلومة وواضحة؛ فالصلوات خمس في اليوم والليلة والصيام هو شهر واحد في رمضان، والزكاة معلومة مقاديرها وأنصبتها، والحج معلومة أركانه وشروطه وواجباته، يعرفها كل من تعلمها ولا تعجز العقول عن فهمها. ‏
ýý وأخيرا فإن من وضوح هذا الدين: أن قراءة القرآن الكريم وحفظه وفهمه ميسر سهل لكل راغب، قال عز وجل: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) ([141]). ‏ ýý وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محفوظة بالإسناد، وسيرته مضبوطة محررة. ومن هذه المصادر يؤخذ الإسلام، وإليها يرجع عند الاختلاف. وهذا كله مما لم يتوافر لدين من الأديان. ‏
 وهكذا يتين لنا أن تلك الخصائص التي اتسمت بها الشريعة الإسلامية ما هي إلا وسيلة لتحقيق مقاصد الشريعة التي بينا جانبا منها في القسم الأول من هذا البحث ومقاصد الشريعة وخصائص الإسلام العامة واحدة لدي جميع المذاهب الاسلامية مما يدعم ويقوي دعوة التقريب ويوضح أساسها الشرعي بإعتبارها من أهم دعائم الوحدة الإسلامية المنشودة التي نأمل أن نراها في وقت قريب حتي يعود للاسلام مجده،ويعود للمسلمين قوتهم وهيبتهم وعزهم.
 والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.
 وصلي الله على سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

---------------------------------------

([1]) سورة الذاريات اّية 56

([2]) مقاصد الشريعة الإسلامية وضرورات التجديد – د محمود حمدي زقزوق  ط ثالثة ص 6 القاهره 1430هـ

([3]) سورة آل عمران الآية 110

([4]) الموافقات للشاطبي – تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد – جـ2 ص 4/6 ط مكتبة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر – 1969 م

([5]) سورة البقرة اّية256

([6]) سورةالبقرة اّية 191

([7]) أصول الفقه الامام الشيخ محمد أبوزهرة رحمه الله  - دار الفكر العربى – القاهرة – بدون تاريخ ص 367.

([8]) اصول الفقه – الإمام الشيخ محمد  أبو زهرة دار الفكر – بدون تاريخ ص 365 وما بعدها

([9]) مقاصد الشريعة الاسلامية وضرورات التجديد – ا-د.محمود حمدى زقزوق ط3- المجلس   الاعلى للشئون الاسلامية 1430ه -2009م –ص43  

([10]) الموافقات للامام الشاطبى –مرجع سابق - ج2 ص8

([11]) المستصفى للغزالى ج1 ص287- والتدابر الزجرية والوقائية فى التشريع الاسلامى واسلوب تطبيقها – المستشار توفيق على وهبة – دار اللواء بالرياض  1403-ه   ص- 126\127.

([12]) نقلا من كتابنا التدابير الزجرية والوقائية فى التشريع الاسلامى – مرجع سابق ص 127

([13]) مقاصد الشريعة رؤية حضارية – د.محمد الشحات الجندى – جريدة الاهرام فى 25/9/2010

([14]) الإسلام شريعة الحياة المستشار توفيق علي وهبه  – ط دار اللواء بالرياض 1401 ه -1981-طبعة ثانية ص43/48 

([15]) سورة النساء الآيتان  29-30

([16]) سورة المائدة الآية 32

([17]) تفسير المراغى ج5 ص 19، 20 بتصرف

([18]) سورة البقرة الآية 179

([19]) سورة النساء أية 29

([20]) سورة البقرة آية 195

([21]) سورة النساء أية 29

([22]) رواه احمد وأبو داود والدارقطنى

([23]) سورة البقرة آية 194

([24]) سورة الشوري الآيات 40،41

([25]) سورة الشوري الآيات 40

([26]) رواه النسائى

([27]) رواه أبو داود والنسائى والترمذى وابن  ماجه وقال الترمذى حديث حسن صحيح.

([28]) سورة البقرة الآية 217

 ([29]) سورة المائدة الآية 54

([30]) سورة النحل الاية 54

([31]) أخرجه البخاري في صحيحه والنسائي في السنن

([32]) متفق عليه

([33]) سورة النحل آية 106.

([34]) رواه البخاري واحمد وأبو داوود والترمزي والنسائي وابن ماجه  وصححه السيوطي في الجامع الصغير جـ2 ص 168.

([35]) راجع في موضوع الردة كتابنا: الجرائم والعقوبات  في الشريعة الإسلامية – ط دار عكاظ بالرياض وجده طبعة ثالثة خاصة بإدارة المكتبات بوزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية 1983م.

([36]) كتابنا الإسلام شريعة الحيا ة – مرجع سابق  ص 70/86

([37]) سورة الغاشية  الأيات 17 – 20

([38]) سورة يس الآيات 36-42

([39]) أنظر  طبارة – روح الدين الإسلامي، د. علي عبد الواحد وافي حقوق الإنسان في الإسلام

([40]) سورة المائدة الأية: 57

([41]) سورة البقرة: 178

([42]) سورة المائدة الآية 54

([43]) الجرائم والعقوبات  - المستشار توفيق على وهبة نشر دار عكاظ – الرياض – 1983ص 87/95.

([44]) الفرقان 68/69

([45]) سورة النساء الآيتان 16،15

([46]) سورة النور 2/3

([47]) النساء /25

([48]) النور 6/9

([49]) رواه الخمسة وفي رواية أخري( هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه )

([50]) رواه احمد وابو داود

([51]) سورة النساء اَية15

([52]) سورة النور الاية 4

([53]) يرى بعض الفقهاء عدم اقامة الحد على الشهود إذاكانو أقل من أربعة حتى لاينسد باب الشهادة على الزنا.

([54]) وهذا هو المعمول به عند الحنفية الا إذا كان هناك عذر أدى تأخير الشهادة أما المالكية والشافعية والحنابلة فيرون سماع الشهادة فى الزنا والقذف وشرب الخمر بعد مضى زمن طويل لأن الحد بعد الشهادة أصبح حقا

([55]) اخرجه الحاكم والبيهقى وغيرهما

([56]) راجع الفقه على المذاهب الاربعة ج5 ص93 لفضيلة الشيخ عبد الرحمن الجزىري رحمة الله

([57]) والواضح ان عمر رضى الله عنه لم يقم الحد لشبهة جهلها بتحريم الزنا حيث تذكر بعض الرويات انها كانت اعجمية.

([58]) سورة النساء ا لآية 15

([59]) أخرجه الحاكم والبيهقى وغيرهما.

([60]) سورة النور الاَية 19

([61]) سورة النور الاَيتان 27-28

([62]) سورة النور الاَية 4-5

([63]) سورة  النور -الاَية 23

([64]) رواه البخارى ومسلم وابو داود والنسائى وصححه السيوطى

([65]) سورة النور الآيتان 5،4

([66]) الجرائم والعقوبات في الشريعة الآسلامية – للباحث شركة مكتبات عكاظ – جده ط ثانية 1403/1983 ص 67/74

([67]) النبش ابراز المستور وكشف الشئ عن الشئ ويطلق النباش اصطلا حا على من ينبش القبور ليسرق الاكفنة 

([68]) وفى رواية أخرى (ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع ) رواه احمد والاربعة وصححه الترمذى

([69]) متفق عليه واللفظ لأحمد ولفظ مسلم "لاتقطع يد السارق الافى ربع دينار فصاعدا" ولفظ البخارى "تقطع يد السارق فى ربع دينار فصاعدا".

([70]) رواه أحمد والاربعة وصححه الترمذى وابن ماجه.

([71]) رواه أبو داود واحمد والنسائى واخرجه الحاكم والبزار

([72]) سورة المائدة الاَية 38.

([73]) الحسم هو لمنع سيلان الدم حفاظا علي حياة المتهم وليس من العقوبة ويمكن الإستعاضة عن الحسم  في وقتنا الحاضر بالوسائل الطبية والعمليات الجراحية الحديثة

([74]) الجرائم والعقوبات – للباحث ط دار عكاظ بالرياض  1983 – ص 118 / 131

([75]) رواه مسلم

([76]) رواه الترمذى وأبو داود والنسائى

([77]) يراجع رأى الائمة وأدلتهم كتاب المغنى لابن قدامة ج 9 ص 305، 306

([78]) انظر نظام التجريم والعقاب فى الاسلام مقارنا بالقوانين الوضعية تأليف المستشار على على منصور ص 107، مدخل الفقه الجنائى الاسلامى تأليف د/ أحمد فتحى بهنسى ص 84/ 88، والمغنى لابن قدامه ج9 ص 305، 306.

([79]) سورة النحل الآية 67

([80]) سورة البقرة الآية 219

([81]) سورة النساء الآية 43

([82]) سورة المائدة الآيتان 90، 91

([83]) رواه أبو الحكم والحاكم  وصححه السيوطي في الجامع الصغير جـ2 ص 123

([84]) رواه مسلم

([85]) رواه البخارى ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذى والنسائى

([86]) أخرجه السيوطى فى الجامع الصغير وحسنه.

([87]) أكد العلماء فى المانيا بأنه قد وجدت كميات صغيرة من المواد المسببة للسرطان المعروفة باسم " نيترو سامنز فى انواع مختلفة من البيرة.. وخاصة الانواع الداكنة..

وقالوا فى مؤتمر صحفى نظمه مركز بحوث السرطان فى هذه المدينة أن نتائج استكشافاتهم مازالت قيد البحث وفى الوقت الذى تعتبر فيه مادة النيتروسامينز من بين أكثر المواد المسببة للسرطان – فان العلماء حذروا من عدم المبالغة فى تقدير نتائج تجاربهم التى أجريت على الحيوانات. واضافوا  ان مادة النيتروساميز  قد وجدت متجمدة مع مادة " ميثلامين " 70% من 158 عينة وأن مركز  بحوث ا لسرطان  يفحصها خلال العامين الماضيين  وكانت أكبر كمية وجدت في البيرة هي 68 مليجرام في كل كيلو جرام  وقال العلماء أن محتويات البيرة الداكنة في مادة النيتروساميز تفوق تلك التي وجدت في الأنواع المجففة والمصدرة وذكر العلماء أنه مع ذلك فإن البيرة تحتوي علي نسب مركزة من مادة النيتروساميز  سببت أوراما سرطانية في الكلاب والقطط والخناذير والأسماك والطيور والقرود  وتدخل  هذه المادة في البيرة عن طريق الشعير أحد مكونات البيرة – عن طريق وضع مواد التخمير وتقوم كلا من وزارة الشئون الإجتماعية الألمانية الغربية وادارتا البحث الألماني ومعهد السرطان القومي في الولايات المتحدة  بتمويل الدراسات الخاصة بالبيرة  وصرح مكتب الصحة  في ألمانيا الغربية ببرلين الغربية بأن إكتشاف مادة النيتروسامانيز في البيرة وبعض الأطعمة الأخري نظر اليه  بقدر كبير من الجدية والإهتمام  ودعا المكتب الي إجتماعات مع علماء السموم وصناع الخمور ومصنعي الأطعمة.. لمناقشة أي تغيرات تؤدي الي مخاطر صحية.  جريدة الندوة – العدد 6014 في 16/2/1399

([88]) كنا قد نشرنا مقالا عن حكم شرب الخمر بمجلة الجندى المسلم العدد (17) 1398هـ ذكرنا فيه ملخصا لهذه الفتوى نقلا عن بعض الصحف اليومية، وقد رأينا إثبات الفتوى بكاملها إتماما للفائدة وحتى ينتفع بها طلاب العلم وغيرهم نظرا لقيمتها العلمية وقد نقلناها عن كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص 25 وما بعدها.

([89]) تقرير أمريكى عقب 30 ألف دراسة علمية يؤكد: التدخين وسيلة انتحار بطئ اعتبر المراقبون التقرير العلمى الذى قدمته جمعية الجراحين الأمريكين عن مضار التدخين بأنه مخلص لحوالى 30.000 دراسة علمية سابقة فى هذا الموضوع، وقد  ضمن التقرير فى 1200 وثيقة، وقد علق وزير الصحة والثقافة الأمريكى السيد جوزيف كاليفانون بعد إطلاعه على ملخص التقرير قائلا لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك فى هذه الأيام أن التدخين وسيلة أنتحار بطئ.. وقد جاء التقرير مع المناسبة الخامسة عشر لتقديم أول تقرير رسمى عن مضار التدخين بهدف إقناع الجمهور بالاقلاع عن هذه العادة.

 وطالب الوزير الأمريكى بزيادة الضرائب على السجاير كوسيلة لتخفيض نسبة التدخين بين الشعب، وقال الوزير أن التقارير العلمية لا تبرهن فقط على وجود العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة بل أنها تؤكد   الدور الذى يلعبه التدخين فى الإصابة بالنوبات القلبية.

 وأبرز التقرير بصورة خاصة المضار التى يحدثها التدخين للمرأة بدرجة أكبر، وكذلك الأحداث من الشباب، وقد صور الخطر، كما أشار الوزير إلى أنه أكبر مما حددته التقارير فى عام 1974 عندما قدم لأول مرة دراسات علمية فى هذا الخصوص.

  وأشارات الأرقام أن حالات الوفيات بين النساء بسبب سرطان الرئة تفوق حالات سرطان الثدى وهذا زاد الأمر تعقيدا أنه فى الوقت الذى أنخفض فيه عد المدخنين من الرجال إلى حوالى الربع منذ عام 1964فإن نسبة النساء اللواتى اقلعن عن التدخين كانت بسيطة جدا.

  وأفرد التقرير أخطارا خاصة للتدخين على المرأة الحامل بشكل خاص، وقال أن وزن الطفل للمرأة المدخنة يقل 200جرام عن طفل المرأة التى لا تدخن، كما أن التدخين يؤثر على نموه الجسمانى والعقلى.

   ويزيد التدخين من أحتمالات الاجهاض والولادة قبل الموعد الطبيعى، ووفاة الجنين، وجدد أن حوالى 14% من حالات الولادة المبكرة تعود إلى تدخين الأم، وأوضح أن الاوكسجين الذى يصل إلى الجنين يكون بنسبة أقل لدى الأم المدخنة.

   وأبدى الطبيب ن وهو متخصص فى طب الأطفال، قلة  زيادة التدخين بين الفتيات المراهقات ومن مقدمات على مرحلة الاستعداد للامومة.

   وأورد التقرير  مجموعة من التحذيرات ضد التدخين:-

([89]) تزيد نسبة الخطورة على وفاة المدخن 70% عن الرجل غير المدخن وكذلك الحال نفسه بالنسبة للمرأة وترتفع تلك النسبة إلى 100% للذى يدخن 40 سيجارة فى اليوم.

([89]) يعرض التدخين الرجل أو المرأة لحالات النوبة القلبية بدرجة اكبر، وان فرصة الاصابة بالنوبة القلبية بالنسبة للمرأة التى تدخن وتتناول حبوب تنظيم النسل المكونة من الاستروجين تتضاعف عشر مرات عن المرأة الأخرى.

([89]) تزداد خطورة التدخين بصفة خاصة بالنسبة للعاملين فى بيئات معينة ومنها على سبيل المثال، مصانع الاسبستوز والمطاط والنسيج واليورانيوم والصناعات الكيماوية

  - ومن ناحية أخرى اشد التقرير إلى أن الاخطار بالنسبة للرجل الذى أقلع عن التدخين قبل 15 سنة تصبح معادلة للرجل أو الأنسان الذى لم يدخن أبدا، وقد واجهت شركات أنتاج التبغ التقرير بالهجوم والانتقاد الشديد، ووصفه البعض بأنه يهدف الى تفويض صناعة التبغ فى أمريكا.

   إلا ان وزارة الصحة ردت على ذلك بشدة على ما يبدو عندما رفعت ميزانية ابحاث عن اخطار التدخين من 19 مليون فى العام إلى 29 مليون فى العام الحالى. " جريدة الندرة – العدد 6066 فى 15/3/1399 هـ "

خطورة التدخين على الكلى عند مرضى السكر:

  أكدت الدرسات الميدانية التى اجراها إثنان من العلماء الدانمركيين الباحثين فى أمراض الغدد الصماء خطورة التدخين على وظائف الكلى عند مرضى السكر.. وحذر النتائج هؤلاء المرضى ليبادروا بالاقلاع عن التدخين حتى لا يعرضوا أنفسهم لاحتمالات حدوث هبوط كلوى كاحد المضاعفات لمرض السكر.

  وذكرت المجلة الطبية التى تصدرها الجمعية الطبية الدانماركية فى كوبنهاجن من ان البروفسور كريستباتس بالتعاون مع الدكتور ف. نيرد أستاذ الغدد الصماء بمستشفى كوبنهاجن – كانا قد  قاما باجراء دراسات على 238 من مرضى السكر المترددين على المستشفى من بينهم 145 مريضا من المدخنين و93 مريضا من غير المدخنين.. وقد تبين ظهور أعراض مرضية فى كليات المدخنين وحدهم ولم تظهر فى كليات الباقين على الرغم من انتظامهم فى تعاطى أدويتهم المعالجة لمرضى السكر مما يؤكد الأثر الضار للتدخين على حدوث مضاعفات مرض السكر فى الكلى.

" جريدة الندوة العدد 6011 فى 9/1/1399 هـ.

  وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى التشديد فى الحملة ضد  المدخنين

طالبت لجنة دولية تابعة لمنظمة الصحة العالمية أقطار العالم أن يشددوا من حملتهم ضد المدخنين، ووضع الاجراءات الصارمة ضد الاعلانات، وكذلك العمل على تخفيض إنتاجها.

وجاء فى تقرير اللجنة بعد اسبوع من الاجتماعات فى جنيف بأنه بعد اجتماعها السابق فى 1975، فقد برهنت الحقائق العلمية على وجود علاقة بين التدخين ومرض القلب وأمراض الجهاز التنفسى، وسرطان الرئة وأشكال أخرى للسرطان.

   وعلى سبيل المثال فإن المرأة التى تدخن خلال فترة الحمل، تضع طفلا أقل وزنا وكذلك أكثر تعرضا للأمراض مثل أمراض الرئة والنزلة الشعبية خلال السنتين الأوليين من حياته.

 وقال الدكتور هنرى كوندو وهو فرنسى، وعضو فى اللجنة الدولية أن وزن الطفل الذى يولد لأمرأة كانت تدخن خلال فترة الحمل أقل بحوالى 200 غرام من غيره.

 وأشار التقرير أن هناك شواهد تؤيد أن اشخاصا يعيشون فى بيئات معينة يصبحون أكثر تعرضا للأمراض إذا كانوا يمارسون التدخين، ومن هؤلاء العاملين بالاسبستوز والمناجم والمنتوجات الكيماوية، والذين يقطنون بالقرب من مصادر الدخان والغبار

([90]) من فتوى للشيخ محمد بن ابراهيم  آل الشيخ مفتي السعودية الاسبق – نشر الرئاسة العامة للافتاء والدعوة والارثاء – الرياض.

([91]) 600الف حالة وفاة تحدث سنويا حول العالم أو ما يعادل نحو  حالة وفاة  واحدة من بين كل 100 من الوفيات بسبب التدخين السلبي  وذلك  وفقا لما أشارت اليه دراسة حديثة  صدرت عن منظمة الصحة الدولية  ووجد أن الخبراء في أول دراسة  لتقييم أثار التدخين السلبي  حول العالم  أن الأطفال هم أكثر عرضة للتدخين السلبي في أي فئة عمرية أخري وأن نحو  165 ألفا منهم يموتون سنويا بسببه  وذكرت أنتيت بروس اوستن من منظمة  الصحة العالمية في جنيف  الدراسة  التي قامت بها  أن ثلثي  هذه الوفيات  تحدث في اقريقيا وجنوب آسيا  كما أن تعرض الأطفال للتدخين السلبي  يحدث في الغالب  أثناء تواجدهم في المنزل  وكشفت الدراسة عن أن 40% من الأطفال و33% من الرجال غير المدخنين و 35% من النساء غير المدخنات كانوا عرضة للتدخين السلبي ( جريدة الاهرام يوم 27/11/2010- م

([92]) رواه احمد في مسنده.

([93]) روي الطبراني في الكبير عن ابن عمر عن النبي ( صلي الله عليه وآله وسلم ): " من شرب بصقة من خمر فاجلدوه ثمانين " قال السيوطى حديث حسن.

([94]) سورة الأحزاب الآية 45

([95]) سورة سبأ الآية 28

([96]) سورة الأعراف الآية 158

([97]) سورة الأنفال الآية 42

([98]) يراجع كتاب الخصائص العامة للإسلام  تأليف الدكتور يوسف القرضاوي ومقاصد الشريعة الإسلامية وضرورات التجديد – دكتور محمود حمدي زقزوق، ومقاصد الشريعة – رؤية حضارية. د محمد الشحات الجندي  وموقعي العقيدة الإسلامية وينابيع تربوية علي شبكة المعلومات الدولية - و الإسلام شريعة الحياة للمستشار توفيق علي وهبة.

([99]) النساء: 174

([100]) يوسف: 57

([101]) الانشقاق: 6

([102]) النجم: 42

([103]) الأنعام: 161-163

([104]) الأنفال: 29

([105]) سبأ: 15

([106]) الذاريات: 56-58

([107]) الحجر: 9

([108]) فصلت: 6

([109]) هود: 84

([110]) الأعراف  80

([111]) الشعراء: 165

([112]) البقرة: 153

([113]) البقرة: 30

([114]) التين: 4

([115]) غافر: 64

([116]) ص: 71-72

([117]) السجدة: 8-9

([118]) إبراهيم: 32-34

([119]) لقمان: 20

([120]) البقرة: 186

([121]) الحجرات: 13

([122]) رواه أحمد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. ‏

([123]) رواه البخاري

([124]) الأعراف: 158

([125]) سبأ: 28

([126]) الفرقان: 1

([127]) البقرة: 208

([128]) النساء: 150-151

([129]) رواه البخاري  ومسلم

([130]) رواه مسلم

([131]) البقرة: 143

([132]) آل عمران: 110

([133]) الأعراف: 54-55

([134]) الأعراف: 180

([135]) الملك: 14

([136]) الحج: 78

([137]) الأعراف: 31-32

([138]) رواه البخاري ومسلم

([139]) قال في كشف الخفاء: رواه أحمد بسند حسن

([140]) الشورى: 11

([141]) القمر: 40