أهل الكتاب أرادوا تشكيك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فكانوا يظهرون الايمان بحضرتهم ثم يقولون قد عرضت لنا شبهة فيكفرون ثم يظهرون ثم يقولون : قد عرضت لنا شبهة أخرى فيكفرون ويستمرون على الكفر إلى الموت وذلك معنى قوله تعالى : وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون وقيل : هم اليهود آمنوا بموسى عليه السلام ثم كفروا بعبادتهم العجل حين غاب عنهم ثم آمنوا عند عوده اليهم ثم كفروا بعيسى عليه السلام ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه و سلم وروى ذلك عن قتادة وقال الزجاج والفراء : انهم آمنوا بموسى عليه السلام ثم كفروا بعده ثم آمنوا بعزيز ثم كفروا بعيسى عليه السلام ثم ازادوا كفرا بنبينا E وأورد على الذين ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه و سلم ليسوا بمؤمنين بموسى عليه السلام ثم كافرين بعبادة الجمل أو بشىء آخر ثم مؤمنين بعوده اليهم أو بعزير ثم كافرين بعيسى عليه السلام بل هم إما مؤمنين بموسى عليه السلام وغيره أوكفار لكفرهم بعيسى عليه السلام والانجيل .
وأجيب بأن لم يرد على هذا قوم بأعيانهم بل الجنس ويحصل التبكيت على اليهود الموجودين باعتبار ماصدر من بعضهم كأنه صدر من كلهم والذي يميل القلب اليه أن المراد قوم تكرر منهم الارتداد أعم من أن يكونوا منافقين أو غيرهم ويؤيده ماأخرجه ابن جرير وابن أبى حاتم عن على كرم الله تعالى وجهه أنه قال فى المرتد : إن كنت لمستتيبه ثلاثا ثم قرأ هذه الآية وإلى رأى الامام كرم الله تعالى وجهه ذهب بعض الأئمة فقال : يقتل المرتد فى الرابعة ولايستتاب وكأنه أراد أنه لافائدة من الاستتابة إذ لامنفعة وعليه فالمراد من قوله سبحانه : لم يكن الله ليغفر لهم ولاليهديهم سبيلا أنه سبحانه لايفعل ذلك أصلا وإن تابوا وعلى القول المشهور الذي عليه الجمهور : المراد من نفى المغفرة والهداية نفى مايقتضيهما وهو الايمان الخاص الثابت ومعن نفيه استبعاد وقوعه فان من تكرر منهم الارتداد وازدياد الكفر والاصرار عليه صاروا بحيث قد ضربت قلوبهم بالكفر وتمرنت على الردة وكان الايمان عندهم أدون شىء وأهونه فلا يكادون يقربون منه قيد شبر ليتأهلوا للمغفرة وهداية سبيل الجنة لاأنهم لو أخلصوا الايمان لم يقبل منهم ولم يفغفر لهم .
وخص بعضهم عدم الاستتابة بالمتلاعب المستخف إذا قامت قرينة على ذلك وخبر كان فى أمثال هذا الموضع محذوف وبه تتعلق اللام كما ذهب اليه البصريون أى ماكان الله تعالى مريدا للغفران لهم ونفى إرادة الفعل أبلغ من نفيه .
وذهب الكوفيون إلى أن اللام زائدة والخير هو الفعل وضعف بأن مابعدها قد انتصب فان كان النصب باللام نفسها فليست بزائدة وإن كان بأن ففاسد ما فيه من الإخبار بالمصدر عن الذات وأجيب بأختيار الشق الأول وأنه لامانع من العمل مع الزيادة كما فى حرروف الجر الزائدة وباختيار الشق الثانى وامتناع الإخبار بالمصدر عن الذات لعدم كونه دالا بصيغته على فاعل وعلى زمان دون زمان والفعل المصدر بأن يدل عليهما فيجوز الاخبار به وإن لم يجز بالمصدر ولايخفى مافيه فان الاخبار على هذا بالفعل لابالمصدر وإن أول المصدر باسم الفاعل لابه أيضا فافهم واختار قوم فى القوم ماذهب اليه مجاهد وأيد ذلك بقوله تعالى : بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما .
131 .
- ووضع فيه بشر موضع أنذر تهكما بهم ففى الكلام استعارة تهكمية وقيل : موضع أخبر فهناك مجاز مرسل تهكمى