المقابلة للنصوص التي بهرتها فرجحتها ونجد أيضا أن كلتا الطائفتين لا تلتزم المحظور التي تحاول الأخرى أن تلزمها إياه في مقام الحجاج والجدال بل توجه رأيها توجيها ينأى بها عن الوقوع في المحظور ثم نجد كلتا الطائفتين يتلاقيان أخيرا بعد طول المطاف عند نقطة الاعتقاد السديد بوحدانية الله وحكمة الله ولكن على الوجه الذي استبان لها وراج عندها .
فكيف يرضى منصف إذا بتجريح إحداهما ورميها بأشنع التهم من كفر أو شرك أو هوى وماذا علينا أن نرجح ما نرجح من غير تسفيه للجانب الآخر بل ماذا علينا أن نلوذ بالصمت ونعتصم بالسكون فلا نخوض في أمثال هذه الدقائق العويصة والمسالك الملتوية البعيدة لا سيما أن الرحمن الرحيم لم يكلفنا بها ولم يفرضها علينا .
ولقد كان سلفنا الصالح يؤمنون بوحدانية الله وعدله ويؤمنون بقدره وأمره ويؤمنون بهذه النصوص وتلك النصوص ويؤمنون بأن العبد يعمل ما يعمل وأن الله خالق كل شيء ويؤمنون بأنه تعالى تنزه في قدره عن أن يكون مغلوبا أو عاجزا وتنزه في أمره وتكليفه عن أن يكون ظالما أو عابثا ثم بعد ذلك يصمتون فلا يخوضون في تحديد نصيب عمل الإنسان الاختياري من قدرة الله ونصيبه من قدرة العبد ولا يتعرضون لبيان مدى ما يبلغ فعل الله في قدره ولا لبيان مدى ما يبلغ فعل العبد في أمثال أمره ذلك ما لم يعلموه ولم يحاولوه لأنهم لم يكلفوه وكان سبحانه أرحم بعباده من أن يكلفهم إياه لأنه من أسرار القدر أو يكاد والعقل البشري محدود التفكير ضعيف الاستعداد ومن شره العقول طلب ما لا سبيل لها إليه وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
لم يمتحنا بما تعيا العقول به ... حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم .
واجبنا إزاء الخلافيات .
ليس من شأني هنا أن أفصل القول في هذه المسألة ولا في أشباهها فلهذا التفصيل علم آخر إنما هو ضرب من التمثيل يجتزئ فيه بالقليل لنخلص منه بعظة مهمة هي أن المسلمين لا يجوز لهم أن ينقسموا شيعا وأحزابا لأمر ليس من الدين فضلا عن أن يكون من أصول الدين وإذا التمسنا المعاذير لخوض من خاضوا أو يخوضون فيه دفعا لشبهات المشتبهين أو ضلال المضللين فلن نستطيع التماس عذر واحد لمن شنوها حربا شعواء بينهم وبين إخوانهم في الدين وما كان لهم أن يخرجوا من مثل هذا البحث أعداء متخاذلين وقد كانوا بالأمس إخوانا متفاهمين متعاونين .
وإذا فلنستمسك بالعروة الوثقى ولنفسح صدورنا للخلافيات ما دام صدر الإسلام قد وسعها ولنعلم أن الإسلام أوسع من المذاهب والآراء ولئن ضقت ذرعا برأي أخيك اليوم