( قوله باب إثم من لم يتم الصفوف ) .
قال بن رشيد أورد فيه حديث أنس ما أنكرت شيئا الا أنكم لا تقيمون الصفوف وتعقب بان الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا يدل ذلك على حصول الإثم وأجيب بأنه لعله حمل الأمر في قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره على أن المراد بالأمر الشأن والحال لا مجرد الصيغة فيلزم منه أن من خالف شيئا من الحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلّم أن يأثم لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من إقامة الصفوف فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم انتهى كلام بن رشيد ملخصا وهو ضعيف لأنه يفضى إلى أن لا يبقى شيء مسنون لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب وأما قول بن بطال إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون آثما سلمنا لكن يرد عليه التعقب الذي قبله ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا صفوفكم ومن عموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلى ومن ورود الوعيد على تركه فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وأن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة وأفرط بن حزم فجزم بالبطلان ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف وبما صح عن سويد بن غفلة قال كان بلال يسوى مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة .
691 - قوله بشير هو بالمعجمة مصغر قوله ما أنكرت منذ يوم عهدت في رواية المستملى والكشميهني ما أنكرت منا منذ عهدت قوله وقال عقبة بن عبيد هو أبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة وهو أخو سعيد بن عبيد راوي الإسناد الذي قبله وليس لعقبة في البخاري إلا هذا الموضع المعلق وأراد به بيان سماع بشير بن يسار له من أنس وقد وصله أحمد في مسنده عن يحيى القطان عن عقبة بن عبيد الطائي حدثني بشير بن يسار قال جاء أنس إلى المدينة فقلنا ما أنكرت منا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ما أنكرت منكم شيئا غير أنكم لا تقيمون الصفوف تنبية هذه القدمة لأنس غير القدمة التي تقدم ذكرها في باب وقت العصر فإن ظاهر الحديث فيها أنه أنكر تأخير الظهر إلى أول وقت العصر كما مضى وهذا الإنكار أيضا غير الإنكار الذي تقدم ذكره في باب تضييع الصلاة عن وقتها حيث قال لا أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم إلا الصلاة وقد ضيعت فإن ذاك كان بالشام وهذا بالمدينة وهذا يدل على أن أهل المدينة كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن