( قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلّم لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصيام في السفر ) .
أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلّم ليس من البر الصيام في السفر ما ذكر من المشقة وأن من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة وبما أشار إليه من اعتبار شدة المشقة يجمع بين حديث الباب والذي قبله فالحاصل أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر والفطر لمن شق عليه الصوم أو اعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم وأن من لم يتحقق المشقة يخير بين الصوم والفطر وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى فعدة من أيام اخر ولقوله صلى الله عليه وسلّم ليس من البر الصيام في السفر ومقابلة البر الإثم وإذا كان إثما بصومه لم يجزئه وهذا قول بعض أهل الظاهر وحكى عن عمر وبن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم واحتجوا بقوله تعالى فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر قالوا ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة وتاوله الجمهور بان التقدير فافطر فعدة ومقابل هذا القول قول من قال أن الصوم في السفر لا يجوز الا لمن خاف على نفسه الهلاك أو المشقة الشديدة حكاه الطبري عن قوم وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه وقال كثير منهم الفطر أفضل عملا بالرخصة وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال آخرون هو مخير مطلقا وقال آخرون أفضلهما ايسرهما لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه وأن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل وهو قول عمر بن عبد العزيز واختاره بن المنذر والذي يترجح قول الجمهور ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن أشتد عليه الصوم وتضرر به وكذلك من ظن به الأعراض عن قبول الرخصة كما تقدم نظيره في المسح على الخفين وسيأتي نظيره في تعجيل الإفطار وقد روى أحمد من طريق أبي طعمة قال قال رجل لابن عمر أني أقوى على الصوم في السفر فقال له بن عمر من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة وهذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله صلى الله عليه وسلّم من رغب عن سنتي فليس مني وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر فقد يكون الفطر أفضل له وقد أشار إلى ذلك بن عمر فروى الطبري من طريق مجاهد قال إذا سافرت فلا تصم فإنك أن تصم قال أصحابك اكفوا الصائم ارفعوا للصائم وقاموا بأمرك وقالوا فلان صائم فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك ومن طريق مجاهد أيضا عن جنادة بن أمية عن أبي ذر نحو ذلك وسيأتي