الأحكام المتعلقة به .
و أما الأحكام المتعلقة به فأنواع : .
منها : أن التقاطه أمر مندوب إليه لما روي أن رجلا أتى سيدنا عليا Bه بلقيط فقال : هو حر و لأن أكون وليت من أمره مثل الذي وليت أنت كانت أحب إلي من كذا و كذا عد جملة من أعمال الخير فقد رغب في الالتقاط و بالغ في الترغيب فيه حيث فضله على جملة من أعمال الخير على المبالغة في الندب إليه و لأنه نفس لا حافظ لها بل هي في مضيعة فكان التقاطها إحياء لها معنى و قد قال الله تعالى { و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } .
و منها : أن الملتقط أولى بإمساكه من غيره حتى لا يكون لغيره أن بأخذه منه لأنه هو الذي أحياه بالتقاطه : و من أحيا أرضا ميتة فهي له على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و لأنه مباح الأخذ سبقت يد الملتقط إليه و المباح مباح من سبق على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و منها : أن نفقته من بيت المال لأن ولاءه له و قد قال عليه الصلاة و السلام : [ الخراج بالضمان ] .
و لو كان معه مال مشدود عليه فهو له لأن الظاهر أنه ماله فيكون له كثيابه التي عليه و كذا إذا وجد مشدودا على دابة فالدابة له لما قلنا و تكون النفقة من ماله لأن الإنفاق من بيت المال للضرورة و لا ضرورة إذا كان له مال و ليس على الملتقط أن ينفق عليه من مال نفسه لانعدام السبب الموجب للنفقة عليه و لو أنفق عليه من مال نفسه فإن فعل بإذن القاضي له أن يرجع عليه و إن فعل بغير إذته لا يرجع عليه لأنه يكون متطوعا فيه .
و منها : أن عقله لبيت المال لأن عاقلته بيت المال فيكون عقله له لقوله عليه الصلاة و السلام : [ الخراج بالضمان ] .
و منها : أن ولاءه لبيت المال لما قلنا .
و منها : أن له أن يوالي من شاء إذا بلغ إلا إذا عقل عنه بيت المال فليس له أن يوالي أحدا لأن العقد يلزم بالعقل على ما نذكر في كتاب الديات إن شاء الله تعالى لما علم في الولاء .
و منها : أن ولية السلطان له الولاية في ماله و نفسه لقوله عليه الصلاة و السلام : [ السلطان و لي من لا ولي له ] .
و روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ الله و رسوله و لي من لا ولي له و الخال وارث من لا وارث له ] و السلطان نائب الله و رسوله فيزوج اللقيط و يتصرف في ماله و ليس للملتقط أن يفعل شيئا من ذلك لأنه لا ولاية له عليه لا نعدام سببها و هو القرابة و السلطنة إلا أنه يجوز له أن يقبض الهبة له و يسلمه في صناعة و يؤاجره لأن ذلك من باب الولاية عليه بل من باب إصلاح حاله و إيصال المنفعة المحضنة إليه من غير ضرر فأشبه إطعامه و غسل ثيابه و منها أن نسبة من المدعي يحتمل الثبوت شرعا لأنه مجهول النسب على ما يأتي في كتاب الدعوى حتى لو ادعى الملتقط أو غيره أنه ابنه تسمع دعواه من غير بينة و بينته نسبه منه و القياس أن لا تسمع إلا بينته .
وجه القياس : ظاهر لأنه يدعى أمرا جائز الوجود و العدم فلا بد لترجيح أحد الجانبين على الآخر من مرجع و ذلك بالبينة و لم توجد .
وجه الاستحسان : أنه عامل أخبر بأمر محتمل الثبوت و كل من أخبرعن أمر المختبر به محتمل الثبوت يجب تصديقه تحسينا للظن بالمخبر هو الأصل إلا إذا كان في تصديقه ضرر بالغير و ههنا في التصديق و إثبات النسب نظر من الجانبين جانب اللقيط بشرف النسب و التربية و الصيانة عن أسباب الهلاك و غير ذلك و جانب المدعي بولد يستعين به على مصالحة الدينية و الدنيوية و تصديق المدعي في دعوى ما ينتفع به و لا يتضرر به غيره بل ينتفع به لا يقف على البينة و سواء كان المدعي مسلما أو ذميا أو عبدا حتى لو ادعى نسبه ذمي تصح دعوته حتى يثبت نسبه منه لكنه يكون مسلما لأنه ادعى شيئين بتصوير انفصال أحدهما عن الآخر في الجملة و هو نسب الولد و كونه كافرا و يمكن تصديقه في أحدهما لكونه نفعا للقيط و هو كونه ابنا له و لا يمكن تصديقه في الآخر لكونه ضرورا به و هو كونه كافرا فيصدق فيما فيه منفعته فيثبت نسب للولد منه و لا يصدق فيما يضره فلا يحكم بكفره و ليس من ضرورة كون الولد منه أن يكون كافرا ألا ترى أنه يحكم بإسلامه و بإسلام أمه و إن كان الأب كافرا هذا إذا أقر الذمي أنه ابنه و لا بينة له فإن أقام البينة على ذلك ثبت نسب الولد منه و يكون على دينه بخلاف الإقرار .
و وجه الفرق بين الإقرار و بين الشهادة : أنه متهم في إقراره بما يتضمنه إقراره و هو كون الولد على دينه و لا تهمة في الشهادة لما مر .
و لو ادعى عبد أنه ابنه صحت دعوته و ثبت نسبه منه لكنه يكون حرا لما ذكرنا في دعوى الذمي لأنه ادعى شيئين : .
أحدهما : نفع اللقيط و الآخر مضرة و هو الرق فيصدق فيما ينفعه لا فيما يضره على ما ذكرنا في دعوى الذمي و لو ادعاه رجلان أنه ابنهما و لا بينة لهما فإن كان أحدهما مسلما و الآخر ذميا فالمسلم أولى لأنه أنفع للقيط و كذلك إذا كان أحدهما حرا و الآخر عبدا فالحر أولى لأنه أنفع له و إن كانا مسلمين حرين فإن وصف أحدهما علامة في جسده فالواصف أولى به عندنا .
و عند الشافعي C : يرجع إلى القائف فيؤخذ بقوله و الصحيح قولنا لأن الدعوتين متى تعارضتا يجب العمل بالراجح منهما و قد ترجح أحدهما بالعلامة لأنه إذا رضي العلامة و لم يصف الآخر دل على أن يده عليه سابقة فلا بد لزوالها من دليل و الدليل على جواز العمل بالعلامة قوله تعالى عز شأنه خيرا عن أهل تلك المرأة : { إن كان قميصه قد من قبل فصدقت و هو من الكاذبين * و إن كان قميصه قد من دبر فكذبت و هو من الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } .
حكى الله تعالى عن الحكم بالعلامة عن الأمم السالفة في كتابه العزيز و لم يغير عليهم و الحكيم إذا حكى عن منكر غيره فصار الحكم بالعلامة شريعة لنا مبتدأة و كذا عند اختلاف الزوجين في متاع البيت يميز ذلك بالعلامة كذا ههنا و إن لم يصف أحدهما العلامة يحكم بكونه ابنا لهما إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فإن أقام أحدهما البينة فهو أولى به و إن أقاما جميعا البينة يحكم بكونه ابنا لهما لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر و قد روي عن سيدنا عمر Bه في مثل هذا أنه قال : إنه ابنهما يرثهما و يرثانه و هو للثاني منهما فإن ادعاه أكثر من رجلين فأقام البينة روي عن أبي حنيفة Bه أنه تسمع من خمسة و قال أبو يوسف : من اثنين و لا تسمع من أكثر من ذلك و قال محمد : تسمع من ثلاثة و لا تسمع من أكثر من ذلك .
هذا إذا كان المدعي رجلا فإن كانت امرأة فادعته أنه ابنها فإن صدقها زوجها أو شهدت لها القابلة أو قامت البينة صحت دعوتها و إلا فلا لأن فيه حمل نسب الغير على الغير و أنه لا يجوز لما نذكره في كتاب الإقرار و لو ادعاه امرأتان و أقامت إحداهما البينة فهي أولى به و إن أقامتا جميعا فهو ابنهما عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف لا يكون لواحد منهما و عن محمد روايتان في رواية أبي حفص يجعل ابنهما و في رواية أبي سليمان لا يجعل ابن واحدة منهما و الله سبحانه و تعالى أعلم