ملك الزاد و الراحلة .
و أما الأعمى فقد ذكر في الأصل عن أبي حنيفة أنه لا حج عليه بنفسه و إن وجد زادا و قائدا و إنما يجب في ماله إذا كان له مال و روى الحسن عن أبي حنيفة في الأعمى و المقعد و الزمن أن عليهم الحج بأنفسهم و قال أبو يوسف و محمد يجب على الأعمى الحج بنفسه إذا وجد زادا و راحلة و من يكفيه مؤنة سفره في خدمته و لا يجب على الزمن و المقعد و المقطوع .
وجه قولهما : ما روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الاستطاعة فقال : [ هي الزاد و الراحلة ] فسر صلى الله عليه و سلم الاستطاعة بالزاد و الراحلة و للأعمى هذه الاستطاعة فيجب عليه الحج و لأن الأعمى يجب عليه الحج بنفسه إلا أنه لا يهتدي إلى الطريق بنفسه و يهتدي بالقائد فيجب عليه بخلاف الزمن و المقعد و مقطوع اليد و الرجل لأن هؤلاء لا يقدرون على الأداء بأنفسهم .
وجه رواية الحسن في الزمن و المقعد : أنهما يقدران بغيرهما إن كانا لا يقدران بأنفسهما و القدرة بالغير كافية لوجوب الحج كالقدرة بالزاد و الراحلة و كذا فسر النبي A الاستطاعة بالزاد و الراحلة و قد وجد .
وجه رواية الأصل لأبي حنيفة أن الأعمى لا يقدر على أداء الحج بنفسه لأنه لا يهتدي إلى الطريق بنفسه و لا يقدر على ما لا بد منه في الطريق بنفسه من الركوب و النزول و غير ذلك و كذا الزمن و المقعد فلم يكونا قادرين على الأداء بأنفسهم بل بقدرة غير مختار لا يكون قادرا على الإطلاق لأن فعل المختار يتعلق باختياره فلم تثبت الاستطاعة على الإطلاق و لهذا لم يجب الحج على الشيخ الكبير الذي لا يستمسك على الراحلة و إن كان ثمة غيره يمسكه لما قلنا كذا هذا .
و إنما فسر النبي A الاستطاعة بالزاد و الراحلة لكونهما من الأسباب الموصلة إلى الحج لا لاقتصار الاستطاعة عليهما ألا ترى أنه إذا كان بينه و بين مكة بحر زاخر لا سفينة ثمة أو عدو حائل يحول بينه و بين الوصول إلى البيت لا يجب عليه الحج مع وجود الزاد و الراحلة فثبت أن تخصيص الزاد و الراحلة ليس لاقتصار الشرط عليهما بل للتنبيه على أسباب الإمكان فكما كان من أسباب الإمكان فكلما كان من أسباب الإمكان يدخل تحت تفسير الاستطاعة معنى و لأن في إيجاب الحج على الأعمى و الزمن و المقعد و المفلوج و المريض و الشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بأنفسهم جرحا بينا و مشقة شديدة و قد قال الله عز و جل : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } .
و منها : ملك الزاد و الراحلة في حق النائي عن مكة و الكلام فيه موضعين : .
أحدهما : في بيان أنه من شرائط الوجوب .
و الثاني : في تفسير الزاد و لراحلة .
أما الأول : فقد قال عامة العلماء أنه شرط فلا يجب الحج بإباحة الزاد و الراحلة سواء كانت الإباحة ممن له منة على المباح له أو كانت ممن لا منة عليه كالأب و قال الشافعي : يجب الحج بإباحة الزاد و الراحلة إذا كانت الإباحة ممن لا منة له على المباح له كالولد بذل الزاد و الراحلة لابنه و له في الأجنبي قولان و لو وهبه إنسان مالا يحج به لا يجب على الموهوب له القبول عندنا و للشافعي فيه قولان و قال مالك : الراحلة ليست بشرط لوجوب الحج أصلا لا ماكا و لا إباحة و ملك الزاد شرط حتى لو كان صحيح البدن و هو يقدر على المشي يجب عليه الحج و إن لم يكن له راحلة .
أما الكلام مع مالك فهو احتج بظاهر قوله تعالى { و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } و من كان صحيح البدن قادرا على المشي و له زاد فقد استطاع إليه سبيلا فيلزمه فرض الحج .
و لنا : أن رسول الله A فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة جميعا فلا تثبت الاستطاعة بأحدهما و به تبين أن القدرة على المشي لا تكفي لاستطاعة الحج ثم شرط الراحلة إنما يراعى لوجوب الحج في حق من نأى عن مكة فأما أهل مكة و من حولهم فإن الحج على القوى منهم القادر على المشي من غير راحلة لأنه لا حرج يلحقه في المشي إلى الحج كما لا يلحقه الحرج في المشي إلى الجمعة .
و أما الكلام مع الشافعي فوجه قوله : إن الاستطاعة المذكورة هي القدرة من حيث سلامة الأسباب و الآلات و القدرة تثبت بالإباحة فلا معنى لاشتراط الملك إذ الملك لا يشترط لعينه بل للقدرة على استعمال الزاد و الراحلة أكلا و ركوبا و إذا ثبتت بالإباحة و لهذا استوى الملك و الإباحة في باب الطهارة في المنع من جواز التيمم كذا ههنا .
و لنا : أن استطاعة الأسباب و الآلات لا تثبت بالإباحة أن الإباحة لا تكون لازمة ألا ترى أن للمبيح أن يمنع المباح له عن التصرف في المباح و مع قيام ولاية المنع لا تثبت القدرة المطلقة فلا يكون مستطيعا على الإطلاق فلم يوجد شرط الوجوب فلا يجب بخلاف مسألة الطهارة لأن شرط جواز التيمم عدم الماء بقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } و العدم لا يثبت مع البذل و الإباحة .
و أما تفسير الزاد و الراحلة فهو أن يملك من المال مقدار ما يبلغه إلى مكة ذاهبا و جائيا راكبا لا ماشيا بنفقة وسط لا إسراف فيها و لا تفتير فاضلا عن مسكنه و خادمه و فرسه و سلاحه و ثيلبه و أثاثه و نفقة عياله و خدمه و كسوتهم و قضاء ديونه .
و روى عن أبي يوسف أنه قال : و نفقة شهر بعد انصرافه أيضا و روى الحسن عن أبي حنيفة أنه فسر الراحلة فقال إذا كان عنده ما يفصل عما ذكرنا ما يكتري به شق محمول أو زاملة أو رأس راحلة و ينفق ذاهبا وجائيا فعليه الحج و إن لم يكفه ذلك إلا أن يمشي أو يكتري عقبة فليس عليه الحج ماشيا و لا راكبا عقبة و إنما اعتبرنا الفضل على ما ذكرنا من الحوائج اللازمة التي لا بد منها فكان المستحق ملحقا بالعدم .
و ما ذكره بعض أصحابنا في تقدير نفقة العيال سنة و البعض شهرا فليس بتقدير لازم بل هو على حسب اختلاف المسافة في القرب و البعد و لأن قدر النفقة يختلف بختلاف المسافة فيعتبر في ذلك قدر ما يذهب و يوعد إلى منزلة و إنما لا يجب عليه الحج إذا لم يكف ماله إلا العقبة لأن المفروض هو الحج راكبا لا ماشيا و الراكب عقبة لا يركب في كل الطريق بل يركب في البعض و يمشي في البعض .
و ذكر ابن شجاع : إنه إذا كانت له دار لا يسكنها و لا يؤجراها و متاع لا يمتهنه و عبد لا يستخدمه وجب عليه أن يبيعه و يحج به و حرم عليه أخذ الزكاة إذا بلغ نصابا لأنه إذا كان كذلك كان فاضلا عن حاجته كسائر الأموال و كان مستطيعا فليزمه فرض الحج فإن أمكنه بيع منزله و أن يشتري منزلا دونه و يحج بالفضل فهو أفضل لكن لا يجب عليه لأن محتاج إلى سكناه فلا يعتبر في الحاجة قدر ما لا بد منه كما لا يجب عليه بيع المنزل و الاقتصار على السكنى .
و ذكر الكرخي أن أبا يوسف قال : إذا لم يكن له مسكن و لا خادم و لا قوت عياله و عنده دراهم تبلغه إلى الحج لا ينبغي أن يجعل ذلك في غير الحج فإن فعل أثم لأنه مستطع لملك الدراهم فلا يعذر في الترك و لا يتضرر بترك شراء المسكن و الخادم بخلاف بيع المسكن و الخادم فإن يتضرر ببيعهما .
و قوله : و لا قوت عياله مؤول و تأويله و لا قوت عياله ما يزيد على مقدار الذهاب و الرجوع أما المقدار المحتاج إليه من وقت الذهاب إلى وقت الرجوع فذلك مقدم على الحج لما بينا .
و منها : أمن الطريق و أنه من شرائط الوجوب عند بعض أصحابنا بمنزلة الزاد و الراحلة و هكذا روى ابن شجاع عن أبي حنيفة و قال بعضهم : إنه من شرائط الأداء لا من شرائط الوجوب و فائدة هذا الاختلاف تظهر في وجوب الوصية إذا خاف الفوت فمن إنه من شرائط الأداء يقول إنه تجب الوصية إذا خاف الفوت و من قال : إنه من شرط الوجوب يقول لا تجب الوصية لأن الحج لم يجب عليه و لم يصر دينا في ذمته فلا تلزمه الوصية .
وجه قول من قال إنه شرط الأداء لا شرط الوجوب ما روينا أن رسول الله A فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة و لم يذكر أمن الطريق .
وجه قول من قال : إنه شرط الوجوب وهو الصحيح : أن الله تعالى تشرط الاستطاعة و لا استطاعة بدون أمن الطريق كما لا استطاعة بدون الزاد و الراحلة إلا أن النبي A بين الاستطاعة بالزاد و الراحلة بيان كفاية ليستدل بالمنصوص عليه على غيره لاستوائهما في المعنى و هو إمكان الوصول إلى البيت .
ألا ترى أنه كما لم يذكر أمن الطريق لم يذكر صحة الجوارح و زوال سائر الموانع الحسية و ذلك شرط الوجوب على أن الممنوع عن الوصول إلى البيت لا زاد و لا راحلة معه فكان شرط الزاد و الراحلة شرطا لأمن الطريق ضرورة .
و أما الذي يخص النساء فشرطان : .
أحدهما : أن يكون معها زوجها أو محرم لها فإن لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج و هذا عندنا .
و عند الشافعي : هذا ليس بشرط و يلزمها الحج و الخروج من غير زوج و لا محرم إذا كان معها نساء في الرفقة ثقات و احتج بظاهر قوله تعالى : { و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } و خطاب الناس يتناول الذكور و الإناث بلا خلاف فإذا كان لها زاد و راحلة كانت مستطيعة و إذا كان معها نساء ثقات يؤمن الفساد عليها فيلزمها فرض الحج .
و لنا ما وري عن ابن عباس Bه عن النبي A قال : [ ألا لا تحجن امرأة إلا و معها محرم ] .
و عن النبي A أنه قال : [ لا تسافر امرأة ثلاثة أيام إلا و معها محرم أو زوج ] و لأنها إذا لم يكن معها زوج و لا محرم لا يؤمن عليها النساء لحم إذ النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه و لهذا لا يجوز لها الخروج و حدها و الخوف عند اجتماعهن أكثر و لهذا حرمت الخلوة بالأجنبية و إن كان معها امرأة أخرى .
و الآية لا تتناول النساء حال عدم الزوج و المحرم معها لأن المراة لا تقدر على الركوب و النزول بنفسها فتحتاج إلى من يركبها و ينزلها و لا يجوز ذلك لغير الزوج و المحرم فلم تكن مستطيعة في هذه الحالة فلا يتناولها النص فإن امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج لا يجبران على الخروج و لو امتنع من الخروج لإرادة زاد و راحلة هل يلزمها ذلك ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي أنه يلزمها ذلك و يجب عليها الحج بنفسها و ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يلزمها ذلك ولا يجب الحج عليها .
و جه ما ذكرهلا القدوري : أن المحرم أو الزوج من ضرورات حجها بمنزلة الزاد و الراحلة إذ لا يمكنها الحج بدونه كما لا يمكنها الحج بدون الزاد و الراحلة و لا يمكن الزام ذلك الزوج أو المحرم من مال نفسه فيلزمها ذلك له كما يلزمها الزاد و الراحلة لنفسها .
وجه ما ذكره القاضي من شرائط وجوب الحج عليها و لا يجب على الإنسان تحصيل شرط الوجوب بل إن وجد الشرط و إلا فلا ألا ترى أن الفقير لا يلزمه تحصيل الزاد و الراحلة فيجب عليه الحج و لهذا قالوا في المرأة التي لا زوج لها و لا محرم أنه لا يجب عليها أن تتزوج بمن يحج بها كذا هذا .
و لو كان معها محرم فلها أن تخرج مع المحرم في الحجة الفريضة من غير إذن زوجها عندنا .
و عند الشافعي : ليس لها أن تخرج بغير إذن زوجها .
وجه قوله : إن في الخروج تفويت حقه المستحق عليها و هو الاستماع بها فلا يملك ذلك من غير رضاه .
و لنا : أنها إذا وجدت محرما فقد استطاعت إلى حج البيت سبيلا لأنه قدرت على الركوب و النزول و أمنت المخاوف لأن المحرم يصونها .
و أما قوله : إن حق الزوج في الاستمتاع يفوت بالخروج إلى الحج فنقول منافعها مستثناة عن ملك الزوج في الفرائض كما في الصلوات الخمس و صوم رمضان و نحو ذلك حتى لو أرادت الخروج إلى حجة التطوع فللزوج أن يمنعها كما في صلاة التطوع و صوم التطوع .
و سواء كانت المرأة شابة أو عجوزا أنها لا تخرج إلا بزوج أو محرم لأن ما روينا من الحديث لا يفصل بين الشابة و العجوز و كذا المعنى لا يوجب الفصل بينهما لما ذكرنا من حاجة المراة إلى من تركبها و ينزلها بل حاجة العجوز إلى ذلك أشد لأنها أعجز و كذا يخاف عليها من الرجال و كذا لا يؤمن عليها من أن يطلع عليها الرجال حال ركوبها فتحتاج إلى الزوج أو إلى المحرم ليصونها عن ذلك و الله أعلم .
ثم صفة المحرم أن يكون ممن لا يجوز له نكاحها على التأبيد إما بالقرابة أو الرضاع أو الصهرية لأن الحرمة المؤبدة تزيل التهمة في الخلوة و لهذا قالوا إن المحرم إذا لم يكن مأمونا عليها لم يجز لها أن تسافر معه و سواء كان المحرم حرا أو عبدا لأن الرق لا ينافي المحرمية سواء كان مسلما أو ذميا أو مشركا لأن الذمي و المشرك يحفظان محارمهما إلا أن يكون مجوسيا لأنه يعقد إباحة نكاحها فلا تسافر معه لأنه لا يؤمن عليها كالأجنبي .
و قالوا في الصبي الذي لم يحتلم و المجنون الذي لم يفق : إنهما ليسا بمحرمين في السفر لأنه لا يتأتى منهما حفظها و قالوا في الصبية التي لا يشتهى مثلها أنها تسافر بغير محرم لأنه يؤمن عليها فإذا بلغت حد الشهوة لا تسافر بغير محرم لأنها صارت بحيث لا يؤمن عليها .
ثم المحرم أو الزوج : إنما يشترط إذا كان بين المرأة و بين مكة ثلاثة أيام فصاعدا فإن كان أقل من ذلك حجت بغير محرم لأن المحرم يشترط للسفر و ما دون ثلاثة أيام ليس بسفر فلا يشترط فيه المحرم كما لا يشترط للخروج من محلة إلى محلة ثم الزوج أو المحرم شرط الوجوب أم شرط الجواز فقد اختلف أصحابنا فيه كما اختلفوا في أمن الطريق و الصحيح أنه شرط الوجوب لما ذكرنا في أمن الطريق و الله أعلم .
و الثاني : أن لا تكون معتدة عن طلاق أو و فاة لأن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج بقوله عز و جل : { لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن } و رورى عن عبد الله بن عمر Bه أنه رد المعتدات من ذي الحليفة ور وى عن عبد الله بن مسعود Bه أنه ردهن من الجحفة و لأن الحج يمكن أداؤه في وقت آخر فأما العدة فإنها إنما يجب قضاؤها في هذا الوقت خاصة فكان الجمع بين أمرين أولى و إن لزمتها بعد الخروج إلى السفر و هي مسافر فإن كان الطلاق رجيعا لا يفارقها زوجها لأن الطلاق رجعي لا يزيل الزوجة و الأفضل أن يراجعها و إن كانت بائنا أو كانت معتد عن وفاة فإن كان إلى منزلها أقل من مدة سفر و إلى مكة مدة سفر فإنها تعود إلى منزلها لأنه ليس فيه إنشاء سفر فصار كأنها في بلدها و إن كان إلى مكة أقل من مدة سفر و إلى منزلها مدة سفر مضت إلى مكة لأنها تحتاج إلى المحرم في أقل من مدة السفر .
و إن كان من الجانبين أقل من مدة السفر فهي بالخيار إن شاءت مضت و إن شاءت رجعت إلى منزلها فإن كان من الجانبين مدة سفر فإن كانت في المصر فليس لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها في قول أبي حنيفة و إن وجدت محرما و عند أبي يوسف و محمد لها أن تخرج إذا وجدت محرما و ليس لها أن تخرج بلا محرم بلا خلاف و إن كان ذلك ذلك في المفازة أو في بعض القرى بحيث لا تأمن على نفسها و مالها فلها أن تمضي فتدخل موضع الأمن ثم لا تخرج منه في قول أبي حنيفة سواء و جدت محرما أو لا عندهما تخرج إذا وجدت محرما و هذه من مسائل كتاب الطلاق نذكرها بدلائلها في فصول العدة إن شاء الله تعالى .
ثم من لم يجب عليه الحج بنفسه لعذر كالمريض و نحوه و له مال يلزمه أن يحج رجلا عنه ويجزئه عن حجة الإسلام إذا وجد الشرائط جواز الأحجاج ما نذكره و لو تكلف واحد ممن له عذر فحج بنفسه اجزأه عن حجة الإسلام إذا كان عاقلا بالغا حرا لأنه من أهل الفرض إلا أنه لم يجب عليه لأنه لا يمكنه الوصول إلى مكة إلا يخرج فإذا تحمل الحرج و قع موقعه كالفقير إذا حج و العبد إذا حضر الجمعة فأداها و لأنه إذا وصل إلى مكة صار كأهل مكة فيلزمه الحطب بخلاف العبد و الصبي و المجنون فإن العبد و الصبي ليسا من أهل فرض الحج و المجنون ليس من أهل العبادة أصلا و الله أعلم .
ثم ما ذكرنا من الشرائط لوجوب الحج من الزاد و الراحلة و غير ذلك يعتبر وجودها وقت خروج أهل بلده حتى لو ملك الزاد و الراحلة في أول سنة قبل أشهر الحج و قبل أن يخرج أهل بلده إلى مكة فهو في سعة من صرف ذلك على حيث أحب لأنه لا يلزمه التأهب للحج قبل خروج أهل بلده لأنه لم يجب عليه الحج قبله و من لا حج عليه لا يلزمه التأهب للحج فكان بسبيل من التصرف في ماله كيف شاء .
و إذا صرف ماله ثم خرج أهل بلده لا يجب عليه الحج فأما إذا جاء وقت الخروج و المال في يده فليس له أن يصرفه إلى غيره على قول من يقول بالوجوب على الفور لأنه إذا جاء وقت خروج أهل بلده فقد وجب عليه الحج لوجود الاستطاعة فيلزمه التأهب للحج فلا يجوز له صرفه إلى غيره كالمسافر إذا كان معه ماء للطهارة و قد قرب الوقت لا يجوز له استهلاكه في غير الطهارة فإن صرفه إلى غير الحج أثم و عليه الحج و الله تعالى أعلم