الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف .
فصل : و أما الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف بملك أو غيره فجملة الكلام فيه أن الحالف لا يخلو : إما إن اقتصر على الإضافة و إما إن جمع بين الإضافة و الإشارة و الإضافة لا تخلو إما أن تكون إضافة ملك أو أضافة نسبة من غير ملك فإن اقتصر في يمينه على الإضافة و الإضافة إضافة ملك فيمينه على ما في ملك فلان يوم فعل ما حلف عليه حتى يحنث سواء كان الذي أضافه إلى ملك فلان في ملكه يوم حلف أو لم يكن بأن حلف لا يأكل طعام فلان أو لا يشرب شراب فلان أو لا يدخل دار فلان أو لا يركب دابة فلان أو لا يلبس ثوب فلان أو لا يكلم عبد فلان و لم يكن شيء منها في ملكه ثم استحدث الملك فيها هذا جواب ظاهر الرواية في الأصل و الزيادات و هو إحدى الروايتين عن أبي يوسف و روي عنه رواية أخرى أن إضافة إذا كانت فيما يستحدث الملك فيه حالا فحالا في العادة فإن اليمين تقع على ما في ملكه يوم فعل كالطعام و الشراب و الدهن و إن كانت الإضافة فيما يستدام فيه الملك و لا يستحدث ساعة فساعة عادة فاليمين على ما كان في ملكه يوم حلف كالدار و العبد و الثوب .
و ذكر ابن سماعة في نوادره : عن محمد أن ذلك كله ما في ملكه يوم حلف و لا خلاف في أنه إذا حلف لا يكلم زوج فلانة أو امرأة فلان أو صديق فلان أو ابن فلان أو أخ فلان و لا نية له أن ذلك على ما كان يوم حلف و لا تقع على ما يحدث من الزوجية و الصداقة و الولد ففرق في ظاهر الرواية بين الإضافتين و سوى بينهما في النوادر .
و وجه رواية النوادر : أن الإضافة تقتضي الوجود حقيقة إذ الموجود يضاف لا المعدوم فلا تقع يمينه إلا على الموجود يوم الحلف و لهذا وقعت على الموجود في إحدى الإضافتين و هي إضافة النسبة كذا في الأخرى .
وجه ظاهر الرواية : و هو الفرق بين الإضافتين أن في إضافة الملك عقد يمينه على مذكور مضاف إلى فلان بالملك مطلقا عن الجهة و هي أن يكون مضافا إليه بملك كان وقت الحلف أو بملك استحدث فلا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل وقد وجدت الإضافة عند الفعل فيحنث و في إضافة النسبة قام دليل التقييد و هي أن أعيانهم مقصود باليمين لأجلهم عرفا و عادة لما تبين فانعقدت على الموجود و صار كما لو ذكرهم بأساميهم أو أشار إليهم فأما الملك فلا يقصد باليمين لذاته بل للمالك فيزول بزوال ملكه .
و أبو يوسف على ما روي عنه ادعى تقييد المطلق بالعرف و قال استحداث الملك في الدار و نحوها غير متعارف بل هو في حكم الندرة حتى يقال : الدار هي أول ما يشترى و آخر ما يباع و تقييد المطلق بالعرف جائز فتقييد اليمين فيها بالموجود وقت الحلف للعرف بخلاف الطعام و الشراب و نحوهما لأن استحداث الملك فيها معتاد فلم يوجد دليل التقييد .
و الجواب : أن دعوى العرف على الوجه المذكور ممنوعة بل العرف مشترك فلا يجوز تقييد المطلق بعادة مشتركة .
و لو حلف لا يدخل دار فلان فالصحيح أنه على الاختلاف لأن كل إضافة تقدر فيها اللام فكان الفصلان من الطعام و العبد و نحوهما على الاختلاف ثم في إضافة الملك إذا كان المحلوف عليه في ملك الحالف وقت الحلف فخرج عن ملكه ثم فعل لا يحنث بالإجماع .
و أما في إضافة النسبة من الزوجة و الصديق و نحوهما إذا طلق زوجته فبانت منه أو عادى صديقه ثم كلمه فقد ذكر في الجامع الصغير أنه لا يحنث و ذكر في الزيادات أنه يحنث و قيل ما ذكر في الجامع قول أبي حنيفة و أبي يوسف و ما ذكر في الزيادات قول محمد المذكور في النوادر .
وجه المذكور في الزيادات أنه يمينه وقعت على الموجود وقت الحلف فحصل تعريف الموجود بالإضافة فيتعلق الحكم بالعرف لا بالإضافة .
وجه ما ذكر في الجامع الصغير أن الإنسان قد يمنع نفسه عن تكليم امرأة لمعنى فيها وقد يمنع من تكليمها لمعنى في زوجها فلا يسقط اعتبار الإضافة مع الاحتمال و إن جمع بين الملك و الإشارة بأن قال لا أكلم عبد فلان هذا أو أدخل دار فلان هذه أو لا أركب دابة فلان هذه أو لا ألبس ثوب فلان هذا فباع فلان عبده أو داره أو دابته أو ثوبه فكلم أو دخل أو ركب أو لبس لم يحنث في قول أبي حنيفة إلا أن يعني غير ذلك الشيء خاصة و عند محمد يحنث إلا أن يعني ما دامت ملكا لفلان فهما يعتبران الإشارة و الإضافة جميعا وقت الفعل للحنث فما لم يوجد لا يحنث و محمد يعتبر الإشارة دون الإضافة .
و أما في إضافة النسبة فلا يشترط قيام الإضافة وقت الفعل للحنث بالإجماع حتى لو حلف لا يكلم زوجة فلان هذا أو صديق فلان هذا فبانت زوجته منه أو عادى صديقه فكلم يحنث .
وجه قول محمد في مسألة الخلاف : أن الإضافة و الإشارة كل واحد منهما للتعريف والإشارة أبلغ في التعريف لأنها تخصص العين و تقطع الشركة فتلغو الإضافة كما في إضافة النسبة و كما لو حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما شاخ أنه يحنث لما قلنا كذا هذا .
ولهما أن الحالف لما جمع بين الإضافة و الإشارة لزوم اعتبارهما ما أمكن لأن تصرف العاقل واجب الاعتبار ما أمكن و أمكن اعتبار الإضافة ههنا مع وجود الإشارة لأنه باليمين منع نفسه عن مباشرة المحلوف و الظاهر أن العاقل لا يمنع نفسه عن شيء منعا مؤكدا باليمين إلا لداع يدعوه إليه و هذه الأعيان لا تقصد بالمنع لذاتها بل لمعنى في المالك أما الدار و نحوها فلا شك فيه و كذا العبد لأنه لا يقصد بالمنع لخسته و إنما يقصد به مولاه وقد زال بزوال الملك عن المالك و صار كأنه قال : مهما دامت لفلان ملكا بخلاف المرأة و الصديق لأنهما يقصدان بالمنع لأنفسهما فتتعلق اليمين بذاتيهما و الذات لا تتبدل بالبينونة و المعادة فيحنث كما إذا حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعدما صار شيخا .
و لو حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباع الطيلسان فكلمه حنث لأن الطيلسان مما لا يقصد بالمنع و إنما يقصد ذات صاحبه و أنها باقية .
و ذكر محمد في الزيادات : إذا حلف لا يركب دواب فلان أو لا يلبس ثيابه أو لا يكلم غلمانه إن ذلك على ثلاثة لأن أقل الجمع الصحيح ثلاثة و كذلك لو قال لا آكل أطعمة فلان أو لا أشرب أشربة فلان أن ذلك على ثلاثة أطعمة و ثلاثة أشربة لما قلنا و يعتبر قيام الملك فيها وقت الفعل لا وقت الحلف في ظاهر الروايات على ما بينا .
فإن قال : أردت جميع ما في ملكه من الأطعمة لم يدين في القضاء لأنه خلاف ظاهر كلامه كذا ذكر القدوري .
و ذكر في الزيادات أنه يدين في القضاء لأنه نوى حقيقة ما تلفظ به فيصدق في القضاء كما إذا حلف لا يتزوج النساء أو لا يشرب الماء أو لا يكلم الناس و نحو ذلك و نوى الجميع و لو كانت اليمين على إخوة فلان أو بني فلان أو نساء فلان لا يحنث ما لم يكلم الكل منهم عملا بحقيقة اللفظ و يتناول الموجودين وقت الحلف لأن هذه إضافة نسبة .
و قال أبو يوسف : إن كان ذلك مما يحصى فاليمين على جميع ما في ملكه لأنه صار معرفا بالإضافة و يمكن استيعابه فكان كالمعرف بالألف و اللام و إن كان لا يحصى إلا بكتاب حنث بالواحد منه لأنه تعذر استغراق الجنس فيصرف إلى أدنى الجنس كقوله : لا أتزوج النساء و مما يجانس مسائل الفصل الأول ما قال خلف بن أيوب سألت أسدا عن رجل حلف لا يتزوج بنت فلان أو بنتا لفلان فولدت له بنت ثم تزوجها أو قال : و الله لا أتزوج من بنات فلان و لا بنات له ثم ولد له أو قال و الله لا أشرب من لبن بقرة فلان و لا بقرة له ثم أشترى بقرة فشرب من لبنها أو قال لصبي صغير و الله لا أتزوج من بناتك فبلغ فولد له فتزوج منهن أيحنث أم لا أو قال لا آكل من ثمرة شجرة فلان ولا شجرة لفلان ثم اشترى شجرة فأكل من ثمرها قال : أما إذا حلف لا يتزوج بنت فلان و لا يشرب من لبن بقرة فلان و لا يأكل من ثمرة شجرة فلان فلا يحنث في شيء من هذا .
و أما قوله : لا أتزوج بنتا من بنات فلان أو بنتا لفلان فإنه يحنث و تلزمه اليمين في قول أبي حنيفة و أما أنا فأقول لا يحنث لأنه حلف يوم حلف على ما لم يخلق حال حلف و سألت الحسن فقال مثل قول أبي حنيفة .
لأبي حنيفة أن قوله : لا أتزوج بنت فلان يقتضي بنتا موجودة في الحال فلم تعقد اليمين على الإضافة و إذا قال بنتا لفلان فقد عقد اليمين على الإضافة فيعتبر وجودها يوم الحلف كقوله عبدا لفلان .
و أما أسد فاعتبر وجود المحلوف عليه وقت اليمين فما كان معدوما لا تصح الإضافة فيه فلا يحنث .
و قال خلف : سألت أسدا عن رجل حلف لا يتزوج امرأة من أهل هذه الدار و ليس للدار أهل ثم سكنها قوم فتزوج منهم قال يحنث في قول أبي حنيفة و لا يحنث في قولي و هو على ما بينا من اعتبار الإضافة