بيان شرط حل الأكل في الحيوان المأكول .
و أما بيان شرط حل الأكل في الحيوان المأكول فشرط حل الأكل في الحيوان المأكول البري هو الذكاة فلا يحل بدونها لقوله تبارك و تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم } إلى قوله عز شأنه : { وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } استثنى سبحانه و تعالى الذكي من المحرم و الاستثناء من التحريم إباحة .
ثم الكلام في الذكاة في الأصل في ثلاثة مواضع : و في بيان شرائط الركن و في بيان ما يستحب من الذكاة و ما يكره منها فالذكاة نوعان اختيارية و ضرورية أما الاختيارية فركنها الذبح فيما يذبح من الشاة و البقرة و نحوهما و النحر فيما ينحر و هو الإبل عند القدرة على الذبح و النحر لا يحل بدون الذبح و النحر لأن الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح و أنه لا يزول إلا بالذبح و النحر لأن الشرع إنما ورد بإحلال الطيبات قال الله تبارك و تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات } .
و قال سبحانه و تعالى : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } و لا يطيب إلا بخروج الدم المسفوح و ذلك بالذبح و النحر و لهذا حرمت الميتة لأن المحرم و هو الدم المسفوح فيها قائم و لذا لا يطيب مع قيامه و لهذا يفسد في أدنى مدة ما يفسد في مثلها المذبوح و كذا المنخنقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة لما قلنا و الذبح هو فري الأوداج و محله ما بين اللبة و اللحيين لقول النبي عليه الصلاة و السلام : [ الذكاة ما بين اللبة و اللحية ] أي محل الذكاة ما بين اللبة و اللحيين و روى الذكاة في الحلق و اللبة و النحر فري الأوداج و محله آخر الحلق و لو نحر ما يذبح و ذبح ما ينحر يحل لوجود فري الأوداج لكنه يكره لأن السنة في الإبل النحر و في غيرها الذبح ألا ترى أن الله تعالى ذكر في الإبل النحر و في البقر و الغنم الذبح فقال سبحانه و تعالى : { فصل لربك وانحر } قيل في التأويل أي انحر الجزور و قال الله عز شأنه : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } و قال تعالى : { وفديناه بذبح عظيم } و الذبح بمعنى المذبوح كالطحن بمعنى المطحون و هو الكبش الذي فدي به سيدنا إسماعيل أو سيدنا إسحاق صلوات الله عليهما على اختلاف أصل القصة في ذلك و كذا [ النبي عليه الصلاة و السلام : نحر الإبل و ذبح البقر و الغنم ] فدل أن ذلك هو السنة .
و ذكر محمد C في الأصل و قال : بلغنا أن أصحاب النبي عليه الصلاة و السلام و رضي عنهم كانوا ينحرون الإبل قياما معقولة اليد اليسرى فدل ذلك على أن النحر في الإبل هو السنة لأن الأصل في الذكاة إنما هو الأسهل على الحيوان و ما فيه نوع راحة له فهو أفضل لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته ] و الأسهل في الإبل النحر لخلو لبتها عن اللحم و اجتماع اللحم فيما سواه من خلفها و البقر و الغنم جميع حلقها لا يختلف .
فإن قيل : أليس روي عن جابر Bه أنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم البدنة عن سبعة و البقرة عن سبعة أي و نحرنا البقرة عن سبعة لأنه معطوف على الأول فكان خبر الأول خبرا للثاني كقولنا جاءني زيد و عمرو فالجواب أن الذبح مضمر فيه و معناه و ذبحنا البقرة على عادة العرب في الشيء إذا عطف على غيره و خبر المعطوف فيه لا يحتمل الوجود في المعطوف أو لا يوجد عادة أن يضمر المتعارف المعتاد كما قال الشاعر : .
( و لقيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا و رمحا ) .
أي متقلدا سيفا و معتقلا رمحا و قال آخر : .
( علفتها تبنا و ماءا باردا ) .
أي علفتها تبنا و سقيتها ماءا باردا لأن الرمح لا يحتمل التقلد أو لا يتقلد عادة و الماء لا يعلف بل يسقى كذا ههنا الذبح في البقر هو المعتاد فيضمر فيه فصار كأنه قال نحرنا البدنة و ذبحنا البقرة و هذا الذي ذكرنا قول عامة العلماء رضي الله تعالى عنهم .
و قال مالك C : إذا ذبح البدنة لا تحل لأن الله تبارك و تعالى أمر في البدنة بالنحر بقوله عز شأنه : { فصل لربك وانحر } فإذا ذبح فقد ترك المأمور به فلا يحل .
و لنا : ما [ روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : ما أنهر الدم و فرى الأوداج فكل ] و به تبين أن الأمر بالنحر في البدنة ليس لعينه بل لإنهار الدم و إبراء الأوداج و قد وجد ذلك و لا بأس في الحلق كله أسفله أو أوسطه أو أعلاه لقوله عليه الصلاة و السلام : [ الذكاة ما بين اللبة و اللحيين ] و قوله عليه الصلاة و السلام : [ الذكاة في الحلق و اللبة ] من غير فصل و لأن المقصود إخراج الدم المسفوح و تطييب اللحم و ذلك يحصل بقطع الأوداج في الحلق كله .
ثم الأوداج أربعة : الحلقوم و المري و العرقان اللذان بينهما الحلقوم و المري فإذا فرى ذلك كله فقد أتى بالذكاة بكاملها و سننها و إن فرى البعض دون البعض فعند أبي حنيفة Bه إذا قطع أكثر الأوداج و هو ثلاثة منها أي ثلاثة كانت و ترك واحدا يحل و قال أبو يوسف C لا يحل حتى يقطع الحلقوم و المريء و أحد العرقين .
و قال محمد C : لا يحل حتى يقطع من كل واحد من الأربعة أكثره و قال الشافعي C إذا قطع الحلقوم و المري حل إذا استوعب قطعهما وجه قول الشافعي Bه : أن الذبح إزالة الحياة و الحياة لا تبقى بعد قطع الحلقوم و المري عادة و قد تبقى بعد قطع الودجين إذ هما عرقان كسائر العروق و الحياة تبقى بعد قطع عرقين من سائر العروق و لنا أن المقصود من الذبح إزالة المحرم و هو الدم المسفوح و لا يحصل إلا بقطع الودج .
وجه قول محمد عليه الرحمة : أنه إذا قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة فقد حصل المقصود بالذبح و هو خروج الدم لأنه يخرج ما يخرج بقطع الكل وجه قول أبي يوسف أن كل واحد من العروق يقصد بقطعه غير ما يقصد به الآخر لأن الحلقوم مجرى النفس و المريء مجرى الطعام و الودجين مجرى الدم فإذا قطع أحد الودجين حصل بقطعه المقصود منهما و إذا ترك الحلقوم لم يحصل بقطع ما سواه المقصود منه و لذلك اختلفا و لأبي حنيفة عليه الرحمة أنه قطع أكثر من العروق الأربعة و للأكثر حكم الكل فيما بني على التوسعة في أصول الشرع و الذكاة بنيت على التوسعة في أصول الشرع و الذكاة بنيت على التوسعة حيث يكتفى فيها بالبعض بلا خلاف بين الفقهاء و إنما اختلفوا في الكيفية فيقام الأكثر فيها مقام الجميع و لو ضرب عنق جزور أو بقرة أو شاة بسيفه و أبانها و سمى : فإن كان ضربها من قبل الحلقوم تؤكل و قد أساء أما حل الأكل فلأنه أتى بفعل الذكاة و هو قطع العروق و أما الإساءة فلأنه زاد في ألمها زيادة لا يحتاج إليها في الذكاة فيكره ذلك و إن ضربها من القفا فإن ماتت قبل القطع بأن ضرب على التأني و التوقف لا تؤكل لأنها ماتت قبل الذكاة فكانت ميتة و إن قطع العروق قبل موته تؤكل لوجود فعل الذكاة و هي حية إلا أنه يكره ذلك لأنه زاد في ألمها من غير حاجة و إن أمضى فعله من غير توقف تؤكل لأن الظاهر أن موتها بالذكاة