حكم الصيد من كل ذي ناب من السباع .
و منها : أن لا يكون ذو الناب الذي يصطاد به من الجوارح محرم العين فإن كان محرم العين و هو الخنزير فلا يؤكل صيده لأن محرم العين محرم الانتفاع به والاصطياد به انتفاع فكان حراما فلا يتعلق به الحل .
و أما ما سواه من ذي الناب من السباع فقد قال أصحابنا جميعا كل ذي مخلب و ذي ناب علم فتعلم و لم يكن محرم العين فصيد به كان صيده حلالا لعموم قوله عز شأنه : { وما علمتم من الجوارح } .
و قالوا في الأسد و الذئب : إنه لا يجوز الصيد بهما لا لمعنى يرجع إلى ذاتهما بل لعدم احتمال التعلم لأن التعلم بترك العادة و ذلك بترك الأكل و قيل إن كان من عادتهما أنهما إذا أخذا صيدا لا يأكلانه في الحال فلا يمكن الاستدلال بترك الأكل و قيل إن من عادتهما أنهما إذا أخذا صيدا لا يأكلانه في الحال فلا يمكن الاستدلال بترك الأكل فيهما على التعلم حتى لو تصور تعليمهما يجوز .
و ذكر هشام و قال : سألت محمدا عن الذئب إذا علم فصاد فقال هذا أرى أنه لا يكون فإن كان فلا بأس به و قال : سألته عن صيد ابن عرس فأخبرني أن أبا حنيفة C قال : إذا علم فتعلم فكل مما صاد فصار الأصل ما ذكرنا أن ما يكون محرم العين من الجوارح إذا علم فتعلم يؤكل صيده و الله جل شأنه أعلم .
و منها : أن يعلم أن تلف الصيد بإرسال أو رمي هو سبب الحل من حيث الظاهر فإن شاركهما معنى أو سبب يحتمل حصول التلف به و التلف به مما لا يفيد الحل لا يؤكل إذا كان ذلك المعنى مما لا يمكن الاحتراز عنه لأنه إذا احتمل حصول التلف بما لا يثبت به الحل فقد احتمل الحل و الحرمة فيرجح جانب الحرمة احتياطا لأنه إن أكل عسى أنه أكل الحرام فيأثم و إن لم يأكل فلا شيء عليه و التحرز عن الضرر واجب عقلا و شرعا .
و الأصل فيه ما [ روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لوابصة بن معبد Bه : الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك ] و قال عبد الله بن مسعود Bهما : ما اجتمع الحلال و الحرام في شيء إلا و قد غلب الحرام الحلال .
و على هذا يخرج ما إذا رمى صيدا و هو يطير فأصابه فسقط على جبل ثم سقط منه على الأرض فمات أنه لا يؤكل و هو تفسير المتردي لأنه يحتمل أنه مات من الرمي و يحتمل أنه مات بسقوطه عن الجبل .
و كذلك لو كان على جبل فأصابه فسقط منه شيء على الجبل ثم سقط على الأرض فمات أو كان على سطح فأصابه فهوى فأصاب حائط السطح ثم سقط على الأرض فمات أو كان على نخلة أو شجرة فسقط منها على جذع النخلة أو ند من الشجرة ثم سقط على الأرض فمات أو وقع على رمح مركوز في الأرض و فيه سنان فوقع على السنان فمات عليه أو أصاب سهمه صيدا فوقع في الماء فمات فيه لا يحل لأنه يحتمل أنه مات بالرمي و يحتمل أنه مات بهذه الأسباب الموجودة بعده .
و قد [ روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : و إن وقع في الماء فلا تأكله فلعل الماء قتله ] بين عليه الصلاة و السلام الحكم و علل بما ذكرنا من احتمال موته بسبب آخر و هو وقوعه في الماء و الحكم المعلل بعلة يتعمم بعموم العلة و لو أصاب السهم فوقع على الأرض فمات فالقياس أن لا يؤكل لجواز موته بسبب وقوعه على الأرض .
و في الاستحسان : يؤكل لأنه لا يمكن الاحتراز عن وقوع المرمي إليه على الأرض فلو اعتبر هذا الاحتمال لوقع الناس في الحرج و ذكر في المنتقى في الصيد إذا وقع على صخرة فانشق بطنه أو انقطع رأسه أنه لا يؤكل قال الحاكم الجليل الشهيد المروزي و هذا خلاف جواب الأصل .
قال القدوري C : و عنى به أنه خلاف عموم جواب الأصل لأنه ذكر في الأصل لو وقع على أجرة موضوعة في الأرض أكل و لم يفصل بين أن يكون انشق بطنه أو لم ينشق فهذا يقتضي أن يؤكل في الحالين فيجوز أن يجعل في المسألة روايتان و يجوز أن يفرق بين الحالين من حيث لو انشق بطنه أو انقطع رأسه فالظاهر أن موته بهذا السبب لا بالرمي فكان احتمال موته بالرمي احتمال خلاف الظاهر فلا يعتبر و إذا لم ينشق و لم ينقطع فموته بكل واحد من السببين محتمل احتمالا على السواء إلا أن التحرز غير ممكن فسقط اعتبار موته بسبب العارض .
و يجوز أن يكون المذكور في المنتقى تفسيرا لما ذكر في الأصل فيكون معناه أن يؤكل إذا لم ينشق بطنه أو لم ينقطع رأسه فيحمل المطلق على المقيد و يجعل المقيد بيانا للمطلق عند تعذر العمل بهما .
و لو وقع على حرف آجرة أو حرف حجر ثم وقع على الأرض فمات لم يؤكل لما قلنا و لو كانت الآجرة منطرحة على الأرض فوقع عليها ثم مات أكل لأن الآجرة المنطرحة كالأرض فوقوعه عليها كوقوعه على الأرض و لو وقع على جبل فمات عليه أكل لأن استقراره على الجبل كاستقراره على الأرض .
و ذكر في المنتقى عن أبي يوسف C : لو رمى صيدا على قلة جبل فأثخنه حتى صار لا يتحرك و لم يستطع أن يأخذه فرماه فقتله و وقع لم يأكله لأنه خرج عن كونه صيدا بالرمي الأول لخروجه عن حد الامتناع فالرمي الثاني لم يصادف صيدا فلم يكن ذكاة له فلا يؤكل .
و على هذا يخرج ما إذا اجتمع على الصيد معلم و غير معلم أو مسمى عليه و غير مسمى أنه لا يؤكل لاجتماع سببي الحظر و الإباحة و لم يعلم أيهما قتله و لو أرسل مسلم كلبه فاتبع الكلب كلب غير معلم لكنه لم يرسله أحد و لم يزجره بعد انبعاثه أو سبع من السباع أو ذو مخلب من الطير مما يجوز أن يعلم فيصاد به فرد الصيد عليه و نهشه أو فعل ما يكون معونة للكلب المرسل فأخذه الكلب المرسل و قتله لا يؤكل لأن رد الكلب و نهشه مشاركة في الصيد فأشبه مشاركة المعلم و غير المعلم و المسمى عليه غير المسمى عليه بخلاف ما إذا رد عليه آدمي أو بقرة أو حمار أو فرس أو ضب لأن فعل هؤلاء ليس من باب الاصطياد فلا يزاحم الاصطياد في الإباحة فكان ملحقا بالعدم فإن تبع الكلب الأول كلب غير معلم و لم يرد عليه و لم يهيب الصيد و لكنه اشتد عليه و كان الذي أخذ و قتل الكلب المعلم لا بأس بأكله لأنهما ما اشتركا في الاصطياد لعدم المعاونة فيحل أكله و الله جل شأنه أعلم