باب ما يفسد الصلاة .
يقال : فسد كنصر وعقد وكرم ولم يسمع انفسد قاموس ملخصا قوله : مفترقان فما كان مشروعا بأصله دون وصفه كالبيع بشرط لا يقتضيه العقد فهو فاسد وما ليس مشروعا بأصله ولا وصفه كبيع الميتة والدم فهو باطل قوله : منه الكلمة ويشترط فيها تصحيح الحروف وسماعها حتى تكون مفسدة فإن فقد أحدهما فلا فساد لأنه لا يعتبر كلاما اهـ حلبي قوله : وإن لم تكن مفيدة كيا ذكر الإمام خواهر زاده أنها تفسد بالنفخ المسموع بلا حروف وفي السراج و البناية : إذا تلكم كلاما يتعارف في متفاهم الناس سواء حصل به حروف أو لا حتى لو قال : ما يساق به الحمار مثلا فسدت صلاته اهـ ومن ثمة استشكل الشرنبلالي ما ذكره بعضهم من أنه ليس في صلاة وتمثيله لغير المفيدة بيا غيه نظر فإنها بمعنى ادعو فهي نائبة عن جملة وأما المنادي فهو فضلة لأنه مفعول في المعنى وقد تأتي للتنبيه اللهم إلا أن يقال عده لها غير مفيدة نظر إلى عدم تعيين المنادى واعلم أنه لا فرق في المفسد إذا كان حرفين بين أن يكون من أحرف الزيادة أو لا وفصل أبو يوسف وتفصيل المقام يعلم من المطولات قوله : ولو نطق بها سهوا الفرق بين السهو والنسيان أن الصورة الحاصلة عند العقل إن كان يمكنه الملاحظة أي وقت شاء تسمى ذهولا وسهوا ولا أي لا يمكنه الملاحظة إلا بعد كسب جديد تسمى نسيانا نهر وبينه وبين الخطأ أن السهو ما يتنبه له صاحبه والخطأ ما لم يتنبه أو يتنبه بعد أتعاب حموي عن الأكمل وقال الإمام الشافعي Bه : لا تفسد بالكلام ناسيا إلا إذا طال واحتج بحديث ذي اليدين ولنا قوله A : وليبن على صلاته ما لم يتكلم حيث غيا جواز البناء بالتكلم فيقتضي إنتهاء الجواز بالتكلم وعموم قوله A : [ إن هذه الصلاة لا تصلح ] الخ دل على أن عدم الكلام من حقها كما جعل وجود الطهارة من حقها فكما لا تجوز مع عدم الطهارة لا تجوز مع وجود الكلام وهو واضح جدا ولو كان النسيان عذرا لاستوى قليله وكثيره وحديث ذي اليدين كان في ابتداء الإسلام قبل تحريم الكلام فإن قيل : السلام كالكلام في أن كلا منهما قاطع للصلاة فلم فصلتم في السلام بين العمد والنسيان فالجواب أن السلام له شبه بالأذكار إذا هو من أسماء الله تعالى ومذكور في التشهد فهو من جنس الصلاة وإنما يلحق بالكلام إذا قصد به الخطاب فإذا أتى به ناسيا اعتبرناه بالأذكار وإن كان عمدا اعتبرناه بالكلام عملا بالشبهين اهـ قوله : في المختار واختار فخر الإسلام وغيره أنها لا تفسد كما في المضمرات والمنح قوله : لا يصلح فيها شيء الخ كذا في رواية الإمام أحمد و مسلم و النسائي وفي رواية أبي داود والطبراني لا يحل مكان لا يصلح قال في الشرح : وما لا يحل ولا يصلح في الصلاة فمباشرته تفسدها اهـ قوله : والعمل القليل عفو هذا جواب عن سؤال حاصله انكم جعلتم الكلام قليله وكثيره مفسدا وفصلتم في العمل بين قليله فلا يفسد وكثيره فيفسد وحاصل الجواب أنه إنما عفي عن القليل من العمل لأن بدن الحي لا يخلو عن حركة طبعا فلا يمكن الاحتراز عن قليلها فعفي ما لم يكثر ويدخل في حد ما لا يمكن الاحتراز عنه وليس الكلام كذلك فإن يمكن الاحتراز عن قليله لأنه ليس من طبعه أن يتكلم فلم يعف وعن نحو الأكل ناسيا في الصوم دون الصلاة لأن حالة الصلاة مذكرة دون الصوم اهـ قوله : أو أقض ديني تقدم أن هذا مما ورد في السنة وذكر في البحر عن المرغيناني ضابطا فقال : الحاصل أنه إذا دعا في الصلاة بما جاء في القرآن أو في المأثور لا تفسد صلاته وإن لم يكن في القرآن أو المأثور فإن استحال طلبه من العباد لا يفسد وإلا أفسد اهـ ملخصا من الشرح فجعل التفصيل بين ما استحال وما لم يستحل فيما لم يرد في القرآن والسنة وإنما خص الدعاء مع دخوله في عموم الكلام لوقوع الخلاف فيه فإن الإمام الشافعي Bه يقول بعدم الفساد به فإن قيل : الدعاء ليس بخطاب الآدمي فكيف يكون من كلام الناس قلنا : لا يشترط في ذلك المخاطبة ألا ترى أن من قال : قرأت الفاتحة مثلا تبطل صلاته وإن لم يكن بحضرته أحد يخاطبه كذا في التبيين قوله : أو ارزقني أشار به إلى الفرق بين طلب الرزق المقيد بنحو فلان فيفسد والمطلق كهذا فلا يفسد قوله : بنية التحية ولو ساهيا احترز به عن سلام التحليل فإنه لا يفسدها إذا كان ساهيا كما لو سلم على رأس الركعتين في الرباعية ساهيا إلا إذا سلم على ظن أنها ترويحة أو على ظن أنها الفجر فإنها تفسد كما إذا سلم في حال القيام في غير صلاة الجنازة قوله : لأنه خطاب لا يظهر فيما إذا لم يقل عليكم أو أن المراد شأنه أن يخالب به أو أنه لا يشترط في الكلام خطاب قوله : بلسانه قيد به لأنه لو رده بيده لا تفسد لما [ روي أن النبي A خرج إلى قباء فجاء الأنصار فسلموا عليه قال عمر : قلت لبلال : كيف النبي A حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي ؟ قال : يقول هكذا وبسط جعفر بن عوف كفه وجعل بطنه أسفل وظهره إلى فوق ] فإن قلت : هذا يقتضي عدم الكراهة وقد صرحوا بكراهة الرد بالإشارة وهو في الصلاة أجاب العلامة ابن أمير حاج بأنها كراهة تنزيه وفعله A إنما كان تعليما للجواز فلا يوصف بالكراهة قوله : لأنه كلام معنى أورد عليه بأن الرد باليد كلام معنى وهو لا يفسد فالأولى أن يعلل الفساد فيها بأنه عمل كثير بخلاف الرد باليد أفاده السيد قوله : هو الذي لا يشك الناظر الخ قال ابن أمير حاج : والمراد من الناظر من لا علم له بكونه في الصلاة وإلا فمن المعلوم أنه لو شاهد شروع إنسان في الصلاة ثم رأى منه ما ينافيها كأن تناول مشطا وسرح رأسه أو لحيته مرات متواليات فإنه يفسد حتما مع إنتفاء التيقن بأنه ليس في الصلاة فتنبه اهـ .
فرع : يقع لغزا فيقال فيه أي بغيره شخص شرب ففسدت صلاة غيره بشربه ولو لم يكن مقتديا ولا متيمما وجوابه صبي رضع ثدي امرأة ثلاثا وتزل لبنها فإنها تفسد صلاتها على الأصح أفاده الشرح قوله : على الأصح كذا في التبيين وهو قول العامة وهو المختار وهو الصواب كما في المضمرات قوله : كالحركات الثلاث المتواليات كثير حتى لو روح على نفسه بمروحة ثلاث مرات أو حك موضعا من جسده كذلك أو رمى ثلاثة أحجار أو نتف ثلاث شعرات فإن كانت على الولاء فسدت صلاته وإن فصل لا تفسد وإن كثر وفي الخلاصة وإن حك ثلاثا في ركن واحد تفسد صلاته إذا رفع يده في كل مرة وإلا فلا تفسد لأنه حك واحد اهـ وقيل : ما يقام باليدين عادة كثير وإن فعله بيد واحدة وما يقام بيد واحدة قليل وإن فعله بيدين وقيل : إن الكثير ما يكون مقصودا للفاعل والقليل بخلافه وقيل : إنه مفوض إلى رأي المبتلي فإن استكثره فكثير وإن استقله فقيل وهذا أقرب الأقوال إلى رأي الإمام كما في التبيين قال المصنف : وفروعهم في هذا الباب قد اختلفت ولم تتفرع كلها على قول واحد والظاهر أن أكثرها تفريعات من المشايخ لم تكن منقولة عن الإمام الأعظم قوله : على الصحيح وذكر في شرح الجامع الصغير رواية مكحول عن الإمام أنه يفسد قوله : ويفسدها تحويل الصدر عن القبلة الظاهر أن حكم الصدر في الاستقبال الحكم السابق فيعد مستقبلا باستقبال جزء منه ولا تفسد إلا بالتحويل إلى المغارب أو إلى المشارق قوله : إلا لسبق حدث فلا تفسد به ولا بالمشي وفي الحلبي : إذا مشى في صلاته مشيا غير متدارك بأن مشى قدر صف ووقف قدر ركن ثم مشى قدر صف آخر هكذا إلى أن مشى قدر صفوف كثيرة لا تفسد صلاته إلا إذا خرج من المسجد إن كان يصلي فيه أو تجاوز الصفوف في الصحراء فإن مشى قدر صفين دفعة واحدة أو خرج من المسجد أو تجاوز الصفوف في الصحراء فسدت صلاته اهـ وذكر المحقق ابن أمير حاج ما حاصله أن المشي لا يخلو إما أن يكون بلا عذر أو يكون بعذر فإن كان بلا عذر فإن كان كثيرا متواليا يفسد صلاته سواء استدبر القبلة مع ذلك أو لا لأنه حينئذ عمل كثير ليس من أعمال الصلاة ولم تقع الرخصة فيه وإن كان كثيرا غير متوال بل تفرق في ركعات أو تخلله مهلات فإن استدبر معه القبلة فسدت لوجود المنافي قطعا من غير ضرورة وإن لم يستدبر معه القبلة لم تفسد ولكن يكره لما عرف أن ما أفسد كثيره كره قليله عند عدم الضرورة وإن كان بعذر كأن كان لأجل الوضوء لحدث سبقه في الصلاة أو لانصرافه إلى وجه العدو أو رجوعه منه في صلاة الخوف لا يفسد ولا يكره مطلقا سواء كان كثيرا أو قليلا استدبر القبلة أو لم يستدبر اهـ قوله : وهو قدر الحمصة وقال الإمام خواهر زاده : ما دون ملء الفم لا يفسده وما في المصنف أولى كما في النهر وفي الخلاصة لو أكل شيئا من الحلاوة وابتلع عينها فوجد حلاوتها في فيه وابتلعها لا تفسد صلاته ولو أدخل الفانيد أو السكر في فيه ولم بمضغه لكن يصلي والحلاوة تصل إلى جوفه تفسد صلاته ثم قال : ولو مضغ علكا فسدت صلاته إذا كثر اهـ قوله : وإن كان بعمل كثير كأنه مضغه مرات قوله : ويفسدها شربه لا فرق بين العمد والنسيان كذا في الشرح قوله : بطلت صلاته لوصول شيء من خارج إلى جوفه كذا في البزازية قوله : بلا عذر العذر وصف يطرأ على المكلف يناسب التسهيل عليه قوله : لما فيه من الحروف أفاد بالتعليل تقيدا لفساد بالتنحنح بما إذا حصل به حروف كالجشاء إن حصل به حروف ولم يكن مدفوعا إليه وكذا السعال يفسد إذا حصل به حروف بلا ضرورة أما العطاس فلا يفسد وإن حصل به كلمة أفاده السيد قوله : وإن كان لعذر الخ منه التنحنح لإصلاح الصوت وتحسينه أو ليهتدي إمامه من خطئه أو للإعلام بأنه في الصلاة على الصحيح كما في الفتح قوله : كمنعه البلغم بالرفع فاعل المنع قال في الخلاصة : .
( وبعد جره الذي أضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله ) .
قوله : والتأفيف إذا كان مسموعا والتأفيف أن يقول أف أو تف لنفخ التراب أو التضجر وقيل أف اسم لوسخ الأظافر أو الأذن وتف اسم لوسخ البراجم قوله : والأنين يقال : أن الرجل يئن بالكسر أنينا وأنانا بالضم صوت فهو آن كفاعل وهي آنة اهـ مصباح قوله : بوزن دع توجع العجم وفي المصباح آه من كذا بالمد وكسر الهاء يقال عند التوجع : ونحوه في القهستاني قوله : والتأوه واسم الفاعل منه متأوه أما الأواه فهو الموقن أو كثير الدعاء أو الرخيم الرقيق أو الفقيه أو المؤمن بالحبشية قاموس قوله : وفيها لغات كثيرة عد في البحر تبعا للحلبي فيها ثلاث عشرة لغة قوله : وارتفاع بكائه البكاء بالمد الصوت وبالقصر خروج الدمع وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال : .
( بكت عيني فحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل ) .
اهـ مصباح والمراد بكونه مرتفعا كونه مسموعا فلو لم يسمع نفسه بالحروف لا تفسد على قياس ما قدمناه قريبا وأشار إليه المؤلف بقوله مسموعة قوله : وهو أن يحصل به حروف كذا قيده في الفتح والسراج وشروح الكنز ومرادهم بالجمع ما فوق الواحد وفيه إشارة إلى أن مجرد الصوت غير مفسد خلافا لظاهر البحر ومحل الفساد به عند حصول الحروف إذا أمكنه الإمتناع عنه أم إذا لم يمكنه الامتناع عنه فلا تفسد به عند الكل كما في الظهيرية كالمريض إذا لم يمكنه منع نفسه عن الأنين والتأوه أنه حينئذ كالعطاس والجشاء إذا حصل بهما حروف بحر قوله : أو مصيبة هي ما يصيب الإنسان من كل ما يؤذيه من موت أو مرض أو نحو ذلك فهو من عطف العام على الخاص إلا أن شرط ذلك العطف أن يكون بالواو خاصة أفاده السيد قوله : لأنه كلام معنى كأنه يقول أنه مريض فاعذروه أو مصاب فعزوه والدلالة تعمل عمل الصريح إن لم يكن صريح يخالفها ولو أفصح به تفسد فكذا هنا اهـ من الشرح أو لأن فيه إظهار التأسف وهو من جنس كلام الناس كما حققه في الفتح قوله : لدلالتها على الخشوع أي الخوف من الله الواحد القهار فكأنه من الخوف يبس كالأرض الخاشعة قال تعالى : { ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } [ فصلت : 41 ] وفي الحديث : من أطاع الله باكيا دخل الجنة ضاحكا ومن أذنب ضاحكا دخل النار باكيا أفاده في الشرح .
فروع : لو أعجبته قراءة الإمام فبكى وقال : نعم أو بلى لا تفسد ولو وسوسه الشيطان فحوقل أن الأمور الآخرة لا تفسد وان لأمور الدنيا فسدت ولو لدغته عقرب فقال باسم الله لا تفسد على ما عليه الفتوى كذا في المضمرات والنهر قوله : أفصح من المهملة لأنه أعلى في كلامهم وأكثر مجمع الأنهر قوله : خطاب عاطس بدل من قوله الدعاء بالخير وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله أي خطاب المصلي العاطس وإنما قيد بالخطاب من المصلي لأنه لو قاله العاطس لنفسه لا تفسد لأنه بمنزلة قوله يرحمني الله وبه لا تفسد ظهيرية ولو قال : الحمد الله فمن العاطس نفسه لا تفسد وكذا من غيره إن أراد الثواب إتفاقا كما تفسد إتفاقا إذا أراد به تعليم العاطس أن يقول ذلك ولو أراد به الجواب للعاطس لا تفسد لأنه دعاء لم يتعارف جوابا وقيل تفسد قوله : وقال أبو يوسف لا تفسد لأنه دعاء بالمغفرة والرحمة وجه قول الإمام حديث معاوية بن الحكم أن النبي A قال ل حين شمت العاطس أن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس وهو غير صالح في الصلاة قوله : ويفسدها كل شيء من القرآن قصد به الجواب إنما قيد بالقرآن ليعلم الحكم في غيره بالأولى فلو ذكر الشهادتين عنه ذكر المؤذن لهما أو سمع ذكر الله فقال : جل جلاله أو ذكر النبي A فصلى عليه أو قال عند ختم الإمام القراءة : صدق الله العظيم أو صدق رسوله أو سمع الشيطان فلعنه أو ناداه رجل بأن يجهر بالتكبير ففعل فسدت فإن قيل : روي أنه A قال في جواب ابن مسعود حين استأذن عليه في الدخول وهو في الصلاة : { ادخلوها بسلام آمنين } ولم تفسد الصلاة أجاب عنه السرخسي بأنه محمول على أنه انتهى بالقراءة إلى هذا الموضع ولم يرد به الخطاب كما في شروح الهداية قوله : أو مقتد به ولم يره أمامه قال في البحر المتوضى خلف المتيمم إذا رأى الماء فقهقه المؤتم فعليه الوضوء عندهما خلافا لمحمد وزفر بناء على ان الفريضة متى فسدت لا تقطع التحريمة عندهما خلافا لمحمد وزفر وحاصله أن هذه المسألة متفق فيها على بطلان الصلاة غير أن الإمام وأبا يوسف يبطلانها وصفا فقط و محمد و زفر وصفا وأصلا ولذا حكما بعدم النقض بالقهقه فيها لأنه لم يكن في الصلاة أصلا ولا شك أن هذا الحكم ليس من الأحكام الإثني عشرية فافهم