220 - ـ فصل : اتباع الشهوات .
بلغني عن بعض فساق القدماء أنه كان يقول : .
ما أرى العيش غير أن تتبع النفس هواها فمخطئا أو مصيبا .
فتدبرت حال هذا و إذا به ميت النفس ليس له أنفة على عرضه و لا خوف عار .
و مثل هذا ليس في مسلاخ الآدميين فإن الإنسان قد يقدم على القتل لئلا يقال جبان و يحمل الأثقال ليقال ما قصر و يخاف العار فيصبر على كل آفة من الفقر و هو يستر ذلك حتى لا يرى بعين ناقصة .
حتى إن الجاهل إذا قيل له يا جاهل إغضب و اللصوص المتهيؤون للحرام إذا قال أحدهم للآخر لا تتكلم فإن أختك تفعل و تصنع أخذته الحمية فقتل الأخت .
و من له نفس لا يقف في مقام تهمة لئلا يظن به .
فأما من لا يبالي أن يرى سكرانا و لا يهمه أن شهر بين الناس و لا يؤلمه ذكر الناس له بالسوء فذاك في عداد البهائم .
و هذا الذي يريد أن يتبع النفس هواها لا يلتذ به أنه لا يخاف عنتا و لا لوما و لا يكون له عرض يحذر عليه فهو بهيمة في مسلاخ إنسان .
و إلا فأي عيش لمن شرب الخمر و أخذ عقيب ذلك وضرب و شاع في الناس ما قد فعل به .
أما يفي ذلك باللذة لا ؟ بل يربو عليها أضعافا و أي عيش ساكن الكسل إذا رأى أقرانه قد برزوا في العلم و هو جاهل أو استغنوا بالتجارة و هو فقير فهل يبقى للالتذاذ بالكسل و الراحة معنى ؟ و لو تفكر الزاني في الأحدوثة عنه أو تصور أخذ الحد منه لكف الكف غير أنه يرى لذة حاضرة كأنها لمع برق و يا شؤم ما أعقبت من طول الأسى .
هذا كله في العاجل فأما الأجل فمنغصه العذاب دائمة { و الذين آمنوا مشفقون منها } .
نسأل الله أنفة من الرذائل و همة فيطلب الفضائل إنه قريب مجيب