25 - ـ فصل : خيركم من عمل بما علم .
تأملت المراد من الخلق فإذا هو الذل و اعتقاد التقصير و العجز .
و مثلت العلماء و الزهاد العاملين صنفين فأقمت في صف العلماء مالكا و سفيان و أبا حنيفة و الشافعي و أحمد و في صف العباد مالك بن دينار و رابعة و معروف الكرخي و بشر بن الحارث .
فكلما جد العباد في العبادة و صاح بهم لسان الحال : عباداتكم لا يتعداكم نفعها و إنما يتعدى نفع العلماء و هم ورثة الأنبياء و خلفاء الله في الأرض و هم الذين عليهم المعول و لهم الفضل إذا أطرقوا و انكسروا و علموا صدق تلك الحال و جاء مالك بن دينار إلى الحسن يتعلم منه و يقول : الحسن أستاذنا .
و إذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلا صاح لسان الحال بالعلماء : و هل المراد من العلم إلا العمل ؟ ! .
و قال أحمد بن حنبل : [ و هل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف ؟ ] .
و صح عن سفيان الثوري قال : [ وددت أن قطعت و لم أكتب الحديث ] .
و قالت أم الدرداء لرجل : [ هل عملت بما علمت ] ؟ قال : لا قالت : [ فلم تستكثر من حجة الله عليك ؟ ] .
و قال أبو الدرداء : [ ويل لمن يعلم و لم يعمل مرة و ويل لمن علم و لم يعمل سبعين مرة ] .
و قال الفضيل : [ يغفر للجاهل سبعون ذنبا أن يغفر للعالم ذنب واحد ] .
فما يبلغ من الكل قوله تعالى : { هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون } .
و جاء سفيان إلى رابعة : فجلس بين يديها ينتفع بكلامها فدل العلماء العلم على أن المقصود منه العمل به و أنه آلة فانكسروا و اعترفوا بالتقصير .
فحصل الكل على الاعتراف و الذل فاستخرجت المعرفة منهم حقيقة العبودية باعترافهم فذلك هو المقصود من التكليف