251 - ـ فصل : بع دنياك بآخرتك .
من تأمل بعين الفكر دوام البقاء في الجنة في صفاء بلا كدر و لذات بلا انقطاع و بلوغ كل مطلوب للنفس و الزيادة مما لا عين رأت ـ و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر من غير تغيير و لا زوال إذ لا يقال ألف ألف سنة و لا مائة ألف ألف بل و لو أن الإنسان عد ألوف ألوف السنين لا ينقضي عدده و كان له نهاية و بقاء الآخرة لا نفاد له .
إلا أنه لا يحصل ذلك إلا بنقد هذا العمر .
و ما مقدار عمر غايته مائة سنة منها خمسة عشر صبوة و جهل و ثلاثون بعد السبعين ـ إن حصلت ـ ضعف و عجز .
و التوسط نصفه نوم و بعضه زمان أكل و شرب و كسب و المنتحل منه للعبادات يسير .
أفلا يشتري ذلك الدائم بهذا القليل ؟ إن الإعراض عن الشروع في هذا البيع و الشراء لغبن فاحش في العقل و خلل داخل في الإيمان بالوعد .
[ فإن من يدري كيف يعقد البيع بالعلم ] هو الذي يدل على الطريق و يعرف ما يصلح لها و يحذر من فظاعتها .
و لقد دخل إبليس على طائفة من المتزهدين بآفات أعظمها إن صرفهم عن العلم فكأنه شرع في إطفاء المصباح ليسرق في الظلمة حتى إنه أخذ قوما من كبار العلماء فسلك بهم من ذلك ما ينهى عنه العلم .
فرأيت أبا أحمد الطوسي يحكي عن نفسه في بعض مصنفاته قال : شاورت متبوعا مقدما من الصوفية في المواظبة على تلاوة القرآن فمنعني منه و قال : السبيل أن تقطع علائقك من الدنيا بالكلية بحيث لا يلتفت قلبك إلى أهل و ولد و مال و علم بل تصير إلى حالة يستوي عندك وجود ذلك و عدمه ثم تخلو بنفسك في زاوية فتقتصر من العبادة على الفرائض و الرواتب و تجلس فارغ القلب و لا تزال تقول : الله الله إلى أن تنتهي إلى حالة لو ترك تحريك اللسان رأيت كأن الكلمة جارية على لسانك ثم تنظر ما يفتح عليك مما فتح مثله على الأنبياء و الأولياء .
قلت : و هذا أمر لا أتعجب أنا فيه من الموصي به و إنما أتعجب من الذي قبله مع معرفته و فهمه .
و هل يقطع الطريق بالإعراض عن تلاوة القرآن ؟ و هل فتح للأنبياء ما فتح بمجاهدتهم و رياضيتهم ؟ و هل يوثق بما يظهر من هذه المسالك ؟ .
ثم ما الذي يفتح ؟ أثم اطلاع على علم الغيب أم هو وحي ؟ .
فهذا كله من تلاعب إبليس بالقوم .
و ربما كان ما يتخايل لهم من أثر الماليخوليا أو من إبليس .
فعليك بالعلم و انظر في سير السلف هل فعل أحد منهم من هذا شيئا ؟ أو أمر به ؟ .
إنما تشاغلوا بالقرآن و العلم فدلهم على إصلاح البواطن و تصفيتها .
نسأل الله D علما نافعا للعدو مانعا إنه قادر