258 - ـ فصل : رجاء الرحمة .
تأملت على الخلق و إذا هم في حالة عجيبة يكاد يقطع معها بفساد العقل .
و ذلك أن الإنسان يسمع المواعظ و تذكر له الآخرة فيعلم صدق القائل فيبكي و ينزعج على تفريطه و يعزم على الإستدلاك ثم يتراخى عمله بمقتضى ما عزم عليه .
فإذا قيل له : أتشك فيما وعدت به ؟ قال : لا و الله فيقال له : فاعمل فينوي ذلك ثم يتوقف عن العمل و ربما مال إلى لذة محرمة و هو يعلم النهي عنها .
و من هذا الجنس تأخر الثلاثة الذين خلفوا و لم يكن لهم عذر هم يعلمون قبح التأخر و كذلك كل عاص فتأملت السبب مع أن الإعتقاد صحيح و الفعل بطىء فإذا له ثلاثة أسباب : .
أحدها : رؤية الهوى العاجل فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه .
و الثاني : التسويف بالتوبة فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير فربما هجم الموت و لم تحصل التوبة .
و العجب ممن يجوز سلب روحه قبل مضي ساعة و لا يعمل على الحزم غير أن الهوى يطيل الأمد و قد قال صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم : [ صل الصلاة مودع ] و هذا نهاية الدواء لهذا الداء فإنه من ظن أنه لا يبقى إلى الصلاة أخرى جد و اجتهد .
و الثالث : رجاء الرحمة فيرى العاصي يقول : ربي رحيم و ينسى أنه شديد العقاب و لو علم أن رحمته ليست رقة إذ لو كانت كذلك لما ذبح عصفورا و لا آلم طفلا و عقابه غير مأمون فإن شرع قطع اليد الشريفة بسرقة خمسة قراريط .
فنسأل الله D أن يهب لنا حزما يبت المصالح جزما