257 - ـ فصل : المباحات تشغل عن تحصيل الفضائل .
أشد الناس جهلا منهوم باللذات و اللذات على ضربين : مباحة و محظورة فالمباحة لا يكاد يحصل منها شيء إلا بضياع ما هو مهم من الدين فإذا حصلت منها محبة قارنها قنطار من الهم ثم لا تكاد تصفو في نفسها بل مكدراتها ألوف .
فإذا صور عدمها بعد انقضائها و بقاء هذه الألوف المكدرة صار التصوير مغلصما للهوى مجرئا للنفس .
فإذا أنفت أنفت من الأسف على الدوام ما لا تحويه صفة فهي تغر الغمر و تهدم العمر و تديم الأسى .
و مع هذا فالمنهوم كلما عب من لذة طلب أختها و قد عرف جناية الأولى و خيانتها .
و هذا مرض العقل و داء الطبع فلا يزال هذا كذلك إلى أن يختطف بالموت فيلقى على بساط ندم لا يستدرك .
فالعجب ممن همته هكذا مع قصر العمر ثم لا يهتم بآخرته التي لذتها سليمة من شامت منزهة عن معائب دائمة الأمد باقية ببقاء الأبد .
و إنما يحصل تقريب هذه بإبعاد تلك و عمران هذه بتخريب تلك .
فواعجبا لعاقل حصيف حسن التدبير فاته النظر في هذه الأحوال و غفل عن التمييز بين هذين الأمرين .
و إن كانت اللذة معصية إنضم إلى ما ذكرناه عار الدنيا و الفضيحة بين الخلق و عقوبة الحدود و عقاب الآخرة و غضب الحق سبحانه .
بالله إن المباحات تشغل عن تحصيل الفضائل فذم ذلك لبيان الحزم .
فكيف بالمحرمات التي هي غاية الرذائل ؟ .
نسأل الله D يقظه تحركنا إلى منافعنا و تزعجنا عن خوادعنا إنه قريب