291 - ـ فصل : الزهد بلا إخلاص .
تأملت على متزهدي زماننا أشياء تدل على النفاق و الرياء و هم يدعون الإخلاص .
منها أنهم يلتزمون زاوية فلا يزورون صديقا و لا يعودون مريضا و يدعون أنهم يريدون الانقطاع عن الناس اشتغالا بالعبادة .
و أنما هي إقامة نواميس ليشار إليهم بالانقطاع إذ لو مشوا بين الناس زالت هيبتهم .
و ما كان الناس كذلك [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعود المريض و يشتري الحاجة من السوق ] و أبو بكر Bه يتجر في البز و أبو عبيدة بن الجراح يحفر القبور و أبو طلحة أيضا و ابن سيرين يغسل الموتى و ما كان عند القوم إقامة ناموس .
و أصحابنا يلزمون الصمت بين الناس و التخشع و التماوت و هذا هو النفاق .
فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار و بين الناس و يبكي بالليل .
و قد رأيت من المتزهدين من يلزم المسجد و يصلي فيجتمع فيصلون الناس بصلاته ليلا و نهارا و قد شاع هذا له فتقوى نفسه عليه بحب المحمدة .
و النبي صلى الله عليه و سلم قال في صلاة التطوع : [ اجعلوا هذه في البيوت ] .
و في أصحابنا من يظهر الصوم الدائم و يتقوت بقول الناس : فلان ما يفطر أصلا .
و هذا الأبله ما يدري أنه لأجل الناس يفعل ذلك لولا هذا كان يفطر و الناس يرونه يومين أو ثلاثة حتى يذهب عنه ذلك الاسم ثم يعود إلى الصوم .
و قد كان إبراهيم بن أدهم إذا مرض يترك عنده من الطعام ما يأكله الأصحاء .
و رأيت في زهادنا من يصلي الفجر يوم الجمعة بالناس و يقرأ المعوذتين و المعنى قد ختمت ! .
فإن هذه الأعمال هي صريحة في النفاق و الرياء .
و فيهم من يأخذ الصدقات و هو غني و لا يبالي أخذ الظلمة أو من أهل الخير و يمشي إلى الأمراء يسألهم و هو يدري من أين حصلت أموالهم .
فالله الله في إصلاح النيات فإن جمهور هذه الأعمال مردود .
قال مالك بن دينار : [ و قولوا لمن لم يكن صادقا لا يتعنى ] .
و ليعلم المرائى أن الذي يقصده يفوته و هو التفات القلوب إليه .
فأنه متى لم يخلص حرم محبة القلوب و لم يلتفت إليه أحد و المخلص محبوب .
فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه لما فعل .
و كم رأينا من يلبس الصوف و يظهر النسك لا يلتفت إليه و آخر يلبس جيد الثياب و يبتسم و القلوب تحبه .
نسأل الله D إخلاصا يخلصنا و نستعيد به من رياء يبطل أعمالنا إنه قادر