292 - ـ فصل : ليس لك من الأمر شيء .
من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف فإنه موضوع على عكس الأغراض .
فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض فإن دعا و سأل بلوغ غرض تعبد الله بالدعاء فإن أعطى مراده شكر و إن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض و ليقل لنفسه { و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم } .
من أعظم الجهل أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه و ربما إعترض في الباطن أو ربما قال : حصول غرضي لا يضر و دعائي لم يستجب .
و هذا كله دليل على جهله و قلة إيمانه و تسليمه للحكمة .
و من الذي حصل له غرض ثم لم يدرك ؟ .
هذا آدم طاب عيشه في الجنة و أخرج منها .
و نوح سأل في إبنه فلم يعط مراده و الخليل إبتلى بالنار و إسماعيل بالذبح و يعقوب بفقد الولد ويوسف بمجاهدة الهوى و أيوب بالبلاء و داود و سليمان بالفتنة وجميع الأنبياء على هذا و أما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه و سلم من الجوع و الأذى و كدر العيش فمعلوم .
فالدنيا و ضعت للبلاء فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر و أن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف و ما لم يحصل فعلى أصل الخلق و الجبلة للدنيا كما قيل : .
( طبعت على كدر و أنت تريدها ... صفوا من الأقذاء و الأكدار ) .
( و مكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار ) .
و ها هنا تتبين قوة الإيمان و ضعفه فليستعمل المؤمن من أدوية هذا المرض التسليم للمالك و التحكيم لحكمته .
و ليقل قد قيل لسيد الكل : { ليس لك من الأمر شيء } .
ثم ليسل نفسه بأن المنع ليس عن بخل و إنما هو لمصلحة لا يعلمها و ليؤجر الصابر عن أغراضه و ليعلم الله الذين سلموا و رضوا .
و إن زمن الإبتلاء يسير و الأغراض مدخر تلقى بعد قليل و كأنه بالظلمة قد إنجلت و بفجر الأجر قد طلع و متى إرتقى فهمه إلى أن ما جرى مراد الحق سبحانه إقتضى إيمانه أن يريد ما يريد و يرضى بما يقدر إذ لو لم يكن كذلك كان خارجا عن حقيقة العبودية في المعنى .
و هذا أصل ينبغي أن يتأمل و يعمل عليه في كل غرض إنعكس