334 - ـ فصل : فلينظر أحدكم من يخالل .
رأيت نفسي تأنس بخلطاء نسميهم أصدقاء فبحثت بالتجارب عنهم فإذا أكثرهم حساد على النعم و أعداء لا يسترون زلة و لا يعرفون لجليس حقا و لا يواسون من مالهم صديقا .
فتأملت الأمر فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل له شيئا يأنس به فهو يكدر عليه الدنيا و أهلها ليكون أنسه به .
ينبغي أن يعد الخلق كلهم معارف ليس فيهم صديق بل تحسبهم أعداء .
و لا تظهر سرك لمخلوق منهم و لا تعدن من يصلح لشدة لا ولدا و لا أخا و لا صديقا .
بل عاملهم بالظاهر و لا تخالطهم إلا حالة الضرورة بالتوقي لحظة .
ثم أنفر عنهم و أقبل على شأنك متوكلا على خالقك .
فإنه لا يجلب الخير سواه و لا يصرف السوء إلا إياه .
فليكن جليسك و أنيسك و موضع توكلك و شكواك .
فإن ضعف بصرك فإستغث به و إن قل يقينك فسله القوة .
و إياك أن تميل إلى غيره فإنه غيور و أن تشكو من أقداره فربما غضب و لم يعتب .
أوحى الله D إلى يوسف عليه السلام : [ من خلصك من الجب ؟ من فعل ؟ من فعل ؟ قال : أنت ] .
قال : فلم ذكرت غيري ؟ فلأطيلن حسبك أو كما قال .
هذا و إنما تعرض يوسف عليه السلام بسبب مباح { اذكرني عند ربك } { و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } .
و ما أعرف العيش إلا لمن يعرفه و يعيش معه و يتأدب بين يديه في حركاته و كلماته كأنه يراه .
و يقف على باب طرفه حارسا من نظرة لا تصلح و على باب لسانه حافظا له من كلمة لا تحسن و على باب قلبه حماية لمسكنه من دخول الأغيار .
و يستوحش من الخلق شغلا به و هذا يكون على سيرة الروحانيين .
فأما المخلط فالكدر غالب عليه و المحق لا يطلب إلا الأرفع .
قال القائل : .
( ألا لا أحب السير إلا مصاعدا ... و لا البرق إلا أن يكون يمانيا )