38 - ـ فصل : لا تجزع إذا تأخرت إجابة الدعاء .
رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب فيكرر الدعاء و تطول المدة و لا يرى أثرا للإجابة فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر .
و ما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب و لقد عرض لي من هذا الجنس فإنه نزلت بي نازلة فدعوت فلم أر الإجابة فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده .
فتارة يقول : الكلام واسع و البخل معدوم فما فائدة تأخير الجواب ؟ .
فقلت له : إخسأ يا لعين فما أحتاج إلى تقاضي و لا أرضاك وكيلا .
ثم عدت إلى نفسي فقلت : إياك و مساكنة وسوسته فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو لكفي في الحكمة .
قالت : فسلني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة .
فقلت : قد ثبت بالبرهان أن الله D مالك و للمالك التصرف بالمنع والعطاء فلا وجه الاعتراض عليه .
و الثاني : أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة فربما رأيت الشيء مصلحة و الحكمة لا تقتضيه و قد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة فلعل هذا من ذاك .
و الثالث : أنه قد يكون التأخير مصلحة و الاستعجال مضرة و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل يقول دعوت فلم يستجب لي .
الرابع : أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك فربما يكون في مأكولك شبهة أو قلبك وقت الدعاء في غفلة أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه .
فابحثي عن بعض هذه الأسباب لعلك تقفي بالمقصود كما روى عن أبي يزيد Bه : أنه نزل بعض الأعاجم في داره فجاء فرأه فوقف بباب الدار و أمر بعض أصحابه فدخل فقلع طينا جديدا قد طينه فقام الأعجمي و خرج فسئل أبو يزيد عن ذلك فقال : [ هذا الطين من وجه شبهة فلما زالت الشبهة زال صاحبها ] .
و عن إبراهيم الخواص C عليه أنه خرج لإنكار منكر فنبحه كلب له فمنعه أن يمضي فعاد ودخل المسجد و صلى ثم خرج فسئل فبصبص الكلب له فمضى و أنكر فزال المنكر .
فسئل عن تلك الحال فقال : [ كان عندي منكر فمنعني الكلب فلما عدت تبت من ذلك فكان ما رأيتم ] .
و الخامس : أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب فربما كان في حصوله زيادة إثم أو تأخير عن مرتبة خير فكان المنع أصلح .
و قد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو فهتف به هاتف : [ إنك إن غزوت أسرت و إن أسرت تنصرت ] .
و السادس : أنه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب و اللجأ و حصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول .
و هذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ .
فالحق D من الخلق اشتغالهم بالبر عنه فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيسون به فهذا من النعم في طي البلاء .
و إنما البلاء المحض ما يشغلك عنه فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك .
و قد حكي عن يحي البكاء أنه رأى ربه D في المنام فقال : [ يارب كم أدعوك و لا تجيبني ] ؟ فقال : [ يا يحي إني أحب أن أسمع صوتك ] .
و إذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل أو اعتزار من زلل أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب