53 - ـ فصل : خطر الرفاهية .
تأملت مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر و البرد فرأيتها تعكس المقصود في باب الحكمة و إنما تحصل مجرد لذة و لا خير في لذة تعقب ألما .
فأما في الحر فإنهم يشربون الماء المثلوج و ذلك على غاية في الضرر و أهل الطب يقولون : إنه يحدث أمراضا صعبة يظهر أثرها في وقت الشيخوخة و يضعون الخيوش المضاعفة و في البرد يصنعون اللبود المانعة للبرد .
و هذا من حيث الحكمة يضاد ما وضعه الله تعالى فإنه جعل الحر لتحلل الأخلاط و البرد لجمودها فيجعلون هم جميع السنة ربيعا فتنعكس الحكمة التي وضع الحر و البرد لها و يرجع الأذى على الأبدان .
و لا يظنن سامع هذا أني آمره بملاقاة الحر و البرد .
و إنما أقول له : لا يفرط في التوقي بل يتعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط إلى حد لا يؤثر في القوة و في البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي فإن الحر و البرد لمصالح البدن .
و قد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر و البرد فتغيرت حالته فمات عاجلا و قد ذكرت قصته في كتاب لقط المنافع في علم الطب