وكان قد سمع من ابن بطة كثيراً وصحبه وسمع من غيره . وكان إذا ذكر المتنبي قال : قال ابن عيدان بكسر العين المهملة والياء آخر الحروف ساكنة ؛ وفي شعر ابن عيدان كذا . وكان زاهداً عرف الناس منه ذلك وإلا كانوا رموه بالحجارة لهيئته . وكان يخرج من داره وقد اجتمع على بابه من أولاد الرؤساء جماعة فيمشي ويغدون معه يميناً وشمالاً يلقي على هذا مسألة وعلى هذا مسألة . وكان يتكبر على أولاد الأغنياء وإذا رأى الطالب غريباً أقبل عليه . وكان متعصباً لمذهب أبي حنيفة وكان محترماً فيما بين أصحابه . وكان يعجبه الباذنجان ويقول في تفضيله : إن الناس يأكلونه ثمانية أشهر في العام وهم أصحاء ولو أكلوا الرمان أربعة أشهر فلجوا . ولما ورد الوزير عميد الملك الكندري إلى بغداد استحضر ابن برهان فأعجبه كلامه وعرض عليه مالاً فلم يقبل له شيئاً فأعطاه مصحفاً بخط ابن البواب وعكازاً حملت إليه من بلد الروم مليحة فأخذهما وعبر إلى منزله فدخل أبو علي ابن الوليد المتكلم فأخبره بالحال فقال له : أنت تحفظ القرآن وبيدك عصاً تتوكأ عليها فلم تأخذ شيئاً فيه شبهة ؟ فنهض ابن برهان ودخل على قاضي القضاة أبي عبد الله ابن الدامغاني وقال له : لقد كدت أهلك حتى نبهني أبو علي ابن الوليد وهو أصغر مني سناً وأريد أن تعيد هذه العكازة وهذا المصحف على عميد الملك فيما يصحباني ! .
فأخذهما وأعادهما إليه . وكان مع ذلك يحب المليح مشاهدة وإذا حضر أولاد الأمراء والأتراك وأرباب النعم يقبلهم بمحضر من آبائهم ؛ ولا ينكرون عليه ذلك لعلمهم بدينه وورعه . وكان يقول : لو كان علم الكيمياء حقاً لما احتجنا إلى الخراج ولو كان علم الطلاسم حقاً لما احتجنا إلى الجند ولو كان علم النجوم حقاً لما احتجنا إلى الرسل والبريد . وكان يحضر حلقته فتى مليح الوجه فانقطع عنه فسأل عنه فقيل له : إن عميد الملك اعتقل والده فانحدر إلى بابا المراتب فصادف الكندري فحين رآه أقبل عليه مسلماً ووقف والعالم حوله فقال له ابن برهان : .
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم .
ولم يزده على ذلك فوجم الكندري وسأل عمن في حبسه فأخبر بالجل وأن ابنه يغشى مجلس الشيخ للاقتباس فأطلقه ووهبه ما عليه وكان ثمانية عشر ألف دينار .
ومن شعر ابن برهان : .
أحبتنا بأبي أنتم ... وسقياً لكم أينما كنتم .
أطلتم عذابي بميعادكم ... وقلتم نوزر وما زرتم .
فإن لم تجودوا على عبدكم ... فإن المعوي به أنتم .
الكاتب .
عبد الواحد بن علي بن محمد الكاتب . رجل فاضل . صنف كتاب القضاة .
شمس الدين الحنبلي .
عبد الواحد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد . شمس الدين القرشي . الحنبلي . أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه ؛ قال : كان المذكور موصوفاً بالصلاح ويذكر عنه أنه يجتمع بالخضر عليه السلام .
لما سافر عن جبل لبنان واشتاق إليه أنشد لنفسه : .
لعلك يا نسيم صبا زرود ... تعود فقد ذوى للبين عودي .
ويا نفحات أنفاس الخزامى ... على المشتاق من لبنان عودي .
قال : وأسمع الحديث وسمعنا عليه . وكان مقيماً بالحكر .
ابن أبي هاشم المقرئ .
عبد الواحد بن عمر بن محمد ابن أبي هاشم يسار . أبو طاهر . كان بزازاً . وكان أعلم خلق الله بعلوم القرآن ؛ ووجوه القراءات . وله مصنفات في ذلك لم ير بعد ابن مجاهد مثله . وكان ينتحل في النحو مذهب الكوفيين ؛ وهو من أهل باب البصرة . قرأ على ابن كجاهد وعلى أبي العباس ابن سهل الأشناني . وقرأ على ابن درستويه بعض كتب سيبويه . وحدث عن جعفر القباب ومحمد بن عباس الزيدي ووكيع القاضي .
قال عبد الله بن محمد بن عبد الله الشاهد ؛ كنت يوماً مع ابن أبي هاشم المقرئ ؛ وكان أستاذي ؛ فاجتزنا بمقابر الخيزران فوقف عليها ساعة ثم التفت إلي وقال : يا أبا القاسم ! .
ترى لو وقفوا هؤلاء هذه المدة الطويلة على باب ملك الروم ما رحمهم ؟ فكيف تظن بمن هو أرحم الراحمين ؟ ! .
وبكى .
الزواق .
عبد الواحد بن فتوح الزواق ؛ وبعض الناس يقول فيه المنبز . وهو كتامي نشأ بتونس وبها تأدب