باب في فرق بين الحقيقة والمجاز .
الحقيقة : ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة . والمجاز : ما كان بضد ذلك .
وإنما يقع المجاز ويُعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة وهي : الاتساع والتوكيد والتشبيه . فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة .
فمن ذلك قول النبي في الفرس : هو بحر . فالمعاني الثلاثة موجودة فيه . أما الاتساع فلانه زاد في أسماء الفرس التي هي فرس وطرف وجواد ونحوها البحر حتى إنه إن احتيج إليه في شعر أو سجع أو اتساع استعمل استعمال بقية تلك الأسماء لكن لا يُفضى إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة . وذلك كأن يقول الشاعر : .
( عَلوتَ مَطَا جوادِك يوم يوم ... وقد ثُمد الجياد فكان بحرا ) .
وكأن يقول الساجع : فرسك هذا إذا سما بغرنه كان فجرا وإذا جرى إلى غايته كان بحرا ونحو ذلك . ولو عرى الكلام من دليل يوضح الحال لم يقع عليه بحر لما فيه من التعجرف في المقال من غير إيضاح ولا بيان . ألا ترى أن لو قال رأيت بحرا وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه فلم يجز قوله لأنه إلباس وإلغاز على الناس