وعلى منوال الاستثناء الأول الذي هو العمدة في هذا الباب نظم أصحاب البديعيات وهو إخراج القليل من الكثير بزيادة معنى بديع يزيد على معنى الاستثناء فبيت الشيخ صفي الدين الحلي .
( فكل ما سر قلبي واستراح به ... إلا الدموع عصاني بعد بعدهم ) .
فبيت صفي الدين هنا غير خال من العقادة ومراده فيه أن كل شيء كان يسره قبل الفراق ويطيعه عصاه إلا الدموع فإنها أطاعته .
ومعنى هذه الزيادة اللطيفة لا يخفى على أهل الذوق .
والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين .
( الناس كل ولا استثناء لي عذروا ... إلا العذول عصاني في ولائهم ) .
مراد عز الدين في زيادة معناه على معنى الإستثناء أن عذوله خالف الإجماع .
وبيت بديعيتي .
( عفت القدود فلم أستثن بعدهم ... إلا معاطف أغصان بذي سلم ) .
قال الله تعالى ( كل حزب بما لديهم فرحون ) هذا البيت ما أعلم أنني إذا أطنبت في وصفه يكون الإطناب لشدة فرحي به لكونه نظمي أو لأن الأمر على حقيقته .
فإن زيادة معناه على معنى الاسثتناء وغرابة أسلوبه وشرف نسيبه وحسن انسجامه وسهولة ألفاظه ومراعاة نظيره لا تخفى على المنصف من أهل الأدب .
وأما ترشيح تورية الاستثناء بذكر القدود والمعاطف فإنه من النسمات التي حركت القدود والمعاطف والتكميل بذي سلم لكون القصيدة نبوية في غاية الكمال .
والذي أقوله إنه ما يدخل نظر المتأمل إلى بيت أعمر منه في هذا الباب والله أعلم بالصواب