والفرق بين الإيغال والتتميم أن التتميم يأتي إلى المحتاج فيتممه كقول الشاعر وقد تقدم .
( أناس إذا لم يقبل الحق منهم ... ويعطوه غاروا بالسيوف القواضب ) .
فإن المعنى بدون قوله ويعطوه ناقص والإيغال لا يرد إلا على المعنى التام فيزيده كمالا ويفيد فيه معنى زائدا غير أن بين الإيغال والتكميل تجاذبا يكاد أن ينتظم كل منهما في سلك الآخر ولكن رأيت الناس قد سلموا إلى قدامة ما اختاره وفرعه هنا فمشيت مع الناس واستشهدوا على الإيغال بقوله تعالى ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) فإن الكلام تم بقوله تعالى ( ومن أحسن من الله حكما ) ثم احتاج الكلام إلى فاصلة تناسب القرينة الأولى فلما أتى بها أفاد معنى زائدا قلت ولعمري لو طلب التكميل حقه من هذا الشاهد لم يمنعه الذوق السليم ومثله قوله تعالى ( ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ) فإن المعنى تم بقوله تعالى ( ولا تسمع الصم الدعاء ) ثم أراد وهو أعلم إتمام الكلام بالفاصلة فقال ( إذا ولوا مدبرين ) .
وقد حكي عن الأصمعي أنه سئل من أشعر الناس فقال الذي يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كثيرا وينقضي كلامه قبل القافية فإن احتاج إليها أفاد معنى زائدا فقيل له نحو من فقال نحو الفاتح لأبواب المعاني وهو امرؤ القيس حيث قال .
( كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب ) ومثله قول زهير .
( كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم ) .
فكلام امرىء القيس انتهى إلى وله الجزع وزيادة المعنى في قوله الذي لم يثقب ولا يخفى على حذاق الأدب ما فيها من المحاسن ومعنى قول زهير انتهى في